فيديو
الايمان بالقضاء والقدر واثره في سلوك الفرد للشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان
.. المزيد
عن الشيخ
لم  يكتِّب  الشيخ عبدالكريم زيدان رحمه الله سيرته الذاتية بكتاب جامع لها, ولم يكن يكترث كثيرا لهذا (رحمه الله), ولكن شاء الله ان يقوم باحث في جامعة الازهر الشريف بتسجيل رسالة دكتوراه بعنوان (جهود د. عبدالكريم زيدان في خدمة الدعوة الاسلامية), وكان من متطلبات رسالته هذه ان يخصص فصل كامل فيها عن حياة الشيخ, فوجه هذا الباحث اسئلة كثيرة للشيخ أرسلها له الى صنعاء - حيث كان يقيم آنذاك – واجاب الشيخ عنها في حينها .. المزيد
حكم محاكاة القران
حكم محاكاة القرآن في غير ما نزل فيه  (استخدام الآيات القرآنية بصورة غير مناسبة في المقالات الصحفية) سؤال: إحدى الصحف نشرت في مقال لها ما نصه: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب البيض... ألم يجعل كيدهم في تقويض، وأرسل عليهم صقور التوحيد، وفهودا سمراً صناديد، فجعلهم في منفى أشتاتا رعاديد)  فما قولكم في مثل هذا الكلام؟ الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، أم .. المزيد

المؤلفات --> البحوث الفقهية

حكم عقد التَّأْمِيْن في الشريعة الإسلامية

بحث القاه الشيخ عبدالكريم زيدان ارتجالا, وقام بنقله كتابة تلميذه الدكتور أحمد بن محمد بن إسماعيل الجهمي المصباحي. نُشر هذا البحث مع مجموعة اخرى في كتاب بعنوان "مجموعة بحوث فقهية معاصرة" عام 2011 ضمن مجموعة كثيرة من البحوث حول قضايا يعيشها المسلم في الوقت الحاضر.

 

1) تمهيد: عقد التأمين بصورته الحالية, عقد جديد ولذلك لم يتطرق إليه الفقهاء الماضون, إلا أن هذا لا يمنع من التعرف على حكمه الشرعي لأن للشريعة حكماً في كل واقعة تحدث من هذه الوقائع الجديدة (العقود الجديدة).

والأسلوب الصحيح لمعرفة العقد الجديد أن نعرف محتوياته ونعرضها على معاني الشريعة وقواعدها ومبادئها فما وافقها أو على - الأقل لم يخالفها - كان مقبولاً سائغاً, على أساس أن الأصل في العقود أو الشروط الإباحة, وهذه القاعدة معتبرة مادام هذا العقد لا يخالف معاني الشريعة وأحكامها. وعلى هذا النهج نبحث في حيثيات عقد التأمين لنتعرف على حكمه الشرعي وما نصل إليه, أو يصل غيرنا إليه لا شك أنه على سبيل الاجتهاد, وقد يقرب أو يبعد عن الصحة, فيكون الترجيح لما هو أشبه من العقود والمبادئ الشرعية، وقد تقرب بعض الاجتهادات من الشرع ويبعد ما يخالفها بعداً كبيراً بحيث يمكن القول بعدم جواز هذا الاجتهاد المخالف لأنه يكون من قبيل الاجتهاد الشاذ وعلى هذا الأساس نحاول التعرف على حكم هذا العقد الجديد. وقبل البدء في مساعي التعرف على حكمه لابد من بيان ماهيته لأن تصور الشيء ومعرفة ماهيته يسبق التعرف على حكمه.

2) تعريف التأمين

التأمين لغة: من الأمن ضد الخوف حيث يعطي هذا العقد الأمن، ويراد به طمأنينة النفس وسكونها بتوفر أسباب الطمأنينة، وعقد التأمين هو الذي يحاول أن يعطي الطمأنينة والأمان لمن يريده ويكون طرفاً فيه.

وفي الاصطلاح القانوني: هو عقد بين طرفين، الأول يسمى (المؤمن)، والثاني يسمى (المؤمن له) بمقتضاه يحصل (المؤمن له) على تعهد لصالحه أو لصالح غيره من المؤمن إذا ما حدث حادث معين وبمقتضى هذا التعهد يلتزم (المؤمن) بتقديم أداء معين إلى (المؤمن له) لقاء قسط أو أقساط معينة يؤديها (المؤمن له) إلى (المؤمن) في الأوقات المتفق عليها.

3) عناصر عقد التأمين:

وفي ضوء هذا التعريف تتكون عناصر التأمين من:

   أ‌ -  المُؤمِّن.

   ب - المُؤمَّن له.

   ج - التعهد من المُؤمِّن بأداء مبلغ معين أو أداء معين.

  د- الحادث أو الخطر الذي إذا وقع يقوم المؤمن بتنفيذ التزامه.

   هـ- الأقساط التي يتعهد المؤمن له بدفعها إلى المؤمن.

4) صفة هذا العقد

يقول القانونيون إنه من عقود المعاوضات, وبعضهم قال إنه من العقود الاحتمالية (عقود الغَرَر), واخرين قالوا هو من العقود الملزمة للطرفين.

5) أما كونه من عقود المعاوضات فهذا ثابت من جهة أن كل طرف يأخذ مقابل ما يعطي, فالمُؤمَّن له يعطي القسط ويأخذ مقابل ذلك ما التزم به المُؤمِّن من أداء معين كما أن المُؤمِّن يعطي ما التزم به للمُؤمَّن له ويأخذ مقابل ذلك القسط الذي التزم بأدائه له المُؤمَّن له (المستأمن: طالب الأمان).

6) أما كونه من العقود الاحتمالية (الغَرَر) فلأن الشأن في عقود الغرر جهالة كل طرف ما يأخذ وما يعطي وهذا ظاهر في عقد التأمين, فالمُؤمَّن له لا يعرف هل سيأخذ ما التزم به المُؤمِّن أو لا؟ و المُؤمِّن سيأخذ الأقساط ولكن لا يعلم هل سيدفع ما التزم به أو لا؟ ؛ لأن ما التزم به معلق على حدوث الخطر (الحدث) المنصوص به في التأمين وهو آية الغرر في العقود.

7) وأما كونه ملزماً للطرفين فواضح أيضاً فلا يمكن لواحد من الطرفين أن يتحلل مما التزم به في العقد وهذا علامة العقود الملزمة للطرفين.

8) وهناك من أباحه بإطلاق , وهناك من حرمه بإطلاق, ومن أباح بعضه, كاستثناء بعضهم العقد التعاوني وهو غير منتشر، والمشهور في عقود التأمين هو المسمى بـ(عقد التأمين التجاري) أو (عقد التأمين ذي القسط المحدد) ويكون المؤمن عادة شركة تتولى إبرام العقود وغايتها من ذلك الربح.

9) أنواع عقد التامين التجاري

   أ. تأمين الأشخاص: ومن أكثر صوره التأمين على الحياة, وصورته أن يتقدم شخص إلى الشركة لإبرام هذا العقد معها ويقوم عادة على تحديد مبلغ معين يقدمه (المستأمن) على أقساط دورية في مواعيد معينة، ولمدة محددة كعشر سنوات أو عشرين سنة فإذا انتهت المدة وبقي المستأمن حياً ردت إليه الشركة ما دفعه من أقساط مع فوائده ويجوز دون فوائد إذا اتفق الطرفان. وإذا توفي المستأمن قبل انتهاء المدة فإن الشركة تلتزم بدفع مبلغ التأمين بتمامه وكماله إلى ورثة المستأمن أو من يعينه في حياته حتى ولو لم يدفع إلا قسطاً واحداً.

   ب. التأمين على ما يصيب بدن الإنسان المستأمن من حوادث لا تؤدي به إلى الوفاة كفقد ساقه أو يده أو نحو ذلك من أجزاء بدنه.

والفرق بينه وبين التأمين على الحياة هو أن التأمين على الحياة تأمين كلي على جميع بدن الإنسان وبقائه حياً لمدة معينة, فإذا فات هذا المطلوب وجب على الشركة دفع المبلغ بتمامه.

وأما النوع الثاني المتعلق بعضو من أعضائه فإن أصيب هذا العضو, التزمت الشركة بدفع المبلغ عند إصابة هذا العضو المعين.

   ج. التأمين على الأموال: كتأمين الشخص على داره من الحريق أو الهدم أو نحو ذلك مما يؤدي إلى تلفه, أو التأمين على موجودات التاجر في متجره أو التأمين على البضاعة أثناء نقلها براً أو بحراً أو جواً من مكان إلى آخر ويكون عقد التأمين بأن يدفع المستأمن أقساطاً دورية أما في التأمين دفعة واحدة. كتأمين التاجر على بضاعته المشتراة من أوروبا لقاء نقلها إلى وطنه مقابل مبلغ يدفعه مرة واحدة فإذا وقع الخطر لزم على الشركة دفع المؤمن عليه وإذا لم يقع فإن الشركة لا تدفع شيئاً من الأقساط التي استلمتها من المستأمن.  

   د. التأمين من المسئولية: وهو أن تتحمل الشركة المسئولية المالية عن الأضرار التي يسببها المستأمن على الغير بخطئه كتأمين أصحاب السيارات فيما يقع لهم من أخطاء تضر بالآخرين أو تأمين الأشخاص الذين يقومون بأعمال قد تضر الآخرين وهم في مهنهم وحرفهم.

10) وهذا التأمين – تأمين المسؤولية - بجميع أنواعه يلاحظ فيه ما ذكرناه من معنى الضرر والاحتمال وكونه من عقود الاحتمالات وهذا هو حجة المحرمين له, ويبينون ذلك فيقولون إن الغرر موجود فالمستأمن لا يدري كم يدفع حتى يأخذ مبلغ التأمين, فقد يدفع قسطاً أو اثنين كما أن الشركة لا تعلم هل تدفع أو لا؟ وفيه ايضاً شبهة الربا لأن الربا (ربا فَضل) ويكون بالمعاوضات في الأموال الربوية الستة (الذهب، الفضة، البر، الشعير، الملح، التمر) وهذه الأصناف لا يجوز التبادل بها إلا يداً بيد, مثلاً بمثل, فإن لم يحصل ذلك وقعا في ربا الفضل, كما لو تبادل أحدهم مع الآخر (حنطة بحنطة مختلفتين جودة ورداءة) ويشترط التقابض دون مماثلة في المختلفين (كيلو بر مع 2 كيلو تمر). وربا النسيئة في النقود بشرط أن يرد له أكثر مما أعطاه لأن الزيادة في مقابل المال ووجه ذلك أن يدفع (100 ريال) فيأخذ أضعاف المبلغ. وفيه كذلك معنى الميسر أو القمار وهو حرام بنص القرآن ومعنى القمار أن يأخذ أحد اللاعبين مالاً من غير مقابل (فلا تجارة معتادة) وربح وخسران بمجرد حدوث حدَث لا إرادة له في وقوعه، وهذا المعنى موجود لأن المستحق يستحق بدل التأمين عند حدث لا دخل له فيه كغرق سفينة ولا علاقة للمؤمن في حدوثه أو منعه ومن أجل ذلك حرمه جماعة ولم يستثنوا.

11) حجج المبيحين

استدلوا بجملة أدلة رأوها صالحة في نظرهم للقول بجميع أنواعه نذكر منها

   1- 
الأصل في العقود والشروط الحل ولا يحرم إلا ما نص عليه وحيث لا نص بتحريمه فيبقى على أصل الإباحة.

   2-  أصبح التأمين شيئاً مألوفاً معتاداً, وحيث أن للعرف مكانة فيقتضي القول بجوازه, ومادام الناس قد ارتضوه فلا معنى لتحريمه مع الرضا.

   3- المصلحة دليل لحِل العقد, وهو أصل من أصول الشريعة, وفي ذلك مصلحة للمستأمن من اطمئنانه وحصول الاستقرار النفسي في هذا العقد, لأن يأمن غوائل الأخطار, لوجود العدل من الشركة فينبغي القول بالحِل لهذا العقد.

   4- عقد التأمين يقوم على التعاون, فالجميع يتعاونون ويعطون من المجموع المبلغ المستحق لصاحب الكارثة وهو أمر مرغوب فيه، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [سورة: المائدة-آية 2 ].

   5- ليس  فيه غَرَر, لأن المستأمن يعرف ما يدفع وهو القسط, والذي يأخذه هو الأمان فلا غرر هنا، والغرر القليل يُغتفر كما في عقد الجِعالة, ثم أن الأمان يصلح أن يكون عوضاً مقابل القسط كعقد الحراسة لقاء مبلغ معين وهي إجارة مقابل الحصول على الأمان المتأتي من هذا العقد.

   6-  نظام العاقِلَةٌ, حيث أن العاقلة تتحمل الدية مع الجاني أو دونه, فالشركة مقاسة على العواقل دون عوض، لأن العاقلة تتحمل الدية والشركة تعوض الخسارة.

   7-  عقد الموالاة المأخوذ به في الفقه الحنفي, وهو أن يأتي شخص غير عربي فيسلم فيقول للعربي أنت مولاي ترثني إذا مت وتعقل عني إذا جنيت, فهو يرتب التزامات فيها غرر لكن اغتفر هذا لجهالة وقت الموت.

   8- نظام التقاعد الذي أخذت به الدول الإسلامية حيث أن الدولة تأخذ جزءاً من راتب الموظف فإذا توفى أو أُحيل إلى التقاعد, فتتعهد الدولة بإعطائه مبلغاً معيناً، وقد يكون ما أخذه أكثر مما استقطعته الدولة من راتبه, ولم يقل أحد بعدم جوازه.

   9-  التأمينات الاجتماعية التي تأخذها الدولة من الراتب, فإذا قطع ساقه عوضته الدولة دفعة واحدة أو على شكل مرتبات, ولم يمنع هذا أحد ومثاله ايضا كصاحب المعمل يؤمنهم (أي العمال) ضد البطالة.

12) مقدمة الردود: على المبيحين من العلماء القائلين بالحرمة وهي ردود سليمة ومقبولة فمن جهة المبادئ بنوا احتجاجهم في ثلاثة اتجاهات:

    أ- التشبث بالأصول التي تبنى عليها الأحكام, ويدخل في هذا المصلحة والعرف والضرورة.

   ب- القياس على بعض العقود الشرعية مثل عقد الحراسة والجعالة, ويمكن أيضاً ما ذهب إليه المالكية في الوعد الملزم.

   ج- التشبث بالأنظمة الشرعية كنظام العواقل حيث تلتزم العاقلة بدفع الدية في حالة القتل الخطأ للمنتسب إليها.

13) الرد على حجج القائلين بحل عقود التأمين

    أولاً:الاعتماد على المصلحة: ويراد بها المصلحة المرسلة, والمقصود بها هو ذلك الفعل الذي تترتب عليه منفعة ولكن لا يوجد دليل شرعي يدعو إلى جواز هذا الفعل أو تحريمه, لأنه في حالة وجود دليل الجواز يكون هذا الدليل هو سند جواز هذا الفعل ولا حاجة للذهاب إلى المصلحة, وإن دل الدليل على تحريمه فلا دخل للمصلحة المقبولة. وإذا نظرنا إلى عقد التأمين فإننا نجد أن حيثياته وما خالطها من أشياء محرمة قطعا تدعو إلى عدم القبول بحله بناء على المصلحة لأنه لا مصلحة في الحرام أو الممنوع شرعاً.

    ثانياً:أما التشبث بالعرف والاعتماد عليه فيعتمد بشروط منها:

أن يكون عرفا صحيحاً, والصحيح الذي لا يخالف معنى أو حكماً شرعياً فإن خالفه فلا اعتبار له, لأن العرف بنى اعتباره على أساس قيامه على الرضا الضمني من قبل الناس، والرضا لا يعتبر إذا خالف الشرع, ألا ترى أن التعامل بالربا يبقي محرماً وإن رضي طرفاه به، وفعل الفاحشة يبقى حراما ولو رضي طرفاه، وعقد التأمين في معانيه ومضامينه من شبهة الربا والغرر والميسر ما يمنع القول باعتبار العرف وعادة الناس في التعامل به.

14) وأما التشبث بالحاجة أو بالضرورة فإن الضرورة إنما يجوز الأخذ بها واعتبارها لارتكاب المحرم إذا لم يكن منها بد بحيث إذا لم يأخذ بموجبها يهلك الإنسان, فمن وجد لحماً حلالاً لا يجوز له أكل الميتة لوجود العوض من الحلال، وعقد التأمين لم يصل الحال في تعاطيه إلى حالة الاضطرار بدليل أن الآخذين به هم قلة الناس لا معظمهم ثم أن المستأمن لم يبذل جهداً لإيجاد البديل وإذا كان الموجود من البديل قليلاً أو صعب التحقيق فشأن القليل أن يكثر وشأن الصعب أن يسهل وبالتالي فلا يعتمد على الضرورة والحاجة المنزلة منزلة الضرورة.

15) وبالنسبة للقياس على بعض العقود فالجواب عليه:

أن بعضها بني على أساس القياس, ومن شروط الأخذ بالقياس توافر العلة في المقيس والمقيس عليه وعدم وجود النص بحكم المقيس إلى آخر شروط القياس، وفي مسألة الجعالة أو الحراسة لا يوجد فيهما ما يلزم من قياس صحيح فالجعالة محل العقد فيها معروف وهو العمل الذي يقوم به المجعول له وكونه غير محدود بصورة مضبوطة لا يقدح في صحة هذا المسمى في هذا العقد، كما لا يقدح شيء من عمل الخراز والخياط فنحن لا نستطيع أن نحدد عمل كل منهما، ولكن عمل كل منهما معلوم، والجهالة في مقدار العمل وطبيعته لا يمكن تحديدها, وفي الحراسة موضوع الحراسة عمل الحارس وليس الأمن الذي يحصل عليه المستأجر وعمل الحارس معروف وأما الأمن فهو نتيجة العقد وليس موضوع العقد, لأن موضوع العقد هو عمل الحارس وليس لدى الشركة عمل تقوم به لدى المستأجر حتى نقيس ما تقوم به على ما يقوم به الحارس.

وإدعاء الأمن لا يكون موضوعاً للعقد فقد يكون نتيجة, ومثاله: من يشتري داراً ليسكنها, فالدار هي موضوع العقد, والسكني هو الهدف وليست محلاً للعقد, وفي الحراسة محل العقد عمل الحارس من يقظة وانتباه وقد يصل إليه الأذى في مواجهة السارق, فهو عمل لا أمن يحصل عليه المستأجر والأمن إنما هو ثمرة الحراسة.

16) أما الوعد الملزم وصورته عند المالكية: تزوج وأدفع لك المهر، أو اشتري سيارة وأعطيك كذا، فالمالكية مختلفون في جوازه والقائلون بالجواز يشترطون أن يكون العمل قد باشره الموعود، وفي هذه الحالة ينزل الواعد منزله الواهب وعقد التأمين فيه معاوضة وليس تبرعاً.

وأما قول القائل: اسلك هذا الطريق وأنا ضامن كما هو الحال عند الأحناف فهذا من عقود التبرع، ثم إن من شروطه عدم معرفة الطريق من الموعود، ومعرفة الطريق من الواعد ، فلو كان جاهلاً فعليه التأكد ثم إن الشركة لا تدله على طريق معين فلا يصح هذا القياس عليه.

17) أما الأنظمة: فقد أوجب الإسلام نظام العاقلة وهم الرجال العصبة المناصرون، كما أوجب نظام النفقات والغرم بالنغم، والقياس مع الفارق لأن هذا النظام أوجبه الإسلام والتأمين أحدثه الناس، وأين علاقة النسب فيه؟ وفي العاقلة فائدة لأولياء الدم وعون للقاتل المخطئ, وهذه المعاني غير موجودة في التأمين. فالتشبث بنظام العاقلة المشروع وبالتالي جواز الاتفاق لا يغير حقائق الأشياء, فهو قياس مع الفارق. ووجه هذا الفارق: أن نظام العاقلة مبني على النسب وصلة الرحم المأمور بوصلها, ومن مظاهر هذا الوصل التعاون بين المنتسبين والمرتبطين بها، والقاتل الخاطأ يستحق المعونة؛ لأنه ليس عنده نية إجرامية وإنما لصدور خطأ منه, وحق المخطئ أن يعان, وأحق الناس بمساعدته عاقلته؛ التي يتناصر أفرادها فيما بينهم, ولم يبن على الربح أصلاً وإنما هو مبني على تنفيذ حكم شرعي قائم على صلة الرحم ومعاونة المخطئ والتعاون على البر.

ولا شيء من هذه المعاني في عقود التأمين فلا علاقة نسبية ولا تناصر حيث أن الشركة لا تعرف المستأمن ولا يهمها أخطأ أم لم يخطئ فلا يصح هذا القياس.

18) وأما احتجاجهم بعقد الموالاة (ترثني إذا مت وتعقل عني إذا جنيت) فهو حكم استثنائي، والاستثناء لا يقاس عليه، وهذا النظام يجعل المولى كأنه عضو في أسرة المولى الأعلى لذلك ينسب إلى عشيرته وليست هذه المعاني موجودة في نظام عقد التأمين.

19)  وأما احتجاجهم بالتقاعد: فإن التقاعد مكافأة وجزاء من الدولة لموظفيها الذين خدموها فإذا وصلوا إلى سن الشيخوخة فمن حقهم على الدولة أن ترعاهم فجاز نظام التقاعد، وما تقتطعه منهم فهو جزء يسير وليس فيه معنى الربح هذا ما قاله المحرمون.

20) والذي يبدو لي أن هذا الرد ضعيف, وإنما يمكن أن نرد على المجيزين بأن عقدهم لا ينبغي أن يقاس على نظام التقاعد لأن ما تقتطعه الدولة لا تجعله بمثابة القسط والباقي من راتب الموظف هو راتبه الحقيقي, وقد رضي بذلك, وهذا الجزء رضيت الدولة إعطاءه من تلقاء نفسها للمتقاعد, وما تدفعه الدولة ليس له مقابل بعد تكييف المقتطع, و يكون هذا من باب المكافأة وليس على سبيل المعاوضة، ولأن من واجب الدولة أن تلزم نفسها بالعطايا لموظفيها ليكون هذا كالحافز لهم في أداء وظائفهم فما تعطيه الدولة هو التزام على سبيل التبرع, وواجبها رعاية الناس جميعاً والموظفون من رعاياها.

وهذه المعاني غير موجودة في التأمين، فالشركة لا ترد الأقساط على سبيل الرعاية وإنما هو خالص ربحها فلا يصح هذا القياس.

21) وأما ما تقوم به الهيئات من استقطاعات وعطايا عند الشيخوخة لعمالها فيمكن أن ينزل منزلة ما تفعله الدولة والفرق بينهما أن أرباب العمل يقومون بإلزام الحكومة وما يعطون منها لا يجوز أن تقاس شركات التأمين على ما تفعله الحكومة.

22) والخلاصة من هذا الذي ذكرناه أنه يترجح لنا منه عدم الجواز, وهذه الصور تبعد عن الحِلُّ وتقرب من الحرمة إن لم تقع فيها.

والسؤال ما هو البديل؟

23)  ذهب البعض إلى أن البديل هو التأمين التعاوني وهل يصلح لتغطية الحاجات للراغبين إلى التأمين؟

والرد عليهم :ما هو الفرق بين الصورتين؟ عدم وجود طرف ثالث وهو الشركات, ولا فرق وفيه غرر وشبهة, وما فررتم منه موجود, فهي هبة مشوبة بالعوض فتصبح بيعاً وإن تأخر موعده، وما يجيزه المحرمون وهو التأمين التعاوني لابد من بيان ماهيته.

24) ماهية التأمين التعاوني: هو أن يتفق جماعة من الأشخاص الذين يكتسبون ربحهم من عمل معين, كأصحاب الطيارات والنقل يتفقون فيما بينهم على ربح معين شهري أو لعدة شهور في صندوق واحد, ويتفقون على أن من يصاب منهم بضرر فإنه يعوض من هذا الصندوق وفق نظام معين, كأن يعوض عن الكل أو النصف أقل أو أكثر نظراً إلى موجودات هذا الصندوق، وهذا الصندوق أجازه مجمع الفقه الإسلامي والقائلون بالتحريم, وعللوا هذا أنه خال من الغرر والربح ولأن هؤلاء المشتركين بهذا النمط يعتبرون مؤمنين ومستأمنين في هذا الأمر, فليس هناك أجنبي كما في عقود الشركات, ولأن ما يقدمه كل واحد من هؤلاء هو على سبيل التبرع المحض, وكذا ما يناله المتضرر من هذا الصندوق، فكأن الآخرين يتبرعون من أموالهم وأقساطهم التي قدموها لهذا الصندوق وبهذا التكييف, أمكن القول بحله ولا يزال في النفس منه شيء لأن كل دافع للقسط على وجه التبرع ينتظر عوضا عن ذلك وهو ما يناله من تعويض إن أصيب بكارثة. والهبة بشرط العوض ضمناً أو صراحة يخرجها العوض عن طبيعة الهبة, والهبة بشرط العوض بيع, وفي هذه الحالة نصير أمام شيء كبير وهو أن ما يدفعه المشتركون تبرعاً مبني على أمل أن يعوض المشترك عن ذلك، بدليل أن الصندوق لا يعوض غير المشتركين فتبرعهم منسوب بانتظار العوض, فهو بيع فيه غَرَر.

25) والذي أراه في تصحيح هذا التعامل أن تقوم به الدولة, فتنشئ صناديق متعددة لأناس متعددين حسب مهنهم, على أن يكون مبلغ التأمين بالقدر المناسب. وهذه الأقساط إنما هي جزء مما تقوم به الدولة وهو تعويض المتضررين, لأن المتضرر يستحق الكفالة من بيت المال عند الكوارث, وبهذا نكون قد قللنا الغرر والقصد الربحي الذي تقوم به الشركة، ونكون قد قللنا نظرة المبيحين للتأمين التعاوني، علما أن المجمع الفقهي في مكة المكرمة في دورة له حرم جميع أنواع التأمين التجاري لوجود الشبهة في ذلك, ونحن نؤيده ونرى ما رأوه. أما التأمين التعاوني فهم قد أحلوه كما كيفوا التقاعد فنحن معهم في النتيجة لا التكييف وكذا نحن معهم وفق التحديد الذي ذكرته.

26) التأمين الاضطراري أو الإلزامي على السيارات أو غيرها: ننظر إلى الضرورة أو الحاجة للسيارة أو الشيء المشترى, فالضرورات تبيح المحظورات من موت المرء أو تعريض نفسه للهلاك، وعقود التأمين هذه لا يجوز الدخول فيها إلا عند الضرورة. فإن كان الحصول على السيارة لا يمكن أن يستغني المرء عنه ولا يستطيع شراء سيارة فيكون حكمه حكم المضطر, وإن لم تتحقق الضرورة لا يجوز اقتناؤها, وكذلك الدولة الإسلامية لا يجوز لها الاقتراض بالربا إلا لضرورة ملحة كشراء سلاح وليس من الاضطرارات أن تقترض لبناء بيت للرقص.

27) ومن صور التأمين التعاوني الذي أحله المجمع الفقهي وغيره من المجامع أن يتفق أهل قرية على التبرع في صندوق يشترك فيه الجميع ليكفلوا أحدهم لضرر أو يتعاونوا في حفر بئر بالتبرع بأقساط متساوية، وقد أخرج البخاري ومسلم حديث الأشعريين واللفظ للبخاري قال: قال رسول الله (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم). وجاء في شرح مسلم للنووي: ليس المراد هنا القسمة المعروفة في الفقه بشروطها ومنعها في الربويات وإنما المراد إباحة بعضهم بعضاً ومواساة بعضهم بالموجود. والله اعلم.


طباعة هذه الصفحة طباعة هذه الصفحة

نشرت بتاريخ: 2015-02-19 (6849 قراءة)