نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
خواطر في رمضان
مقال كتبه الاستاذ عبدالكريم زيدان في مجلة الاخوة الاسلامية, وهي مجلة اسبوعية كانت تصدر في بغداد من قبل جمعية الاخوة الاسلامية (الاخوان المسلمين) في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ويراس تحريرها آنذاك الاستاذ محمد محمود الصواف.
مقال (خواطر في رمضان) نشر في مجلة الاخوة الاسلامية بعددها التاسع الصادر في 11 رمضان 1373هـ الموافق 14 مايو سنة 1954م.
بقلم: الاستاذ عبدالكريم زيدان
جاء الاسلام ليجعل الانسان زاكياً طاهراً, صالحاً, طيباً حتى اذا ما قطع رحلته على ظهر الارض وبلغ غايته ورجع الى ربه كان أهلا للنزول في دار الطيبين (طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) ليستمتع بلذة النظر الى وجه ربه الكريم (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) .... ومن لم يتزك في الدنيا بصالح الاعمال وغادر الحياة بالأنجاس والاقذار تولته النار لتزيل خبثه وكدره ان كان هذا الكدر من نوع النجاسة المخففة وإلا فالبقاء في النار خالداً ما دامت السماوات والارض ... والاسلام اذ يهدف الى تزكية الانسان لا يكتفي أن يقول كن صالحاً, كن زكياً, كن طاهراً ... ولكن يسلك معه ما يسلكه الطبيب الناصح العليم : يشخص الداء ثم يصف الدواء, ثم يذهب الى اكثر من ذلك: فيركب له الدواء بنفسه ثم يسلمه هذا الدواء ثم يبين له ما ينفعه وما يضره وما يحرم عليه وما يباح له من طعام وشراب واعمال حتى يصح ويشفى. وانا لنلحظ هذا الاسلوب في جميع تعاليم الاسلام, فالإسلام دين الله, والله عليم بما يصلح لعباده لأنه خلقهم (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وعلى اساس هذا العلم شرع لهم هذا الدين وامرهم بهذه العبادات التي نعرفها والتي هي بمثابة "وصفات طبية" فالحريص على شفائه ونجاته يقبل هذه الوصفات بلهفة وشوق واهتمام وجد كما يفعل المريض تماما بوصفة الطبيب الحاذق الناصح الامين.
وقد اقتضى صلاح الانسان وزكاة روحه تنوع العبادات, كما أقتضى صلاح جسمه تنوع الاغذية, وان كان في العبادات ثقل ومرارة على النفوس عند مباشرتها لأول مرة فما ذاك إلا من أثر أكدار النفس وأقذارها التي تقلعها العبادة من القلوب وتقذفها الى الخارج فيحس الانسان بالضيق والمرارة فيحسبها من طعم العبادة وما هي الا طعم الاقذار التي كانت لاصقة بروحه ولم يحس بها.
ومن انواع العبادة الصوم وهو من أجل العبادات واحبها الى الله تعالى واعظمها اجراً بل قد نسب الى الله تعالى من دون العبادات فقد جاء عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) لان الصيام يُختص بالخفاء والسر فيما بين العبد وربه فهو خفي عن الانظار مستور عن بني الانسان وأحب الاعمال الى الله اخلصها وابقاها واصفاها من الرؤية والرياء ولهذا كان الصيام اعظم مُرَبٍّ على الاخلاص وما احوجنا الى معاني الاخلاص والتطهير من الرياء وحب السمعة والظهور الذي يقصم الظهور.
والصيام ليس امتناعا عن الاكل والشرب فقط ولكنه امتناع عنهما وعن كل ما يقذر الروح ويكدرها لان الغرض منه تزكية النفس وصلاحها وجذبها نحو العلو والسمو وخلوصها من الاكدار والاقذار وما الامتناع عن الاكل والشرب وغيرهما الا وسيلة لتنقية الروح وتهيئة المجال الكافي لصفاء النفس وزكاتها ولهذا جاء الحديث الشريف عن النبي ﷺ (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وما قول الزور والعمل به في الحديث الشريف مثل لأقذار النفس واكدراها التي يراد التخلص منها في العموم, بل ان الاسلام يحرص على ابعد من هذا فيوصى الصائم بالحلم الجميل والعكوف على عبادته والانشغال بنفسه وعدم الرد على جهالة الجاهلين وسفاهة السفهاء لان هذا الرد مضيعة الوقت وهبوط الروح من افقها العالي الذي وصلت اليه بالصيام فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ (.... فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم....) لان المتلبس في عبادة لا يليق به ان ينشغل بغيرها وقد تفسد عبادته بهذا الانشغال, فالمصلي اذا تكلم بما هو خارج عن امور الصلاة بطلت صلاته, وفي الحج نهينا عما هو خارج عن امور الحج, قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وهكذا الصائم لا يليق به ان يأتي مالا يتفق وأغراض الصوم ولا يجمل به ان يتلوث بالأقذار وقد بلغ من السمو والطيب ما جعل خلوفه اطيب عند الله من ريح المسك (والذي نفسي بيده ، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) بل ان الله تبارك وتعالى يقيد الشياطين في شهر رمضان رحمة بالمسلمين ليمنعها من التحرش بالصائمين فيتهيأ المجال الواسع والمساعد والملائم لسمو الروح وتزكيتها وتلقيها الفيوضات الربانية فقد جاء في الحديث عن النبي ﷺ (إذا جاء رمضان فُتّحـت أبواب الجنة، وغُـلّـقـت أبواب النار، وصُفّـدت الشـياطين) فتصفيد الشياطين سواء كان حقيقة أو مجازاً فالمقصود منه حبس هذه المخلوقات الشريرة عن التحرش بالصائمين ومنعها من افساد عبادتهم واشغالهم بها, والشيطان مجرم خبيث لا يهمه سوى افساد العبادة على صاحبها, ولص ماكر لا يسرق إلا اغلى الاشياء : الايمان وما يقوي الايمان, فمغبون وشقي ذلك الانسان الذي لا يغتنم ايام رمضان ولا يدع روحه تنطلق وتسبح وتعلو وتأخذ نصيبها المقدور لها من الزكاة والطهارة والسمو.
وبهذا المجال الطيب في رمضان وبالامتناع عن شهوات الجسد وبالتوجه الى الله تبارك وتعالى تتحرر الروح وتصفو وتزكو ويزول عنها الكدر ويعود لها الرقة والنقاء فقد جاء في الحديث الشريف عن الني ﷺ (من صام رمضان إيمانا ً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وما غفران الذنوب إلا زوال اقذارها وسوادها من صحائف القلوب اولا ومن صحائف الاعمال ثانيا.
فاذا تم للصائم هذا – ان شاء الله تعالى – نال الفلاح (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) واصابه الاجر العظيم الذي لا يعرف مقداره إلا الله تعالى (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) ونودي يوم القيامة ليدخل الى الجنة من باب الريان فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ (إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد) .. وسمع النداء الحلو الطيب الجميل (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ).
نشرت بتاريخ: 2016-11-10 (6156 قراءة)