نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
المَدْخَل لدراسة الشَرِيعَة الاسلامية
كتاب الفهُ الشيخ عام 1379هـ - 1960م , وهو اول كتاب يؤلفه, قُرّر على طلبة كلية الحقوق في جامعة بغداد وبعدها انتشر في مختلف الجامعات حول العالم كمقرر على طلبة الدراسات الشرعية والقانونية, الكتاب يقع في(464) صفحة وطبع بطبعات عديدة.
يقول الشيخ عن هذا الكتاب:
الاجتماع الإنساني ضروري كما يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته وهو ما يعبر عنه الحكماء بقولهم: الإنسان مدني بالطبع أي: لا بد له من الاجتماع والعيش مع بني جنسه وما ذهب إليه ابن خلدون هو الحق ويؤيده الواقع فالأنسان يولد في المجتمع ولا يعيش إلا فيه وتصور إنسان خارج المجتمع ضرب من ضروب الوهم والخيال لا حقيقة له في الخارج. وهذا العيش المشترك لا بد أن تنشأ عنه معاملات وعلاقات فيما بين الأفراد وما ينتج عن ذلك من منازعات كما أن الفرد في المجتمع لا يمكنه أن يتمتع بحرية مطلقة لأن ذلك يتعارض مع حريات الآخرين ويؤدي إلى خصام مستمر لا يكون من ورائه إلا فناء المجتمع ولهذا كله كان لا بد من قواعد تحد من هذه الحريات المطلقة وتنظيم تلك العلاقات حتى يستطيع كل فرد أن يعيش بأمان ويتهيأ للمجتمع سبيل البقاء والاستقرار, وهذه القواعد هي القانون, فالقانون ضروري للمجتمع كما أن المجتمع ضروري للإنسان ولهذا لم يخل مجتمع في الماضي والحاضر من قواعد تحكم علاقات الأفراد فيما بينهم وعلاقاتهم مع المجتمع وتحدد حقوقهم وواجباتهم ومدى حرياتهم على نحو ما.
والقانون قد يكون على شكل عادات وتقاليد وأعراف يخضع لها الجميع, وقد يكون على شكل أمر ونهي يصدره شخص مطاع كرئيس قبيلة أو ملك, وقد يكون على شكل قواعد وأوامر تصدرها هيئة خولها المجتمع حق إصدار القانون وهذا النوع من القانون بمختلف أشكاله مصدره البشر فهو قانون وضعي, وهناك قوانين لا يكون مصدرها البشر بل خالق البشر وهذه هي الشرائع الإلهية أو السماوية وقد عرف البشر هذين النوعين من الشرائع: الشرائع الوضعية وهي من وضع الإنسان وصنعه والشرائع السماوية وهي من صنع الله ووحيه.
والأساس في تبرير إنزال الشرائع السماوية يقوم على فكرة (الخالقية) فالكون وما فيه ومن فيه مخلوق لخالق عظيم هو الله تعالى ومن لوازم حكمة الله ورحمته وربوبيته أن يهيئ لكل مخلوق ما يحتاج إليه ويلائم طبيعته ويصلح حاله ويحقق الغرض الذي خلق من أجله والإنسان وهو المخلوق الممتاز يحتاج إلى هداية من خالقه وتعريف بعلاقاته بالكون وبالغرض الذي من أجله خلق وبيان معالم السير في الحياة وقواعد السلوك في المجتمع وحكمة الله تأبى أن يترك الإنسان سدى بلا إرشاد لطريق الحق ولا بيان لقواعد السلوك ومن ظن ذلك فهو على خطأ عظيم, قال تعالى (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) أي: لا يؤمر ولا ينهى كما قال الشافعي وما الأمر والنهي إلا بيان مناهج السلوك في الحياة وقواعد التنظيم لشؤون الإنسان المختلفة وهذا هو القانون.
وقد ختمت الشرائع السماوية بالشريعة الإسلامية التي أنزلها الله على رسوله محمد ﷺ وبلغها للناس وجاءت أحكامها وقواعدها شاملة لجميع نواحي الحياة ومنظمة لجميع العلاقات سواء أكانت هذه العلاقة بين الفرد وربه أم بين الفرد والفرد أم بين الفرد والجماعة أم بين الجماعة والجماعة فهي بحق دين ودولة.
وقد كان لهذه الشريعة السيادة القانونية المطلقة في المجتمع الإسلامي فقامت الدولة على أساسها ونظمت شؤون المجتمع على مقتضى أصولها وقواعدها وتحددت حقوق الأفراد وواجباتهم بموجب أحكامها وأنظمتها ولم يخرج عن حكمها أي شأن من شؤون الحياة وقد سعد الناس بها ما شاء الله أن يسعدوا ووجدوا في أحكامها الخير والعدل وحفظ حقوقهم ومصالحهم المشروعة, ثم أصاب الشريعة إنكماش في التطبيق وعزولها عن واقع الحياة حتى آل الأمر إلى عدم تطبيقها في معظم البلاد الإسلامية إلا في روابط الأسرة (الأحوال الشخصية) ومسائل قليلة من المعاملات المالية. ولا شك أن هذا المآل الذي صارت إليه الشريعة يرجع إلى عوامل وأسباب كثيرة تعاونت وتضافرت فأدت إلى هذه النتيجة وليس هنا محل تبيانها وتفصيلها.
ومع هذا كله فنحن نعتقد أن المستقبل للشريعة وأن السيادة القانونية ستكون لها في يوم قريب غير بعيد للأسباب الآتية:
أولاً: إن تطبيق الشريعة الإسلامية يعتبر في نظر المسلمين من الدين وجزئا من عقيدتهم ولهذا فهم يحرصون على تطبيق أحكام شريعتهم ويدعون إلى ذلك على أَلْسِنة كتابهم وعلمائهم وقد أخذ يشاركهم في هذه الدعوة بعض أولي الرأي والمعنيين بالقانون وأكبر الظن أن الحكومات ستلبي هذه الرغبة وتستجيب لهذه الدعوة.
ثانياً: إن القانون في كل أمة يعتبر جزءاً من ضميرها ومرآة لآمالها وضماناً لعقيدتها ومصالحها ومستقراً لتقاليدها ومثلها العليا وأفكارها في الحياة وما تتطلع إليه وتريده في المستقبل والقانون الذي يكتب له البقاء وترضى عليه الأمة هو الذي تتحقق فيه هذه المعاني ونحوها والشريعة الإسلامية هي الوحيدة التي تتحقق فيها هذه المعاني بالنسبة لبلاد الإسلام على الأقل, ومن ثم فمن الطبيعي والمعقول والموافق لمقتضيات الأمور ومصلحة الأمة أن تكون الشريعة هي قانون هذه البلاد والأساس لكل تقنين فيها.
ثالثاً: إن الشريعة الإسلامية بغض النظر عن كونها ديناً صالحة لكل زمان ومكان لا تضيق بحاجات الناس وما يستجد من أحوالهم وأمورهم ومحققة لمصالحهم المشروعة وقد تفطن لهذه الحقيقة المعنيون بدراسة القانون وأعلنتها المؤتمرات الدولية كمؤتمر لاهاي للقانون الدولي المقارن المنعقد في سنة 1938م حيث قرر المجتمعون من علماء الغرب في القانون أن الشريعة الإسلامية تعتبر مصدراً من مصادر التشريع العام وأنها شريعة حية مرنة قابلة للتطور وأنها قائمة بذاتها ليست مأخوذة من غيرها كما قرر مؤتمر المحامين الدولي المنعقد في لاهاي سنة 1948م القرار التالي: (اعترافاً بما في التشريع الإسلامي من مرونة وما له من شأن هام يجب على جمعية المحامين الدولية أن تقوم بتبني الدراسة المقارنة لهذا التشريع .. والتشجيع عليها). ونحن إذ نذكر هذه الشهادة من علماء الغرب لا يعني أننا في شك من صلاح شريعتنا أو أننا بحاجة إلى شهادة من الغير على هذا الصلاح وإنما نذكره على سبيل الاستئناس لأن صلاح القانون مستمد من ذاته وطبيعة أحكامه ونظمه لا من ثناء المثنيين ولا من مدح المادحين.
ومما يعجل تحقيق ما نتوقعه ونأمله من عودة الشريعة إلى سابق سيادتها القانونية قيام نهضة فقهيه لدراسة الشريعة وبيان مبادئها وقواعدها وأحكامها ووفائها بحاجات المجتمع في أسلوب جديد ونهج حديث ولغة مستساغة ونحن نلمح تباشير هذه النهضة تلوح في الأفق وتتسع يوماً بعد يوم, ومن مظاهر هذا الإنتاج الوافر الذي يقدمه العلماء في مصر وغيرها من أبحاث في الشريعة وتجلية لمبادئها وأغراضها ومقارنتها مع غيرها من الشرائع والقوانين, وكذلك ما نلاحظه من قيام بعض المؤسسات الرسمية في المساهمة بهذه النهضة الفقهية من ذلك قيام وزارة الأوقاف المصرية بتأسيس مجلس أعلى للشؤون الإسلامية من أغراضه العمل على إحياء التراث الإسلامي وإخراجه إخراجاً علمياً حتى يسهل الانتفاع به وإخراج موسوعات في مختلف العلوم الإسلامية, وهذا فضلاً عن عناية كليات الحقوق والشريعة في بغداد ومصر والشام وغيرها بدراسة الشريعة الإسلامية وإن كانت هذه الدراسة مقتصرة على بعض نواحيها. والطريقة النافعة لدراسة الشريعة هي التي تبدأ بتقديم تمهيد عام لها أو مقدمة عامة أي (مدخل) كما هو الشأن في دراسة العلوم المختلفة, فهناك مدخل لدراسة القانون ومدخل لدراسة الاقتصاد ومدخل لدراسة الاجتماع وهكذا, وهذا ما قررته كليات الحقوق في مصر منذ أمد قريب وتبعتها كلية الحقوق العراقية منذ ثمان سنوات, والحق أن هذا النهج في دراسة الشريعة ذو فائدة كبيرة للطالب لأنه يعطيه فكرة عامة عن الشريعة من حيث طبيعتها وخصائصها ومميزاتها كما يجعله يحيط إحاطة عامة بمصادرها وتاريخ نشوئها والنظم القانونية التي جاءت بها والأدوار التي مرت بها حركة التشريع الإسلامي, فإذا ما تم الطالب ذلك واستوعبه كان على بَيِّنَة من مصطلحاتها والأفكار الأساسية فيها وبالتالي سيسهل عليه فهمها ولن يجد مشقة ولا كبير عناء إذاً ما أراد التوغل في دراسة تفاصيلها.
وقد رأينا أن نقسم هذا المدخل إلى قسمين:
القسم الأول:
للكلام عن الشريعة الإسلامية وخصائصها والفقه الإسلامي وتاريخه ومدارسه ومصادره ويسبق ذلك بيان حالة العرب الاجتماعية والقانونية قبل الإسلام.
القسم الثاني:
لدراسة بعض النظم القانونية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية كنظام الملكية ونظام العقد أو نظرية الملكية ونظام العقد أو نظرية العقد ونظرية الجريمة والعقوبة مع مقارنة لهذه النظم بالنظم القانونية الوضعية.
والله أسأل ان يوفقني الى خدمة شريعته انه سميع للدعاء محيب.
الدكتور عبدالكريم زيدان
نشرت بتاريخ: 2015-02-19 (15593 قراءة)