نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
مدى حق الزوجة في إنهاء عقد النكاح بالخُلع
بحث قدمه الشيخ عبدالكريم زيدان في الدورة الثامنة عشر لمجمع الفقه الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي والمنعقد في مكة المكرمة للفترة من 10-3-1427هـ الموافق 8-4-2006م الى 13-3-1427هـ الموافق 11-4-2006م , وقد طبع هذا البحث مع مجموعة بحوث فقهية أخرى بكتاب يحمل عنوان ( مجموعة بحوث فقهية معاصرة).
تمهيد ومنهج البحث:
1) يصف الفقهاء عقد النكاح بأنه (عقد العمر) ويعنون بذلك أن طرفي العقد يعقدانه بقصد بقائه ما داما في قيد الحياة أو يُفترض فيهما هذا القصد وهو افتراض صحيح مقبول لا ينقضه إلا التصريح بضده بأن يعقدا هذا العقد بشرط التوقيت فلا ينعقد العقد.
2) ووصف عقد النكاح بأنه يعقد ليبقى كما ذكرنا هو نظرة الشريعة الاسلامية لهذا العقد، ولهذا تُرغّب المسلمين في الحرص على بقائه لتتحقق بهذا البقاء مقاصد النكاح. ولكن قد يطرأ في حياة الزوجين ما يجعل هذا العقد غير صالح للبقاء لكونه لم يعد وسيلة لتحقيق المصلحة المرجوة منه بل اصبح وسيلة للمفسدة فتكون المصلحة في إنهائه لا في إبقائه. ولهذا أباحت الشريعة إنهاء عقد النكاح بطرق محددة اشهرها ما يعرف بالاصطلاح بـ (الطلاق).
3) وإباحة الشريعة إنهاء عقد النكاح مع رغبتها في بقائه هو من محاسن الشريعة وواقعيتها، ومن مظاهر واقعيتها تقديرها لما يطرأ من أمور وأحداث تتعلق بالزوجين وبالحياة الزوجية وعدم جواز إغفالها ولزوم مراعاتها وتشريع الحكم المناسب لها، وقد يكون هذا الحكم إباحة إنها عقد النكاح.
4) وقد أشار الفقهاء الى ذلك، فمن اقوالهم قول الإمام علاء الدين الكاساني الفقيه المعروف والملقب بملك الفقهاء: (شرع الطلاق في الأصل لمكان المصلحة لأن الزوجين قد تختلف أخلاقهما، وعند اختلاف الاخلاق لا يبقى النكاح مصلحة لأنه لا يبقى وسيلة الى المقاصد – مقاصد النكاح- فتغلب المصلحة الى الطلاق ليصل كل واحد منهما الى زواج يوافقه فيستوفي مصالح النكاح منه).
وقال الامام ابن قدامة الحنبلي: (ربما فسدت الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضرراً محضاً بالزام الزوج النفقة والسكن وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه).
5) وإنهاء عقد النكاح بالطلاق هو من حق الزوج ابتداءً بحكم الشرع يوقعه بمحض ارادته دون توقف على اذن أو موافقة من الغير فهو تصرف بالإرادة المنفردة. وقد تملكه الزوجة بتفويض من زوجها او باشتراطه من قبلها في عقد النكاح. وقد يكون انهاء عقد النكاح بحكم من القاضي في دعوى ترفعها الزوجة بحجة دفع الضرر عنها. وقد يكون إنهاء عقد النكاح بالتراضي بين الزوجين بمال تدفعه الزوجة لزوجها ليوافقها على انهاء عقد النكاح وهذا هو الخلع.
6) والشريعة الاسلامية وان أباحت للرجل الطلاق وإنهاء عقد النكاح به فإنها رغبته في إبقائه وعدم التسرع في إنهائه فمن ذلك قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) فهذه الآية الكريمة ترشد المسلمين الى عدم التسرع بإنهاء عقد النكاح بالجري وراء ما يحسونه من كراهية لزوجاتهم فيحملهم هذا الكره الى طلاقهن لأنه قد يكون في إبقاء عقد النكاح والرابطة الزوجية خير كثير يستحق إبقاء الرابطة الزوجية مع هذا الكره لها. وكذلك ترشد الشريعة الاسلامية الى عدم التسرع في طلب الخلع وأن لا تفعل ما يحمل زوجها على قبوله كما سنبينه فيما بعد.
7) وموضوع بحثنا هو البحث عن الجواب الشرعي لما جعلناه عنواناً لهذا البحث وهو (مدى حق الزوجة في إنهاء عقد النكاح بالخُلع) ولهذا الغرض جعلنا منهج بحثنا على النحو التالي:
8) منهج البحث:
نقسم هذا البحث الى الفصول الآتية:
الفصل الأول: التعريف بالخُلع في اللغة والاصطلاح.
الفصل الثاني: ادلة مشروعية الخُلع.
الفصل الثالث: حكمة تشريع الخُلع.
الفصل الرابع: ضوابط استعمال المرأة حق الخُلع.
الفصل الخامس: موافقة الزوج على الخلع.
الفصل السادس: الخُلع في القوانين الوضعية.
الفصل الأول
تعريف الخُلع في اللغة والاصطلاح
9)
الخُلع في اللغة
جاء في لسان العرب: خلع الشيء يخلعه واختلعه كنزعه.
وخلع امرأته خُلعاً فاختلعت. وخالعته: ازالها عن نفسها وطلقها على بذل منها له فهي خالع.
وقد تخالعا واختلعت منه اختلاعاً فهي مختَلَعة.
وسمي ذلك الفراق بين الزوجين خُلعاً لان الله تعالى جعل النساء لباساً للرجال، والرجال لباساً لهن فقال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) فإذا افتدت المرأة بمال تعطيه لزوجها ليبينها منه فأجابها الى ذلك فقد بانت منه وخلع كل واحد منهما لباس صاحبه، والاسم من كل ذلك الخُلع.
وفي النهاية لابن الأثير: يقال خَلع امرأته خَلعاً. وخالعها مخالعة واختلعت هي منه فهي خالع.
والخلع ان يطلق زوجته على عوض تبذله له. وقد يسمى الخُلع طلاقاً ومنه حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة نشزت على زوجها فقال له عمر: اخلعها أي طلقها واتركها.
وفي المعجم الوسيط:
خلع الشيء خلعاً. وخلع امرأته خُلعاً: طلقها بفدية من مالها. وخالعت زوجها: طلبت أن يطلقها بفدية من مالها.
وتخالع الزوجان: اتفقا على الطلاق بفدية.
والخالع: المطلقة من زوجها بفدية، والجمع خوالع.
10)
الخلع في الاصطلاح الشرعي
أ- جاء في فتح القدير في فقه الحنفية:
الخلع إزالة ملك النكاح ببدل بلفظ الخلع.
ب- وجاء في كشاف القناع في فقه الحنابلة:
الخلع فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو من غيرها بألفاظ مخصوصة.
ج- وفي الشرح الكبير في فقه المالكية:
الخلع لغة: النزع. وشرعاً طلاق بعوض.
د- وفي مغني المحتاج في فقه الشافعية:
الخلع في الشرع فرقة بين الزوجين بعوض مقصود راجع لجهة الزوج بلفظ طلاق أو خلع.
11)
المعنى المشترك بين هذه التعاريف
ويلاحظ ان هذه التعاريف للخلع في الاصطلاح تتفق في معنى واحد هو ان الخلع فرقة بين الزوجين بتراضيهما وبمال تدفعه الزوجة لزوجها لقاء ذلك.
الفصل الثاني
أدلة مشروعية الخلع
12)
أولاً : من القرآن الكريم
قال تعالى: (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وجاء في بيان وجه الاستدلال بهذه الآية على مشروعية الخلع ما يأتي:
(قوله تعالى: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) أي لا جناح على الرجل في الأخذ ولا على المرأة في الإعطاء بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شيء من المال يرضى به الزوج فيطلقها لأجله وهذا هو الخلع. وبيّن الإمام ابن عطية مشروعية الخلع مستدلاً بهذه الآية كما بيَّن متى يحل للزوج ان يأخذ العوض من امرأته لقاء الخلع.
13)
ثانياً: من السنّة النبوية المطهرة
وفي صحيح البخاري ان امرأة ثابت بن قيس جاءت الى النبي ﷺ تريد الفراق من زوجها بأن يطلقها فقالت: يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا اني أخاف الكفر – وفي رواية : اخاف الكفر بعد الاسلام- فقال رسول الله ﷺ: فتردين عليه حديقته –وهي التي اعطاها مهراً لها- فقالت: نعم، فردت عليه وأمره ان يطلقها) وجاء في شرح هذا الحديث: انها خافت على نفسها أن لا تقوم بحقوقه عليها لأنها ما كانت تحبه، وفي هذا تقصير في حقوقه التي أمر الله تعالى بالوفاء بها ولهذا طلبت الخلع من زوجها.
وأخرج الإمام الترمذي في جامعه عن ابن عباس رضي الله عنه قوله: ان امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد رسول الله ﷺ.
14)
ثالثاً: الاجماع
وقد انعقد الاجماع على مشروعية الخلع بأن تطلبه المرأة من زوجها على مال تدفعه له. ذكر ذلك الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه العظيم المغني وذكر الاجماع ايضاً على مشروعية الخلع ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري عند كلامه عن قصة امرأة ثابت بن قيس وطلبها الخلع من زوجها التي رواها الامام البخاري.
الفصل الثالث
حكمة تشريع الخلع
15)
أولاً: دفع الضرر عن الزوجة
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي يرحمه الله: (والخلع –شرع- لإزالة الضرر الذي يلحقها –أي يلحق الزوجة- بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه).
وسوء العشرة أي سوء العشرة المتأتية من الزوج قد يكون سببها شعوره بكراهية الزوجة له أو من تقصير الزوجة في قيامها بحقوق الزوج عليها بسبب كراهيتها له فيقابلها بتقصير فيما عليه من حقوق نحوها فتسوء العشرة فيما بينهما.
16)
ثانياً: وقاية الزوجة من المعصية
وبيان هذا ان المرأة قد تكره زوجها وتكره المقام معه فيحملها هذا البغض لزوجها على التقصير في حقوقه عليها وفي هذا معصية منها لان هذا التقصير يعني الوقوع في تعدي حدود الله. وهذه الحدود هي ما أمرها الشرع به من حقوق لزوجها عليها فترى الخلاص من هذا التعدي لحدود الله تعالى يحصل بطلب الخلع من زوجها كما فعلت امرأة ثابت بن قيس في عرض حالها لرسول الله ﷺ وعللت طلب الخلع منه بوقاية نفسها من تعدي حدود الله وفي هذا التعدي معصية تريد الخلاص منها بالمخالعة مع زوجها.
17) ثالثاً– ما قلناه في حكمة تشريع الطلاق يصلح أن يكون من جملة حكمة تشريع الخلع لأنه في معنى الطلاق.
18) ويلاحظ هنا أن الامام ابن قدامة ذكر في حكمة تشريع الخلع مصلحة الزوجة فقط بدفع الضرر عنها، ولم يذكر شيئاً عن مصلحة الزوج في تشريع الخلع، والواقع ان للزوج مصلحة في تشريع الخلع وتظهر هذه المصلحة في إباحة أخذه العوض من الزوجة اذا كان طلب الخلع منها لسبب منها وليس لسبب من الزوج. الا ان هذه المصلحة للزوج في تشريع الخلع هي في المقام الثاني من هذه الحكمة لان الزوج يستطيع الخلاص من زوجته التي تكرهه وتقصر في حقوقه بان يطلقها بإرادته المنفردة دون حاجة لرضاها بهذا الطلاق بخلاف المرأة لا تستطيع الخلاص منه عند وجود المبرر للخلاص منه إلا بموافقته ورضاه ففي تشريع الخلع مصلحة للزوجين ولكن مصلحة الزوجة فيه أظهر من مصلحة الزوج ولهذا أباح لها دفع الفدية للزوج واباح الشرع له ان يأخذها. وهذا ما أشارت اليه الآية الكريمة وهي ﴿ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به﴾
الفصل الرابع
ضوابط استعمال الزوجة حق الخُلع
19) مصدر ما يتمتع به الانسان من حقوق هو الله تعالى بما شرعه من أحكام تتضمن هذه الحقوق أو تقتضيها ولو لا ذلك لما كان للإنسان أي حق، قال الامام الشاطبي في كتابه العظيم (الموافقات: (لأن ما هو حق للعبد إنما ثبت كونه حقاً له بإثبات الشرع ذلك له لا لكونه مستحقاً لذلك بحكم الأصل). فحق المرأة في الخلع مصدره الله تعالى بما شرعه من أحكام في القرآن والسنة تتضمن هذا الحق وقد أشرنا الى بعضها عند كلامنا عن مشروعية الخلع.
20)
منح الحقوق للإنسان لتحقيق مقصد الشرع من منحها
والمقصود من منح الحقوق للإنسان تحقيق الغرض المقصود من منحها وعلى الممنوح له هذه الحقوق أو واحداً منها أن يستعملها لتحقيق الغرض المقصود منها أي لتحقيق ما
قصده الشارع من منحه هذا الحق أو الحقوق للفرد. فان استعملها لتحقيق غير الغرض الذي قصده الشارع من منحها كان عمله باطلاً، قال الامام الشاطبي يرحمه الله (كل من ابتغى في الشريعة غير ما
شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل).
21)
ضوابط استعمال حق الخلع
قلنا ان الخلع حق للمرأة مصدره الشرع الاسلامي، وقد منح الله تعالى هذا الحق للمرأة لتحقيق غرض محدد هو دفع الضرر عن المرأة وهذا هو الحكمة من تشريع الخلع وجعله حقاً للمرأة. فعليها أن تستعمل هذا الحق بما يحقق هذا الغرض، وهذا هو الضابط الشرعي الواجب ملاحظته من قبل المرأة عند استعمالها حقها في الخلع، فان لم تقصد باستعمالها حق الخلع ما قصده الشارع من منحها هذا الحق وهو دفع الضرر عنها كان استعمالها لهذا الحق مناقضاً لقصد الشارع في منحه لها حق الخلع وكل من ابتغى في تطبيق احكام الشريعة او استعماله ما تضمنته هذه الاحكام من حقوق غير ما شرعت له هذه الاحكام فقد ناقض الشريعة وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل كما قال الشاطبي وذكرنا نصّ كلامه قبل قليل.
22)
حالات استعمال الخلع بضوابطه الشرعية
كل حالة يكون فيها استعمال الخلع مباحاً او مندوباً او واجباً فهو استعمال لهذا الحق بضابطه الشرعي الذي يتحقق به الغرض المقصود من منح حق الخلع للمرأة وكل حالة يكون فيها استعمال الخلع مكروهاً او محرماً فهو استعمال لهذا الحق بغير ضابطه الشرعي فلا يتحقق به الغرض المقصود من منح هذا الحق. فما هي هذه الحالات التي يتحقق فيها استعمال الخلع بضابطه الشرعي او بعدمه؟
23)
الحالات التي يتحقق فيها استعمال الخلع بضابطه الشرعي
الحالة الأولى- إباحة الخلع
يباح للمرأة أن تطلب الخلع في حالة كرهها لزوجها او بغضها المقام عنده سواء كان هذا البغض او الكره بسبب طبيعي كدمامته أو قبح صورته، أو كان الكره لسبب شرعي كرقة أو نقص في دينه – أي تقصير في أداء ما يجب عليه شرعاً. وقد يكون السبب في بغضها المقام عنده كبر سنه وعجزه عن أداء حقها في الوطء، وخشيت أن يؤدي كرهها لزوجها الى التفريط في حقوقه عليها وما في ذلك من لحوق الاثم بها لتعديها حدود الله وهي ما أوجبه الله للرجل على زوجته، فلا ترى وسيلة للخلاص من وقوعها في المعصية بتعديها حدود الله الا بالخلع فتطلبه من زوجها، وقد أشار الفقهاء الى هذه الحالة وما استدلوا به، فمن أقوالهم ما يأتي:
أ- في كشاف القناع في فقه الحنابلة (وإذا كرهت المرأة زوجها لخُلقه أو لخَلقه – أي لصورته الظاهرة وهي دمامته أو لسوء صورته الباطنة وهي أخلاقه أو كرهته لنقص في دينه- أي تقصيره في أداء ما يلزمه به الاسلام من فعل أو ترك- أو لكبر سنه أو ضعفه أو نحو ذلك وخافت إثماً بترك حقه فيباح لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه لقوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ).
ب- وفي المهذب وشرحه المجموع في فقه الشافعية (وإذا كرهت المرأة زوجها لقبح منظر أو سوء عشرة وخافت أن لا تؤدي حقه جاز أن تخالعه على عوض لقوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ).
ج- وفي المحلى في فقه الظاهرية (وإذا كرهت المرأة زوجها فخافت أن لا توفيه حقه أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها فلها أن تفتدي منه ولا يحل الافتداء إلا بأحد الوجهين المذكورين أو باجتماعهما).
24)
الحالة الثانية- استحباب طلب الزوجة الخلع
فقد قال الحنابلة بندب واستحباب طلب الزوجة الخلع من زوجها اذا كان مقصراً في أداء حقوق الله تعالى التي فرضها عليه كأداء الصلاة ونحوها واصراره على هذا التقصير ولا يمكنها اجباره عليها.
25)
الحالة الثالثة – وجوب طلب الخلع
ويجب على المرأة طلب الخلع لتتخلص من رجل لم يعد صالحاً أن يكون زوجاً لها بحكم الشرع كما لو طلقها ثلاثاً فلم يعد زوجاً لها شرعاً ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويفارقها بموت أو طلاق حقيقي لا يقصد به تحليلها لزوجها الأول، الا أن زوجها هذا الذي طلقها ثلاثاً يرفض أن يعترف بهذا الطلاق، ولا شهود للزوجة على طلاقه، ويريد هذا الزوج المطلق أن يبقيها زوجة يعاشرها معاشرة الازواج والمرأة لا تستطيع إثبات طلاقها الثلاث منه ولا يصدقها أحد فيما تقول أو تدعيه لعدم وجود شهود ولا اقرار منه، ولا تستطيع ان تفعله هذه الزوجة الا الفرار الى أهلها ان كان لها أهل ثم يطلبها هذا الزوج الفاسق لطاعته فترفض لان دينها يمنعها من اجابة طلبه ولكنها تستطيع اقناعه بالخلع بأن تفتدي نفسها منه بعرض ما يرضيه من المال مقابل خلعها، ففي هذه الحالة يجب عليها استعمال حقها في الخلع لتتخلص من هذا الرجل الفاسق. ومثل هذه الحالة لو ارتد الزوج بما يفعله او يقوله أمام زوجته ولا يعترف بردته ولا يرجع عنها بل يصر عليها فان نكاح هذه الزوجة منه ينفسخ ولا تعود له الا بالتوبة النصوح عن ردته فاذا أصر على ردته ولا تستطيع زوجته إثبات ذلك لعدم الشهود على ردته، أو لأن القضاء في بلدها لا يعترف بانفساخ عقد النكاح بما يسمى في الاسلام (ردة) فما على هذه الزوجة الا أن تستعمل حقها في الخلع فتطلب منه المخالعة على مال يرضيه لتفتدي من هذا الزوج المرتد.
26) واستعمال الزوجة حقها في الخلع في الحالات الثلاث التي ذكرناها هو استعمال لحقها في الخلع بضوابطه الشرعية التي يمكن أن تتحقق به الحكمة من تشريع الخلع واعطاء الزوجة الحق في استعماله.
27) حالات طلب الخلع من قبل الزوجة مع خلو هذه الحالات من الضابط الشرعي لاستعمال حقها في الخلع، فما هي هذه الحالات؟
28)
الحالات التي يخلو فيها الضابط الشرعي في طلب الخلع
أ-
الحالة الأولى – يكره فيها للزوجة طلب الخلع:
قال الامام الخرقي الحنبلي (ولو خالعته لغير ما ذكرنا كره لها ذلك ووقع الخلع) وقال ابن قدامة الحنبلي تعليقاً على قول الخرقي:( والظاهر انه اراد اذا خالعته لغير بغض ولا خشية من أن لا يقيما حدود الله، لأنه –أي الخرقي- قال (كره لها) فدلَّ ذلك على أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة والاخلاق ملائمة فانه يكره لها ذلك أي طلب الخلع.
وفي الكافي في فقه الحنابلة (النوع الثاني من الخلع: المخالعة منها لغير سبب مع استقامة الحال – أي بين الزوجين – فذهب اصحابنا الى انه صحيح مع الكراهة، وصحته تعني ترتب آثار الخلع على هذا الخلع المنعقد مع الكراهة ومن آثاره جواز بذل بدل الخلع من مال الزوجة وجواز أخذه من قبل زوجها. ومع صحة الخلع في هذه الحالة في أحكام الدنيا فان الشأن بالمرأة المسلمة الصالحة أن لا تستعمل المكروه ولا تنفق مالها في استعمال المكروه، فلا تستعمل حقها في هذه الحالة لان هذا الاستعمال لا يحقق الغرض المقصود من منح حق الخلع للمرأة وهو دفع الضرر عنها اذ لا ضرر عليها في هذه الحالة حيث العلاقات – أي بين الزوجين- حسنة والحقوق التي لكل منهما للآخر مؤداة أداءً حسناً.
وقال الشافعية يباح طلب الخلع ولا يكره في هذه الحالة فقد قال الامام الشيرازي الشافعي (وإن لم تكره منه شيئاً- أي وان لم تكره الزوجة من زوجها شيئاً – وتراضيا على الخلع من غير سبب جاز الخلع لان الخلع شرع لدفع الضرر فجاز من غير ضرر كالإقالة في البيع).
والراجح قول الحنابلة فان طلب الخلع في هذه الحالة مكروه وان كانت كراهته لا تبطله ولكن تجعل المسلمة تتوقاه وان فعلته صح في احكام الدنيا.
29)
ب-
الحالة الثانية- يحرم على الزوجة طلب الخلع:
قال ابن قدامة الحنبلي (اذا كانت الحال بين الزوجين جيدة والاخلاق ملائمة فانه يكره لها ذلك- أي يكره للزوجة طلب الخلع) ثم قال ابن قدامة: (ويحتمل كلام احمد أي الامام احمد ابن حنبل –تحريمه فانه قال: الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر، فهذا الخلع) وهذا يدل على أن الخلع لا يكون مباحاً الا في هذه الحالة وهي حالة كراهة الزوجة لزوجها وفي غير هذه الحالة يكون محظوراً غير جائز. وهذا قول ابن المنذر وداود. وقال ابن المنذر وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من اهل العلم لان الله تعالى قال (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) فدلّ بمفهومه على أن الجناح لاحق بهما اذا افتدت من غير خوف ألا يقيما حدود الله. ثم غلظ بالوعيد فقال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وروى ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس – أي من غير شدة تلجئها الى طلب الخلع- فحرام عليها رائحة الجنة) وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة ولأنه اضرار بها وبزوجها وازالة لمصالح النكاح من غير حاجة فحرم لأنه لا ضرر ولا ضرار.
وقال الفقيه ابن حزم الظاهري (اذا كرهت المرأة زوجها فخافت أن لا توفيه حقه أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها فلها أن تفتدي منه. ولا يحل الافتداء الا بأحد الوجهين المذكورين أو باجتماعهما).
ومعنى ذلك انه يحرم طلب الخلع في غير الحالتين اللتين ذكرهما ابن حزم رحمه الله.
30)
طلب المرأة الخلع للخلاص من عضل الزوج لها
قال تعالى وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ...)ومعنى العضل التضييق والشدة والمنع والإضرار. وقال الامام ابن كثير في تفسير قوله تعالى (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي به. وكذا قال الضحاك وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير رحمه الله.
31) ولاشك في اباحة طلب الخلع من قبل المرأة في هذه الحالة –حالة عضله لها- لأنه اذا كان للزوجة الحق في طلب الخلع بسبب كراهتها له، فطلبها الخلع في حال عضل الزوج لها يكون مباحاً من باب أولى لان عضل الزوج إضرار بها ولا ضرر ولا ضرار، ولان عضله ظلم، وليس من شرع الله منع المظلوم من رفع الظلم عنه وهو قادر على رفعه بما شرعه الله تعالى وأباحه من وسائل دفع ورفع الظلم عنه.
32)
أقوال الفقهاء في خلع المرأة في حالة عضل الزوج لها.
قال الفقيه ابن قدامة الحنبلي: إن عضل زوجته وضارها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود روى ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب والزهري وبه قال مالك والثوري وقتادة والشعبي واسحاق وقال ابو حنيفة العقد – أي عقد الخلع – صحيح والعوض لازم وهو آثم وهو عاصٍ، وفي كشاف القناع في فقه الحنابلة: وإن عضلها ظلماً لتفتدي نفسها فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها.
33)
التعقيب على اقوال الفقهاء وبيان الراجح منها:
أ- القول ببطلان الخلع في هذه الحالة بمعنى اعتباره والمعدوم سواء وبالتالي لا تأثير له في الرابطة الزوجية لأنها تبقي كما صرح صاحب كشاف القناع.
هذا القول ضعيف بل وغير صحيح، لأن الخلع عقد وقد تم بإرادة الطرفين ورضاهما: بإرادة الزوجة ورضاها للتخلص من عضل الزوج، وبإرادة الزوج ورضاه ليأخذ بدل الخلع، والخلع ما شرع الا لدفع الأذى والظلم عنها ولو بما تبذله من مال لتحقيق هذا الغرض فكيف يصح القول ببطلان مثل هذا الخلع وابقاء الرابطة الزوجية؟ وعلى هذا فما نقل من قول ابي حنيفة رحمه الله بأن عقد الخلع صحيح هو قول صحيح ارجحه من جهة كونه ينتج الفرقة بين الزوجية.. كما أن المالكية اعتبروا الخلع صحيح من هذه الجهة لانهم قالوا: إنَّ به تبين المرأة كما سنذكر نص كلامهم.
34) ب- أما من جهة بدل الخلع وهو ما تقدمه المرأة من مال لقاء رضا زوجها بالمخالعة معها، فانه لا يستحق هذا البدل لأنه أخذ ما لاحق له فيه فيكون بحكم الغاصب لأنه اكرهها على بذله للتخلص من ظلمه وعضله، وبالتالي ما ذهب اليه الجمهور من عدم استحقاق الزوج العاضل بدل الخلع قول صحيح وهو ما أرجحه وان ما ذهب اليه الامام ابو حنيفة من أن (العوض لازم) أي يلزم الزوجة المخالعة أداؤه الى زوجها العاضل هو قول مرجوح ولا يكفي لحوق الاثم به لأن هذا من أحكام الآخرة، وهذا لا يمنع إجراء الحكم المناسب له في الدنيا.
والواجب عليه في الدنيا هو رد ما أخذه من بدل الخلع إن كان قد استلمه وعدم استحقاق أخذه ان لم يستلمه من الزوجة وكل هذا اذا أثبتت الزوجة عضل الزوج لها.
35) والخلاصة فإن الراجح في مسألة عضل الرجل امرأته ليحملها على الخلع ليحصل على بدل الخلع، هو أن الخلع يقع منتجاً أثره في وقوع الفرقة بين الزوجين، اما بالنسبة لبدل الخلع أي (العوض) فانه لا يستحقه الزوج لأنه أخذه او يريد أخذه بغير وجه حق بل بالظلم والتعدي، ولا يصلح الظلم والتعدي سبباً لأخذ مال الغير.
36) وانقل فيما يلي قول المالكية في مسألة طلب الخلع من المرأة بسبب عضل الزوج لها، وعدم استحقاقه العوض أي بدل الخلع وهو ما ارجحه:
جاء في الشرح الصغير للدرديري في فقه المالكية: (ولها – أي للزوجة – حيث خالعت زوجها بمال وادعت انها إنما خالعته لضرر منه يجوز التطليق به رُدَّ المال الذي أخذه الزوج منها إن اقامت بينة تشهد لها على الضرر لو بسماع بأن تقول البينة – أي الشهود – لم نزل نسمع انه يضارها، وإن اسقطت القيام بها بأن قال لها أنا اخالعك بشرط أن تسقطي حقك من القيام ببينة الضرر فوافقته، فلها أن تقيمها بعد الطلاق وتأخذ منه المال الذي دفعته له على الأصح لان الضرر يحملها على ذلك قهراً فلا يعمل بالتزامها لذلك وبانت منه) أي وقعت الفرقة بينهما بطلاق بائن لأن الخلع عند المالكية طلاق بعوض كما ذكرنا هذا عنهم من قبل.
37)
أهلية الزوجة لاستعمال حقها في الخلع
ويشترط في الزوجة التي تعقد عقد الخلع بنفسها لنفسها اهليتها لاستعمال حقها في الخلع لان هذه الاهلية من جملة الضوابط الشرعية او من جملة ما يشمله مفهوم الضابط الشرعي لاستعمال الزوجة حقها في الخلع على وجه مقبول يحقق الغرض المقصود من تشريع الخلع.. وتتحقق هذه الأهلية في الزوجة أن تكون زوجة شرعاً لمن تخالعه وان تكون بالغة عاقلة وان تكون جائزة التصرف بمالها ومنه التبرع بمالها.
وانما تكون زوجة شرعاً لمن تخالعه اذا كانت زوجة له بعقد نكاح صحيح شرعاً، اما لو كانت زوجة له بعقد نكاح فاسد فإنها لا تكون زوجة له شرعاً، فلا حاجة لها بالخلع، لأن عقد النكاح الفاسد واجب الإبطال ويجب التفريق بين الزوجين لأنه لا يقيم رابطة زوجية شرعية محترمة تستحق الابقاء، وإنما تستدعي القطع والالغاء لقيامها على عقد فاسد بحكم الشرع فلا حاجة لها بالخلع لان المقصود بالخلع انهاء عقد النكاح وقطع الرابطة الزوجية وبالعقد الفاسد يجب الغاؤه شرعاً وقطع الرابطة الزوجية القائمة عليه.
38) والزوجة شرعاً إذا طلقها زوجها طلاقاً رجعياً فلها ان تطلب الخلع منه مادامت في العدة لان الطلاق الرجعي لا يرفع الحلّ ولا يزيل الملك مادامت المطلقة في العدة. قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى (والرجعية – أي المطلقة طلاقاً رجعياً – ولاتزال في عدتها يلحقها طلاقه وظهاره وإن خالعها صحَّ خلعه), وكذلك قال فقهاء المذاهب الأخرى.
ومعنى ان تكون الزوجة المختلعة أي التي تطلب الخلع، بالغة عاقلة رشيدة، أي تكون جائزة التصرف بمالها بما في ذلك اهليتها بالتبرع بمالها، وانما اشترط هذا الشرط في الزوجة التي تطلب الخلع لان الخلع في حق الزوجة يعتبر معاوضة فيه شائبة التبرع لأنها تبذل المال – بدل الخلع – فيما لا يعتبر مالاً وهو خلاصها من قيد النكاح عن طريق الطلاق الذي يوقعه الزوج لقاء هذا المال – بدل الخلع – قال الامام ابن قدامة الحنبلي رحمه الله(وظاهر كلام احمد ان للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع والمعاوضة وهذا احدى الروايتين عن احمد وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر).
39)
العوض في الخلع
المراد بالعوض في الخلع ويسمى ايضاً (بدل الخلع) هو المال الذي تلتزم المرأة بدفعه الى زوجها عند طلبها الخلع منه في حالة موافقته على الخلع. فالعوض من مقومات عقد الخلع بالمعنى الاصطلاحي له ولذلك يذكر في تعريفه في الاصطلاح. ولكن اذا لم يذكر العوض في إنشاء عقد الخلع فهل ينعقد هذا العقد ويقع الخلع به صحيحاً منتجاً آثاره؟ أقوال للفقهاء في مذهب الحنابلة روايتان: عن الامام احمد (الاولى) يصح الخلع بلا عوض لأنه قطعٌ للنكاح فصح من غير عوض كالطلاق، ولأن الأصل في مشروعية الخلع ان توجد من المرأة رغبة عن زوجها وحاجة الى فراقه فتسأله فراقها فان أجابها حصل المقصود من الخلع فصح كما لو كان بعوض (والرواية الثانية) عن الامام احمد رحمه الله: لا يكون خلع بلا عوض ولكن إن تلفظ به – أي لفظ الخلع – ونوي الطلاق كان طلاقاً رجعياً لأنه يصلح كناية عن الطلاق، وإن لم ينو به الطلاق لم يكن شيئاً والظاهر ان فقهاء الحنابلة المتأخرين اعتمدوا الرواية الثانية عن الامام احمد فلم يذكروا معها الرواية الأولى، ففي كشاف القناع من كتب فقهاء الحنابلة المتأخرين جاء فيه (ولا يصح الخلع الا بعوض لأنه ركن فيه فان خالعها بغير عوض لم يقع خلع ولا طلاق الا أن يكون بلفظ طلاق او نيته – أي بالتلفظ بلفظ الخلع مع نية الطلاق– لأنه كناية فيقع طلاقاً رجعياً لأنه يصلح كناية عن الطلاق فان لم ينو طلاقاً لم يكن شيئاً).
ب- وقال المالكية يصح الخلع بعوض وبغير عوض وهو بنوعية طلاق بائن.
ج- وعند الحنفية يصح الخلع بلا ذكر العوض فقد قالوا: لو قال لها: اخلعي أو خالعتك ولم يذكر عوضاً فقبلت الزوجة وقع الخلع صحيحاً مسقطاً للحقوق المتعلقة بالزوجية، ولكن لو قال لها : خلعتك بلا ذكر العوض ناوياً الطلاق وقع طلاق بائن لان لفظ خلعتك من كنايات الطلاق فيقع به الطلاق بائناً دون توقف على قبول الزوجة ولكن لا يسمى هذا خلعاً شرعياً بل هو طلاق بائن غير مسقط للحقوق المتعلقة بالزوجية.
40)
القول الراجح
والراجح عدم وقوع الخلع بلا ذكر العوض وهي الرواية الثانية عن الامام احمد والتي استقر عليها فقهاء الحنابلة المتأخرون كما قلنا لان حقيقة الخلع ومقوماته تقوم على طلب انهاء عقد النكاح بمال تبذله الزوجة لزوجها لتحمله على قبول الخلع وانهاء عقد النكاح به. فإذا لم يذكر العوض يبقى أمامنا التلفظ بلفظ (الخلع) وهو من كنايات الطلاق فأرجح حمله على انه من كنايات الطلاق البائن لان لفظ (الخلع) يقع به هذا الطلاق لو ذكر العوض فعند عدم ذكر العوض يبقى صالحاً لحمله على ارادة الطلاق البائن لان اللفظ يصلح كناية عنه واستعماله يدل على ارادة الطلاق البائن كما ذهب اليه المالكية والحنفية.
41)
مشروعية العوض بذلاً وأخذاً
لا خلاف في مشروعية ذكر العوض في عقد الخلع وان كان الخلاف في كونه ركناً فيه لا يقع الخلع بمعناه الاصطلاحي الا بذكره كما بينا ولكن اذا كان ذكر العوض مشروعاً حائزاً على رضا وموافقة الزوجين طرفي عقد الخلع فهل هذا يكفي للقول بمشروعية بذله من قبل الزوجة ومشروعية وحلّ أخذه من قبل الزوج؟ وقد يكون هذا التساؤل غريباً مادام ان ذكر العوض كان برضا وموافقة الزوجين فما وجه السؤال عن حلّ بذله من قبل الزوجة وحل أخذه من قبل الزوج؟ والجواب لا غرابة في السؤال لأن رضا وموافقة طرفي التصرف او العقد لا يكون دائماً مبيحاً لبذل المال من طرف ومبيحاً لأخذه من الطرف الآخر ألا يرى ان عقد الربا يتم برضا الطرفين ولكن لا يحل بذلاً واخذاً؟ واذا كان الأمر كما ذكرنا فإن جواز بذل العوض وجواز أخذه يختلف باختلاف الحالات على النحو الآتي:
42)
الحالة الأولى – جواز بذل العوض وأخذه
وهذه الحالة هي حالة إباحة طلب الخلع من المرأة، وتكون في حالة كراهية المرأة لزوجها وكراهية المقام عنده مع خوفها ان لا تقوم بحقوقه عليها بسبب هذه الكراهية مع ان زوجها غير مقصر معها في حقوقها عليه كما بينا من قبل.
43)
الحالة الثانية- جواز البذل والأخذ مع الكراهة
وقد تكون العلاقة جيدة والعشرة حسنة بين الزوجين فلا كراهة بينهما ولا تقصير في أداء الحقوق من قبل احدهما للآخر ومع هذا تطلب الزوجة الخلع وتعرض العوض لزوجها ليقبل الخلع. ففي هذه الحالة الخلع مكروه واذا انعقد عقده وقع صحيحاً مع الكراهةومن آثار صحته في أحكام الدنيا جواز بذل العوض من قبل الزوجة مع كراهة هذا البذل وجواز أخذه من قبل الزوج من غير كراهة.
44)
الحالة الثالثة- جواز البذل وحرمة الأخذ
وهذه الحالة حالة طلب الزوجة الخلع للخلاص من عضل زوجها لها ببذل يقبله الزوج لقاء الخلع وهذا الجواز للمرأة في بذل العوض هو للخلاص من اضرار الزوج بها مع عدم استطاعتها دفع اضراره بها بغير وسيلة الخلع وبذل المال فيجوز لها ذلك ويحرم على زوجها أخذه وان كان من حقها استرداده من الزوج اذا اثبتت عضله لها.
45)
الحالة الرابعة- وجوب البذل وحرمة الأخذ
واذا وجبت الفرقة بين الزوجين شرعاً كما لو ارتد الزوج أو طلقها طلاقاً بائناً بينونة كبرى ويرفض الاعتراف بذلك ويريد ابقاءها زوجة له يعاشرها معاشرة الأزواج ولم يكن لهذه المرأة من سبيل لإثبات ما صدر من ردته او من طلاق بائن ولم تستطع الخلاص منه الا انها تستطيع ذلك عن طريق الخلع بأن تعطيه ما يرضيه من مال ليخلعها، ففي هذه الحالة يجب عليها الخلع وبذل هذا المال لأنه تعين في حقها وسيلة وحيدة للخلاص من هذا الرجل المرتد الفاجر. ولها بعد وقوع الخلع واثباته قضاء أن تطالب باسترداده اذا تمكنت اثبات ردته او طلاقه لأنه في هذه الحالة تبين ان ما أخذه من مال لا يستحقه لأنه لم يخالع ولم يخلع زوجة له وإنما امرأة اجنبية عنه لان ما كانت زوجة له صارت اجنبية عنه بردته او بطلاقه البائن الذي اوقعه عليها، ومن اخذ مال الغير بغير وجه حق عليه رده وللمأخوذ منه أن يطالب باسترداده.
46)
الحالة الخامسة- جواز البذل وحرمة الأخذ
وهذا الجواز للمرأة في البذل وحرمة الأخذ من قبل الزوج يكون في حالة استحباب طلب الخلع من المرأة بسبب تقصير الزوج في أداء ما أوجبه الله عليه كترك الصلاة أو في فعل ما حرمه الله عليه كعمل الفاحشة في بيته او لعب القمار او شرب الخمر مع اصحابه في بيته، فللمرأة على وجه الاستحباب ان تطلب الخلع لأن المرأة المسلمة تتضرر من هذه الأفعال يرتكبها زوجها مع اصراره عليها، فإذا كان في طلب الخلع من قبلها يؤدي الى ما تريد من وقوع الفرقة جاز لها بذل العوض أي بدل الخلع، وما قلناه من استحباب لطلب الخلع وجواز لبذل العوض انما هو في حالة عدم استطاعة الزوجة طلب التفريق من القاضي لهذه الاسباب اما لعدم قدرتها على تقديم ما يثبت ما تدعيه في زوجها أو لأن القاضي لا يرى من احوال زوجها ما يستوجب الحكم لها بالتفريق.
الفصل الخامس
موافقة الزوج على الخلع
47)
الخلع عقد فلا ينعقد إلا بموافقة الزوج
إذا طلبت المرأة الخلع وكان طلبها مشروعاً مستكملاً كافة شروط انعقاده وصحته الظاهرة والباطنة فلا ينعقد عقد الخلع وبالتالي لا ينتهي به عقد النكاح الا اذا وافق الزوج على طلب زوجته الخلع، لأن الخلع عقد وكل عقد لا ينعقد الا بإيجاب من احد طرفيه وقبول من الطرف الآخر، فليس الخلع تصرفاً بالإرادة المنفردة حتى يقع بمجرد طلبه من قبل الزوجة وانما هو تصرف باتفاق ارادتين أي بإيجاب وقبول من طرفيه وهما المرأة وزوجها.
48)
استحباب موافقة الزوج عل طلب امرأته الخلع
ويستحب للزوج أن يوافق على طلب زوجته المخالعة معه اذا كان طلبها الخلع مباحاً كما لو كانت تكرهه وتكره المقام معه وقد تحملها هذه الكراهة على التفريط في حقوقه عليها كما انه قد يقابلها بالمثل فيكرهها وتحمله كراهته لها على التفريط في حقوقها عليه كما بينا من قبل. فمن أجل ذلك كان المستحب له ان يوافقها على الخلع، جاء في كشاف القناع في فقه الحنابلة (ويسن له – أي للزوج – أجابتها أي اجابة طلب امرأته الخلع لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس الى النبي ﷺ فقالت يا رسول الله: ثابت بن قيس ما أعيب عليه من دين ولا خلق ولكن أكره الكفر في الاسلام. فقال النبي ﷺ: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فأمرها بردها وأمره – أي أمر النبي ﷺ زوجها – بمفارقتها والحديث رواه البخاري كما سنذكره فيما بعد.
49)
ليس من حق المرأة الزام زوجها بقبول الخلع
قلنا ان الخلع عقد فلا ينشأ الا باتفاق ارادتي طرفيه على إنشائه ولهذا اذا طلبت الزوجة الخلع من زوجها كان طلبها هذا ايجاباً والقاعدة في انشاء العقود ان من وُجِهَّ اليه الايجاب فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل فلا إلزام عليه بالقبول لمجرد صدور الايجاب من زوجته بطلبها الخلع. ثم من القواعد الفقهية لا إلزام على المرء الا بالتزامه أو بإلزام الشرع له، ولا يوجد واحد منهما بالنسبة للزوج اذا طلبت امرأته الخلع منه. كما انه لا يجوز اكراه الزوج على قبول الخلع فلا ينعقد العقد بالإكراه فقد جاء في الحديث النبوي الشريف (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
50) هل من حق المرأة الطلب من القاضي الحكم لها بالخلع بدون موافقة زوجها؟ وليس من حق المرأة الطلب من القاضي أن يحكم لها بالخلع بدون موافقة زوجها، لأن القاضي يحكم بالحق الذي يملكه المرء اذا طلب من القاضي الحكم له به، والمرأة لا تملك هذا الحق فلا يملك القاضي أن يحكم لها به وان طلبت ذلك منه.
51)
اعتراض ودفعه
وقد يُعترَض علينا أو تحتج المرأة بأن لها الحق في الطلب من القاضي أن يحكم لها بالخلع ولو بدون موافقة الزوج، ويقوم هذا الاعتراض أو احتجاج المرأة بما ورد في حديث رسول اللهﷺ بشأن قصة ثابت بن قيس مع امرأته بأن النبي ﷺ لما سمع ما أرادته امرأة ثابت بن قيس من مفارقته لأسباب ذكرتها وسألها النبيﷺ أتردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم أمر النبيﷺ زوجها بتطليقها واسترداد الحديقة منها. وهذا هو الخلع. ووجه الدلالة بهذا الحديث أن النبيﷺ أجاب طلب المرأة في مفارقة زوجها بعد رد الحديقة التي اعطاها لها مهراً كما جاء في بعض روايات هذا الحديث وأمر زوجها بتطليقها، والأصل في أمر النبيﷺ حمله على الإيجاب، فيجب أن يحكم القاضي بالخلع للمرأة إذا طلبته وان لم يقبل زوجها الخلع.
52)
الرد على هذا الاحتجاج
نذكر ما رواه الامام البخاري في صحيحه بشأن قصة امرأة ثابت بن قيس ثم نذكر شيئاً من شرحه ثم نذكر ردنا على ما اعتبروه دليلاً من هذا الحديث الشريف على ما قالوه في اعتراضهم او احتجاجهم.
53)
حديث الامام البخاري وشرحه ورد الاحتجاج به.
ا ولا-نص الحديث:
أخرج الامام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما ان امرأة ثابت بن قيس أتت النبي ﷺ فقالت يا رسول الله: ثابت بن قيس ما اعيب عليه في خلق ولادين ولكني اكره الكفر في الاسلام، وفي رواية أخرى (ما انقم على ثابت في دين ولا خلق ولكن لا اطيقه) فقال رسول الله ﷺ: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم فردت عليه – أي حديقته – وأمره بمفارقتها، وفي رواية اخرى قال رسول الله ﷺ لزوجها: أقبل الحديقة وطلقها تطليقة.
ثانيا-شرح بعض ما جاء فيه:
قول امرأة ثابت بن قيس (ما انقم على ثابت في دين ولا خلق) أي لا اريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقص في دينه. وقولها(ولكني اكره الكفر في الاسلام أي اكره ان أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر. ويحتمل أن تريد بالكفر كفران العشير اذ هو تقصير المرأة في حق زوجها. وقال الطيبي: المعنى أخاف على نفسي في الاسلام ما ينافي حكمه من نشوز وبغض وغيره مما يتوقع من الشابة الجميلة المبغضة لزوجها اذا كان بالضد منها – أي بأن يكون دميم الخلقة كما جاء في بعض روايات هذا الحديث عند غير البخاري وهو ما يشير اليه قولها (ولكني لا اطيقه).
54) ثالثاً-الرد على ما احتجوا به:
وقول رسول اللهﷺ لثابت بن قيس: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) هو أمرُ إرشاد واصلاح لا ايجاب، فلا حجة فيه لمن يجعل طلب المرأة الخلع ملزماً للزوج وان على القاضي ان يحكم به للزوجة اذا طلبته وكون ان صيغة الأمر الأصل فيها انها للإيجاب صحيح ولكن في هذا الموضع الذي نحن فيه انه يحمل كما قال ابن حجر العسقلاني على الارشاد والاصلاح لا على الايجاب بقرينة ان الخلع من مقوماته انه يكون على مال والتكييف الشرعي للخلع انه معاوضة فلابد لانعقاده من موافقة طرفيه كما هو الشأن في عقود المعاوضات. جاء في الشرح الصغير للدرديري في فقه المالكية (يجوز الخلع وهو الطلاق بعوض، وقال الصاوي تعليقاً على هذا القول : يفهم من قوله بعوض انه – أي الخلع – معاوضة. والخلع عند الحنابلة معاوضة فقد قالوا (فالخلع في حق الزوجة معاوضة فتطبق أحكام المعاوضة في حقها). وكذلك هو في حق الزوج يعتبر معاوضة فقد جاء في كشاف القناع في فقه الحنابلة (ولا يصح تعليقه – أي الخلع – على شرط كالبيع فلو قال لزوجته إن بذلت لي كذا فقد خلعتك لم يصح الخلع ولو بذلت له ما سماه كسائر المعاوضات اللازمة).
ومن القرنية على حمل أمر النبيﷺ ثابت بن قيس في تطليق زوجته واسترداد حديقته حمل هذا الأمر على الارشاد لا على الايجاب لأنه هو قول الفقهاء جميعاً فلا أعلم ان واحداً منهم قال بالزام الزوج بالخلع اذا طلبته المرأة فيكون القول بالزام الزوج بالخلع اذا طلبته الزوجة مخالفاً للأجماع وان كان اجماعاً سكوتياً لأنه لا قائل خلافه ومن القرنية ايضاً لحمل امر النبي ﷺ الوارد في حديث ثابت بن قيس مع امرأته حمله على الارشاد لا الايجاب انَّ حمله على الايجاب يجعل الطلاق بيد الزوجة من غير تفويض من الزوج ولا اشتراط له من قبلها في عقد النكاح وهذا خلاف الاصل والقاعدة في ان الطلاق بيد الزوج لا الزوجة.
الفصل السادس
الخلع في القوانين الوضعية
55) اولاً- في القانون اليمني:
جاء في قانون الاحوال الشخصية اليمني ما يأتي:
المادة 72- المعدلة – الخلع هو فرقة بين الزوجين في مقابل عوض من الزوجة أو من غيرها مالاً او منفعة ولو كان مجهولاً.
المادة73 – يتم الخلع بالرضا بين الزوجين أو ما يدل عليه عقداً كان أو شرطاً. ويشترط في الخلع ما يشترط في الطلاق وأن تكون الزوجة جائزة التصرف بالنسبة للخلع.
المادة 74 – يعتبر الخلع طلاقاً بائناً بينونة صغرى مالم يكن مكملاً للثلاث فبائناً بينونة كبرى، ويجب الوفاء بالبدل.
56) وما جاء في هذه المواد بشأن الخلع لم يخرج عما هو مقرر في الفقه الاسلامي بمذاهبه المختلفة. ومالم يرد فيه من تفصيلات وجزئيات الخلع فأن أحكامها تعرف بالرجوع الى الشريعة الاسلامية بمذاهبها الفقهية المختلفة، سواء كانت هذه الاحكام جرى تقنينها أو بقيت بدون تقنين.
ويلاحظ أخيراً من هذه المواد انها اشتملت على ذكر العنصرين المهمين في الخلع والذين بدونهما لا يصح الخلع وهما : موافقة الزوجين على عقد الخلع، وذكر العوض في عقد الخلع.
57) ثانياً – في القانون المصري
صدر في مصر تعديل او اضافة لقانون الاحوال الشخصية المصري يتعلق بالخلع ويقضي بوقوع الخلع والحكم به اذا طلبته الزوجة دون حاجة لموافقة ورضا زوجها بشرط ان ترد اليه الزوجة ما اعطاها من مهر وغيره.
58)
التعقيب على هذا القانون
ان هذا القانون بشأن الخلع من جهة وقوعه صحيحاً بطلب الزوجة من غير حاجة لموافقة زوجها ورضاه، هو قانون مخالف للشريعة الاسلامية حيث ان الخلع بمعناه الاصطلاحي وما يستلزمه ليقع صحيحاً من موافقة الزوج على طلب الزوجة الخلع، هو مما دلّ عليه الكتاب والسنة وانعقد عليه الاجماع كما بينا في كلامنا عن مشروعية الخلع بل ان الاجماع على ضرورة موافقة الزوج على طلب زوجته الخلع لوقوع الخلع صحيحاً مما انعقد عليه الاجماع من عهد الصحابة الى يومنا هذا، ولذلك لم يقل احد من الفقهاء لا في القديم ولا في الحاضر بجواز الخلع من غير موافقة الزوج ورضاه حتى صار هذا الأمر مما يعرف من الدين بالضرورة، وبالتالي لا يجوز لولي الأمر أن يشرع مثل هذا القانون لأنه يدخل في مضمون معنى قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ). ثم ان واجب ولي الأمر أن يسوس الرعية وفقاً لما شرعه الله فهذا النهج في سياسة الرعية هو الذي يحقق المصلحة لها وبهذه السياسة الشرعية ينجو ولي الأمر من المسؤولية التي أشار اليها الحديث النبوي الشريف وفيه (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته... فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته.
59)
تبريرات غير مقنعة
وقد قيلت أو يقال تبريرات غير مقنعة لقانون الخلع المصري الذي أشرنا اليه فمن هذه التبريرات ما يأتي:
60) اولا: طلبت امرأة ثابت بن قيس الخلع من زوجها فأمر النبي ﷺ ان يطلقها تطليقة ويسترد منها حديقته التي اعطاها مهراً لها.
والرد على هذا الاحتجاج أن أمر النبي ﷺ لثابت بن قيس بأن يطلق زوجته التي طلبت الخلع منه هذا الامر النبوي الشريف كان على سبيل الارشاد والاصلاح وليس على سبيل الايجاب كما بينا من قبل.
61) ثانيا: قولهم ان تعليق وقوع الخلع اذا طلبته الزوجة على موافقة زوجها يجعل حق الخلع للزوجة لامعنى له ووجوده كعدمه ولا فائدة ولا مصلحة للزوجة فيه ولا يرفع الضرر عنها. والرد على هذا القول من وجوه:
الوجه الأول- تشريع الخلع عند وجود مبرراته الشرعية التي تجعل طلبه من قبل الزوجة مباحاً او مستحباً او واجباً كما بينا من قبل. يرفع الاثم عن الزوجة أو الكراهة اذا طلبت الخلع. والمسلمة حريصة على فعل ما ليس مكروهاً ولا محظوراً.
الوجه الثاني- في حالة إباحة طلب الخلع أو استحبابه أو وجوبه يباح للزوجة بذل مالها عوضاً في الخلع فلا تقع في حالة بذل المال على وجه السفه والتبذير او على غير ما يحبه الله ويرضاه.
الوجه الثالث- ان تشريع الخلع واباحة طلبه من قبل الزوجة عند شعورها بكراهية زوجها واستحباب اجابة طلبها من قبل الزوج فيه دلالة على مدى مراعاة الاسلام لمصلحة المرأة وشعورها بالكراهية لزوجها المقترن بخوفها من الله في هذه الحالة من اجل احتمال وقوعها في التقصير بحقوق زوجها عليها. وترغيب الشرع زوجها بإجابة طلبها المخالعة، وتشريع الخلع واعطاء الزوجة حق طلبه يحقق هذه الفوائد والمصالح ولا يستطيع تحقيقها اذا طلبت التفريق من القاضي بحجة اضرار الزوج بها لان الزوج لا يضرها وانما الضرر يأتيها من كراهيتها له وهو أمر لا دخل له فيه ومع هذا اباحت الشريعة لها ان تطلب الخلع ورغبت الشريعة للزوج في اجابة طلبها.
62) ثالثاً: واحتجوا بأن من قواعد الشريعة لا ضرر ولا ضرار، ودفع الضرر مسموح به ومرغوب فيه وهذا لا يتحقق في حق الزوجة الا بإعطائها حق الخلع والحكم لها به اذا طلبته دون توقف على موافقة الزوج، والرد على هذا الاحتجاج ان الخلع طريقة لدفع الضرر عن المرأة المتأتي بسبب منها وهو كراهيتها لزوجها بالكيفية التي ذكرناها في الفقرة السابقة، كما ان هناك ضرراً يلحق الزوجة بصدور شيء من زوجها يفسخ النكاح كردته وطلاقه بالثلاث ولا تستطيع ان تتخلص من اصراره على ابقائها زوجة له الا بالخلع لعدم قدرتها على اثبات ردته او طلاقه الثلاث ويمكنها ذلك بالخلع والعوض فيه. فحق الخلع للمرأة يحقق لها دفع اضرار معينة غير الاضرار المتأتية من زوجها وتستطيع اثباتها امام القضاء.
63) رابعاً: واحتجوا بأن من اصول الشريعة مراعاة المصلحة، ومن مراعاة مصلحة الزوجة اعطائها حق الخلع واستعماله وايقاعه من غير حاجة لموافقة زوجها، لان تعليق وقوعه على موافقة الزوج قد يفوت عليها المصلحة من اعطائها حق الخلع لأنه يستطيع أن يتعسف في حقه في قبول الخلع ورده فلا يتقبل الخلع. والرد على هذا القول من وجوه:
الوجه الأول: المصلحة في تعليق الشروع وبالكيفية المشروعة للتطبيق وليس في مخالفة الشروع.
الوجه الثاني: لا يصار الى المصلحة مع وجود النص او الاجماع على كيفية استعمال حق معين، وحق الخلع وحد النص والاجماع على كيفية استعماله ووقوعه صحيحاً، فالمصلحة بالالتزام بهذه الكيفية. وعند عدم وجود النص أو الاجماع على مشروعية أمر من الامور عند ذلك نذهب الى الاحتجاج بالمصلحة المرسلة عند تحقق شروطها.
الوجه الثالث: ان الشروع هو حق المرأة في الخلع، والخلع له ماهية معينة وحقيقة معينة فإذا زالت هذه الماهية عنه أو خولفت لا يجوز اطلاق اسم (الخلع) عليه ولا ابقاء اسم (الخلع) عليه فهذا تلبيس وإيهام واخفاء للحقائق، ويدخل في مفهوم كتمان ما أنزل الله وشرّعه لعباده بالنص او بدلالة النص أو بالحمل عليه او بالأجماع وهذا لا يجوز.
64)
كلمة ختامية
واختم هذا البحث الموجز بالدعوة الى اهل العلم بضرورة تنبيه اولي الأمر بعدم جواز اصدار ما يخالف شرع الله، وما صدر مخالفاً لشرع الله يجب ابطاله، فإن هذا الصنيع من اهل العلم يدخل في باب النصيحة لولاة الأمر كما جاء في حديث رسول الله ﷺ: (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال ﷺ: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.
الدكتور عبدالكريم زيدان
صنعاء في 14/7/1425هـ الموافق لـ 31/8/2004م
نشرت بتاريخ: 2015-02-19 (11294 قراءة)