نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
هُزَال الروح اعراضه واسبابه وعلاجه
رسالة داخلية كتبها الاستاذ عبدالكريم زيدان للإخوان في العراق ووزعت عليهم في بداية الستينيات من القرن الماضي, ثم أُعيد طبعها وتوزيعها في بداية الثمانينيات من قبل رابطة الشباب العربي المسلم في امريكا.
الرسالة تستعرض مرض اصاب – ويصيب - الكثير من المسلمين وتقدم العلاج له بأسلوب عملي, مختصر, واضح ومركز.
بقلم/ الاستاذ عبدالكريم زيدان
أيها المسلمون الأعزاء... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
هناك ظاهرة خطيرة عند بعض المسلمين يلمسها المتأمل في أحوالهم المخالط لهم السامع لأحاديثهم المحدق في وجوههم تلك الظاهرة هي ضعفهم في الناحية العبادية وهزال الجانب الروحي فيهم وهو أمر نعتبره خطيرا ومضعفا لقوة المسلمين ومشيرا إلى ابتعادهم عن نهجهم الذي عرفوا به فالإسلام يؤكد في كثير من آيات القرآن على جانب الروح ومعاني العبادة ودوام الاتصال بالله تعالى واستحضار خشيته والإنابة إليه والوثوق بما عنده والاعتماد عليه.
وكذلك جاءت السنة النبوية مؤكدة على هذه النواحي ضاربة الأمثال لتقريب معانيها إلى الأذهان. وبقدر تحقيق هذه المعاني عند المسلم تقوى روحه وتتفتح وتنشط طاقتها على حمل أعباء الدعوة والقيام بتكاليفها وتذوق طعم الإيمان وتزهد في الدنيا وتطمع بما عند الله وتهون عليها الشدائد وتنال الروح غذائها الطبيعي الذي لا حياة لها إلا به وإذا فاتت المسلم هذه المعاني هزلت روحه, وإذا طال بها الهزال مرضت وإذا طال بها المرض ماتت والعياذ بالله.
ومظاهر هزال الروح وضعفها كثيرة نذكر بعضها فيما يلي على سبيل المثال وللتحذير والتنبيه ليسارع المسلم إلى العلاج قبل استفحال الداء واستعصاء الشفاء والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
أولاً: الشعور بقسوة القلب وخشونته
حتى ليحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجراً صلداً لا يرشح منه شيء, ولا يتأثر بشيء, ولا يرق لشيء, وليس في قولنا هذا مبالغة ولا تهويل فقد اثبت القران أن القلب يقسو حتى يصبح كالحجارة, قال تعالى في سورة البقرة: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).
ثانياً: انحباس الطبع وضيق الصدر
حتى كأن على الصدر ثقلاً كبيراً ينوء به ويكاد يلهث تعباً منه, والتأفف والتضجر من لا شيء والشعور بالقلق والضيق بالناس وعدم المبالاة بما يصيبهم من نكبات ومصائب, بل والشعور بكرههم.
ثالثاً: عدم التأثر بآيات القرآن
ولا بوعيده وتخويفه ولا في طلبه ونهيه ولا في وصفه ليوم القيامة فهو يسمع القرآن كما يسمع أي كلام آخر, بل ويضيق بسرعة كما يضيق بأي كلام آخر يسمعه من الغير. لا يستطيع أن يتلو القرآن لدقائق معدودة, وإذا سمعه لا ينصت إليه.
رابعاً: لا تؤثر به موعظة
ولا رؤية الأموات ولا الجنائز يحملها بنفسه, ولا الجثمان يواريه بيده في التراب. يسير بين القبور كما يسير بين الأحجار, ولا يهتم بمصيره ولا بموته.
خامساً: يزداد شغفه بملذات الدنيا
وتهيج فيه شهوات الجسد ويسرح في هذه الشهوات فكره ويستروح إليها. يحس بألم إذا رأى غيره نال شيئاً من حضوض الدنيا كالمال والجاه والمنصب والملبس الحسن والمسكن, ويعتبر نفسه مغبوناً وسيْء الحض لأنه لم ينل ما ناله غيره. ويحس بألم أكثر وانقباض أكبر إذا رأى صديقه أو أخاه نال شيئاً من هذه الحضوض, وقد يحسده ولا يحب دوام ما عليه أو لا يأسف إذا فاتته.
سادساً: ظلمة في روحه تنعكس على وجهه
يبصرها أصحاب الفراسات الإيمانية الذين يبصرون بنور الله. ولكل مؤمن نور بقدر إيمانه يرى به ما لا تراه العين, وقد تكون هذه الظلمة شديدة تنعكس بوضوح على وجهه فيراها أضعف أصحاب الفراسات الإيمانية, إذ يكفي لرؤيتها نور إيماني قليل. وقد تضعف هذه الظلمة فتنعكس هكذا ضعيفة على الوجه فلا يبصرها إلا أصحاب الفراسات الإيمانية القوية.
سابعاً: تكاسل عن أعمال الخير
وعن العبادات والتفريط بها وعدم الاهتمام بها, فالصلاة يؤديها مجرد حركات وقراءات وقيام وقعود ولا أثر فيها مطلقاً, بل يضيق بها كأنه في سجن يريد قضائها سريعاً. وفي كتاب الله في أوصاف المنافقين (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ), وهل النفاق إلا هزال شديد في الروح إن لم يكن موتاً لها, بينما صاحب الروح النشيطة يتذوق حلاوة الصلاة ويستريح بها من متاعب الحياة, وفي قول الرسول ﷺ لبلال ( قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ) ما يكفي للتدليل على صحة ما نقول.
ثامناً: غفلة هائلة عن الله تعالى
فلا يذكره بلسانه ولا يذكره وهو يرى مخلوقاته بل وقد يثقل عليه مجرد ذكر الله ويثقل عليه مجرد دعائه فلا يدعو. وإذا رفع يده فسرعان ما يقبض يده ويمضي إلى سبيله.
هذه بعض أعراض هزال الروح وضعفها ثم موتها ... فما العلاج؟!
الـعـلاج
أولاً: استدامة ذكر الله
ونعني بذكر الله جملة أمور منها .. ذكره باللسان مع مواطئة القلب لذكر اللسان, والتفكر بمخلوقات الله, والاستدلال بها على عظيم قدرته ودقيق حكمته وعموم رحمته ودوام الافتقار والحاجة إليه, واستحضار رقابته وهيمنته الكاملة على الإنسان وضرورة الحياء منه, إن هذه المعاني لا يمكن تحصيلها بسهولة ويسر لهزيل الروح فلا بد من الصبر والعزم وعدم التضجر والبدء بتحصيلها شيئاً فشيئاً وكلما حصّل من هذه المعاني شيئاً قويت روحه, وقل هزالها حتى تزول أعراض المرض ويدخل في دور النقاهة ثم الشفاء ثم عند ذلك سيحسُ بلذة هذه المعاني فيزداد إقباله عليها .. إنه يشبه مريض الجسد لا يشتهي الأكلات الطيبة ولا يستطيع أن يأكل منها كثيراً لأنه مريض ولكن بمرور الأيام وبدوام تناول الأطعمة قليلاً قليلاُ يقوى جسده وتزول عنه الأعراض ثم يشفى ثم يغدو صحيح الجسد يقبل على المأكولات الطيبة برغبة وشوق.
ثانيا: استحضار معاني الآخرة وما يجري فيها من الأهوال
يود المرء أن لو استطاع الرجعة إلى الدنيا وانفق عمره كله للنجاة منها لفعل, وما كان مغبونا. ليتفكر المسلم أن أول منازل الآخرة القبر, فليحدق المسلم فيه وليطبع صورته المظلمة في ذهنه, ويستحضر رقدته فيه وحيدا لا أنيس له إلا عمله, إن كان عمله صالحا, وقديما كان لأحد الصالحين العارفين قبر حفره في بيته يدخل فيه بين الحين والحين كلما أحس بقسوة في قلبه يتمدد فيه, ثم يقرأ قوله تعالى في سورة المؤمنون: (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) ثم يقول ذلك العبد الصالح: يا نفس ها أنت قد رجعت إلى الحياة الدنيا فأعملي صالحا.
ثالثا: ليتذكر المسلم أن الموت اقرب إليه من شراك نعله
فلا يغره الشباب ولا تخدعه قوته وعافيته فالموت إذا نزل لا يعرف شبابا ولا تمنعه قوة ولا تصده عافية, ومن حكمة الله أن أرانا بأعيننا كيف أن الموت ينزل بالطفل وبالصبي وبالرجل وبالكهل وبالشيخ وبالسقيم, ليتذكر الإنسان انه معرض للموت في كل لحظة فيزداد حذره, ويتأهب لمغادرة الدنيا. والموت أيها المسلم وما أدراك بأهواله وبسكراته.
إن الشيطان ليجمع كل قوته وخبثه ومكره في تلك اللحظات انه يقول لنفسه: إن افلت مني هذا الإنسان فلن اقدر عليه مطلقا فيأخذ بإغرائه بالكفر ويحبب إليه الارتداد ويزين له الدنيا ويذكره بما كان يهواه منها ليصرفه عن الآخرة وحب لقاء الله ليموت كارهاً هذا اللقاء, فيختم له على الكفر نعوذ بالله من الخذلان. روي عن بعض العارفين انه جاءه أصحابه في مرض موته فرأوه يبكي فأخذوا يذكرونه بجميل فعاله وبعظيم رحمة الله فقال لهم: إني لأبكي على إيماني مخافة أن يسلب مني في سكرات الموت. وتوضيح هذه الحقيقة ليس هنا محل تفصيلها, ويكفي أن نقول للمسلم إن استحضار الموت وعدم نسيانه, يجعله يحس تماما بغربته في هذه الدنيا ويتذوق معنا قول رسولنا الكريمﷺ: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور).
إن هذا الإحساس بالغربة له آثار عجيبة منها:
-يهون على المسلم ما يلقاه في حياته من نَكَبَات وشَّدائد, فالأمر هين والمقام قليل والرحيل قريب.
- الم خفيف وانكسار القلب عن الفرح المذموم وتَجاف عن دار الغرور.
- امتداد نظر المسلم إلى موطنه الأصلي: دار الآخرة وعدم الاطمئنان بالحياة الدنيا , ولا الركون إليها فالغريب لا يرى مقامه في دار الغربة إلا مؤقتاً وقلبه يتلفت دائما إلى هناك ... إلى الدار التي تستعصي على الفناء إلى تلك الدار التي سينزلها حتما وليس فيها إلا نعيم أو شقاء.. إلا قرب من الله وتلذذ بالنظر إليه أو بعد وحجاب عنه.
قال تعالى في سورة القيامة: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ), ويقول تعالى في سورة المطففين: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ).
وإذا تذكر المسلم شقاء الآخرة ارتجف قلبه ووجل فؤاده واصفر وجهه ومَلَكَ عليه الخوف كل نفسه, والخائف لا بد أن يهرب من الخوف ويلتمس النجاة ولا نجاة إلا بالفرار إلى الله (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) وإذا تذكر المسلم الجنة ونعيمها مسته نسمات الأمل والرجاء, ومع الرجاء الحق بذل الجهد الحق الموصول للمأمول.
- المحافظة التامة على ما بيًنه الشارع من وسائل تطهير الروح وإنعاشها وإمدادها بالقوة والحياة. لان الروح تتسخ فتحتاج إلى غسل, وتفتر فتحتاج إلى نشاط, وتمرض فتحتاج الشفاء, وتضعف فتحتاج إلى ما يقويها وليس ذلك إلا بالعبادات والدوام عليها , وعلى رأسها الصلاة, وليس عبثاً أن يكون من آخر ما أوصى به النبي ﷺ: الصلاة.
هذه العبادة الحبيبة التي تغسل الروح من اكدارها وتصل العبد بربه والتي شبهها الرسول الصادق المصدوق ﷺ بالنهر أمام بيت المسلم يغتسل منه خمس مرات في اليوم. فكما أن هذا الغسل لا يبقي من درن الجسد شيئاً فكذلك الصلاة لا تبقي من درن الروح شيئاً.
- فعلى المسلمين الالتزام التام الكامل بأداء الصلاة في أوقاتها ولاسيما صلاة الفجر. فعليهم بأداء صلاة الفجر جماعة مع إخوانهم في مسجد محلتهم أو منطقتهم. فليحرص المسلمون على هذا الأمر فان في خروجهم من بيوتهم إلى صلاة الفجر في المسجد فوائد عظيمة جدا سيلمسونها بأيديهم. إنها تزيد من نشاطهم ومن اندفاعهم في العمل للدعوة وسيحسون بخفة أرواحهم وقوتها ويتذوقون بعض طعوم الإيمان وستشع على قلوبهم أنوار متنوعة ويصف رونق وجوههم إلى غير ذلك من الفيوضات الربانية التي ستنهمر عليهم بإذن الله تعالى.
- وعلى المسلم أن يقرأ مقداراً من القرآن قبل صلاة الفجر أو بعدها ثم يقرا من الذكر والدعاء والشكر والتسبيح بعد الصلاة ثم عليه بزيارة القبور بعد الفراغ من ذلك في الأسبوع مرة واحدة, ولتحقيق النهوض مبكرا لصلاة الفجر على المسلمين أن لا يسهروا بدون ضرورة وان يستعينوا بالساعات المنبهة.
أيها الإخوة.. يا من نحبهم كحب أنفسنا ونحتسب هذا الحب عند الله, ونرجو أن يجمعنا على الحق والجهاد في الدنيا وفي جنات النعيم في الآخرة.
إن ما ذكرناه لكم في هذه الورقات ليس كلاما لتزجية الفراغ ولذة الفكر وإنعاش النفوس لحظات ثم لا يكون بعد هذا الشيء.. إنما هو نهج لا بد أن تلتزموه فهو جزء من منهج الإسلام, به تستطيعون بإذن الله حمل الدعوة والجهاد في سبيل الله فعقدوا العزم على التنفيذ ومحاسبة النفوس واصدقوا الله يصدقكم.نشرت بتاريخ: 2015-02-17 (8417 قراءة)