نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
"مقومات الملَكَة الفقهية عند العلامة عبدالكريم زيدان" مقال للأستاذ الدكتور حسين الدليمي, نُشر في مجلة (تكوين) بعددها السادس عشر / السنة الثانية / ذو القعدة 1442هـ والتي ينشرها مشروع العالم الموصِل.
المقال تناول منهجية الافتاء عند علماء العراق من خلال دراسة الملَكَة الفقهية للشيخ عبدالكريم زيدان وما كان يتمتع به من مقومات هذه الملَكَة.
بقلم/ أ.د. حسين الدليمي
يتمتع العلامة الدكتور عبدالكريم زيدان (رحمه الله تعالى) في الاوساط العلمية بمكانة علمية مرموقة, فهو فقيه متمكن من الفقه ومتحكم به, يقرب احكامه للأفهام, ويجتهد في القضايا المعاصرة, ولديه خبرة ممتازة بالقانون, يصاحبها فقه واسع بالمذاهب والآراء وأدلتها وطريقة الاستنباط منها, وهو اصولي ومحقق بارع, ذو رأي صائب, واختيار موفق, ونظر دقيق, وهو ما جعله مؤهلاً لأن يحتل مكانة علمية بين أوساط الفقهاء والعلماء والمفكرين والدعاة في شتى أرجاء العالم الاسلامي, فضلاً عن شهرته في الوسط العراقي.
ولا اريد الحديث طويلا عن تلك الخصائص العلمية التي كان يتمتع بها الدكتور عبدالكريم زيدان, لأن المقام لا يتسع, ولأن الحديث عن ذلك سيقودنا للخروج عن فحوى الجزئية التي أريد التركيز عليها في هذا المقال.
والحقيقة عندما نريد الخوض في بسط جوانب المقومات الملَكَة الفقهية التي كان يتمتع الدكتور عبدالكريم زيدان, فإننا لا بد ان نعرج اولاً على بعض المقدمات التي قد تكون مدخلاً مهماً لإيضاح الفكرة التي نريد التحدث عنها.
فالملَكَة الفقهية تُعرف عند اصحاب الفقه بأنها (صفة راسخة في النفس, تحقق الفهم لمقاصد الكلام, الذي يسهم في التمكن من إعطاء الحكم الشرعي للقضية المطروحة إما برده الى مظانه في محزون الفقه, أو بالاستنباط من الادلة الشرعية او القواعد الكلية)
1.
ومن المعلوم أنَّ ملكة الفقيه إنما تتحقق مقوماتها من استعداد روحي وشخصي, وما يمتاز به الفقيه ايضاً من منهاج اصيل, يقوم على حفظ القران الكريم ومعرفة السنة النبوية والعناية بها ومعرفة مواطن الاجماع والاختلاف في الفقه الاسلامي, والإلمام بأصول الفقه واللغة العربية والعلم بمقاصد الشريعة الاسلامية وفهم الواقع بما فيه من تغيرات وتطورات
2.
والناظر في شخصية العلامة الدكتور عبدالكريم زيدان وحياته العلمية, والسنين الطويلة التي قضاها متعلما وعالماً ومؤلفاً ومجتهداً يجدُ أنَّ جميع تلك المقومات قد تحققت فيه, بل إنه يمتاز بميزات اخرى تجعله ملما بكثير من القضايا المعاصرة من خلال معرفته بالقوانين, ومناهج التشريع, وطرق الاستنباط, وما شابه ذلك.
ويتم التأكيد هنا على قوة مدارك الدكتور عبدالكريم زيدان, فهو يعرف مقتضى الكلام ومعناه, ولديه من الفطنة والذكاء ما يؤهله لذلك, مما جعل جهوده ومؤلفاته جديرة بالرضا والقبول, حتى صارت مناهج علمية تدرّس في عدد من الجامعات في عدد من الدول العربية كالعراق ومصر وعمان واليمن وغيرها.
وقد قال لي فضيلة الاستاذ الدكتور عبدالكريم زيدان (رحمه الله تعالى): ((ويدرس من مؤلفاتي في مختلف جامعات وكليات اليمن الحكومية منها والأهلية مثل كتاب الوجيز في أصول الفقه وأصول الدعوة ونظام القضاء والمدخل لدراسة الشريعة الإسلامية))
3.
اما تمكّنه في الفقه الاسلامي, فهذا امر معروف لكل من يقرأ مؤلفاته, وقد اتضحت معالمه الفقهية كثيراً من خلال مؤلفاته الفقهية لا سيما كتاب (الْمُفَصَّلُ فِي احكام المرأة وَالْبَيْتَ الْمُسْلِمَ) الذي صبَّ فيه معظم افكاره, وجهوده وملكته الفقهية وتأصل من خلاله المنهج الفقهي الذي كان يتمتع به الدكتور عبدالكريم زيدان, وما يتمتع به من مواطن الاتفاق والاختلاف, حتى تمكّناً لا يجاريه فيه كثير من معاصريه, ومارس الفقه علماً وعملاً, وضم اليه قدراً كبيراً من علوم القانون فتوافرت له أسباب الاجتهاد.
ويوم ان كنت اكتب اطروحتي عن جهود العلامة عبدالكريم زيدان الدعوية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الازهر, وكنت في وقتها اجمع شتات الموضوعات المتنوعة عن حياة هذا العالم الكبير, فقد قال لي الشيخ قاسم الطائي [وهو احد التلاميذ المقربين من الاستاذ عبدالكريم زيدان عندما كان مقيماً قبل وفاته رحمه الله تعالى]: (( الدكتور عبدالكريم زيدان يفوق الامام القرضاوي ومن على شاكلته من الذين حالفهم الحظ بشهرتهم .... أما من ناحية اجتهاده فإني لا يمكنني الجزم بأنه من أهل الاجتهاد, لكن لو لم يكن بهذا العصر الا مجتهد فيمكنني ان ارجح كفته على الاخرين, ونستطيع ان نرجح انه بلغ الاجتهاد, وإن امكننا ان نقول يوجد في الامة الان اكثر من مجتهد فهو في مقدمتهم)) ويقول الشيخ الطائي ابضاً ((كان ككل من التقيتهم نت اهل العلم من الشيخ القرضاوي وابي الحسن الندوي وغيرهما من مشاهير من عاصرتهم: انَّ غلمهم كان منهلاً يستقي منه طلبة العلم لكن الشيخ عبدالكريم زيدان كان يتعبد الله تعالى بعلمه, معتقداً أنه يدخل الجنة بهذا العلم)) 4 .
إنني حين اقرأ للإمام عبد النجار الفتوحي في شرحه للكوكب المنير (2/493) وهو يوضح المعالم الحقيقية للملكة الفقهية فيقول: (أن يكون الفقه عنده سجية وقوة يقتدر بها على التصرف بالجمع والتفريق والترتيب والتصحيح والافساد)... عندما أقرأ ذلك ترتسم صورة العلامة عبدالكريم زيدان (رحمه الله تعالى) امامي وهو يتناول القضايا الفقهية المتنوعة كتابة وشرحا, وكيف انه يبسط تلك القضايا بسطاً وافياً مستعرضاً اقوال الفقهاء, شارحاً طريقة استنباطهم وكيفية استدلالهم بالأدلة التي تدل عليها, مناقشاً تلك الادلة وموضحاً وحه الدلالة فيها, متطرقاً الى مناقشتها وايضاح مغزاها ومكنونها وربما منبهاً على بعض الاسرار والفوائد التي تقع فيها مما قد لا تجده في صفحات الكتب ولا حواشي المؤلفات.
لقد حبا الله سبحانه وتعالى فقيدنا العلامة عبدالكريم زيدان بالقدرة على النظر في الادلة وكيفية استنباط الاحكام منها, حتى لا تكاد تعرض عليه حادثة من الحوادث إلا امكن ان يُعطيها ما يليق بها من الاحكام, فضلاً عن انه بعد ذلك تطمئن نفسه الى ما يعملُ به من أحكام أو يفتي به غيره أو يقضي به بين الناس, إذ لا يُقدم على ذلك إلا وهو يعلم الدليل على ما أقدمَ عليه)
5.
وفي الحقيقة هذه هي اهم المفردات التي ينبغي ان يلمّ بها الفقيه ليحط اقدامه في رحل المتمكنين في الفقه وعلوم الشريعة.
وإنَّ العلماء والمؤلفين يتحدثون عن ضرورة توافر أربعة من العناصر التي تكّون الملَكَة الفقهية, فهم يؤكدون على: الاستعداد العقلي والروحي والشخصي للفقيه. ويؤكدون في المقومات أيضاً على ضرورة تعلم الفقه تحت عناية ورعاية الاساتذة المتمكنين. فضلاً عن وجود منهاج دراسي أصيل يتلقاه المتفقه في مراحل دراسته. ثم تمتع الفقيه بالطريقة المثلى في تدريس الفقه وتعليمه للناس.
وفي قراءةٍ عاجلة لتلك المقومات الاربعة, ومدى توفرها في شخصيتنا الفقهية, سنجد ان الاثر واضح في كل واحدة منها.
فالاستعداد العقلي والروحي والشخصي عند أستاذنا العلامة عبدالكريم زيدان واضح للعيان, ولا يخفى على احد. فالملَكَة الفقهية للعالم لا تحصل الا اذا كان قوي المدارك بحيث يعرف مقتضى الكلام ومعناه, فيدرك ما إذا كان اللفظ مجرداً من القرائن او انَّ له قرينة تصرفه عن ظاهره سمعية كانت او لفظية.
ويضاف الى ذلك استعداده الروحي والخلقي, إذ ان العلم الشرعي نور يقذفه الله في قلوب المؤمنين الطائعين المخلصين, فلا بد في المتفقه ان بكون صافي النفس من ادران الدنيا وشوائبها, قاصداً بالطلب وجه الله سبحانه وتعالى, مع العدالة في الدين, والالتزام بالطاعات واجتناب المعاصي والسيئات
6.
وأما الجانب الثاني من مقومات الملَكَة الفقهية, وهو حصولها تحت أساتذة حاذقين, فهذا مما لا يخفى على من اطّلع المسيرة العلمية لأستاذنا الدكتور عبدالكريم زيدان (رحمه الله تعالى) فقد تعلم وتفقه على يد كبار العلماء في العراق ومصر, وقد ذكرت جملة من هؤلاء العلماء الذين كان لهم القدح المعلى في العلم والفقه والمعرفة, مما كانوا يتصدرون المشهد العلمي والفقهي يوم ان كان طالبا متعلماً في العراق ثم في القاهرة يوم ان ذهب لإكمال دراسته العليا آنذاك.
ويؤكد العلماء على ان الاصل في تكوين الملَكَة الفقهية أن تتم تحت اشراف متمكنين في علمهم وقدوة في سلوكهم واخلاقهم, لان من شأن الاستاذ المرشد الامين الناصح ان يقوم ببناء شخصية الطالب, فضلاً عن دوره الكبير في تنمية عقله وتهذيب سلوكه 7.
والتأكيد قائم هنا على انَّ الاستاذ ينبغي ان يكون قدوةً وهو: من رسمَ نفسه بآداب العلمِ من استعمال الصبر والحلم والتواضع للطالبين, والرفق بالمتعلمين, مع مداراة الصاحب, وقول الحق والنصيحة للخلق وغير ذلك من الاوصاف الاخرى
8.
واما وجود منهاج دراسي اصيل يتلقاه المتفقه من أجل ان يكون لذلك المنهاج أرهُ في تكوين الملَكَة الفقهية, فقد كان العلامة عبدالكريم زيدان (رحمه الله تعالى) عالماً بالقران وعلومه وتفسيره, وعارفاً بالسنة النبوية وعلومها فضلاً عن معرفته بقضايا الفقه وأصولهِ ومواطن الاجماع وقواعد الفقه, ومقاصد الشريعة الاسلامية, وعلوم اللغة العربية, مع الالمام الجيد بالواقع الذي كان يعيشه (رحمه الله تعالى) واطلاعه على المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها.
إنَّ هذه المقومات التي توافرت في شخصية فقيدنا الكبير هي التي جعلت منه فقهياً كبيراً وعالماً يُشار غليه بالبنان, فحيثما ذُكر لاحَ أمام الذاكر الفقه والعلم والمعرفة, التي ترتسم على أبهى الوجوه وأفضل وأبهى الصور. سائلين الله تعالى ان يجزي الفقيد خير الجزاء على ما بذّل وقدّم في خدمِة علومِ الشريعةِ, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
نشرت بتاريخ: 2021-06-16 (2457 قراءة)