نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
الدكتور عبد الكريم زيدان يغادر الفانية إلى الباقية
بقلم: د. علي العتوم
سمعتُ به قبل أنْ أراه منذ أكثر من عشرين حِجّةً، يوم أنْ كنّا نتّخذ من كتابه المشهور "أصول الدعوة" أحد مراجعنا في منهاج التربية الإخوانية، فكان فيه المبتغى بخصوص ما قُرِّر من أجله، إذْ يحفل بعلمٍ غزير، وأسلوب رصين، وعبارة دقيقة، وفكر عميق.
حتى إذا سنح الظرف وزرت اليمن قبل عدّة سنوات لحضور مؤتمر القدس الذي عقد في صنعاء بتاريخ (2005/12/7م)، هيّأ لنا بعض الإخوة على هامش المؤتمر، فرصة زيارته في مقرّه هناك رحمه الله.
وقد كانت زيارة كريمة أنسنا بها في هذا اللقاء بالجلوس إلى هذا العالم الجليل، بل العلاّمة الذائع الصيت في مجال العلم والمعرفة، والدراسة والتدريس، والتأليف والتصنيف، وفي ميدان الدعوة الإسلامية دعوة الإخوان المسلمين في مختلف أنحاء ديار العروبة والإسلام. وقد بدا لنا الرجل آنذاك قد بلغ من العمر عتيّاً؛ إذ كان حينئذٍ قد تجاوز الخامسة والثمانين من عمره، غير أنّه رغم ذلك بدا حيويّاً في حسن استقباله، وكريم ترحيبه، وطيب حديثه، وصائب نظراته في الأحداث السياسية، ولا سيّما ما كان يجري منها يومذاك في العراق الحبيب.
وقد رأيتُه مرةً ثانية قبل ما يقرب من سبع سنوات في ضيافة صهرنا السوريّ الدكتور ياسين الغضبان أبي نجيب في منزله بعمّان/ حي نزّال، إذْ كان بينه وبين الدكتور ياسين ودٌّ كبير، فكثيراً ما كنت أسمع من الدكتور ياسين ثناءً عاطراً عليه من خلال صحبته له في اليمن لمدة طويلة. وكنتُ حينها قد ذكّرتُه بلقائنا في صنعاء الذي أشرتُ إليه قبل قليل، فوجدته متذكِّراً. وهو الذي كان قد بادر فخبّر صهرنا الغضبان بحادثة الاعتداء عليَّ التي وقعت في (2007/8/28م)، وكان حينها يقيم في بيته بعمان، ولعله قرأ الخبر في إحدى صحفنا المحلية.
ومعلومٌ أنّ الدكتور عبد الكريم رحمه الله كان المراقب العامَّ الثاني للإخوان المسلمين في العراق، حيث تولّى هذه المسؤولية بعد رحيل المراقب الأول الشيخ محمد محمود الصواف إلى بلاد الخليج اضطراراً؛ بسبب الظروف السياسية العسيرة التي كان يمرُّ بها العراق آواخر الخمسينيات من القرن الفائت. وقد سار بالجماعة هناك سيرةً طيبةً كفؤةً كما يذكر الدكتور عدنان الدليمي في كتابه "صفحات من تاريخ الإخوان المسلمين في العراق" بقوله: "وكان اختيار الدكتور عبد الكريم زيدان مراقباً عامَّاً للإخوان بعد الأستاذ الصوّاف مُصيباً، فهو مؤهّل لذلك؛ فالرجل عالم على مستوى العراق جميعاً، بل على مستوى العالم الإسلامي، وذو حنكةٍ، وقدرة كبيرة على النظر الثاقب وإدارة الأمور، وذو عقلية موسوعية، واستطاع بحنكته وعمق تفكيره أنْ يقود سفينة الإخوان في جوٍّ مضطرب، ويجنّبها التصدّعات والنكسات، وبقي مسيطراً على الإخوان إلى سنة 1971م".
ولد الدكتور عبد الكريم رحمه الله في بغداد سنة 1917م. وأصله من بلدة "عانة" في محافظة الأنبار. تعلّم القراءة والكتابة وقراءة القرآن في أحد كتاتيب الكرخ (أحد جانبي بغداد). التحق بكلية الحقوق في بغداد، ثم نال شهادة الدكتوراة من معهد الشريعة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1962م بدرجة الشرف الأولى عن رسالته "أحكام الذميين والمستأمَنِين في دار الإسلام". وكان المشرف على رسالته الدكتور سلامة مدكور. وقد نال جائزة الملك فيصل آل سعود سنة 1997م؛ تقديراً لجهوده العلمية في كتابه "المفصّل في أحكام المرأة والبيت المسلم".
وللدكتور زيدان رحمه الله عدد من المؤلفات بلغ خمسة عشر مؤلفاً في موضوعات الشريعة الإسلامية؛ منها: الوجيز في أصول الفقه، أصول الدعوة، الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية، نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، القصاص والدِّيات في الشريعة الإسلامية، موجز الأديان في القرآن، نظرات في الشريعة الإسلامية، القوانين الوضعي، المُستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة، وعدة بحوث كذلك بلغت أحد عشر بحثاً منها: الدعوة في العصر الحاضر، أحكام اللقيط في الشريعة الإسلامية، الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، الرِّق في الإسلام، الديمقراطية ومشاركة المسلم في انتخاباتها. وقد أشرف على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعتي صنعاء والإيمان الأهلية.
توفي الرجل في صنعاء يوم الاثنين (2014/1/27م). وقد نعتْه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بجريدة السبيل صباح يوم الثلاثاء في تاريخ (28/1/2014م) تحت عنوان "نعي علاّمة"، وبهذه الكلمات –مصدّرةً بالآية الكريمة: (يا أيّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّة، ارْجِعِي إلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيّةً، فادْخُلِي في عِبادِي وادْخُلِي جَنَّتِي)-: "جماعةُ الإخوان المسلمين في الأردن، تحتسب عند المولى عزّوجل العلامة الدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله الذي انتقل إلى جوار ربّه بعد عمر مديد، وعطاء جليل، وعمل متواصل خدمة لدينه وأمّته، ونهوضاً بالواجب نحو أجيال المسلمين ممّن تتلمذوا على يديه وعلى نتاجه العلمي في الجامعات العراقية والعربية، وآخرها جامعة الإيمان في اليمن. إّننا إذْ نفتقد فيه قائداً إسلامياً فذّاً، وعالماً جليلاً، وشيخاً كبيراً من كبار مراجع الإسلام، لنتوجه من إخوانه وأهله وذويه بأحرِّ العزاء، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا".
ومن كلمات المرحوم في الدعوة قوله -جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء-: "على الدعاة إلى الله أنْ يعلِّموا الناس أحكام الإسلام ويعرِّفوهم بحدود الله، ولا يكتفوا منهم بالعاطفة الطيبة، وترديد بعض الكلمات الحقّة، وأنّ الإسلام صالح لكل زمان ومكان. فإنّ هذه العموميات لا تكفي، بل لا بدَّ من معرفة تفصيل الإسلام بالقدْر المستطاع. إنّ نشر مفاهيم الإسلام واجب على كل مسلم، فمن كان عنده علم، فلا يجوز له كتمانُه، ولا سيّما عند شيوع الجهل وظهور البِدَع".
رحمك الله أخانا الكبير، وأستاذنا الجليل الدكتور عبد الكريم زيدان. حزنُنا عليك عظيم، وفجيعتُنا بك كبيرة، ولكنّه قدر الله الذي لا نملك إلاّ أنْ تعنو له جباهنا، وتُسلِّم به قلوبنا، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. لقد استلمتَ مقود الدعوة فأحسنتَ القِيادة، وتقدمتَ الصفوف فقدتَ الركب لما فيه خيره وخير الأمة، فوصلت به إلى برّ الأمان. وقد علّمتَ وأرشدتَ، ونصحتَ وكتبتَ ونشرتَ. وكنتَ مرجعاً لإخوانك في العراق وللسواد الأعظم من أبناء الدعوة في كل مكان. أسأل الله أن تكون من الفائزين بالرضوان في ظلال الرحمن، ومن ساكني الجنان، والواردين على حوض النبي العدنان. وإنّي لأراك –إن شاء الله– يصدق فيك قولُ القائل:
كانَتْ مُساءلَةُ الرُّكبانِ تُخبِرُني
عَنْ أحمدَ بْنِ دُؤادٍ أَعْظَمَ الخَبَرِ
حتّى التقيْنا فلا واللهِ ما سمِعَتْ
أُذني بأحسَنَ مِمّا قدْ رأى بَصَرِي
نحسبك كذلك ولا نزكِّيك على الله، ولكنّها الثقة بالقيادة المؤمنة، وإجلال أصحابها، وإكبار العلم الذي يحملونه، وتعظيم دعوة الإسلام التي كلّ ما دونها دون.
الاربعاء 5 فبراير/2014م
نشرت بتاريخ: 2019-06-22 (3808 قراءة)