نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
الجِنْسِيَّةُ في الشريعة الاسلامية
مقال كتبه الدكتور عبدالكريم زيدان في ستينيات القرن الماضي, ونشر في مجلة "البعث الاسلامي" والتي كانت تصدر عن دار العلوم لندوة العلماء في مدينة لكهتو/الهند تحت اشراف فضيلة الاستاذ الشيخ أبي الحسن الندوي ... وقد كتب في هذه المجلة كبار المفكرين الاسلامين امثال الاستاذ علي الطنطاوي والدكتور صالح الاشقر والدكتور محمد اديب الصالح وغيرهم كثير ويراس تحريرها منذ ذلك الحين فضيلة الاستاذ سعيد الاعظمي الندوي.
مقال " الجنسية في الشريعة الاسلامية " ُنشر في العدد الرابع من مجلة البعث الاسلامي الصادر في 28 شعبان 1387هـ الموافق 1 كانون اول/ديسمبر 1967م.
بقلم الدكتور عبدالكريم زيدان
أن الجنسية اداة للتعبير عن انتساب الفرد الى دولة معينة, ذلك الانتساب الذي يعني قيام رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة.
وهذا المفهوم للجنسية عرف في الشريعة الاسلامية وإن لم يطلق عليه الفقهاء اصطلاح الجنسية, والدليل على هذا أن الدولة عرفت في الشريعة الاسلامية كدعوة الى اقامتها وكدولة واقعة بالفعل وهي التي سماها الفقهاء دار الاسلام, كما ان عناصر الدولة من شعب واقليم وحكومة توافرت في الدولة الاسلامية (دار الاسلام).
والأفراد وهم المكونون لعنصر الشعب يوصفون بأنهم من أهل دار الاسلام, أي من تبعة الدولة الاسلامية, كما يوصف الحربيون بأنهم من أهل دار الحرب أي من تبعة دار الحرب.
وهؤلاء الافراد مرتبطون بالدولة ارتباطا خاصا لا يشبه ارتباط الفرد بالفرد, لأن الدولة الاسلامية ليست فرداَ وانما هي منظمة سياسية, كما لا يشبه ارتباط الفرد بالأمة لان الامة وإن لم تكن فردا إلا انها ليست منظمة سياسية.
فرابطة أفراد شعب دار الاسلام بهذه الدار رابطة سياسية لأن الدولة الاسلامية, وهي منظمة سياسية, طرف فيها. كما ان هذه الرابطة قانونية لان آثارا قانونية تنتج عنها ويقوم بها الفرد والدولة. وهذه الآثار هي الحقوق التي يتمتع بها الفرد في ظل الدولة, والواجبات التي يقوم بها قبلها.
ومن هذه الحقوق, الحقوق العامة, والحقوق السياسية, ومن التزاماته نحوها التكاليف المالية.
وقد ذكر الفقهاء هذه الحقوق والواجبات, كما ذكروا الأحوال التي تنظم فيها هذه الرابطة " الجِنْسِيَّةُ " بين الفرد والدولة الاسلامية مثل ردة المسلم ولحاقه بدار الحرب.
فرابطة الجِنْسِيَّةُ بمفهومها الحديث عرفت في الشريعة الاسلامية كنتيجة حتمية لوجود الدولة الاسلامية التي تحرص الشريعة على اقامتها وبقائها. وكل ما في الأمر أن فقهاء المسلمين لم يسموا هذه الرابطة باسم الجنسية, وعدم التسمية لا يعني عدم وجود هذه الرابطة بين الفرد والدولة الاسلامية.
من يتمتع بالجِنْسِيَّةُ الاسلامية وأساسها
الشريعة الاسلامية تجعل المسلمين أمة واحدة قال تعالى (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) وقال تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
وأساس كونهم امة واحدة هو وحدة العقيدة التي تجمعهم حتى ولو اختلفوا في الجنس أو اللغة أو غير ذلك مما يختلف فيه الناس. لأن عنصر العقيدة الاسلامية يَغلب هذه الخلافات ويصّير المسلمين إخوة في الدين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) إلا أن انتساب المسلم إلى المسلمين كأمة يعتبر من قبيل الروابط الاجتماعية لا السياسية, لأن الأمة وحدة اجتماعية لا سياسية, ولكن الشريعة الاسلامية لا ترضى أن يبقى المسلمون أمة فقط وإنما تدعوهم الى التحول إلى تنظيم سياسي أي إلى هيئة سياسية منظمة أي إلى دولة, لأن اغراض الاسلام لا تتحقق كما ينبغي, وأحكامه لا تنفذ كما يجب إلا بقيام هذا التنظيم السياسي للمسلمين.
ولهذا اقترن هذا التنظيم السياسي مع تكوين الجماعة الاسلامية الاولى, فما ان استقر الرسول ﷺ وأصحابه في المدينة حتى بدأ عليه الصلاة والسلام بتكوين الدولة الاسلامية الاولى, وهكذا تحولت الجماعة الاسلامية الأولى إلى هيئة سياسية أي دولة اسلامية فيها جميع عناصر الدولة الاسلامية, وصار للفرد المسلم رابطة جديدة بالمسلمين لا على اساس أنهم أمة وحسب ولكن على اساس أنهم وحدة سياسية أي دولة.
وهذه الرابطة هي رابطة سياسية وقانونية, طرفاها الفرد المسلم والدولة الاسلامية فهي رابطة الجنسية كما تسمى في الوقت الحاضر. وأساس هذه الرابطة, بالنسبة للمسلم, هو الاسلام, أي كون الشخص مسلماً يجعله أهلا للانتماء إلى الدولة الاسلامية والتبعية لها والارتباط بها قانونا. فكل مسلم إذن يتمتع بجنسية دار الاسلام على أساس توافر الصفة الاسلامية فيه, ولهذا, فالإسلام يعتبر في وقت واحد عقيدة وجنسية, والمسلمون في أي مكان كانوا يعتبرون إخوة في العقيدة والجنسية.
هل يتمتع الذِّمِّيُّ بالجنسية الاسلامية؟
المسلمون في الاصل هم اهل دار الاسلام, ففي البدائع (و الذِّمِّيُّ من اهل دار الاسلام) ومعنى هذا ان الذميين يعتبرون من أفراد شعب دار الاسلام ومن تبعة هذا الدار, فهم اذن مرتبطون بالدولة الاسلامية بما يسمى برابطة الجِنْسِيَّةُ. وهذا واضح فكما ان قول الفقهاء إن المسلمين من أهل دار الاسلام يفيد أن المسلمين من تبعة هذا الدار ويحملون جنسيتها, فكذلك قولهم إن الذميين من اهل دار الاسلام يفيد ان الذميين من تبعة هذا الدار ويتمتعون بجنسيتها.
وقال الاستاذ احمد طه السنوسي: (ان الذميين لا يتمتعون بالجنسية الاسلامية), وحجته أن الذميين لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المسلمون, ولا يلتزمون بنفس التزاماتهم, فالحقوق السياسية يتمتع بها المسلم ولا يتمتع بها الذمي. والجزية يلتزم بها الذمي دون المسلم, والزكاة تجب على المسلم دون الذمي, وهذا كله يدل على ان الذمي لا يتمتع بالجنسية الاسلامية لأنه لو تمتع بها لترتبت له حقوق وفرضت عليه واجبات شبيهة بالتي للمسلم أو عليه, كما هو الحال في الدولة الحديثة التي تساوي بين مواطنيها في الحقوق والواجبات.
والواقع أن هذا القول ضعيف. فالدولة الاسلامية تأخذ بقاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلم والذمي, ولكنها تستثني من هذه القاعدة بعض الحقوق والواجبات لابتنائها على العقيدة الدينية, ومن هنا جاء التفاوت ببعض الحقوق والواجبات بين المسلم والذمي.
ولكن هذا لا يعني أن الذِّمِّيُّ لا يتمتع بالجنسية الاسلامية, لأن الدولة, حتى في وقتنا الحاضر, قد لا تساوي بين رعاياها المواطنين – وكلهم يتمتعون بجنسيتها – في بعض الحقوق لا سيما الحقوق السياسية, ومع هذا يظلون متمتعين بجنسية الدولة, ولم يقل أحد أن عدم تمتع هذا الفريق من رعايا الدولة ببعض الحقوق دليل على عدم تمتعه بجنسية الدولة.
فالمواطنون في الدول الحديثة, هم الافراد الذين يتمتعون بجنسية الدولة, وذلك بغض النظر عما يكون بين بعضهم والبعض من التفاوت في الحياة القانونية الداخلية, وخاصة من وجهة الحقوق السياسية, فالتفاوت في الحقوق والواجبات بين المواطنين مسألة داخلية لا تؤثر على تمتعهم بجنسية الدولة.
أساس بالجِنْسِيَّةُ الاسلامية بالنسبة للذِّمِّيُّ
ذهب البعض إلى أن أساس الجنسية الاسلامية بالنسبة للذمي هو التزامه أحكام الاسلام , وقال البعض الاخر إن الذميين يتمتعون بما يمكن تسميته بالجنسية الاسلامية بناء على الاقامة غير الموقوتة في دار الاسلام.
ولكن يرد على القول الاول أن التزام أحكام الاسلام بالنسبة للذمي يرجع الى عقد الذمة كما صرح الحنفية, أو يرجع الى عموم ولاية الشريعة الاسلامية في دار الاسلام وامكان تنفيذها فيها, كما أن المستأمن يلتزم أحكام الاسلام مدة مقامه في دار الاسلام, ولا يصير بهذا الالتزام ذميا من تبعة هذا الدار.
ويرد على القول الثاني أن الإقامة غير الموقوتة تترتب على عقد الذمة, فهي بعض آثاره, كما ان المستأمن قد يقيم في دار الاسلام مدة غير محدودة إذا لم يحدد الامام مدة اقامته ولم يأمر بالخروج, ومع هذا لا يصير ذميا من أهل دار الاسلام.
والذي أراه أن أساس جنسية الذمي هو عقد الذمة بالنسبة لمن يدخل في الذمة عن طريق العقد الصريح, وهذا صريح أقوال الفقهاء, من ذلك ما قاله الامام السرخسي في مبسوطه. لأنه بعقد الذمة صار من أهل دار الاسلام. أما في غير هذه الحالة, أي بالنسبة لمن يدخل في الذمة عن طريق القرائن الدالة على رضاه, أو بالتبعية لغيره, أو بالغلبة والفتح. فأن أساس الجنسية هو ارادة الدولة الاسلامية نفسها, فهي التي تمنح الذمة – الجنسية – لغير المسلم في هذه الحالات بمحض ارادتها وتقديرها وفقا لقواعد الشريعة وما تقتضيه مصلحة الدولة.
الجِنْسِيَّةُ الاصلية والجنسية اللاحقة
اذا اكتسب الذمي جنسية دار الاسلام في لحظة ولادته فهي جنسية أصلية, وإذا اكتسيها بعد ولادته فهي جنسية لاحقة وتتصور الجنسية الاصلية للذمي في حالة ما إذا ولد للذمي ولد فأن المولود يتبع اباه في الذمة من لحظة ولادته, فيكتسب جنسية دار الاسلام, وإذا كان للذمي ولد صغير عند ارتباطه بعقد الذمة, فأن ولده الصغير هذا يتبعه في الذمة ايضا, فيكتسب جنسية دار الاسلام وتكون هذه الجنسية في حقه جنسية لاحقة, وكذلك الزوجة, تدخل في الذمة تبعا لزوجها أو اذا تزوجت ذميا, فتكتسب جنسية دار الاسلام وتكون هذه الجنسية بالنسبة لها جنسية لاحقة.
فَقد الجِنْسِيَّةُ
يفقد الذمي جنسيته إذا قام بما تنتقض به الذمة كما لو لحق بدار الحرب, إلا إنه ما دام لم يظهر منه ما تنتقض به الذمة فان الدولة الاسلامية لا تملك نزع الجنسية عنه.
جنسية المستأمَن
المستأمَن أجنبي عن دار الاسلام وليس من اهلها, اذا هو من دار الحرب وإن دخل دار الاسلام بأمان مؤقت لقضاء حاجة ثم يعود الى وطنه, وبهذا صرح الفقهاء فقالوا ( المستأمن من أهل دار الحرب وإن دخل دار الاسلام لا بقصد الاقامة بل لعارض حاجة ثم يعود لوطنه, وفي شرح السير الكبير للإمام محمد بن الحسن الشيباني – السرخسي (فأما المستأمن فلم يصير من أهل دارنا لأنه ليس من أهل دار الاسلام وإن كان فيها صورة.
نشرت بتاريخ: 2017-09-10 (7022 قراءة)