نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
مقارنــــــــــة
في 18 يونيو 1953 تم إعلان قيام الجمهورية في مصر وتم اختيار اللواء محمد نجيب رئيس للجمهورية, الذي شكل محكمة الثورة لمحاسبة الفاسدين من زعماء العهد الملكي السابق, في هذا المقال يتناول الشيخ عبد الكريم زيدان مقارنة بين شخوص ومجريات هذه المحكمة وبين ما جرى للإخوان المسلمين عام 1948م وما جرى لهم في عهد صاغات مصر.
المقال نشر بعنوان ((مقارنة)) في 5 شعبان 1373هـ المصادف 9 نيسان/ابريل 1954م في جريدة الاخوة الاسلامية التي تصدرها جمعية الاخوة الاسلامية العراقية والتي كان يرأس تحريرها آنذاك الشيخ محمد محمود الصواف رحمه الله.
كنت ارقب جريان محاكمة "الزعماء" أمام محكمة الثورة في مصر واستل منها عبراً شتى واقرن وقائع هذه المحاكمة مع اشباهها ونظائرها في الماضي القريب والبعيد, وقد افادتني هذه الطريقة كثيراً واكدت في نفسي معاني كنت استعين بها في وزن الرجال ومعرفة اقدارهم... واني في كلمتي هذه لا ادافع عن رجال الثورة ولا اريد الكلام في مشروعية هذه المحكمة أو عدم مشروعيتها وصحة اساليبها في المحاكمة او عدم صحتها فما لمثل هذه الامور قصدت الكتابة وانما قصدت الكلام عن ناحية واحدة فقط لان فيها عبرة للمعتبرين وموعظة للمتعظين.
لقد سيق الى هذه المحكمة رجال كانوا الى عهد قريب يحسبون من زعماء مصر وقادتها البارزين وكان المأمول أن يكون هؤلاء الزعماء "رجالا " وهم يقفون امام المحكمة فتجلجل اصواتهم وتدوي قاعة المحكمة بحججهم واقوالهم كما كانوا يفعلون في الاحتفالات والاجتماعات التي كانت تنتهي بالتصفيق الطويل والهتاف بحياتهم.
وكان المأمول ايضاً من هؤلاء الزعماء ان يدافعوا عن تصرفاتهم التي حملوا من أجلها الاوسمة ومنحوا الالقاب وسموا " بالزعماء " ولكن لك يحدث شيء من هذا, فقد وقفوا امام المحكمة بذلة وانكسار وأخذت شفاهم المرتجفة تدفع كلماتهم الميتة المحنية انحناء ظهورهم فتتساقط على اقدام حكام المحكمة لتقبلها...
وقد تسمرت عيونهم الى جهة الحكام تستعطفهم وتقول لهم " أرحمونا "... أما وجوههم فقد غار ماؤها واستحال لونها الى لون الرماد مع تجعد وانحناء ولم يكن شهود الاثبات (وهم من الزعماء) ايضا بأحسن حال من المتهمين فقد أخذوا ينافقون ويكذبون ويتملقون رجال الثورة ويتفرسون في رغباتهم فينطقون بما يريدون ويتبرؤون من المهتمين ويكفر بعظهم ببعض ... وقد سر هذا المنظر الجميل وهذه التمثيلية الممتازة بالقبح رجال المحكمة فأخذوا يطيلون جلسات المحاكمة لتنكشف حقائق هذا النفر ويتندر الناس بما يقولون, والحق ان رجال الثورة كانوا يهدفون الى اذلال هؤلاء الزعماء وخدش كرامتهم وتقليل قيمتهم في أعين الناس ولم يتوقعوا ان يظهر هؤلاء الزعماء بهذا المظهر المزري ولكن الذي حدث هو هذا: فقد اعطى هؤلاء الزعماء رجال الثورة اكثر مما أملوا , فداسوا على كرامتهم وذلوا نفوسهم وهتكوا أستارهم وأظهروا أرواحهم الهزيلة الضعيفة عارية لا يحجبها حجاب ولا غطاء بل ان احدهم – وقد حكم عليه بالخيانة العظمى وبالسجن مدى الحياة مع ايقاف التنفيذ – يذهب هذا المخلوق مهرولا الى القصر الجمهوري لرفع فروض الشكر وتسجيل اسمه في سجل ... بعد ان قدم لرجال المحكمة آيات الشكر ... لا... الذل ... فيا أسفي أهؤلاء كانوا زعماء وهذه نفوسهم؟ أهؤلاء كانوا يقودون البلاد ويحكمون العباد وهذا مستواهم الخلقي وهذه عزتهم! ان الزعامة تضخم في المعاني العالية واستهانة بالحياة ورفض لها ان كانت على حساب الكرامة والعقيدة ... ولكننا نقسو على هؤلاء إذ نزنهم بهذا الميزان ونحاسبهم حساب الزعماء فما كانوا في يوم من الايام من الزعماء ولكن المهرجين والمنافقين ظلوا ينبحون ويملؤون آذان هذا النفر بكلمة الزعامة والزعماء حتى ظن هؤلاء انهم زعماء حقاً... ان الزعامة افق عال لا يطير اليه من ترهل جسمه بالترف الفاجر وتكسر جناحه من كثرة لصوقه بالأرض وتكدرت روحه بالآثام والموبقات وعاش في هذه الدنيا ليأكل لذيذ الطعام ويفاخر بالرياش والمتاع ويكاثر بالأموال والاولاد ويستعلى على الناس ولو جلس على مزبلة عالية...
هذه حال...
أما الحال الثانية فهي حال الاخوان المسلمين في محنتهم الاولى في سنة 1948م ومحنتهم الثانية في عهد صاغات مصر... ففي الاولى زجوا بالسجون والمعتقلات وجند عدد ضخم من القاسية قلوبهم الميتتة ضمائرهم لتعذيبهم والتنكيل بهم لحملهم على الاعتراف أو على كلمة كاذبة يريدونها... ولم تقتصر هذه المأساة على رؤساء الاخوان بل عمت جميع الاخوان لان كل واحد من الاخوان المسلمين يملك معاني الزعامة الحقة فهو يخيف الظالمين ويقض مضاجعهم وبالرغم من التعذيب والتنكيل فلم يظفروا بواحد من الاخوان... ثم شددوا عليهم العذاب فوضعوهم في حجر مظلمة ضيقة ومدت امامهم السياط المفتولة وشدت ارجلهم بالقيود وعرض عليهم الموت ولا نجاة لهم إلا أن يقولوا ما يريده الحاكمون ولكن الاخوان أبو اباء الكرام وكان احدهم قادراً ان يقول الكلمة لا يسمعها احد من الناس لينجوا بها من العذاب ولكن ايمان الاخ ومراقبته لله واعتزازه بعقيدته التي يعيش لها لا عليها يمنعه من هذا كله ان يقول ما يريده الحاكمون.
وقد كان موقف الاخوان في المحكمة كموقفهم في المعتقلات... وقفوا امام المحكمة ورؤوسهم عالية فقد علمتهم التربية الروحية ان لا يطأطؤوا الرؤوس إلا لله, وظهورهم معتدلة مستقيمة فقد علمتهم دعوتهم ان لا تنحني الظهور إلا لخالق الظهور, واخذوا يتكلمون بعزة واباء لان عقيدتهم الهمتهم ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين, وجهروا بالحق لان من الجهاد عندهم قول الحق لاسيما أمام سلطان جائر أو حاكم ظالم ثم لم يستعطفوا المحكمة ولم يذلوا لها ولم يطلبوا التخفيف لان الذل لغير الله حرام والاستعطاف من الظالمين لا يجوز وطلب التخفيف استكانة وخدش للكرامة ومناقضة للصبر الجميل...
أما الاخوان في محنتهم الاخيرة فهم كما كانوا في محنتهم الاولى وحسب ان يطلع القارئ على رسالة المرشد العام التي ارسلها الى اللواء محمد نجيب من معتقله قبل الافراج عنه ليعرف أي روح يحمل الاخوان وأي مستوى رفيع من العزة والكرامة وصلوا اليه.
وبعد, فهذه مقارنة بين صنفين من الناس في وقت الشدة – والناس لا يُعرفون إلا في وقت الشدة صنف يُعدمن الكبراء والزعماء وهم في ميزان الحق من الوضعاء, وصنف من السوقة والمغمورين وهم عند الله من الكبراء المعروفين, ألا ما اكثر الرجال صورة وشكلا وما اقلهم حقيقة ومعنى.
نشرت بتاريخ: 2016-11-10 (5640 قراءة)