نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
ميزان المسلم
من اقدم المقالات التي كتبها الدكتور عبدالكريم زيدان في ستينيات القرن الماضي ونشر في مجلة التربية الاسلامية العراقية بعددها العاشر الصادر في جمادى الاولى 1381هـ / تشرين الاول 1961م
بقلم/ الدكتور عبدالكريم زيدان
من جِبِلَّةُ الانسان التي فطره الله عليها انه يستحسن ويستقبح, ويحب ويبغض. ويوالي وبعادي, ويخطئ ويصوب الى غير ذلك مما هو مشاهد ومحسوس من بني الانسان مما لا يحتاج الى دليل وبرهان ... ولكن هل هذه الاتجاهات تصدر عن الانسان بلا نظام ولا قانون ام ان هناك ضوابط لها وأسسا تقوم عليها؟ الذي نكاد نقطع فيه ان هناك قانونا تخضع له هذه الامور فهي لا تصدر خبط عشواء وكيف ما اتفق, لان الكون وما فيه ومن فيه خاضع لسنة الله جل وجلاله عرفها من عرفها وجهلها من جهلها, والجهل فيها على أية حال لا يعني عدم لا يعني عدم وجود هذه السنة الكونية ولا عدم خضوع الخلائق لها.. فالإنسان يخرج الى هذه الدنيا لا يعرف شيئا, قال تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ولكنه بمرور الايام وتدرجه في مراحل العمر يكتسب المعارف والمعاني وقواعد السلوك في الحياة عن طريق ما يسمعه ويبصره ويعيه بقلبه مما يلقنه من عقائد وافكار وتقاليد.. حتى تتبلور عنده معان وقيم معينة للأشياء بها بزن الاشياء والاشخاص والتصرفات وبالتالي يصدر حكمه عليها بالحسن والقبح, أو بالحب والبغض, أو بالميل اليها أو بالبعد عنها وبالحرص عليها أو بالفرار منها.. وهذه العملية - عملية الوزن – تجري في نفسه بسرعة عجيبة لا يشعر بها في معظم الاحيان, وفي القليل النادر تطول عنده عملية الوزن ولكن مع هذا لا يتفطن الانسان الى انه يقوم بعملية الوزن بميزانه الخاص.. فكل انسان اذن بلا استثناء له ميزان معين به يزن كل ما يراه ويسمعه, ويقوم هذا الميزان على أساس القيم والمعاني للأشياء التي اكتسبها وكونها وارتضاها لنفسه عبر السنين الطوال مما سمعه ورآه وتأثر به.. والناس يختلفون في هذه المعاني وبالتالي يختلفون في حكمهم على الاشياء لان موازينهم مختلفة ومعاييرهم متباينة لاختلاف ما نقوم عليه من معان وقيم .. فاذا رأينا انسانا يستحسن ما نستقبحه ويعظم ما نصغره ونحتقره ويحب ما نكرهه ويخطئ ما نراه صوابا ويصوب ما نراه خطأ وباطلا, فعلينا ان نعرف يقينا ان مرد الخلاف هو اختلافنا في المعاني والقيم التي ادت الى اختلافنا في وزن الاشياء والحكم عليها.. والمسلم شأنه شأن أي انسان له ميزانه الخاص الذي يزن به الاشياء, ولكن ميزانه يقوم على اساس المعاني التي جاء بها الاسلام لا على غيرها كائنا ما كان هذا الغير, وبمقدار استيعابه لهذه المعاني وحضورها في ذهنه وانقياده لها يكون ميزانه مستقيما ووزنه سليما .. اما اذا جهل هذه المعاني أو عرفها ولكن غلبه هوى النفس فان ميزانه يختل واحكامه تغدو غير صحيحة, وعليه في هذه الحالة تقويم ما اعوج من ميزانه بان يكتسب معاني الاسلام ان كان عاريا منها, ويصفيها من شوائب الهوى وتنقيتها مما سواها.. وهذه العملية – عملية اكتساب معاني الاسلام وتنقيتها – ليست بالعملية السهلة ولكنها هي السبيل الوحيد لجعل الانسان مسلما وصبه في قالب الاسلام ووضعه على الصراط المستقيم .. وهذا ما أمر به الاسلام وسعى اليه رسولنا الكريم ﷺ وحققه في الصحابة الكرام فقد صاغ منه نماذج اسلامية عالية محشوة بمعاني الاسلام الصافية ولا تعرف غير ميزانه, فهذا صهيب الرومي يحبسه كفار قريش ويمنعونه من الهجرة الى المدينة واللحاق بالنبي ﷺ فيحزنه هذا الامر ويهمه ويقض مضجعه ولكن بعد جهد تركته قريش يهاجر على ان يترك امواله في مكة فيفرح بهذا الحل ويقول فيه الرسول الكريم ﷺ (ربح صهيب, ربح صهيب) فأي ربح هذا الذي ناله صهيب وقد ترك أمواله وخرج بنفسه فقيراً؟ انه ربح لا شك فيه لان في الهجرة اكتساب الحسنات والانس بقرب الرسول ﷺ وها ربح عظيم في ميزان الاسلام وان كان فيه ضياع الاموال وهي خسارة جسيمة في حساب المادة وميزان التجار.
وعمر بن الخطاب بأذن لبلال الحبشي بالدخول عليه قبل ابي سفيان وشتان بين الاثنين في الاحساب والانساب فيضيق بهذا التقديم أبو سفيان ولكن عمر يسارع فيصحح له الميزان ويقول (ان بلالا من السابقين, والسبق في الاسلام له وزنه في ميزان الاسلام لا يوازيه شرف الجنس والاسباب ...
ويدخل وفد المسلمين على كسرى في إيوانه ليبلغوه رسالة قائدهم وهي كلمات ثلاث: اسلم تسلم يكن لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم, فان ابيت فالجزية فان ابيت فالقتال ... وكان كسرى قد حشد في إيوانه الجند المدجج بالسلاح وفرش الارض بالبسط الغالية الاثمان, ولبس هو ابهى الخلل وقد جلس على سريره في وسط الايوان, كل ذلك ليلقي الرعب في قلوب الوفد, ثم اذن للوفد بالدخول .. فما راعهم ولا ارهبهم ما راوا, والقوا على سمع كسرى رسالة قائدهم وهي: الاسلام, والا فالجزية, والا فالقتال) بلغوه هذه الكلمات دون ان يحسوا بخوف منه أو تبجيل له, لانهم وزنوه بميزان الاسلام... وضعوه في كفة هذا الميزان بشحمه ولحمه وتاجه ولباسه وإيوانه فاذا هو بحساب هذا الميزان الرباني رجل تافه حقير ومجرم عنيد وضال كبير يحتاج الى التأديب والتقويم والتعديل لا المهابة والتبجيل...
وهذا ابو ايوب الانصاري الصحابي الجليل وقد طال عمره المبارك حتى شهد قيام الدولة الامية وخليفتها الاول, يسمع ان هذه الدولة تجهز جيشا لفتح القسطنطينية, فيأخذه الحنين الى الجهاد ولم يمنعه من الخروج كبر السن وتقوس الظهر وضعف الجسد كما لم يمنعه من الخروج مقامه بمدينة الرسول ﷺ وانه بجوار الرسول الكريم لأنه يحب ما يحبه الرسول لا ما يحب هو نفسه وهذا هو محك المحبة الصادقة الخالصة, اقول لم يمنعه هذا وغير هذا من ركوب فرسه وتقلد سيفه والخروج الى الشام لا للاصطياف في (بلودان) ولكن للحاق بجيش المسلمين والسير معه الى بلاد الروم .. وكان عاقبته أن مات هناك بعيدا عن اهله واولاده ودفن تحت اسوار القسطنطينية وهذا ما كان يبغيه وخرج من اجله وهو في غاية الرضا والاستبشار لان الجهاد في ميزان الاسلام يدعو الى هذا الرضا وهذا الاستبشار, قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) لقد فقه ابو ايوب الانصاري هذه المعاني وضمها الى معايير ميزانه ووزن بها الجهاد فاذ هو (فوز عظبم) و (تجارة رابحة) و (فلاح) و (خيرية)وكل هذا يدعو الى الاستبشار لا الاكتئاب وان كان فيه ضياع المهج ومفارقة الاهل والخلان .. وهذا هو لب الفقه وغاية الفهم وحقيقة الايمان وثمرة الميزان .. ميزان الاسلام, لا ميزان اهل الدنيا الحريصين عليها المطمئنين بها الخالدين الى الارض الذين حكى الله لنا بعض ما قالوا, قال تعالى (وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) .
وبعد ... فالكلام عن ميزان الاسلام حديث طويل وقد ذكرت منه ما يسره الله تعالى ويعين على تذكير الناس وتحسيس الغافل وتخطي الفتن والمزالق لاسيما في زماننا هذا حيث عظمت فيه الشبهات واشتدت ظلمات الباطل وضعف نور الحق ومرض الطبيب وملّ الحادي وتاه الدليل.
فاستمسك يا اخي المسلم بهذا الميزان – ميزان الاسلام – وزن به كل شيء من افكار ومبادئ وافعال وأشخاص وتصرفات فهو الميزان الحق ولا حق غيره, (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) واعلم ان كل من يخالف هذا الميزان فهو الضال الاعمى كائنا من كان, قال تعالى (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) فمخالف ميزان الاسلام اعمى, بشهادة الله, وان سماه الناس بالفيلسوف او الكاتب العظيم.
ومن حق الاعمى ان يقاد لا ان يقود وان يُهدي لا ان يهدي وان يتعلم لا ان يُعلم, أفهمت ما أقول؟
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
نشرت بتاريخ: 2015-09-02 (6404 قراءة)