نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
رثاء الشيخ عبدالكريم زيدان للعالم امجد الزهاوي عام 1387هـ / 1967 م
بقية السلف وزينة الخلف أستاذنا الشيخ امجد الزهاوي رحمه الله
لم يرثو الشيخ عبد الكريم زيدان في حياته احدا غير الشيخ امجد الزهاوي رحمه الله تعالى, وذلك لتأثره بهذا العالم الجليل اشد التأثير... تأثراً لم يزاحمه احد ممن التقى بهم في حياته, فرحمة الله عليهم جميعا. الموقع ينشر نص الرثاء الذي كتبه الشيخ عبدالكريم زيدان وُنشر في مجلة التربية الاسلامية بعددها الثاني لسنة 1387هـ.
بقلم: الدكتور عبدالكريم زيدان
الموت قدر مكتوب على بني ادم (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) وما جاء الانسان لهذه الحياة الدنيا ليخلد فيها ولكن ليرتحل عنها, فليست هي بدار قرار ومقام ولكن دار همّ وزوال , فهي ظل زائل وعَرَض تافه والانسان فيها غريب راحل ... كل يوم نودع عزيز الى حفرته ونتركه في وحدته ونحث عليه التراب بأيدينا ونرى مصيره بأعيننا وهو المصير الذي ينتظرنا, فالناس بين مودع ومُودَّع وراحل ومنتظر, والسعيد من تزود لسفره البعيد الطويل وخير الزاد التقوى, فما ينفع هناك جاه ولا سلطان ولا جند ولا اعوان ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ... ولكن اين المعتبرون ... (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) فيا حسرة على العباد يحرص احدهم على دنيا فانية ويترك اخرة باقية ... يجمع لغيره ولا يقدم لنفسه. ولا يأخذ معه الا خرقة تستر جسمه ثم يُحاسب هو على ما جمعه وتركه ... ينسى رَمَسه المظلم الذي سينزل فيه عما قريب, وكل ات قريب, ولكن لا يَعدُ له النور ولا الانيس ... فيا حسرة على العباد ويا شقاوة الانسان لا يعمل مع نفسه الحساب قبل يوم الحساب, قبل ان توصد في وجهه الابواب, ويريد الرجوع ولكن هيهات ان يعود (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) كلا لن تعود فقد فات وقت العمل وأهلكت طول الامل ... فلا تكن ايها الانسان ممن تُقال له كلمة (كلا) انها والله كلمة لا استثناء فيها ولا رجوع, فوالله ما بعد الموت من مستعتب وانما هي الجنة او النار والسعيد من اتعظ بغيره وعمل بتحذير ربه والشقي من اتبع نفسه وتمنى على الله الاماني واتعظ بنفسه ولكن بعد فوات الاوان.
من اجل هذا كله زهدت في رثاء الاموات وان كانوا اعزة احباب, وتحولت الى الدعاء والاستغفار فما ينفع ميت رثاء ولا بكاء ولكن قد ينفعه – اذا شاء الله – استغفار ودعاء ... من أجل هذا شُرعت صلاة الجنازة في الاسلام ومدح الله تعالى الداعين والمستغفرين لإخوانهم الذين سبقوهم بالأيمان والرحيل الى دار القرار, قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ...).
ومع هذا, فإن شأني مع شيخ الإسلام الزهاوي رحمه الله شيء آخر لا يخضع لما تعودت عليه في حياتي من زهد في الرثاء واكتفاء بالعبرة والدعاء لأني ما تأثرت بشخص رأيته بعيني بمثل ما تأثرت بأستاذي الزهاوي رحمه الله تعالى، وما رأت عيني مثله على كثرة من رأيت وعرفت وخالطت .. لقد رأيت فيه ما كنت أفتش عنه من زمن بعيد وأريد الوصول إليه لمساً باليد ورؤية بالعين وسلوكاً في الخارج .. حتى عرفت الشيخ فرأيت فيه ما أريد: إخلاصاً نقياً, ومخافة من الله, واهتماماً بأمر المسلمين... رأيت فيه هذه الخصال الثلاث مجتمعة بارزة.
أما إخلاصه فكان صافياً خالصاً لا تشوبه أكدار التلفت إلى الجاه والسلطان والمنصب والثناء والسمعة والظهور .. استوى عنده عمل السر والعلن لأنه لم يعد عنده ما يخفيه في العلن ويبديه في السر .. يعمل الخير ولا يتحدث فيه فحسبه أن يعرفه الله فمعرفة الله تغني عن معرفة الناس، فقد بلغ به الإخلاص إلى حد نسيان ما يعمله من صالح الأعمال نسياناً لا بسبب ضعف الذاكرة، ولكن بسبب فعل الإخلاص.
لقد كان رحمه الله أمة في الإخلاص لا يعرف بسببه تكلفاً ولا تصنعاً ولا رياءًَ حتى ظهر الإخلاص في كلامه وحركاته وسكناته وطفح على قسمات وجهه المشرق النير المهيب الذي يبعث في الناظر إليه انشراحاً واطمئناناً وهدوءاً .. ولا أكتم القارئ الكريم أن كنت إذا ما ألم بي ضيق في الصدر وانقباض في النفس؛ أسرعت إليه رحمة الله لأجلس بجانبه وأنظر إليه وأستمع منه فتهدأ نفسي ويزول عني الضيق والانقباض، وهكذا تفعل مجالسة الصالحين المخلصين.
أما مخافته لله فأمر محسوس ظهر في وقوفه عند حدود الله وهو الفقيه بهذه الحدود, وفي تعظيمه شعائر الله، وفي مبادرته إلى أداء حقوق الله وفي جهره بالحق عند السؤال والاستفتاء, وهكذا يكون شأن الخائف من الله, فمن خاف هرب, ولكن هرب الخائفين من الله يكون الى الله.
وأما اهتمامه بأمور المسلمين فقد كان منطلقة فيه الحديث الشريف: (ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، وقد كان رحمه الله يريد أن يكون من المسلمين لا من غيرهم. ولهذا فقد أهمه أمر المسلمين وأرق جفنه, فما كان يسمع باجتماع إسلامي إلا وسارع إليه معللاً نفسه بحصول شيء يخدم الإسلام وينفع المسلمين، ومن أجل ذلك شد الرحال إلى أقطار الإسلام: إلى إندونيسيا وباكستان ومكة المكرمة وتركيا وغيرها من بلاد الإسلام بالرغم من شيخوخته وجسمه النحيل ولكن هي الهمة، همة المسلم الصادق المخلص تحرك البدن الضعيف بالرغم من تجاوز صاحبه سن الثمانين ... لقد كان من فرط اهتمامه بأمور المسلمين وحزنه على ما آل إليه أمرهم يبكي إذا ما تحدث من عِزّهم السابق وقَرَنه بهوانِهم الحاضر نعم يبكي وتسيل دموعه على وجهه المشرق المنير حتى تبل لحيته الكريمة البيضاء.
لقد صحِبت الشيخ رحمه الله في إقامته وفي سفره, وفي صحته وفي سقمه, وحضرت مجلسه العام والخاص, فما رأيت منه ضعفاً أو فتوراً فيما تحدثت عنه من إخلاص وخوف من الله واهتمام بأمر المسلمين بل رأيته يزداد عمقاً ةاتجاهاً وانصباغاً بهذه الصفات الجليلة, لقد فقهت منه معاني هذه الصفات الجليلة فقه الروح من الروح وفقه الرؤية للسلوك... رحم الله استاذي الكريم الذي قل نظيره وعز مثيله، لقد أحببته حب التلميذ لأستاذه وحب الأبن لأبيه وحب الأخ لأخيه في الله .. لقد عاش رحمه الله فقيهاً عزيزاً لا يمارى ولا يداهن يصدع بالحق وإن سكت غيره ولا يبيع شيئاً من دينه بالدنيا كلها فالدنيا أتفه من أن تكون ثمناً لشيء من معاني الإسلام, فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وجمعنا معه في جنات النعيم والسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً.
عبدالكريم زيدان
رمضان المبارك 1387هـ الموافق 2-12-1967م
نشرت بتاريخ: 2015-08-21 (7350 قراءة)