المؤلفات --> البحوث الفقهية
ضريبة الدخل ومدى مشروعيتها في الدول الإسلامية المعاصرة
ضريبة الدخل ومدى مشروعيتها في الدول الإسلامية المعاصرة
بحث قدمه الشيخ عبدالكريم زيدان في الدورة السابعة عشر لمجمع الفقه الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي والمنعقد في مكة المكرمة للفترة من 19-10-1424 هـ الموافق 13-12-2003م الى 23-10-1424هـ الموافق 17-12-2003م, وقد طبع هذا البحث مع مجموعة بحوث فقهية أخرى بكتاب يحمل عنوان (مجموعة بحوث فقهية معاصرة).
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... وبعد:
1. فإن ضريبة الدخل من الضرائب الشائعة في الدول في الوقت الحاضر لأنها تعتبر من مصادر المال الرئيسية للدولة، وقد اخذت بهذه الضريبة معظم الدول الإسلامية إن لم نقل جميعها وإن اختلفت فيما بينها في سعة أو ضيق نطاق هذه الضريبة.
2.موضوع البحث
وموضوع بحثنا هو في بيان مدى مشروعية هذه الضريبة في الدول الإسلامية المعاصرة. وهذا البحث وإن كان موجزاً في موضوعه إلا أننا نحسب أنه يلقي الضوء على مدى مشروعية هذه الضريبة على نحو ٍ يمكن معه أن يخرج المطلع عليه برأي راجح فيه من جهة مشروعية هذه الضريبة أو عدم مشروعيتها على أساس ما نقدمه من أدلة تتعلق بالموضوع والله تعالى أسأل أن يجنبنا الخطأ والزلل ويبصرنا بالصواب من الآراء ويوفقنا لاتباعه وتعريف الناس به خدمة لشريعته.
3. خطة البحث:
وحيث أن هذه الضريبة تفرضها الدولة على رعاياها للقيام بوظائفها وهي كثيرة فقد رأيت من المفيد، تمهيداً لموضوع البحث بيان حكم الشرع في إقامة الدولة الإسلامية وبيان وظائفها ومدى كفاية مواردها المالية المنصوص عليها للقيام بوظائفها. ثم بيان ماهية هذه الضريبة وما يتعلق بها في القوانين المالية الوضعية، وبعد ذلك نبين إن شاء الله تعالى مدى مشروعية هذه الضريبة فيما لو أرادت الدولة الإسلامية الأخذ بهذه الضريبة، ونختم هذا البحث بخلاصته وما نقترحه بشأنه، وعلى هذا جعلت خطة البحث كما يلي:
الفصل الأول: حكم الشريعة الإسلامية في إقامة الدولة الإسلامية.
الفصل الثاني: وظائف الدولة الإسلامية.
الفصل الثالث: الموارد المالية للدولة الإسلامية ومدى كفايتها لها.
الفصل الرابع: التعريف بضريبة الدخل وما يتعلق بها في القوانين المالية الوضعية.
الفصل الخامس: بيان مدة مشروعية هذه الضريبة – ضريبة الدخل- مع ذكر الأدلة.
************************************
الفصل الاول
حكم الشريعة الإسلامية في إقامة الدولة الإسلامية وادلته
الحكم الشرعي في إقامة الدولة الإسلامية
4. وجوب إقامة الدولة الإسلامية
صرح الفقهاء بوجوب نصب الخليفة للمسلمين، والخلافة منصب ديني وسياسي، وهي عنصر مهم من عناصر الدولة الإسلامية، لأنها مع صفتها الدينية فإنها تمثل السلطة في هذا التنظيم السياسي الذي نسميه الدولة. قال الإمام الماوردي " الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها من الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم".
فالنص على وجوب نصب الخليفة يعني وجوب إقامة الدولة الإسلامية إذا لا معنى لنصبه بدونها.
وقال الإمام الجويني " فنصب الإمام – أي الخليفة للمسلمين – عند الإمكان واجب".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية" يجب أن يُعرَف أن ولاية أمور الناس من أعظم الواجبات الدينية بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها" . ومن الواضح أن نصب الخليفة يستلزم إقامة الدولة الإسلامية، وإن نصب الخليفة الذي يتولى أمور الناس واجب ديني، فهو يمثل السلطة في الدولة الإسلامية.
وقال ابن خلدون في مقدمته "والخلافة... تعني حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، وصاحب هذا المنصب – منصب الخلافة- يسمى خليفة وإماماً، فأما تسميته إماماً فتشبيهها بإمامة الصلاة في اتباعه والاقتداء به وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي ﷺ في أمته، ثم إن نصب الخليفة واجب..."
وقال الإمام ابن جماعة: " ويجب نصب إمامٍ يقوم بحراسة الدين وسياسة أمور المسلمين، لأن الخلق لا يصلح أحوالهم إلا سلطان يقوم بسياستهم ويتجرد لحراستهم".
المبحث الثاني
أدلة وجوب إقامة الدولة الإسلامية
5. الدليل الأول:
قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ... } وأولو الأمر منكم هم الأمراء على قول الجمهور ويدخل في مفهوم (أولي الأمر) الخليفة أي رئيس الدولة .. قال العلامة صديق حسن خان في تفسيره: " وأولو الأمر" هم الأئمة والسلاطين وأمراء الحق ولاة العدل كالخلفاء الراشدين ومن يقتدي بهم من المهتدين".
6. الدليل الثاني:
إن الرسول ﷺ بعد أن هاجر هو أصحابه إلى يثرب " المدينة" أقام فيها أول دولة إسلامية، وكان هو ﷺ أول رئيس لها، وما معاهدته مع يهود المدينة، ومعاهدته مع قريش المسماة بـ"بصلح أو معاهدة الحديبية " إلا من تصرفاته لصفته رئيساً للدولة الإسلامية الناشئة، ولهذا كانت معاهدته مع اليهود ومعاهدته مع قريش ملزمتين للمسلمين؛ إفراد شعب الدولة الإسلامية.
7. وقد أدرك الفقهاء اجتماع صفة الإمامة – رئاسة الدولة الإسلامية- مع صفة النبوة والرسالة في شخص الرسول الكريم ﷺ، وبينوا حكم ما يصدر عنه ﷺ بهذه الصفة أو بتلك، فمن أقوالهم قول الفقيه المالكي المشهور بالقرافي : " أعلم أنَّ رسول الله ﷺ هو الإمام الأعظم والقاضي الأحكم، وقاضي القضاة وعالم العلماء ... ثم أن تصرفاته ﷺ بهذه الأوصاف تختلف آثارها في الشريعة الإسلامية، فكل ما قاله ﷺ أو فعله على سبيل التبليغ- أي تبليغ ما يوحى إليه من أحكام- كان ذلك حكماً عاماً على الثقلين إلى يوم القيامة... وكل تصرف منه ﷺ بوصف الإمامة– أي بوصفه رئيساً للدولة الإسلامية–لا يجوز لأحد أن يقوم عليه إلا بإذن الإمام..."
8. وقد يختلف الفقهاء في تكييف ما صدر عنه ﷺ من جهة الصفة التي صدر على أساسها تصرف الرسول ﷺ فتختلف آراؤهم فيما يستنبط من تصرفه صلى الله عليه وسلم من احكام، من ذلك قوله ﷺ: " من أحيا أرضاً ميتة فهي له ". اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في هذا القول هل هو تصرف منه ﷺ بالفتوى- أي تبليغ الأحكام وتنفيذها من غير حاجة إلى إذن الإمام – فيجوز لكل أحد أن يحمي مواتاً دون إذن الإمام في ذلك الإحياء أم لا ؟ وهو مذهب مالك والشافعي، أو هو تصرف منه ﷺ بالإمامة – أي يرأسه الدولة أي بصفته رئيساً للدولة الإسلامية- فلا يجوز لأحد أن يحيي أرضاً إلا بإذن الإمام وهو مذهب أبي حنيفة.
9. الدليل الثالث: عمل الصحابة والإجماع
أ. قال الإمام الجويني في التدليل على وجوب نصب الخليفة وهو عنصر مهم من عناصر الدولة الإسلامية وإن وجوده يستلزم وجود الدولة الإسلامية، قال رحمه الله :" إن أصحاب رسول الله ﷺ رأوا البدار إلى نصب الإمام فتركوا بسبب التشاغل به تجهيز رسول الله ﷺ ودفنه مخافة أن تغشاهم هاجمة محنة ..."
ب. قال الإمام الماوردي: " وعقدها – أي الإمامة أي رئاسة الدولة الإسلامية – لمن يقوم بها من الأمة واجب بالإجماع..."
10- الدليل الرابع – أحكام يحتاج تنفيذها وجود الدولة
هناك أحكام شرعية يحتاج تنفيذها إلى قوة وسلطة عامة تباشرها الدولة الإسلامية عن طريق رئيسها – الخليفة- الذي انتخبته الأمة الإسلامية لتنفيذ هذه الأحكام المطالبة بها نيابة عنها. وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: " ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة . وكذلك سائر ما أوجبه الله تعالى من الجهاد والعدل ونصرة المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا كان السلف كالفضيل بن عاصم وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان"
11- الدليل الخامس، مصلحة المسلمين تقتضي إقامة الدولة:
قال الفقيه بدر الدين بن جماعة: " ويجب نصب إمام يقوم بحراسة الدين وسياسة أمور المسلمين لأن الخلق لا يصلح أحوالهم إلا سلطان يقوم بسياستهم ويتجرد لحراستهم "
الفصل الثاني
وظائف الدولة الإسلامية
12. مصادر معرفتنا بوظائف الدولة الإسلامية
المقصود بوظائف الدولة الإسلامية الواجبات الشرعية المتعلقة بها والمكلفة بالقيام بها عن طريق رئيسها الخليفة. والواجبات الشرعية تعرف من مصادرها الشرعية وفي مقدمتها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وما أشارت إليه نصوصهما من مصادر معتبرة للأحكام الشرعية. وبناءً على ذلك نذكر ما دلَّ عليه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من واجبات متعلقة بالدولة الإسلامية ويقوم بتنفيذها بالنيابة عنها من يمثلها وهو الخليفة صاحب السلطة فيها ومن دونه من الولاة الذين يعينهم وينوبون عنه فيما يكلفهم به.
المبحث الأول
في دلالة القرآن الكريم على وظائف الدولة الإسلامية
13. أولاً – آية التمكين في الأرض:
قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}. وجاء في تفسيرها: " قالت فرقة ... هذه الآية في الخلفاء الراشدين الأربعة، قال الإمام ابن عطية : ومعنى هذا التخصيص أن هؤلاء خاصة مُكّنِوا في الأرض، ثم قال الإمام ابن عطية : العموم في هذا كله أبين ويتجه الأمر في جميع الناس- ثم قال ابن عطية : والآية أمكن ما هي في الملوك. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعمَّان الإيمان والكفر فما دونهما"
14. والتمكين في الأرض يتضمن إقامة الدولة الإسلامية وتولي السلطة فيها عن طريق نصب الخليفة رئيساً لهذه الدولة. وهذا ما تدل عليه عبارة الإمام ابن عطية " والآية أمكن ما هي في الملوك " لأن الملوك هم رؤساء الدول ويتولون السلطة فيها، فعلى هؤلاء أصحاب السلطة في الدولة الإسلامية الذين أقدرهم الله تعالى على تولي السلطة فيها وهم الخليفة ونوابه أن يقوموا بالواجبات الشرعية التي تدل عليها هذه الآية .. وهي:
15. أولاً: العناية والاهتمام بالواجبات الدينية "العبادات" وعلى رأسها الصلاة فيقوم بها الخليفة نفسه ويأمر بها ولاته ونوابه قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن النبي ﷺ لما ارسل معاذ بن جبل إلى اليمن قال له " إن أهم أمرك عندي الصلاة " ويعلل شيخ الإسلام ابن تيمية هذه العناية بالصلاة وأمر النبي ﷺ معاذاً بها " أن النبي ﷺ قال:" الصلاة عماد الدين" فإذا أقام المتولي عماد الدين فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي التي تعين الناس على ما سواها من الطاعات كما قال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } . وكذلك كان يفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان يكتب إلى عماله – أي إلى الولاة الذين عينهم على الأقاليم- " إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه ومن ضيعها وكان لسواها من عمله أشد أضاعه".
16. ويقاس على الصلاة في وجوب العناية بها والحث عليها والقيام بها سائر العبادات فالزكاة التي ورد ذكرها في الآية الكريمة الذي ذكرنا تفسيرها وما يستفاد منها من أحكام؛ وفي هذا الاهتمام والعناية بها من ولاة الأمور في الدولة الإسلامية: الخليفة ونوابه، أعظم النفع والخير للناس يقدمه إليهم من مكنّهم الله في الأرض بتولي السلطة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" فالمقصود الواجب بالولايات هو إصلاح دين الخلق الذي من فاتهم خسروا خسراناً مبيناً ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح مالا يقوم الدين إلا به من أمور دنياهم، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للناس" إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب الله وسنة نبيكم ويقسموا بينكم فيأكم".
17. وقيام الدولة بهذه الوظيفة الدينية يستلزم إقامة المؤسسات العلمية التي تخرج العلماء والدعاة والمفتين الذين يقومون بتعليم الناس أمور دينهم ، وإعطاءهم كفايتهم من بيت المال، وإما إصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمور الدنيا فهذا يشمل توفير ما يحتاجه الناس في معيشتهم وتحقيق الأمن لهم.
18. كما يجب على الدولة الإسلامية بواسطة رئيسها – الخليفة- ونوابه القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجميع مفردات هذين المطلوبين المتعلقة بالدولة والمكلفة بالقيام بها عن طريق قيام الخليفة ونوابه بهذا الواجب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
19. ثانياً من دلالة القرآن الكريم على وظائف الدولة:
قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}. وهذا خطاب للأمة أن تقوم بهذا الواجب وهو إعداد القوة عن طريق الخليفة نائبها الذي اختارته ليكون رئيساً للدولة الإسلامية ويقوم بما هي مخاطبة به من أحكام الشرع ومنها إعداد القوة هذا الإعداد الذي هو من وظائف الدولة الإسلامية. والقوة الواجب أن يقوم بها الخليفة تختلف باختلاف المكان والزمان إلا أن الشرط فيها أن تكون بمستوى أعلى وأقوى من مستوى قوة العدو، حتى يتحقق الأمن للمسلمين في دولتهم الإسلامية لأن قوة هذه الدولة لرجحانها على قوة العدو، ترهبه أي تخيفه فلا يجرأ على مهاجمة الدولة الإسلامية التي أصبحت قوتها أقوى من قوة العدو. ومن الملاحظ في الوقت الحاضر أنَّ أعداد مثل هذه القوة للدولة الإسلامية يحتاج إلى مال كثيراً جداً لتنوع أدوات هذه القوة.
المبحث الثاني
في دلالة السنة النبوية على وظائف الدولة الإسلامية
20. أحاديث نبوية في رعاية اليتامى والمحتاجين
روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول ﷺ قال: " أنا أولى المؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته". قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث " وهل كان ذلك من خصائصه ﷺ أو يجب على ولاة الأمور من بعده؟ " الراجح كما قال ابن حجر: "الاستمرار لكن وجوب الوفاء إنما هو من مال المصالح " أي من أموال بيت المال المرصدة للمصالح العامة.
وفي حديث آخر للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:" ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة أقرأوا إن شئتم (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فإيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه" قال الإمام العيني في شرحه لهذا الحديث: قوله "ضياعاً " هم العيال الضائعون الذين لا شيء لهم ولا قيم لهم، وقوله " أنا مولاه" أي ناصره لأن المولى هنا يعني الناصر.
وأخرج أبو داود عن المقدام أن رسول الله ﷺ قال:" أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك ديناً أو ضيعة فإليَّ، ومن ترك مالاً فلورثته وأنا مولى من لا مولى له" وجاء في شرحه قوله " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه" الأولوية هنا النصرة والتولية أي أتولى أمورهم بعد وفاتهم وأنصرهم فوق ما كان منهم لو عاشوا. وقوله " أو ضيعة" أي عيالاً، وقوله (فإليَّ) أي فإليّ أداء الدين وكفالة العيال.
أخرج الأمام الترمذي في جامعه عن أبي هريرة قال: قال ﷺ" من ترك مالاً فلأهله ومن ترك ضياعاً فإليَّ" وجاء في شرحه قوله " ومن ترك ضياعاً" قال الإمام الخطابي: الضياع هنا وصف لورثة الميت بالمصدر أي ترك أولاداً وعيالاً ذوي ضياع أي لا شيء لهم، (فإلي) أي مرجعه ومأواه إليَّ، أو فليأتِ إليَّ أنا أتولى أمورهم بعد وفاتهم وأنصرهم فوق ما كان منهم لو عاشوا"
21. دلالة هذه الأحاديث على وظيفة الدولة في رعاية اليتامى والمحتاجين:
إن ما ورد في هذه الأحاديث الشريفة من قيام رسول الله ﷺ بوفاء الدين عمن مات ولم يترك مالاً لوفاء دينه، ورعايته ﷺ لعيال الميت الذين لا مال لهم ولا معيل ، إنما كان ذلك منه ﷺ تصرف بالإمامة – أي تصرف منه ﷺ لصفته أماماً ورئيساً لدولتهم الإسلامية، وهذا ما رجحه ابن حجر العسقلاني في شرحه لأحد الأحاديث التي ذكرناها وذكرنا ما جاء في شرحه، ومعنى ذلك أن على ولاة أمور المسلمين، وأولهم وأولاهم (الخليفة) أي رئيس الدولة الذي يعتبر ما يتصرف فيه من شئون الدولة قياماً منه بوظائف الدولة نيابة عنها لأنه هو الذي يمثلها وينوب عنها فيما يلزم الدولة من واجبات شرعية، على هؤلاء ولاة الأمور أن يقتدوا برسول الله ﷺ ويقوموا بما قام به باعتباره من وظائف الدولة ويقاس على قيام الدولة عن طريق رئيسها برعاية الأيتام والمحتاجين من عيان الميت، يقاس على هؤلاء في رعاية الدولة لهم كل ما تحتاجه الرعية في أمور دينها ودنياها.
المبحث الثالث
أقوال الفقهاء في وظائف الدولة الإسلامية
22. كيف نعرف أقوال الفقهاء في وظائف الدولة الإسلامية
نعرف أقوال الفقهاء في وظائف الدولة الإسلامية من أقوالهم فيما يلزم الخليفة أي فيما يجب عليه أن يقوم به، ومن المعلوم أن ما يلزم الخليفة أي ما يجب أن يقوم به هو بصفته رئيساً للدولة الإسلامية، فما يقوم به من تصرفات بصفته هذه إنما يفعله نيابة عنها ولهذا تلزمها تصرفاته بهذه الصفة، فهذه التصرفات التي يجب على الخليفة القيام بها بصفته رئيساً للدولة الإسلامية هي وظائف هذه الدولة، فمن أقوال الفقهاء الدالة على وظائف الدولة الإسلامية بناءً على ما وضحناه من أسلوبهم في بيان هذه الوظائف، ما يأتي:
23. أولاً – قول الإمام الماوردي:
قال رحمه الله تعالى " فإذا استقرت الخلافة لمن تقلدها فعلى كافة الأمة تفويض الأمور العامة إليه من غير افتئات عليه ولا معارضة له ليقوم بما وُكِّل إليه من وجوه المصالح وتدبير الاعمال "
24. ثم قال الإمام الماوردي: والذي يلزم الخليفة من الأموال العامة عشرة أشياء خلاصتها ما يأتي: " حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة، وتنفيذ الأحكام الشرعية بين المتنازعين من قبل سلطة قضائية لا يتدخل أحدٌ في أعمالها "حتى يعم العدل ولا يعتدي ظالم ولا يضعف مظلوم" وتحقيق الامن الداخلي للمواطنين "ليتصرف الناس في المعاش وينتشروا في الأسفار آمنين" وإقامة العقوبات الشرعية" لتصان محارم الله تعالى وحقوق عباده"، "وتحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة" لتحقيق الأمن الخارجي للدولة الإسلامية، وإعداد ما يلزم من قوة لتحقيق متطلبات الجهاد بنوعيه: جهاد الدفع وجهاد الطلب" وجباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصاً واجتهاداً " وإيصال الحقوق المستحقة على بيت المال لأصحابها " في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير " وعلى الخليفة اختيار الأكفاء الأقوياء الأمناء لتكليفهم بالقيام بوظائف الدولة ومتطلباتها مع دوام مراقبته لهم لأنه (قد يخون الأمين ويغش الناصح).
25. ثانياً – قول الإمام الجويني في وظائف الدولة الإسلامية:
ذكر الإمام الجويني في واجبات الخليفة التي تعتبرها من وظائف الدولة الإسلامية مثل ما ذكره الإمام الماوردي ولكن مما أكد عليه الإمام الجويني وجعله من واجبات الخليفة وبالتالي نعتبره من وظائف الدولة الإسلامية هو ما يأتي:
أ- فقال عن واجب الخليفة نحو الدين: " فأما القول في أصل الدين فينقسم إلى حفظ الدين بأقصى الوسع على المؤمنين ودفع شبهات الزائغين والى دعاء الجاحدين والكافرين إلى إلتزام الحق المبين" والذي يحرص الإمام عليه جمع عامة الخلق على مذاهب السلف السابقين.
وقال في واجب الإمام نحو ذوي الحاجات: وأما ست الحاجات والخصاصات فمن أهم المهمات ... فإن اتفق مع بذل المجهود في ذلك فقراء محتاجون لم تف الزكوات بحاجاتهم فحق على الإمام أن يجعل الاعتناء بهم من أهم أمر في باله، فالدنيا بحذافيرها لا تعدل تضرر فقير من فقراء المسلمين في ضِّرٍ.
وبالنسبة لإعداد القوة قال رحمه الله " أن الإمام يحتاج في منصبه العظيم وخطبه الشامل الصميم إلى الاعتضاد بالعتد والعتاد والاستعداد بالعساكر والأجناد فإنه متصد لحراسة البيضة وحفظ الحريم والتشوق إلى بلاد الكفار فيجب أن يكون عسكره معقوداً ولا يجوز أن يكون معولة المتطوعة ، فلن تقوم الممالك إلا بجنود مجندة وعساكر مجردة وهؤلاء هم المرتزقة – أي الذين لهم رواتب معينة. "
26. ثالثاً – قول الفقيه الإمام ابن جماعة في وظائف الدولة
وقد ذكر الإمام ابن جماعة فيما يلزم الخليفة مثل ما ذكره الإمام الماوري، ولكنه أكد على واجب الإمام في إعداد الجند وفصل في أوجه العناية بالجند وما يستلزمه الإعداد الجيد لهم ليقوموا بواجبهم في الدفاع عن دار الإسلام وفي سائر متطلبات الجهاد الشرعية.
فقال رحمه الله فيما يتعلق بإعداد الجنود المؤهلين للقيام بواجباتهم: (اتخاذ الأجناد وحماية الثغور من اهم المصالح وعزم الأمور قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} أي من العدو، ومن أخذ الحذر تكثير الأجناد وإدخارهم، وقال تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ...} ومن الإعداد للعدو كثرة الأجناد ولا سلطان إلا بجند ولا جند إلا بمال) ثم قال رحمه الله تعالى (فما يعطى الأجناد وأمراؤهم من بيت المال تشجيعاً لهم وليتفرغوا لمتطلبات القتال والدفاع عن البلاد) ثم قال رحمه الله: " ويفرض السلطان لكل واحد من الأمراء والأجناد من العطاء قدر ما يحتاج إليه في كفايته اللائقة به، وإذا مات بعض المرتزقة من الأجناد استمر عطاؤه على بناته وزوجاته ما يكفيهن إلى أن يتزوجن، وعلى أولاده الصغار من الذكور إلى أن يبلغوا ويستقلوا بالكسب، ويستمر العطاء على الأعمى والزمن من أولاده وكل ذلك لترغيب أهل الجهاد وتوفير خواطرهم عليه وتطييب قلوبهم على عيالهم بعدهم".
الفصل الثالث
الموارد المالية للدولة الإسلامية ومدى كفايتها لوظائف الدولة
27- أولاً: الصدقات
الصدقات جمع صدقة، وهي الزكاة، وهي فريضة على كل مسلم ومسلمة، إذا تحققت شروطها والأصل في فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى "{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}التوبة:60 وقوله تعالى {وآتوا الزكاة} وفي السنة حديث رسول الله ﷺ عندما أرسل معاذاً إلى اليمن وفيه قوله ﷺ لمعاذ: " اعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم" واجمع المسلمون على فرضيتها، واجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعي الزكاة، وتجب الزكاة في أربعة أصناف من المال (الأول) السائمة من بهيمة الأنعام (والثاني) الخارج من الأرض وهو الزروع والثمار (والثالث) عروض التجارة، (والرابع) الأثمان من الذهب والفضة ، وفي ما عدا هذه الأصناف اختلاف الفقهاء في وجوب الزكاة فيها.
28. ثانياً: الغنائم
وهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال وسماها الله تعالى أنفالاً لأنها زيادة في أموال المسلمين، وتشمل الغنيمة أربعة أصناف : أسرى، سبي، أرضون، أموال منقولة. أما الأسرى فهم الرجال المقاتلون والإمام مخير بين الاسترقاق والفداء والمنّ، ويجوز قتل بعضهم إذا قام فيه داع لذلك، وأما السبي فهي النساء والأطفال وهؤلاء يكونون سبياً مسترقاً يقسمون مع الغنائم من الاموال المنقولة، أما الأرضون وهذه على رأي أبي حنيفة رحمه الله تعالى مُخير فيها بين قسمتها بين الغانمين أو يعيدها إلى أيدي أصحابها المشركين الأصليين بخراج (ضريبة معينة) يضربه عليها أو يجعلها وقفاً على كافة المسلمين، أما الأموال المنقولة، فيقسمها على الغانمين كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله.
29. الفيء
الفيء هو كل مال يأخذه المسلمون من الكفار بغير قتال، وأدخل الفقهاء في مفهومه الجزية والخراج والعشور والمال الذي يصالح عليه المسلمون العدو وما يتركونه بعد هربهم أو إجلائهم وسمي فيئاً لأن الله تعالى أفاءه على المسلمين أي رده عليهم من الكفار ، والأصل في وجوبه قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
ونذكر فيما يلي تعريفاً بالجزية والخراج والعشور التي أدخلها الفقهاء إلى مفهوم الفيء.
30. (أ) الجزية
وهي المال الذي يدفعه الذمي للدولة الإسلامية بناء على عقد الذمة المعقود بين الدولة الإسلامية وبين غير المسلم الراغب في أن يكون من رعايا الدولة الإسلامية ويسمى بناء على هذا العقد بـ( الذمي)، وهذه الضريبة يشترط لوجوبها في عقد الذمي العقل والبلوغ والذكورة والسلامة من الزمانة والعمى والشيخوخة فلا تجب على المجنون ولا على غير البالغ، ولا على المرأة، ولا على من فيه عاهة دائمة ولا على الأعمى والشيخ الفاني، كما لا تجب على المنقطع لعبادته كالراهب. ومقدارها في السنة على الغني 48درهماًَ وعلى المتوسط 24 درهماً وعلى الفقير المكتسب 12 درهماً ، وتسقط هذه الضريبة ( الجزية ) بإسلام الذمي.
31. (ب) الخراج
وهو ضريبة على الأرض التي تركها المسلمون بعد الاستيلاء عليها عنوة، بأيدي أصحابها المشركين الأصليين على ضريبة يؤدونها عنها كل سنة، وهي نوعان( الأول) خراج وظيفة (والثاني) خراج مقاسمة، فالنوع الأول يقدر مقداره بالنقود ويثبت في الذمة حسب مساحة الأرض وما يزرع فيها. والثاني خراج المقاسمة، يقدر مقداره بجزء مما يخرج منها، والفرق بين النوعين إن خراج الوظيفة يثبت مقداره في الذمة بناء على التمكن من زراعة الأرض سواء زرعها أولم يزرعها ويجب في كل سنة ، وأما في خراج المقاسمة فيكون الواجب فيه متعلقاً بالخارج من الأرض ليس بالتمكين من زراعتها ويتكرر بتكرر الخارج من الأرض وإن كان في سنة واحدة.
32. (ج) العشور
وهي ضريبة تجارية يخضع لها الذمي والمستأمن فهي بالنسبة للذمي تؤخذ من أمواله التجارية، إذا أنتقل بها من بلد إلى بلد داخل الدولة الإسلامية، ومقدارها 5% وهي بالنسبة للمستأمن (وهو غير مسلم) إذا دخل دار الإسلام بأموال تجارية ومقدارها 10% من قيمة أمواله التجارية وهذا هو الغالب في مقدار هذه الضريبة بالنسبة للمستأمن إلا إذا أخذت دولته من التاجر المسلم إذا دخل إقليمها أكثر أو أقل من هذه النسبة وهي 10% فإن الدولة الإسلامية تعامل رعايا هذه الدولة بالنسبة لمقدار الضريبة بنفس هذه المعاملة أي تأخذ منه أكثر أو أقل من 10% من قيمة أمواله التجارية، وما ذكرناه عن هذه الضريبة ومقدارها هو ما قرره سيدنا عمر رضي الله عنه ولم ينقل إلينا خلاف فيه.
33 . ووعاء هذه الضريبة جميع عروض التجارة من ثياب وحيوان وحبوب وكل ما يمكن أن يكون من أموال التجارة التي يتجر بها الناس لغرض الربح.
34. (د) الموارد الأخرى
ومن موارد الدولة الإسلامية الأخرى غير التي ذكرناها الأموال التي ليس لها مالك معين مثل من مات من المسلمين وليس له وارث معين، وكالأموال المغصوبة التي لا يعرف صاحبها والعواري والودائع التي تعذر معرفة أصاحبها، وكاللقطة إذا لم يظهر لها مالك.
المبحث الثاني
مصارف الموارد المالية للدولة الإسلامية
35- القاعدة العامة في مصارف موارد الدولة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما المصارف – أي مصارف الموارد المالية للدولة الإسلامية – فالواجب أن يبدأ في القسمة بالأهم فالمهم من مصالح المسلمين العامة: كعطاء من يحصل للمسلمين به منفعة عامة، فمنهم : المقاتلة الذين هم أهل النصرة والجهاد وهم أحق الناس بالفيء، وأما سائر الأموال السلطانية – أي موارد الدولة الإسلامية-فلجميع المصالح وفاقاً إلا ما خص به نوع كالصدقات والمغانم، ومن المستحقين ذوو الولايات عليهم كالولاة والقضاة والعلماء... وكذا صرفه في الأثمان والأجور لما يعم نفعه: من سداد الثغور بالكراع والسلاح وعمارة ما يحتاج إلى عمارته من طرقات الناس كالجسور والقناطر وطرقات المياه كالأنهار، ومن المستحقين: ذوي الحاجات، فهؤلاء يقدمون في غير الصدقات من الفيء ونحوه على غيرهم فإن النبي ﷺ كان يقدم ذوي الحاجات كما قدمهم في مال بني النضير).
36. مصرف الزكاة
ومصرف الزكاة أي المستحقون لها هم الذين ذكرهم الله تعالى في آية الصدقات التي ذكرناه في دليل مشروعيتها ويجوز دفع الزكاة لصنف واحد أو أكثر من أصناف المستحقين لها.
37. مصرف الغنائم
قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " فالواجب في المغنم تخميسه وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى وقسمه الأخماس الباقية بين الغانمين، ويجب قسمتها بينهم بالعدل" وتخميس الغنيمة، كما يقول الإمام الماوردي، أن يؤخذ خمس الغنيمة ويجعل خمسة أسهم: سهم لرسول الله ﷺ ويصرف بعده في المصالح العامة، والسهم الثاني لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب والسهم الثالث لليتامى والسهم الرابع للمساكين والسهم الخامس لبني السبيل. ثم يرضخ بعد الخمس لأهل الرضخ وهم من لا سهم له من حاضري القتال كالنساء والصبيان وأهل الذمة، فيرضخ لهم أي يعطون من الغنيمة بحسب جهدهم في القتال ومتطلباته، ثم تقسم الغنيمة بعد إخراج الخمس والرضخ منها، بين المقاتلين من الرجال الأحرار المسلمين، وتقسم الغنيمة بينهم فيعطى للفارس سهمين والراجل سهماً واحداً وقال الشافعي يعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهماً واحداً.
38. مصرف الفيء
ومصرف الفيء كما قال الإمام الماوردي: " أداء الخمس من الفيء لأهل الخمس مقسوماً على خمسة أسهم متساوية (السهم الأول) كان لرسول الله ﷺ في حياته ينفق منه على نفسه وأزواجه، ويصرفه في مصالحه ومصالح المسلمين أما بعد موته فيكون – كما قال الشافعي- يصرف في مصالح المسلمين كأرزاق الجيش وإعداد الكراع والسلاح وبناء الحصون والقناطر وأرزاق القضاة والأئمة، وما جرى هذا المجرى من المصالح، (والسهم الثاني) سهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب أبناء عبد مناف خاصة، (والسهم الثالث) لليتامى من ذوي الحاجات، (والسهم الرابع)للمساكين وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم، (والسهم الخامس) لبني السبيل. وأما أربعة أخماسه ففيه قولان (أحدهما) أنه للجيش خاصة، (والقول الثاني) أنه مصروف في المصالح العامة التي منها أرزاق الجيش وما لا غنى للمسلمين عنه.
39. مصروف الموارد الأخرى
والموارد الأخرى غير التي ذكرناها، مثل من مات من المسلمين وليس له وارث معين، وغير ذلك مما ذكرناه في الفقرة السابقة. فمصرف هذه الموارد هي مصرف الفيء التي ذكرناها في الفقرات السابقة.
المبحث الثالث
مدى كفاية موارد الدولة الإسلامية لوظائف هذه الدولة
40. زيادة وظائف الدولة الإسلامية المعاصرة
من الملاحظ في الوقت الحاضر أنّ وظائف الدولة الإسلامية المعاصرة قد كثرت وتنوعت على نحو لم يكن موجوداً في عصور فقهائنا الأوائل رحمهم الله تعالى، وهذه الكثرة والتنوع والزيادة في وظائف الدولة الإسلامية تستدعي كثرة المال لدى الدولة الإسلامية بالقدر الذي يكفي لقيامها بوظائفها الحالية لأن الموارد المالية للدولة الإسلامية والتي ذكرناها لم تعد كافية حتى لوظائفها التي كانت تقوم بها في العصور الماضية وعلى سبيل المثال إن إعداد القوة اللازمة من قبل الدولة الإسلامية لتحقيق ما أوجبه الله من إعداد القوة التي ترهب العدو أي تخيفه فيمتنع من الاعتداء على الدولة الإسلامية، لا يمكن تحقيق هذه القوة بآلاتها وأدواتها القديمة بل بآلات وأدوات القوة في الوقت الحاضر، وإعداد هذه الوسائل يحتاج إلى أموال كثيراً جداً لا تستوعبها الموارد المالية التي ذكرناها، وكذلك وظيفة التعليم، لم تعد بالحجم والنوع الذين كانا موجودين في العصور الماضية، فالتعليم تقوم به الدولة من تعليم الأطفال القراءة والكتابة إلى أعلى مستوى من درجات العلم، ومن حيث التنوع، فقد بلغ هذا التنوع إلى أنواع لم تعهدها العصور الإسلامية الماضية، سواء في مجال الطب أو الزراعة او الصناعات المختلفة أو في غيرها من أنواع العلم وصناعاته، وهذا يستدعي وجود المال الكثير، وكذلك في مجالات الصحة أصبح من وظائف الدولة المهمة الاعتناء في صحة المواطنين وما يستلزمه من إنشاء المؤسسات الصحية، واتخاذ الوسائل الوقائية، وهذا كله يحتاج المال الكثير الذي لا يمكن للدولة الإسلامية المعاصرة أن تحصل عليه من الموارد التي ذكرناها.
ولأجل التوسع قليلاً للتدليل على صحة ما نقول، أن بعض الموارد الشرعية للدولة الإسلامية لم يعد له وجود لضعف الدولة الإسلامية من ذلك مورد الغنائم، ومورد الجزية والخراج، أما مورد الزكاة فهذا أصابه الضعف لأنه يقوم أساساً على الشعور الديني والإيمان العميق في النفوس وهذا قد ضعف في النفوس، وحتى لو أنفق ما يمكن تحصيله من إيرادات الزكاة فهي لا تكاد تسد حاجات الفقراء وغيرهم من مستحقي الزكاة، وإذن لا بد من النظر والبحث في إيجاد موارد مالية للدولة الإسلامية في ضوء قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها ومبادئها العامة، وبحثنا هذا هو محاولة في هذا المجال في ضوء قواعد الشريعة، وسنتناول في هذا البحث مدى أمكان الأخذ بما يسمى (ضريبة الدخل) فيجوز للولي الشرعي في الدولة الإسلامية المعاصرة أن يأذن بأخذ هذه الضريبة، ويضع الضوابط في جبايتها ووجوه صرفها في ضوء معاني الشريعة الإسلامية وقواعدها؟ هذا ما سنتبينه بعد أن نتكلم عن ضريبة الدخل كما هي في القوانين الوضعية في الدول المختلفة.
الفصل الرابع
ضريبة الدخل في القوانين الوضعية
41. تمهيد
تعد الضرائب التي تفرضها الدول في الوقت الحاضر من أهم مواردها المالية، وتشكل أكبر نسبة من المبالغ التي تحصل عليها الدولة من مواردها المالية الأخرى، وتزداد أهمية الضرائب بالإضافة إلى أهميتها المالية للدولة أنها أصبحت وسيلة من وسائل التوجه الاقتصادي والاجتماعي للدولة ولهذا اهتمت الدولة تنظيمها من الناحية التشريعية والعينية.
42. منهج البحث
سنسلك في هذا البحث التعريف ببعض المصطلحات الاقتصادية المالية ذات الصلة بضريبة الدخل ثم نتبعها ببيان القواعد العامة التي تلاحظ عند فرض الضرائب المختلفة ثم نتكلم عن ضريبة الدخل فنذكر تعريفها الاصطلاحي وخصائصها ومفهوم الدخل، وأنواعه، ووعائها، وعلى هذا نقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: تعريف بعض المصطلحات المالية.
المبحث الثاني: القواعد العامة الأساسية في فرض الضرائب.
المبحث الثالث: التعريف بضريبة الدخل وبعض ما يتعلق بها.
المبحث الأول
تعريفات بعض المصطلحات المالية
43. أولاً: تعريف الضريبة
هي مبلغ من النقود تقرضه الدولة وتقوم بجبايته جبراً من الأفراد بصفة نهائية، دون أن يكون له مقابل وذلك بفرض تحقيق نفع عام والدولة إنما تفرض الضريبة على الأفراد بما لها من حق السيادة على إقليمها ومواطنيها، فهي إلى تقرر المال الذي تجب فيه وسعرها، وكيفية تحصيلها من غير إنفاق مع دافعي الضريبة أو حصول رضاهم بها ، والضريبة تجبى بصورة نهائية وبدون مقابل، ومعنى ذلك أن دافع الضريبة ليس له الحق في استرداد ما يدفعه من مبلغ الضريبة ولا بالمطالبة بفوائد مقابل ما يدفعه للدولة من مال كضريبة، ونعني بدون مقابل من الفوائد، الفوائد الخاصة به ، و إلا فأن كل فرد في إقليم الدولة يستفيد من الأمن الذي تقدمه له الدولة مع غيره من الفوائد العامة غير المذكورة.
44. ثانياً: الضريبة المباشرة وغير المباشرة
الضريبة المباشرة هي التي تفرض على الثروة الموجودة لدى الشخص سواء كانت هذه الثروة دخلاً أو رأس مال. أما الضرائب غير المباشرة فهي التي تفرض على استعمال الدخل أو رأس المال عند التصرف فيه فتفرض على استعمالات الدخل أو راس المال
45. ثالثاً: الضريبة والزكاة
الضريبة هي ما عرفناها به ، فهو تشريع وضعي، أما الزكاة فهي فريضة دينية فرضها الله تعالى على أموال مخصوصة بشروط معينة وبنسب معينة من المال المفروضة فيه، ومصارفها كما عينها الله تعالى، ولا تقوم الضريبة مقام الزكاة، بمعنى أن المسلم إذا دفع الضريبة التي تفرضها عليه الدولة ، فإنها لا تعفيه عن أداء الزكاة.
46. رابعاً: سعر الضريبة
يقصد بسعر الضريبة نسبتها إلى المال الخاضع لها فيقال أن سعر المادة أو المال الفلاني 10% أي الضريبة المقررة عليه عشرة بالمائة من قيمة هذا المال، والقانون الوضعي هو الذي يحدد سعر الضريبة كما أنه هو الذي يفرضها.
47. خامساً: وعاء الضريبة
يقصد بوعاء الضريبة، الثروة التي تخضع للضريبة، فوعاء الضريبة في الضرائب المباشرة أما أن يكون رأس المال أو الناتج أو الدخل، ورأس المال هو مجموع ما يملكه الفرد في وقت معين، أما وعاء الضرائب غير المباشرة فهو الثروة عند تداولها أو استهلاكها.
48. الرسم والضريبة
الرسم عبارة عن مبلغ من النقود تفرضه الدولة أو أحد الأشخاص العامة الأخرى وتأخذه ، من الأشخاص مقابل ما تقدمه لهم من خدمات مثل رسوم المتاحف وبعض الحدائق، ومنها أيضاً رسوم الدراسة الجامعية، وعادة ما يكون الرسم أقل من قيمة المنفعة التي تعود على دافع الرسم المستفيدة.
49. أوجه الاتفاق بين الرسم والضريبة
أوجه الاتفاق، أن كلاً منهما تفرضه الدولة، وهو مبلغ من المال يدفعه الفرد للدولة أو مؤسساتها العامة بموجب نص قانوني.
وأوجه الاختلاف، هي أن الرسم يدفعه الشخص مقابل خدمة أو منفعة خاصة به تقدمها الدولة له، وباستطاعة الشخص أن لا يطلب الخدمة أو المنفعة حتى لا يدفع الرسم، في حين أن الضريبة يدفعها الشخص التي وجبت عليه جبراً دون النظر إلى المقابل، ولكن في بعض الحالات يجبر الشخص على دفع الرسم مقابل الخدمة التي تقدمها الدولة لحاجته إلى هذه الخدمة في نظر الدولة مثل رسم التطعيم الإجباري ضد مرض معين، ويختلف الرسم مع الضريبة في أن الضريبة ترتبط بمقدرة المكلف الشخصية مما يحقق العدالة، أما الرسم فإنه قد يخّل بالعدالة لأن الخدمة التي تقدم مقابل الرسم ستكون للقادرين على دفع الرسم فقط، دون العاجزين عن دفعه.
50. الثمن العام والرسم
الثمن العام هو المبلغ النقدي الذي يدفعه الشخص للحصول على سلع أو منتجات المشروعات الصناعية التي تملكها الدولة، أما الرسم فهو كما عرفناه في الفقرة السابقة.
51. أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما
يتفق الثمن العام والرسم في أن كلاً منهما يُدفع نظير مقابل معين فالشخص يدفع الرسم مقابل خدمة أو منفعة معينة له، والثمن العام يدفعه الشخص ليحصل على سلعة معينة من مشروع صناعي تملكه الدولة . ويختلفان في أن الرسم يتحدد مقداره بإرادة الدولة وحدها أما حالة في الثمن العام فقد يتم تحديده بمساومة بين الشخص مريد شراء السلعة وبين مستخدم الدولة الذي يعرض السلعة للبيع. وأيضاً فإن الرسم يدفع جبراً على الأفراد إذا وجب على الأفراد طلب الخدمة التي لا تقدم إلا بدفع الرسم، أما في حالة الثمن العام فلا جبر فيه لأن مشتري السلعة من المشروع الصناعي الحكومي لا يجبر على شراء منتوجه فلا يجبر على دفعه ثمنه. وأيضاً الرسم يفرض بقانون أما الثمن العام فيتم تحديده بقرار إداري من إدارة المشروع الصناعي الحكومي.
المبحث الثاني
القواعد العامة الأساسية في فرض الضرائب
52. تمهيد
تعد الضرائب في الوقت الحاضر أهم الموارد المالية للدولة، وتفرضها الدولة بما لها من حق السيادة ويدفعها المكلف بها بما عليه من واجب اجتماعي يقتضيه المساهمة في تحقيق مصالح المجتمع عن طريق دفع الضرائب، إلا أن الضرائب مهما قيل في تبريرها فهي تعتبر عبئاً مالياً على المكلف بدفعها، ومن أجل التوفيق بين مصلحة الدولة في تحصيل أكبر قدر ممكن من المال عن طريق الضرائب لتقوم بوظائفها وبين مصلحة المكلف بدفعها بتخفيف عبء هذه الضريبة عنه، قيلة جملة من القواعد الأساسية التي تهدف إلى هذا التوفيق بين المصلحتين ونذكرها فيما يلي:
53. القواعد العامة الأساسية في فرض الضرائب
(أولاً): العدالة ، (ثانياً) اليقين ، ( ثالثاً) الملائمة ، ( رابعاً) الاقتصاد في النفقات.
ونشرح فيما يلي هذه القواعد بإيجاز
54. أولاً: قاعدة العدالة
ومع الاتفاق على هذه القاعدة ولكن الاختلاف يثور حول مفهومها وكيفية تحقيقها، فقد رأى (آدم سمث) الاقتصادي الإنجليزي المشهور أن مفهوم هذه القاعدة هو أن يسهم كل جميع أفراد المجتمع في تحمل أعباء الدولة المالية بما يتناسب وقدراتهم المالية، وبناءً على هذا يرى هذا الاقتصادي أن العدالة في الضريبة هي التي تتناسب مع دخولهم المالية، وبالتالي يجب أن تكون الضريبة تصاعدية أي تزداد نسبتها إلى الدخل بإزدياد هذا الدخل.
55. بينما يذهب ويرى بعض المعنيين بشؤون الضرائب أن تحقيق العدالة فيها يتحقق بجعل الضريبة (عامة وموحدة) ويقصد هؤلاء (بعمومية الضريبة) أن تفرض الضريبة على كل الأموال وعلى كل الأفراد فلا يعفى من الضريبة مال من الأموال ولا شخص من الأشخاص الخاضعين لسيادة الدولة من دفع الضريبة وأما ( وحدة الضريبة) فيقصد بها أن يكون عبء الضريبة أي سعرها واحداً بالنسبة لجميع المكلفين بها، وبهذه الوحدة للضريبة أي سعرها واحداً بالنسبة لجميع المكلفين بها، وبهذه الوحدة للضريبة وبعموميتها تتحقق العدالة، وبناءً على هذا الرأي لو كان سعر الضريبة 10% من دخل الفرد، وكان دخله مائة ريال فإنه يدفع عشرة ريالات كضريبة، ومن كان دخله (1000) ريال يدفع (100) مائة ريال بناء على ثبات سعر الضريبة مهما زاد دخل الفرد. ولكن يرد على هذا الرأي أنه لا يحقق العدالة وإن ظهر لأول وهلة أنه بهذه النسبة الحسابية يحققها.
56. ثانيا: قاعدة اليقين
وتعني هذه القاعدة كما حددها (آدم سمث) أن تكون الضريبة محددة تحديداً دقيقاً وبدون غموض سواءً كان هذا التحديد الواضح في مبلغ الضريبة أو ميعاد الوفاء بها أو طريقة الوفاء، لأن عدم هذا التحديد يؤدي إلى تحكم القائمين على جباية الضريبة وتعسفهم في استعمال سلطتهم في الجباية، ويؤدي هذا إلى عدم العدالة في الضريبة ومما تستلزمه قاعدة اليقين الابتعاد عن التعديلات في نظام الضريبة، فلا يغير سعر الضريبة ولا وعاؤها ولا طريقة تحصيلها من عام إلى عام إلا للضرورة القصوى لأن كثرة التعديلات في الضريبة وأحكامها ترهق المكلف بها وتشل النشاط الاقتصادي للأفراد.
57. ثالثاً: قاعدة الملائمة
وتعني هذه القاعدة أن تكون مواعيد تحصيل الضريبة أو إجراءات تحصيلها ملائمة للمكلف بها، وتكون ملائمة إذا كان وقت تحصيلها هو وقت حصوله على دخله المفروض فيه الضريبة.
58. رابعاً: قاعدة الاقتصاد في النفقات
والمقصود بهذا الاقتصاد، الاقتصاد في نفقات جباية الضريبة، ويتحقق هذا الاقتصاد بتنظيم كل ضريبة بحيث لا تكلف الدولة إلا أقل النفقات في جبايتها، وأن لا يكون الفرق كبيراً بين ما يدفعه المكلف. في دفعها وبين ما تتحمله الدولة من نفقات تحصيلها.
المبحث الثالث
التعريف بضريبة الدخل وببعض ما يتعلق بها
59. تعريف ضريبة الدخل
الضريبة على الدخل هي الضريبة التي تتخذ الدخل وعاءً لها، أي هي المفروضة على الدخل مباشرة بمناسبة اكتسابه أو تحققه، فالواقعة المنشئة لهذه الضريبة هي اكتساب الدخل أو تحققه.
60. أهمية هذه الضريبة
يجمع علماء المالية العامة على أن الضريبة في الظروف العادية يجب ألا تصيب إلا الدخل كقاعدة عامة، فأياً كان وعاء الضريبة فيجب أن يكون سعرها معتدلاً بحيث يمكن دفعها من الدخل بسهولة ويسر لأن الضريبة إلتزام يتجدد سنوياً كقاعدة عامة فيجب أن تصيب لدى المكلف بوصفها محلاً لديه له نفس الخصيصة وهذا المحل هو الدخل.
61. وحيث أن ضريبة الدخل من الضرائب المباشرة فلها مزايا وخصائص هذا النوع من الضرائب، وهي بإيجاز:
حصيلة ضريبة الدخل تتمتع بالثبات وعدم التغير إلا في حدود ضيقة لأنها تفرض على الدخل، وهو عنصر ثابت نسبياً، كما يمكن الاعتماد على هذه الضريبة عند تقدير الإيرادات العامة في ميزانية الدولة، يمكن تحقيق العدالة في هذا النوع من الضرائب لأنه يلاحظ في فرضها المقدرة الفعلية للمكلف، كما إن نفقات جبايتها أقل بكثير من نفقات جباية النفقات غير المباشرة.
62. الدخل هو وعاء ضريبة الدخل
دخل الشخص هو وعاء ضريبة الدخل، ولكن ما هو مفهوم هذا الدخل الذي تفرض عليه هذه الضريبة باعتباره وعاءاً له؟ للجواب على هذا يجب التعريف بين مفهوم الدخل الإجمالي والدخل الصافي لأن الضريبة تفرض على الدخل الصافي لا على الإجمالي.
63. مفهوم الدخل الإجمالي والدخل الصافي
يقصد بالدخل الإجمالي كل ما يحصل عليه الشخص من مصدر معين أي كل الإيرادات التي يحصل عليها نتيجة لنشاطه الاقتصادي خلال فترة معينة.
أما الدخل الصافي فهو عبارة عن الدخل الإجمالي مخصوماً منه المبالغ التي أنفقت في سبيل الحصول على الدخل.
64. الضريبة تفرض على الدخل الصافي
والتشريع الضريبي عادة يفرض الضريبة على الدخل الصافي لأنه يمثل المقدرة المالية الحقيقية للمكلف وبالتالي يتحقق في هذه الضريبة فكرة العدالة وهي القاعدة الأساسية التي تلاحظ في فرض الضرائب.
65. تكاليف تحصيل الدخل التي تخصم منه
وتكاليف تحصيل الدخل التي تخصم من هذا الدخل هي عادة ما يأتي:
نفقات الاستغلال: وهي النفقات اللازمة لانتاج السلعة أو الخدمة وتختلف هذه النفقات من مهنة إلى أخرى أي باختلاف مصادر الدخل.
نفقات الصيانة: وهي النفقات اللازمة لصيانة مصدر الدخل حتى يمكن أن يستمر أطول مدة ممكنة في انتاج الدخل.
مقابل استهلاك رأس المال: والمقصود بهذا المقابل المبالغ التي يدفعها صاحب المشروع في شراء آلات جديدة تحل محل الآلة التي استهلكت. فمصدر الدخل لا بد من تجديده من فترة إلى أخرى ليدوم تحصيل الدخل وهو وعاء هذه الضريبة: ضريبة الدخل. ويعرف هذا المقابل بمعرفة السنين التي بعدها يلزم التجديد ولتكن مثلاً عشر سنوات، وثمن الآلات الجديدة التي تحل محل القديمة، وليكن مثل مائة ألف، فيقسم هذا المبلغ (مائة ألف) على عدد السنين العشرة، فنقطع هذا الجزء في كل سنة من الدخل الإجمالي مع ما يخصم من الدخل الإجمالي.
66. أنواع ضريبة الدخل
أولاً: قد يكون للشخص عدة مصادر لدخله، فإذا فرضت الضريبة على كل نوع من أنواع مصادر دخله كان هذا النوع من ضريبة الدخل هو المسمى بالضرائب النوعية أو الضرائب على الدخول النوعية، كما لو كان لشخص مزاولة مهنة معينة أو نشاط تجاري معين أو ملكيته عقار معد للاستغلال، فتفرض عليه ضرائب متعددة بتعدد مصادر دخله هذه.
ثانياً: النوع الثاني من ضريبة الدخل هي الضريبة التي تفرض على مجموع دخل الفرد من مصادر دخله المتعددة ويسمى هذا النوع من ضريبة الدخل بـ (الضرائب على الدخل العام) أو الضريبة العامة على مجموع الدخل المتحصل للفرد.
67. الإعفاءات من ضريبة الدخل
قد يرى واضع الضريبة إعفاءات معينة من ضريبة الدخل تنزل من الربح الصافي تحقيقاً لقاعدة العدالة الواجب مراعاتها عند فرض الضرائب وهذه الإعفاءات قد يكون مردها ملاحظة نفقات المعيشة، وقد يكون مردها اعتبارات اقتصادية واجتماعية.
68. أولاً: إعفاء نفقات المعيشة
تقرر معظم التشريعات الوضعية الضريبية إعفاء جزء معين من دخل الفرد يسمى حد الكفاف أو الحد اللازم للمعيشة باعتباره ضرورياً لحياته وحياة من يعول من أفراد اسرته، ويحدد الجزء الذي يعفى من الضريبة من الدخل الصافي للفرد بالنظر إلى عدد أفراد أسرته الذي يعيلهم، ومستوى المعيشة في المجتمع، ولهذا يختلف مقدار الإعفاء من مجتمع إلى آخر، كما يختلف هذا الجزء من دخل الفرد من الإعفاء في المجتمع الواحد من وقت لآخر نظراً لتغير الأسعار فيه وغير ذلك من الاعتبارات التي تؤثر في تحديد مقدار ما يعفي من الدخل من الضريبة.
69. ثانياً: الإعفاءات المقررة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية.
قد يرى واضع الضريبة إعفاء بعض المؤسسات من ضريبة على الدخل الذي تحصل عليه لاعتبارات اقتصادية أو اجتماعية مثل الجمعيات الخيرية التعاونية والزراعية والسكنية، أو المنشآت التي تعني بتربية المواشي والنحل، والمعاهد الأهلية للتعليم والمستشفيات الأهلية أما لمدة معينة أو بدون تحديد مدة للإعفاء.
70. أنواع الدخل بحسب مصادره
والدخل بحسب مصادره أنواع، ففي الجمهورية اليمنية مثلاً تفرض ضريبة الدخل على ما يأتي:
- ضريبة على الأرباح التجارية والصناعية.
- ضريبة المرتبات والأجور وما في حكمها.
- الضريبة على أرباح المهن الحرة وسائر المهن غير التجارية وغير الصناعية.
- ضريبة المبيعات داخل المناطق المحددة بالقانون المتعلق بها.
- ضربة ممارسة العمل.
- وضرائب أخرى نصت عليها القوانين المرعية في اليمن.
الفصل الخامس
مدى مشروعية ضريبة الدخل في الدول الإسلامية المعاصرة
71. تمهيد
تأخذ الدول الإسلامية – معظمها إن لم نقل كلها- بنظام الضرائب ومنها (ضريبة الدخل). ويتردد السؤال بمناسبة وبغير مناسبة عن مدى مشروعية ضريبة الدخل في الدول الإسلامية وعن مدى حق ولي الأمر في فرض هذه الضريبة. ويأتي الجواب مجملاً، مرة بالجواز على رأي البعض ومرة بعدم الجواز على رأي البعض الآخر.
وقد رغبت في بحث هذه المسألة بحثاً موضوعياً تأصيلياً في ضوء الأدلة الشرعية، ومن أجل هذا قدمت ما قدمته في الفصول السابقة ليكون تمهيداً أو مقدمة لا بد منها لبحث هذه المسألة بالكيفية التي ذكرتها، وقد جعلت هذا الفصل في مبحثين على النحو التالي:
المبحث الأول- أدلة مشروعية ضريبة الدخل.
المبحث الثاني- شروط مشروعية ضريبة الدخل.
المبحث الأول
أدلة مشروعية ضريبة الدخل في الدول الإسلامية المعاصرة
72. أولاً: وجوب طاعة أولي الامر:
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } وأولو الأمر هم الأمراء وطاعتهم تكون في المعروف لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، ويشمل عموم قوله تعالى (أولو الأمر) العلماء فهي عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء ومن جملة ما يجب فيه طاعة اولي الأمر طاعتهم في تدبير أمور المعاش وجلب المصالح ودفع المفاسد الدنيوية.
ومن الواضح أن طاعة الرعية لولاة الأمور فيما يقرونه من تكاليف مالية على الرعية ومنها ضريبة الدخل عند الحاجة إلى المال لا يعتبر معصية بل يعتبر من مندوبات الشرع في بذل المال للمصلحة العامة.
73. ثانياً: مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب
إن إقامة الدولة الإسلامية وقيامها بوظائفها الشرعية التي أشرنا إليها من قبل واجب شرعي، وإن قيام الدولة الإسلامية بهذا الواجب الشرعي يحتاج إلى مال كثير جداً، كما ذكرنا من قبل، وحيث أن المصادر المالية الشرعية للدولة الإسلامية التي ذكرناها من قبل لم تعد كافية في الوقت الحاضر لإمداد الدولة الإسلامية بالمال الكافي للقيام بوظائفها فقد صار من الواجب الشرعي على الخليفة – ولي الأمر في الدولة- تحصيل المال الكافي لوظائف الدولة من مصادر أخرى تسمح الشريعة الإسلامية بتحصيل المال منها لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبذل المال من قبل الرعية للدولة لتمكينها من القيام بوظائفها من التصرفات المرغوب فيها شرعاً وبالتالي يكون هذا البذل من مندوبات الشريعة ولولي الأمر أن يأمر بها لأنها تدخل في مفهوم المعروف وطاعة الله ولا تدخل في مفهوم معصيته.
74. ثالثاً: التعاون على البر والتقوى
قال تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } قال صاحب فتح البيان" أي لِيُعنْ بعضكم بعضاً وهو يشمل كل أمر يصدق عليه أنه من البرّ والتقوى". وقال الإمام المفسر ابن عطية : أن البر يتناول الواجب والمندوب إليه. ومن الواضح الجلي أن مساهمة أفراد الدولة الإسلامية بالمال لدولتهم وهي محتاجة إليه لقيامها بوظائفها الشرعية أقول أن هذه المساهمة التي تتم وتحصل عن طريق تكليفهم (بضريبة الدخل) هي مساهمة وتعاون يصدق عليها الآية الكريمة " وتعاونوا على البر والتقوى" فتكون طاعة ولي الامر فيما يكلفهم فيه من ضريبة الدخل طاعة مشروعة وواجبة لأن الأصل في الأمر الوجوب.
75. رابعاً: القيام بمصالح الرعية
ولي الامر مأمور شرعاً بالقيام برعاية مصالح الرعية ومن مظاهر هذه الرعاية تمكين دولتهم بالقيام بوظائفها التي تتحق بها مصالحهم، وتمكين دولتهم يتم بوجود المال الكافي لديها، فإذا أعوزها المال كان واجباً عليه تحصيله من الرعية وصار واجباً على الرعية طاعة ولي أمرهم فيما يكلفهم به من ضريبة الدخل كوسيلة لتحصيل المال، جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام سلم عن أبن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: { كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته...} وجاء في شرحه: " قال أهل العلم: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه: إن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالبُ بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه و متعلقاته. وروى هذا الحديث أبو داود في سننه، وجاء في شرحه: ( الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما أوتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه).
76. خامساً: ما يستفاد من وصية الإمام أبي يوسف لهارون الرشيد
قال الإمام أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة يرحمهما الله تعالى مخاطباً الخليفة هارون الرشيد: "وكل ما رأيت أن الله تعالى يصلح به أمر الرعية فافعله ولا تؤخره فأني أرجو لك بذلك أعظم الأجر وأفضل الثواب". وتكليف الناس بضريبة الدخل كوسيلة لتحصيل الدولة الإسلامية للمال الذي تحتاجه للقيام بوظائفها إنما هو تصرف من ولي الأمر في تحقيق ما ينفع الأمة ويخفف مصالحها، لأن فيما يؤديه الأفراد من ضريبة الدخل تمكين للدولة من القيام بوظائفها ، التي بها تتحقق مصالحها، فيجوز لولي الأمر أن يكلف الناس بضريبة الدخل إذا احتاج إليها.
77. سادساً: قول الإمام الجويني في فرض الضرائب
قال أمام الحرمين الإمام الجويني يرحمه الله تعالى: (إن عساكر الإسلام إذا كثروا أعني المرتزقة المترتبين في ديوان الجند وعظمت المؤن القائمة بكفايتهم وهي جارية على استمرار الاوقات على حسب توالي الحاجات وكان اتساع الرقاع والاصقاع وكثرة الثغور والمراصد في البقاع إلا بكثرة الرجال المترصدين للقراع وقد قسم الإمام على أصناف وأنواع ... وإذا انتهى تدبير الممالك إلى ذلك فالغالب أنًّ ما ينفق من أخماس المغانم والفيء لا يقيم الأَودَ ولا يديم العدد فإنا كما نُصيب- أي من العدو – نُصَاب والحرب سجال، فإذن لا تقوم المملكة بتوقع الاغتنام ولابد للإمام من الاعتصام بأوثق عصام على ممر الأيام ووزر الإسلام – أي إمام المسلمين وهو رئيس الدولة الإسلامية – مأمور بأقصى الاحتياط واللحظ باللحظ بعد اللحظ،.. فأقول والله المستعان- لا بد من توظيف أموال – أي فرض ضرائب- يراها الإمام قائمة بالمؤمن الراتبة ومدانية لها، وإذا وظفّ – أو وضع ضريبة – الإمام على الغلات والثمرات وضروب الزوائد والفوائد من الجهات يسيراً من كثير سَهَل احتماله ووُفر به أُهَبُ الإسلام وماله واستظهر رجاله وانتظمت قواعد الملك وأحواله... ثم يعلل الإمام الجويني بما يراه من حق الإمام في فرض ما افترضه من ضرائب ) . فيقول رحمه الله تعالى: (ولو عدم الناس سلطانا يكفّ عن زرعهم وضرعهم عادية المعتدين وتوثب الهاجمين لاحتاجوا في إقامة حراس من ذوي البأس إلى أضعاف ما رمزنا إليه).
فالإمام الجويني رحمه الله يرى بحق أنَّ الدولة بحاجة إلى ما يحقق لها أمنها الخارجي والداخلي من جنود لهم مرتباتهم الشهرية المستمرة والى موظفين في مختلف وظائف الدولة والى من يحفظ الأمن الداخلي، وقيام الدولة بهذه الوظائف ويسدّ حاجات الناس يستلزم وجود مصادر مالية تتصف بالدوام مثل دوام ضرورة قيامها بوظائفها المختلفة... ولهذا يصرح الإمام الجويني بأنه لا يصح الاعتماد على خمس الغنائم والفيء لأن هذا غير مضمون وبالتالي يرى التحول إلى توظيف الأموال- أي فرض الضرائب- على ما ذكره من الأموال وأن هذه الضرائب والتكاليف المالية تُعد يسيره بالنسبة لما يحصل عليه أصحاب الأموال من حماية لأموالهم لأنهم لو فقدوا الأمن الداخلي لصرفوا أضعاف ما يفرض عليهم من ضرائب لتحصيل الأمن لهم ولأموالهم.
78. سابعاً: قاعدة الغرم بالغنم
وحيث أن الأفراد في الدولة الإسلامية ينعمون وينتفعون بما تقدمه لهم الدولة من أمن خارجي لدولتهم يحفظها من غزو العدو لها بما تعده من قوة، وبما تقدمه لهم من أمن داخلي يحقق لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم بما تعده من قوى [الشرطة] وتحقق لهم العدالة واستحصال حقوقهم بالقضاة الذين تعينهم الدولة وتدفع لهم رواتب شهرية مستمرة، وبما تهيئه لهم الدولة من فرص التعلم بما تهيئه من مؤسسات التعليم المختلفة وما يحتاج ذلك من صرف الأموال للقائمين عليها، وبما تقدمه الدولة لهم من ضمان اجتماعي ضد الشيخوخة والحاجة، والبطالة والفقر، أقول لما كانت الدولة تقدم لرعاياها بكل هذه المنافع والخدمات فيجب أن يقابلوها بدفع اليسير من أموالهم أو من دخول أموالهم إذا احتاجت الدولة إلى ذلك حتى تستمر في تقديم الخدمات لهم عن طريق قيامها بوظائفها التي أشرنا إليها. بل أن ما يقدمونه من الأموال إلى الدولة يعود نفعها لهم جميعاً، وإذا كان الأمر كذلك فيجب إعمال وتنفيذ قاعدة الغرم بالغنم عن طريق فرض ضريبة الدخل على الأفراد وأن على الأفراد الالتزام بها وأداؤها بنفوس راضية دون تهرب منها أو تأخر في أدائها.
79. ثامناً: أن في المال حقاً سوى الزكاة
قال ابن حزم الظاهري لقد ثبت عن أبن عمر أنه قال: في مالك حق سوى الزكاة، وصح عن الشعبي ومجاهد وطاووس وغيرهم كلهم يقولون في المال حق سوى الزكاة. وقال الإمام القرطبي في تفسيره: اتفق العلماء على انه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها وقال مالك رحمه الله يجب على الناس فداء أسراهم وأن استغرق ذلك أموالهم، وهنا إجماع. وقد ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية على من قال (لا حق في المال سوى الزكاة) بأن الحديث في جامع الترمذي " إن في المال حقاً سوى الزكاة" ثم قال موجهاً قول من قال (إن لا حق في المال سوى الزكاة) بأنه أراد الحق المالي الذي يجب بسبب المال فيكون راتباً، و إلا فنحن نعلم بالاضطرار من دين الإسلام إن الله تعالى قد أوجب إيتاء المال في غير الزكاة المفروضة في مواضع مثل الجهاد بالمال عند الحاجة ونفقة الزوجة والأقارب بل المال مستوعب بالحقوق الشرعية الراتبة أو العارضة مسبب من العبد أو بغير سبب منه. وعلى هذا إذا وجدت حاجة للدولة للمال لصرفه إلى القيام بوظائفها كان من واجب الرعية تقديمه لها ومن سبيل التقديم فرض ضريبة الدخل عليهم ويكون ذلك من الحق الخارج عن حق الزكاة.
80. تاسعاً: قاعدة سد الذرائع
وقاعدة سد الذرائع تقضي بفرض ضريبة الدخل لتحصيل المال الكافي للدولة عند حاجتها إلى المال تقوم بوظائفها الكثيرة منعاً من حصول الفتن والقلاقل، فمن وظائف الدولة الإسلامية في الوقت الحاضر أن ترعى الفقراء والمعوزين وإيجاد فرص العمل للعاطلين والقيام بمؤسسات الضمان الاجتماعي للمواطنين وغير ذلك من الوسائل التي يرغب فيها الإسلام لأن من شأنها تحقيق التعاون الذي يأمر به الإسلام، وسد حاجات المحتاجين وقد وردت في هذا المجال أحاديث كثيرة منها قوله ﷺ " من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له " قال راوي الحديث أبو سعيد الخدري، فذكر ﷺ أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حقّ لأحد منا في فضلٍ ".وذكر ابن حزم الظاهري في المحلى:" أن النبي ﷺ قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس".
فهذه الاوامر من النبيﷺ في مواساة الفقراء والمحتاجين يمكن للدولة الإسلامية أن تحققها فعلاً عن طريق فرض ضريبة الدخل وجعل بعض حصيلتها في إيجاد المؤسسات التي ترعى ذوي الحاجات، وبهذا تسد الدولة الإسلامية، ثغرة قد يستغلها المبطلون لتهيج الفقراء على المجتمع مما يؤدي إلى اضطراب الأمن فمن باب سد الذريعة قيام الدولة بما ذكرت فضلاً عن أن ما تقوم به الدولة هو ما ترغب فيه الشريعة وتأمر به على وجه الندب إن لم يكن على وجه الإيجاب.
81. عاشراً: قد يصير المندوب أو المباح واجباً
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد توجب الشريعة التبرع عند الحاجة كما نهاهم النبي ﷺ عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة - التي دفت إلى المدينة – ليطعموا الجياع لأن إطعامهم واجب، فإن مَنْ نُهِيَ عن الانتفاع بماله جاد ببذله. وقد نهى النبي ﷺ بل الائمة عن بعض أنواع المباح في بعض الأحوال لما في ذلك من منفعة النهي" .وفرض ضريبة الدخل للأغراض التي ذكرناها ومنها ما يمس كيان الدولة الإسلامية في بقائها إذا أعوزها المال فلم تقم بوظائفها في تحقيق الأمن الخارجي والداخلي فإن مساهمة أفرادها بتقديم المال يكون واجباً عليهم وبالتالي يحق لدولتهم تنظيم مساهمتهم المالية بتقديم المال لها عن طريق فرض ضريبة الدخل عليهم، ونقول هذا على سبيل التنزل واعتبار ما يدفعه الأفراد لدولتهم هو من قبل التبرع، أو المندوب.
82. أحد عشر: المال مال الله
قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}. قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية " قوله تعالى (مما جعلكم مستخلفين فيه) دليل على أن أصل الملك لله سبحانه وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله ... إلى أن قال: وهذا يدل على أنها، أي الأموال ليست بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة النواب". ومن الواضح أن ما يرضي الله تعالى وهو المالك الحقيقي لما في أيدي الناس من أموال، أن ينفقوا هذه الأموال فيما يرضيه ومنها تقديمها أو بعضها لدولتهم لتقوم بالوظائف المطلوبة منها شرعاً والتي ذكرناها من قبل، وعلى هذا يجوز للدولة أن تنظم كيفية مساهمة الأفراد في تقديم المال الذي يناسب قدرتهم المالية عن طريق قيام الدولة بفرض ضريبة الدخل عليهم.
المبحث الثاني
شروط شروعية ضريبة الدخل
83. الشرط الأول: الحاجة إلى المال
الأصل أن الدولة الإسلامية لا تكلف رعاياها أكثر مما نصت الشريعة عليه كالزكاة، ولكن إذا احتاجت الدولة الإسلامية إلى كفايتها من المال لتقوم بوظائفها جاز لها أو وجب عليها تكليف رعاياها بضريبة الدخل كوسيلة لحصولها على المال الكافي. وقد تناول الإمام الجويني موقف الإمام – الخليفة- في حالة حاجة الدولة إلى المال، فقال: إذا خلا بيت المال انقسمت الأحوال على ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
حالة دخول الكفار ديار الإسلام وفي هذه الحالة يقول الإمام الجويني " يجب على الأغنياء في هذا القسم أن يبذلوا فضلات أموالهم "
القسم الثاني:
فأما إذا لم يجر ذلك بعد – أي لم يدخل الكفار ديار الإسلام – ولكن نخافه ونستشعره لانقطاع موارد الأموال واختلال الحال ولو لم نتدارك ما نخاف وقوعه لوقع في غالب الظن، فهذا القسم ملحق بالقسم الأول قطعاً.
القسم الثالث:
وهو ألا نخاف من الكفار هجوماً لا خصوصاً في بعض الأقطار ولا عموماً ولكن الانتهاض إلى الغزوات والانتداب للجهاد في البلاد يقتضي مزيد عتاد واستعداد".
84. ما يراه الإمام الجويني بالنسبة لهذه الحالات الثلاث فيقول: أما بالنسبة للقسم الأول وهي حالة دخول الكفار دار الإسلام " يجب على الأغنياء في هذا القسم أن يبذلوا فضلات أموالهم" ويقول في تبرير ما يراه: " فأي مقدار للأموال في هجوم أمثال هذه الأهوال لو مست إليها الحاجة، وأموال الدنيا، لو قوبلت بقطرة دم لم تعدلها ولم توازنها، فإذا كانت الدماء تسيل على حدود الظُبيات فالأموال في هذا المقام من المستحقرات" وللإمام أن يعين بعض الموسرين لبذل ما تقتضيه ضرورة الحال لا بحالة كما يندب من يراه أهلاً للانتداب- أي يختاره للقتال- فلا ينبغي أن يستبعد المرء حكم الإمام في فَلْسه مع نفوذ حكمه في روحه ونفسه" أما بالنسبة لحالة القسم الثاني وهي توقع دخول الكفار دار الإسلام وتخوفهم من ذلك فيقول أن الحكم فيها" ملحق بالقسم الأول قطعاً، وقد ذكرنا حكمه وأما بالنسبة للقسم الثالث وهو ألا نخاف من الكفار هجوماً لا خصوصاً في بعض الأقطار ولا عموماً ولكن الانتهاض إلى الغزوات والانتداب للجهاد في البلاد يقتضي مزيد عتاد واستعداد، فيقول بشأنها الإمام الجويني " والذي اختاره قاطعاً به أن الإمام يكلف الأغنياء من بذل فضلات الأموال ما تحصل به الكفاية والعَنَاء فإن إقامة الجهاد فرض على العباد".
85. المستفاد من أقوال الإمام الجويني
( أ ) للإمام أن يفرض ويأخذ من أموال الأغنياء ما يرى أنهم قادرون على بذله للدولة، وهذا في حالة الضرورة التي تواجهها الدولة أو ما يقرب من هذه الحالة والتي مثل لها الإمام الجويني في القسمين الأول والثاني أي في حالة دخول العدو ديار الإسلام أو توقع دخوله والخشية من ذلك، والظاهر أنه في هذه الحالة يعتبر ما يأخذه الإمام من الأغنياء هو ما تجيزه حالة الضرورة من اخذ المال الكثير الفاضل عن حاجة الإنسان لأن الضرورات تبيح المحظورات ولأنه كما قال الإمام الجويني أي قيمة للأموال وقد وجب إراقة الدماء دفاعاً عن دار الإسلام.
أما في غير حالة الضرورة وما يقرب منها وهي التي جعل لها الإمام الجويني القسم الثالث فإن من حسن التدبير – كما يراه الجويني- التهيؤ لمتطلبات المستقبل فالقيام بواجب الجهاد، وفي هذه الحالة يرى الإمام الجويني الجواز للإمام أن يفرض ما يراه في أموال الأغنياء، ومن الواضح أن للإمام سعة في هذه الحالة في تقدير ما يأخذه من أموال الأغنياء أي في تقدير الضريبة، وهي لا تكون مثل مقدارها في حالة الضرورة، كما أن في أقواله رحمه الله مستنداً مقبولاً في الفقه الإسلامي، لتوسيع دائرة المساهمين في دفع المال إلى الدولة عن طريق ما يفرضه عليهم من ضريبة الدخل حسب قدرة كل فرد، ونجد لما نقول إشارة في قول الإمام الجويني ( وإذا وظف الإمام على الغلات والثمرات وضروب الزوائد والفوائد من الجهات يسيراً من كثير سهل احتماله وانتظمت قواعد الملك وأحواله) بل ونرى ضرورة قيام الدولة الإسلامية بفرض هذه الضرائب على الجميع وما دامت الحاجة قائمة إلى المال لا أن تعقد الدولة عن هذا الواجب فلا تفكر ولا تفرض هذه الضريبة إلا في حالة خلو بيت المال ودخول العدو ديار الإسلام أو توقع دخوله، لأن جباية المال وأخذه من أصحاب اليسار والثروة قد لا يتيسر وحتى إذا تيسر فنفعه قليل والعدو قد دخل دار الإسلام واستباحها أو هو قريب من الدخول إليها، إن الإعداد للدفاع عن دار الإسلام يجب أن يكون قبل تعرض الدولة للاعتداء، لا عند حصوله، وتحصيل المال من ضرورات الاستعداد لدفع الاعتداء إذا وقع أو منعه قبل وقوعه لما يرى من قوة الدولة الإسلامية.
86. الشرط الثاني: الضريبة بقدر الحاجة
الأصل كما قلنا أن الدولة الإسلامية لا تكلف الأفراد بالتكاليف المالية بأكثر مما صرحت الشريعة به من هذه التكاليف، ولكن عند الحاجة يجوز للدولة فرض هذه التكاليف للأدلة التي ذكرناها إلا أن هذا الجواز محدود بقدر حاجة الدولة أي تجعل مقدار ضريبة الدخل بقدر حاجتها وبقدر قدرة الفرد المالية. ويدلنا على أن الشرط في مشروعية الضريبة أنها تكون بقدر الحاجة ما قاله الإمام الجويني أن الحاجة إلى المال إذا انتفت أو قلت كان على الدولة إن تلغي الضريبة أو تنقصها، قال الإمام الجويني رحمه الله: " إذا اتفقت مغانم واستظهر بأخماسها بيت المال وغلب على الظن أطراد الكفاية إلى أمد مظنون ونهاية فيغض حينئذ وظائفه – أي ينقص مما فرضه في أموال المواطنين- فإنها ليست واجبات توقيفية ومقدرات شرعية، وإنما رأيناها نظراً إلى الأمور الكلية، فمهما استظهر بيت المال واكتفى حطّ الإمام ما كان يقتضيه وعفا فإن عادة مخايل حاجة أعاد الإمام مناهجه".
87. الشرط الثالث: مراعاة القواعد العامة في فرض الضرائب
ذكرنا فيما سبق أن من القواعد العامة الأساسية التي تراعي في القوانين الوضعية المتعلقة بالضرائب هي قاعدة العدالة، واليقين، والملائمة، والاقتصاد في نفقات جبايتها.
وقد لوحظت هذه القواعد في فرض ضريبة (الخراج) وهي ضريبة مالية وصفها الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث ترك الأرض المفتوحة عنوة في العراق بأيدي أصحابها الأصليين المشركين وفرض عليها ضريبة مالية هي المعروفة (بالخراج) فيجب ملاحظة هذه القواعد عند فرض ضريبة الدخل في الدول الإسلامية لأن هذه القواعد في مصلحة المكلف الذي يؤديها، ومصلحة الدولة الإسلامية التي تجبيها، مع ما في هذه القواعد من ملاحظة العدالة وعدم التعسف في استعمال السلطة، ونذكر فيما يلي هذه القواعد العامة التي روعيت في فرض ضريبة (الخراج) ونرى وجوب مراعاتها في فرض ضريبة الدخل في الدول الإسلامية.
88. ( أ ) قاعدة العدالة
ويدل على مراعاة العدالة في فرض ضريبة (الخراج) أنها قدرت ما يناسب طاقة الأرض، يدل على ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف إلى العراق ليقدرا ضريبة الخراج على الأرض التي منحت عنوة في العراق بعد أن تركها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أيدي أصحابها فلما فرغا من ذلك وأتيا عمر قال لهما: لعلكما حملتما الأرض مالا تطيق ؟ قالا: لا بل حملناها ما تطيق ولو زدنا لأطاقت. وقد نصَّ الفقهاء على مراعاة بعض الأشياء عند تقدير مدى طاقة الأرض وتحملها لمقدار ضريبة الخراج مثل خصوبة الأرض ونوع ما يزرع فيها وطريقة سقيها... الخ. وإذا لم تخرج الأرض إلا قدر الخراج أخذ نصفه تحقيقاً للعدالة، جاء في البدائع للكاساني: " وإن أخرجت أرض الخراج قدر الخراج لا غير يؤخذ نصف الخراج". وهذا في خراج المقاسمة إذ يتحدد مقداره بجزء من الخارج.
89. ( ب ) قاعدة اليقين
والمراد بها وضوح مقدار الضريبة على وجه اليقين دون أن يكون فيها غموض لئلا يستغل جباتها جهالتها أو الغموض في مقدارها فيطلبون من صاحب الأرض أكثر من المقرر عليها، وحتى مع وضوح مقدار الضريبة فإن الإمام أبا يوسف قال في كتابه الخراج: أن على ولي الأمر" أن يراقب عماله حتى لا يأخذوا من أصحاب الأرض أكثر من المقدار المعين للخراج" لأن القانون الصالح الواضح لا ينفع إلا إذا طبقه الرجل الصالح.
90. ( ج ) قاعدة الملائمة
وتعني هذه القاعدة أن يكون وقت جباية الضريبة هو الوقت الملائم للمكلف بها حتى لا يحس بضيق وتحمل مالا يطيق ومن مظاهر هذه المراعاة ما ذكره الزيدية: " ولا يؤخذ خراج أرض حتى تدرك غلتها أي حتى يدرك الحصاد خيفة أن تضرب بآفة سماوية توجب رد المأخوذ منها".
ولما تأخر عمر بن العاص – أمير مصر – في جباية الخراج كتب إليه عمر بن الخطاب يلومه على ذلك فكتب إليه جواباً على كتابه جاء فيه: " إن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم فنظرت وكان الرفق بهم خيرا". ويبدوا أن عمر رضي الله عنه أقره.
91. ( د ) قاعدة الاقتصاد في نفقات الجباية
ويراد بهذه القاعدة أن يكون الواصل إلى الدولة أكبر قدر ممكن بعد خصم نفقات الجباية وأرى إشارة إلى هذه القاعدة فيما ذكره الإمام أبو يوسف رحمه الله وهو يخاطب الخليفة هارون الرشيد: " ورأيت أن لا تُقبل شيئاً من السواد ولا غير السواد من البلاد فإن المستقبل إذا كان في قبالته فضل على الخراج عسف أهل الخراج وحمل عليهم ما لا يجب عليهم وظلمهم وأخذهم بما يجحف بهم ليسلم مما دخل فيه وفي ذلك وأمثاله خراب البلاد وهلاك الرعية ".
فنظام التقبل – هو اسناد جباية الخراج لشخص مقابل ما يدفعه للدولة من مبلغ معين ينافي قاعدة الاقتصاد لأنه في العادة يعطى للشخص مبلغ بخس أقل مما تحصل عليه الدولة من الخراج لو قامت بجبايتها بواسطة عمالها، مع ما في التقبل من احتمال من تعسف المتقبل في جباية الخراج بزيادته على أصحاب الأرض وفي هذا ظلم واضح وسخط من قبل أصحاب الأرض على الدولة وليس هذا في مصلحتها، وعلى هذا يجب على الدولة الإسلامية أن تقلل ما استطاعت من نفقات الجباية وأن تباشرها بعمالها وموظفيها الأمناء.
92. الشرط الرابع: الضريبة لوظائف الدولة لا لرئيسها
والضريبة تفرض وتجبي لتمكين الدولة من القيام بوظائفها وليس للمصلحة الشخصية لرئيس الدولة او لغيره من المنتسبين للدولة. أو لبناء ما ليس ضرورياً لمصلحة الدولة، قال الإمام الجويني رحمه الله: " فلست أرى للإمام أن يمد يده إلى أموال أهل الإسلام ليبتني بكل ناحية حرزا ويقتني ذخيرة وكنزا ويتأثل مفخراً وعزاً ولكن يوجه لدرور المؤن على ممر الزمن ما سبق رسمه ، فإن استغنى عنه بأموال أفاء الله على بيت مال المسلمين كف طلبته عن الموسرين".
93. الشرط الخامس : تنظيم ضريبة الدخل
يجب تنظيم ضريبة الدخل من جهة وعائها وسعرها والإعفاءات التي تلحقها وطرائق جبايتها وغير ذلك مما يتعلق بها ويحقق الغرض منها ، ولا مانع من الاستفادة من تنظيمات الدول المختلفة التي تتخذها بشأن ضريبة الدخل، ولا يعتبر في هذه الاستفادة مخالفة للشرع الإسلامي، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه، أخذ فكرة ( الدواوين) من دولة فارس وطبقها وقبله أخذ رسول الله ﷺ بحفر الخندق حول المدن كوسيلة للدفاع ضد العدو وهي وسيلة دفاعية كانت دول فارس تأخذ بها إذا تعرضت لغزو خارجي، وقد أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه، بهذه الفكرة إلى رسول الله ﷺ، لما علم بنية المشركين مهاجمة المدينة فأمر أصحابه بحفر الخندق واشترك بنفسه في الحفر حتى أكملوا الخندق وعرفت المعركة باسمه فقيل معركة أو غزوة الخندق ، فلا بأس من الاستفادة من تنظيمات الدول حتى الكافرة فيما يتعلق بضريبة الدخل.
خلاصة البحث
وخلاصة البحث بعد أن بينا حقيقة ضريبة الدخل، والأدلة الشرعية التي تجيز للدولة الإسلامية الأخذ بهذه الضريبة لتمكينها من القيام بوظائفها الشرعية، أرى جواز بل وجوب الاخذ بهذه الضريبة من قبل الدولة الإسلامية في الوقت الحاضر إذا لم يكن لديها المال الكافي للقيام بوظائفها، بل اعتقد أن الحاجة إلى المال تبقى حاجة قائمة حتى لو انتفت في وقت ما بالنسبة لدولة ما، لأن حاجات الدولة إلى المال متجددة لا سيما في متطلبات إعداد القوة الرادعة للعدو من الاعتداء عليها، ولحاجة الرعية إلى المزيد من الخدمات لا سيما في المجالات المعيشية ومحاربة الفقر باستمرار لعدم استغلال الفقراء من قبل المبطلين ضد دولتهم، كما أن حاجة الدولة الإسلامية إلى المال كثيرة وتبقى كثيرة لأنها مكلفة بنشر الإسلام والدعوة إليه في جميع أنحاء العالم استجابة لأمر الله قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} وعلى رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدعوة إلى الإسلام: دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، ودعوة المسلمين المقصرين في أداء واجباتهم الإسلامية، بأن يقلعوا عن تقصيرهم ويعملوا بما يوجبه عليه دينهم الذي أنعم الله به عليهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم والحمد لله رب العالمين,,,
الدكتور عبد الكريم زيدان
اليوم الثاني من رمضان المبارك 1424ه |