الأرشيف --> الفتاوى
مقدمة عن القضاء والفتوى والفرق بينهما
مقدمة عن القضاء والفتوى والفرق بينهما تنص بعض الدساتير على أن الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للقانون وهذه ميزة مهمة تترتب عليها نتيجتان: أ‌- كل قانون يصدر مخالفاً أحكام الشريعة فهو باطل لا يجوز للقاضي الحكم به ويجوز رفع دعوى أمام المحكمة العليا لإبطاله. ب‌- الفقه الإسلامي هو المرجع لفهم القوانين وشرحها يجب أن يعتمد على الفقه الإسلامي ليعلم من أي مذهب أخذت القوانين. وفي هذا زيادات اجتهادية يتسع لها الفقه الإسلامي والمحاكم منها ما يتكون من قاض واحد ومنها ما يتكون من ثلاثة قضاة ولا تعارض في هذا وإن كان جديداً فلا بأس به وليس في القضاء نيابة عامة أو إدعاء عام وهو غير موجود في الفقه وكان في السابق نظام الحسبة. ويراد بالإفتاء: معرفة القضايا المعاصرة ومعالجتها وهي ثلاثة أنواع: نوع بُحث في إطار المجامع الفقهية كعقد التأمين. قضايا جديدة كنكاح المسيار. مسائل تحتاج إلى تعقيب كقانون الأحوال الشخصية في مصر والأردن وما فيه من مسائل كإلزامية الخلع وهو طلاق باتفاق وهو عقد مرتكز على الرضا وهو عقد معاوضة قد يوافق معه الزوج أو لا يوافق ، وقد جعله القانون الأردني ملزماً وما وجدت هذا في الفقه الإسلامي. وقد صدر قرار في مجمع الفقه الإسلامي حول موضوع "التأمين" قبل عشر سنوات ونحن لا ننصب أنفسنا مفتين وإنما نسلط الأضواء والمفتي يخبر عن حكم الشرع في قضية أو قضايا معينه والله يقول" ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾  أهمية الإفتاء ترجع أهمية الإفتاء إلى قضية أخرى وهي أن المطلوب من المسلم العبادة بمفهومها الواسع لا بمفهومها الضيق بل إنه يجب على المسلم أن تقيم حياتك على المنهج الرباني وهذا المفهوم يعني الإسلام والاستسلام لله تعالى ظاهراً وباطناً فلا ينطق المسلم إلا بخير ولا يفعل إلا خيراً ولا توجد مساحة يفعل فيها ما يريده الله، ومساحة لما يغضب الله، ومن اعتقد جواز فعل هذا فليس مخطئاً بل لا يبقى مسلماً، يقول تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾  وهو ذم لليهود يلحق المسلمين إذا فعلوه، وبعض الناس يدخل في قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾ فإذا فعل المسلم ما نهى الله عنه لحقه الذم الذي لحق اليهود ومن هنا ننتقد مقولة (ما لله لله، وما لقيصر لقيصر)، (الدين لله والوطن للجميع)، وقد أوجب الله على العلماء بيان المناهج الربانية لأن العلم بالشيء قبل العمل به قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ﴾ [ سورة : محمد- آية 19 ]، والناس متفاوتون في الحاجة إلى العلم فمن له مال أحوج إلى معرفة الزكاة ممن لا مال له، ولا يجوز الاحتجاج والدفع بالجهل في دار الإسلام وهي الدار التي تشيع فيها أحكام الإسلام لا يجوز الدفع بالجهل أمام القضاء، ولا غيره لإمكان الوصول إلى العلم تطبيقاً أو تفهيماً، وفي نظام القضاء مفت ومستفت وفتوى وقضية. والأعزب لا يجب عليه تعلم أحكام الزواج، والفقير لا يجب عليه تعلم أحكام الزكاة ويشترط أن لا يكون المستفتي مجتهداً وعليه أن يسأل الصالح للإفتاء وهو من عنده علم بالأحكام الشرعية والأصلح هو الأكثر علماً من غيره والأكثر ورعاً كالطبيب المشفق المحب حريص على منفعة المريض ويخاف الخطأ وسؤال رقابة الأطباء، والمفتي يخاف أن يتقول على الله تعالى ولا يلتفت إلى مرضاة المخلوقين لأن مرضاة الله أهم فالأصلح هو الأعلم الأورع ويعرف ذلك بالشهرة والتسامع ، وإذا لم يوجد الأعلم الأورع فالرجحان للأورع لأن ما معه من العلم يكفيه، وخاصة أن الحاكم يطلب ما يشتهيه ولا ثبات عند بعض العلماء كما في زمن المأمون في فتنة القول بخلق القرآن من المعتزلة المبتدعة الضالة ورفض أحمد بن حنبل مجاراتهم في بدعتهم. مسألة التمذهب المطلوب سؤال أهل العلم مشافهة للأحياء أو اطلاعاً على كتب من مات منهم قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾، وللعلماء والأئمة طرق في استنباط الأحكام الشرعية وهي طرق سليمة، واتباعي للمجتهد كاتباعي للدليل في صحراء قاحلة وهو غير معصوم فإذا تبين لي أن الصواب عند غيره بشهادة أهل العلم وجب على أن آخذ بقول غيره كمن أخطأ دليله ووجد أفضل منه تحول إلى غيره لا لمنفعة معينة يصح الانتقاد فيما لو وصل العالم إلى قدر كبير من العلم ويصر على متابعة غيره مع وضوح المسألة ولذا قال غير واحد (إذا صح الحديث فهو مذهبي)، وحكم الشرع أعلى من طلب حكم المذهب، ويصحح هذا الطلب بأن المستفتي يعتقد أن مذهب إمامه أقرب إلى الصواب من غيره، وينبغي أن لا يكتفي المستفتي بالعمل بالحديث بل لابد أن يستعين بغيره كما صرح بذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى. وعلى المفتي أن يتفحص حال السائل فقد يسأل استدراجاً كمن يسأل عن تحديد ملكية الأراضي الزراعية لمن يريد أن يتكئ على الشرع لتطبيق النظام الاشتراكي فلا يكفي في الجواب أن يقول نعم للمصلحة، لأن التوضيح في بعض المسائل مطلوب كالسؤال عن كلمة (كفر) فهو أمر خطير يجب بيانه وكلما كان الأمر خطيراً كلما وجب الإيضاح، كما في مسألة الاستعانة بالمشرك ، فإذا أغفل المفتي هذا التفصيل كان ملبساً ، وقد سأل المسلمون النبي عليه الصلاة والسلام " ما بال الأهلة" فأجابهم القرآن " هي مواقيت للناس …" فحولهم إلى الغاية من هذه الظاهرة وكذلك إذا كان من المفيد أن ينبه على قضية ملاصقة كما في حديث، سأل رجل النبي  ﷺ فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله ﷺ" هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، وسؤالهم كان عن طهارة الماء فقط. تنصيب المفتي قال ابن حزم رحمه الله: يتحول العامة الذين لا مفتي لهم إلى مكان آخر، وقال الغزالي رحمه الله بضرورة نصب المفتين. الإكثار والإقلال من الإفتاء والأصل في هذا الإخبار عن حكم الشرع بتثبت ويخشى المتردد إذا لم يبذل الوسع فيحتاط والاحتياط محمود ثم إن هذا أمر نفسي فبعض الناس عندهم تخوف فلا مجازفة لديهم ولا مخاطرة تؤدي إلى حسنات كثيرة كغواص يريد أن يسلم من الغرق أو التلف وكمن عنده مال يخشى كساد التجارة فيكتفي بشراء عقار وهذه الغريزة تربط كل شخص حتى العالم، والناس مختلفون فيما جبلوا عليه من (الحلم والأناة) كطبيعة بشرية، وهناك المجازف الواثق بنفسه، ثم إن الظرف الذي يعيش فيه المفتي مؤثر عليه كتوفر العلماء مشجع للإقلال من الفتوى. مقارنة بين القضاء والفتوى اولا: الفتوى أخطر من حكم القاضي لأنها حكم عام لا يخص السائل بل يلاحظ من جميع المسلمين الذين تشبه ظروفهم ظروف السائل، (فالطهور ماؤه) عام لكل من يركب البحر وحكم القاضي يخص المدعي فقط والنبي عليه الصلاة والسلام له صفة المفتي والقاضي ورئيس الدولة فما صدر عنه باعتباره رئيساً للدولة لا يجوز أن يتبع إلا بإذن من رئاسة الدولة. مثال: عن عائشة قالت: " دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله ﷺ" خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك". فللعلماء في ذلك أقوال منها: أ‌- كل من ظفر بحقه له أن يأخذه ولو بدون علم من ثبت عليه الحق وهو مذهب الشافعية فإذا ظفر الدائن بدينه من المدين فأخذه فلا شيء عليه بناء على أن هذا الجواب عام وهو فتوى. ب‌-  لابد من الرضا أو حكم القاضي وهو مذهب الأحناف بناء على أن هذا الجواب خاص وهو قضاء. مثال آخر: عن سعيد بن زيد: عن النبي ﷺ قال " من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق" اشترط الأحناف في الإحياء إذن رئيس الدولة لأن الحكم صدر باعتباره رئيس دولة تشجيعاً لإحياء الأراضي وغيرهم يقولون هذا على سبيل الإفتاء. ثانيا: دائرة الإفتاء أوسع من دائرة القضاء التي تخص (المعاملات الخارجة عن العبادات المحضة) وكأسباب العبادات ثم إن أسباب العبادات لا تدخل في سلطان القاضي كرؤية الهلال وهذا الذي يصدر الآن إعلان وليس حكماً لازماً للناس ، فلو أن رجلاً لا يأخذ بشهادة واحد لا يجبر على الصيام وإن كان الأولى أن يصوم مع الناس. ثالثا: الفتوى غير ملزمة والمفتي لا سلطة له على تطبيق الفتوى بخلاف القاضي ففتواه ملزمة وتنفذ جبراً. الأدلة نوعان: أصلية: وهي نصوص الكتاب والسنة. تبعية: أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة فالإجماع دليل أرشد إليه الشرع قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾. وسبيل المؤمنين على رأسهم العلماء، وكذا القياس ولا اجتهاد مع النص لأنه جهد فارغ إن خالف النص مردود على صاحبه، ومن أنكر القياس يحمل قوله على قياس لا تتوفر فيه شروط الصحة فالقياس معتبر بشروطه وكذا المصلحة المرسلة بخلاف المصلحة الملغاة كمساواة المرأة مع الرجل في كل شيء فالمصلحة أما أن تكون مسكوتاً عنها أو مصرحاً بها ومن ذلك تدوين الدواوين وكتابة المصحف ، وهناك سد الذرائع وهو منع الفعل المباح إذا أدى إلى مفسدة أو ضرر بالرغم من إباحته، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾. وعلى ذلك فأهل البدع لا يجوز حضور محاضراتهم، لأنه تكثير لسوادهم ومن ذلك كل فعل ظاهره سليم لكن فيه مفاسد فيمنع، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾. فالفعل في أصله مباح لكن يمنع سداً للذريعة الذي هو مبدأ متمم للمصلحة المرسلة والعرف يشترط فيه عدم المخالفة للشرع والاستصحاب ليس دليلاً وإنما مهمته إبقاء الشيء على ما كان عليه فمن ثبتت حياته نبقى حكمها وكبراءة الذمة وحياة الغائب المفقود فنستحضر هذا المعنى حتى يأتي الدليل على خلاف ذلك. الأصل في العقود أو الشروط الإباحة ليس كل عقد جديد يقتضي قبوله وتشفع له جدته ومتطلبات العصر نراعيها إلى الحد الذي تستحق فيه المراعاة فنرفع عن العقد الغطاء وننظر في وجه المخالفة وقد يقال في هذا حرج وضيق والجواب أن الله تعالى يقول: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾. والاهتمام بإيجاد مخرج لا يصح إلا إن وصل الأمر إلى حد يعتبره الشرع ضرورة و معنى الضرورة: أن يخير بين فعل الحرام أو الهلاك.
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=65