الأرشيف --> الفتاوى
فتوى شرعية حول الاوضاع في العراق عام 2002م ( قبل الاحتلال)
فتوى شرعية حول الاوضاع في العراق عام 1423هـ / 2002م (قبل الاحتلال) الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإنه بالإضافة إلى النوازل الخطيرة والكوارث العظيمة التي لا تزال تغشى المسلمين في ديارهم وفي مقدمتها كارثة الاحتلال الصهيوني لفلسطين فإن هناك كارثة عظيمة ونازلة خطيرة أُخرى توشك أن تقع على المسلمين في ديارهم وهي ما تهدد به أمريكا من عدوان واضح على العراق واحتلال كامل لأرضه ، وقد حشدت له قوة هائلة في البرّ والبحر والجو مع إعلان صريح واضح بعزمها على ما تريد فعله من غزو للعراق وحكم مباشر له. فما حكم الإسلام في هذه النازلة العظيمة والكارثة الخطيرة التي توشك أن تحلّ في العراق وشعبه المسلم؟ هذا ما نريد بيانه للناس وللمسلمين على وجه الخصوص ليحيا من يحي عن بينة ويهلك من يهلك عن بينة، والله تعالى هو حسبنا ونعم الوكيل. أولاُ / من كتاب الله العزيز قال ربنا تبارك وتعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). ووجه الدلالة بهذه الآية الكريمة أنها توجب على المسلمين قتال من يقاتلهم من الكفار، والأمريكان جاؤا بجنودهم من وراء البحار وحشدوا قواتهم ليقاتلونا في ديارنا فواجب علينا قتالهم استجابة لأمر الله الصريح بهذا الوجوب لأنه جاء بصيغة الأمر الدالة على الوجوب من غير قرينة تصرفه عن هذا الوجوب. وقال ربنا جلّ جلاله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ….) وهذه الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب إلى أناس من المشركين في مكة يخبرهم بعزم رسول الله ﷺ من غزوهم وفتح مكة لما نقضوا العهد .. ووجه الدلالة بهذه الآية أنها تنهى عن مناصرة أعداء الإسلام ولو بإخبارهم عما يعزم عليه المسلمون، فيكون نهي المسلمين لأعدائهم عن مناصرتهم بما هو أخطر من مجرد الأخبار أولى بالمنع والتحريم كتقديم المعونة الفعلية المادية لهم. ولا يقال ان هذه الآية تتعلق بتلك الحادثة فقط لأن القاعدة الأصولية تقول ' العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب'. وقال ربنا تعالى : (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً … ) وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة: ' الولي هو المحب المناصر …' وعلى هذا لا يجوز للمسلم أن ينصر الأمريكان المعتدين على إخوانهم المسلمين في العراق. ثانياً / من السنة النبوية المطهرة جاء في حديث أخرجه الإمام الجليل شيخ المحدثين البخاري يرحمه الله ' … المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه … ' ومعنى لا يسلمه: ' أي يحميه من عدوه ولا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه ، بل ينصره ويدافع عنه ' فواجب على كل مسلم أن ينصر شعب العراق المسلم في محنته وفي الكارثة التي ستحلّ فيه بكل ما يستطيع من وسائل النصرة حتى يندفع شر الأمريكان المعتدين ومن يواليهم عن العراق وأهله. وفي الحديث النبوي الشريف ' انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قيل: يا رسول الله ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالماً؟ قال تمنعه من الظلم ' أو كما جاء في حديث رسول الله ﷺ فعلى المسلمين واجبان ' [ الأول ] منع الظالم من ظلمه بما يمنعه من الظلم بكل وسيلة ممكنة ومن ذلك عدم معاونته على ظلمه وهذا أقل أنواع منعه من الظلم [ الثاني ] أن يقف المسلمون بجانب المظلوم يدافعون معه ضد الظالم . وعلى هذا يجب على المسلمين نصرة شعب العراق المسلم في دفع عدوان الأمريكان عليه بكل وسيلة ممكنة، والامتناع التام من نصرة الأمريكان المعتدين. ثالثاً / من أقوال الفقهاء قال فقهاءنا يرحمهم الله تعالى: إن جهاد [الدفع] هو قتال الكفار المعتدين إذا احتلوا بلدا ً من دار الإسلام أو عزموا على ذلك وباشروا مقدماته ، ففي هذه الحالة يجب هذا الجهاد – جهاد الدفع – على كل مسلم قادر على قتال الكفار لأن قتالهم في هذه الحالة فرض عيني قال الفقهاء فيه: ' تخرج المرأة القادرة على القتال بدون إذن زوجها، ويخرج الولد بدون إذن والديه، ويخرج العبد بدون إذن سيده ' وحيث أن الأمريكان قد عزموا على احتلال العراق المسلم وباشروا مقدماته فعلى جميع المسلمين في العراق قتالهم والاستعداد لهذا القتال، لأن قتالهم صار فرض عين على المسلمين في العراق. وقال فقهاؤنا يرحمهم الله تعالى، وإذا لم تحصل الكفاية بأهل البلد المسلم المحتل من قبل الكفار، في دفعهم وإخراجهم من هذا البلد فإن الوجوب الشرعي العيني ينتقل إلى الأقربين فالأقربين من هذا البلد. وحيث أن أهل العراق لا يقدرون وحدهم على دفع عدوان الأمريكيين المعتدين ولا يقدرون على إخراجهم من العراق إذا دخلوه نظراً للقوة المادية الهائلة عند الأمريكيين المعتدين، فإن الواجب الشرعي العيني ينتقل إلى المسلمين في البلاد المجاورة للعراق وعلى المسلمين من هذه البلاد المجاورة ان يقوموا بواجبهم الشرعي في قتال الأمريكيين المعتدين نصرة لإخوانهم في العراق، وعلى حكام هذه البلاد المجاورة تمكينهم من ذلك. وأن يمتنعوا امتناعاً تاماً من معاونة الأمريكيين المعتدين. قال بعض الفقهاء كما جاء في تفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل ' إن مناصرة الكفار على المسلمين توجب الكفر ' فليحذر المسلمون من هذه المناصرة للأمريكيين المعتدين. رابعاً / النصيحة لعموم المسلمين ومن باب النصيحة للمسلمين أن نبين لهم أنه يحرم على المسلم أن يحب بقلبه مجيء الأمريكيين واحتلالهم للعراق مهما كان الدافع لحبه الخبيث هذا لأن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان ومعنى الحب في الله والبغض في الله أن يكون حب المسلم لما يحبه وبغضه لما يبغضه تبعاً لما يحبه الله أو يبغضه ولا شك أن الله تعالى لا يحب تسلط الكفرة على بلد مسلم أو على شعب مسلم فعلى المسلم أيضاً أن لا يحب تسلط الأمريكيين على العراق وشعبه المسلم وأن كل مسلم يحس بميلٍ أو محبة لمجيء الأمريكيين إلى العراق واحتلاله ، اذكره بما جاء في أول سورة [الروم] وفيها أخبر الله تعالى المؤمنين بنصر الروم على الفرس في بضع سنين ، وأن المسلمين سيفرحون بهذا النصر فقال تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ) وقال المفسرون في قوله تعالى (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) ' أي يفرح المؤمنون بتغليب الله تعالى من له كتاب وهم الروم على من لا كتاب لهم وهم أهل فارس '. فإذا كان شأن المسلم أنه يفرح بنصر من هو أقرب للإسلام لمعنى من المعاني على الأبعد عن الإسلام ، فهذا يعني أيضاً حسب مفهوم المخالفة أن لا يفرح المؤمن بنصر الأبعد عن الإسلام على الأقرب من الإسلام . وبناء على ذلك فإن فرح المسلم ينبغي أن يكون بانتصار أهل العراق على الكفرة الأمريكيين المعتدين وأن المسلم لا يفرح أبداً بانتصار الأمريكيين الكفرة على أهل العراق المسلمين. ومن البديهي أن الفرح بالشيء وحصوله يتضمن محبة ذلك الشيء وحصوله. فعلى المسلم أن يلاحظ هذه المعاني وخلاصتها أن لا يحب غلبة الأمريكيين على شعب العراق لأن هذا حرام. خامساً / الالتزام بأحكام الإسلام مقدم على ما سواه ونود أن نذكر إخواننا الحكام المسلمين في سائر البلاد الإسلامية أنه لا يجوز مطلقاً معاونة الأمريكيين في عدوانهم على العراق بحجة أن أقطارهم أعضاء في هيئة الأمم المتحدة وهذه العضوية تلزمهم بما يقرره مجلس الأمن ، فإذا أذن هذا المجلس لأمريكا شن عدوانها على العراق وأن على جميع الدول المشاركة في عضوية هيئة الأمم المتحدة معاونة أمريكا في عدوانها على العراق فإن هذه المعاونة لا تجوز شرعاً لأن التزام المسلم بأحكام الإسلام مقدم على ما سواه من الالتزامات لا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم ونذكر إخواننا الحكام المسلمين بموقف ألمانيا وهي دولة غير مسلمة فقد قررت وصرحت بأنها لن تشارك أمريكا في حربها ضد العراق ولو صدر لها الإذن بذلك من مجلس الأمن، فهل تبقى بعد ذلك حجة لأي حاكم مسلم بالتعاون مع أمريكا في عدوانها على العراق بحجة أن مجلس الأمن أذن لها بذلك وأن على كل دولة المعاونة لأمريكا في تنفيذ هذا الإذن؟. سادساً / أمل ورجاء وإننا نأمل ونرجو من إخواننا علماء الإسلام أن يقوموا بواجبهم الشرعي في هذا النازلة العظيمة التي توشك أن تقع على العراق وما سيعقبها من كوارث ومصائب، فيقوم سادتنا العلماء بتوعية الأمة وتبصيرها بالواجب الشرعي عليها إزاء هذه الهجمة الشرسة التي تعد لها أمريكا لضرب العراق واحتلال أرضه، وأن يتصل سادتنا العلماء بالحكام المسلمين ويذكرون بواجبهم الشرعي نحو العراق ونصرته باعتبارهم حكاماً وبأيديهم الأمر والنهي وأن يكون هذا التذكير بالبلاغ الواضح الصريح وهو المطلوب في كل تبليغ لشرع الله، وهو ما أمر الله به رسله فقال تعالى ' وما على الرسول إلا البلاغ المبين ' أي البلاغ الواضح الصريح ، وبهذا يخرجون من العهدة ويوفون بما الزمهم الله به من بيان وتبيين وتبصير للأمة بما يجب عليها شرعاً. وفق الله تعالى علماءنا وحكامنا وجميع المسلمين لما يحبه ويرضى وأن يرينا الحق حقاً ويوفقنا إلى اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويوفقنا إلى اجتنابه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الشيخ الدكتور/ عبد الكريم زيدان
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=63