المؤلفات --> البحوث الفقهية
الديمُقراطّية ومشاركة المسلم في الانْتِخاباتِ وعلاقة المسلم بالدولة غير الإسلامية
الديمُقراطّية ومشاركة المسلم في الانْتِخاباتِ بحث قُدم إلى المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي في دورته التاسعة عشر المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22 الى 27 شوال 1428هـ الموافق 3 الى 8 تشرين اول 2007م, ونُشر مع مجموعة بحوث فقهية اخرى في كتاب بعنوان (مجموعة بحوث فقهية معاصرة). 1- تمهيد ومنهج البحث صارت (الديمقراطية) في الوقت الحاضر شعاراً لنظام معين للحكم يراد به تحقيق حكم الشعب بنفسه عن طريق نوابه الذين ينتخبهم بتوفير مستلزمات ومتطلبات هذا الحكم مثل احترام الحريات والحقوق العامة والسياسية للأفراد وحرية التجمع والرأي وتشكيل الأحزاب ... الخ ، ومن هنا كان التلازم بين الديمقراطية والانتخابات التي تستدعيها وتستلزمها الديمقراطية. وقبل الكلام عن مشاركة المسلم في هذه الانتخابات التي تستلزمها الديمقراطية، لابد من الكلام عن الديمقراطية نفسها ببيان معناها ومفهومها في الاصطلاح القانوني ثم بيان خصائصها وأنواعها وتطبيقاتها في الواقع، ومكانة الانتخابات فيها، وما وجّه إليها من نقد وما قال أنصارها في الدفاع عنها، ثم تتبع ذلك ببيان حكم الإسلام فيها، وحكم مشاركة المسلم في انتخاباتها التي تجريها الحكومات التي تأخذ بالنظام الديمقراطي. الفصل الأول: تعريف الديمقراطية وبيان كيفية نشأتها، وذكر خصائصها وأهمية الانتخابات فيها، وما قيل من عيوبها والاعتذار عن هذه العيوب والرد على منتقدي الديمقراطية. الفصل الثاني: بيان حكم الإسلام في الديمقراطية. الفصل الثالث: مشاركة المسلم في انتخابات الديمقراطية التي تجريها الدول الإسلامية والدول غير الإسلامية. الفصل الرابع: مشاركة المسلم في الانتخابات لجهة لا تملك سن الأنظمة والقوانين. الفصل الأول التعريف بالديمقراطية وما يتعلق بها المبحث الأول التعريف بالديمقراطية وبيان نشأتها 2- تعريف الديمقراطية يرجع أصل كلمة الديمقراطية إلى أصل إغريقي – يوناني – فهي تتكون من لفظين، هما: ( Demos ) ومعناه الشعب و ( Krates ) ومعناه السلطة. فيكون اصل معنى الديمقراطية (سلطة الشعب). والديمقراطية في الاصطلاح في الوقت الحاضر تدل كذلك على هذا المعنى فهي تعني " حكم الشعب" أي أن الشعب له وحده الحق في ممارسة السلطة في الدولة باعتباره صاحب السيادة فيها. 3- نشأة الديمقراطية ظلت الديمقراطية مجرد فكرة نظرية ولم تصبح مبدأ وضعياً للحكم إلا بتأثير وفعل الثورة الفرنسية سنة 1789م التي أخرجت الديمقراطية من كونها فكرة نظرية إلى حقيقة واقعية، أي من حيز القول إلى حيز التطبيق، حيث أن هذه الثورة جعلت المبدأ الديمقراطي القائم على أساس حكم الشعب أساساً لحكم الشعوب، وضمنته إعلان الحقوق مقررة " ان السيادة كلها مركزة في الأمة – الشعب – وليس لأية هيئة أو لأي شخص استعمال سلطة " لم تكن الأمة مصدرها" وعن فرنسا أخذت الدول الأخرى هذا المبدأ – الديمقراطي – الذي صار بسرعة تياراً جارفاً في مختلف الدول. 4- خصائص الديمقراطية أن الديمقراطية التي حولتها الثورة الفرنسية من مجرد فكرة نظرية إلى شيء واقعي ملموس، هذه الديمقراطية تعرف في فقه القانون الدستوري وفي مجال السياسة بـ " الديمقراطية التقليدية" أو "الديمقراطية التقليدية الغربية" أو "الديمقراطية السياسية" وهذه الديمقراطية بأسمائها المتعددة التي ذكرناها لها جملة خصائص نذكرها أو نذكر أهمها فيما يأتي:     أولاً: الخصيصة الأولى الخصيصة الأولى والجوهرية للديمقراطية التقليدية قيامها على أساس أن الشعب وحده هو صاحب السيادة والسلطان، و أن أية سلطة في الدولة لا تستند إلى سيادة الأمة وسلطانها هي سلطة غير شرعية.     ثانياً: الخصيصة الثانية أنها مذهب سياسي يتعلق بالحكم، وليست هي مذهباً اجتماعياً أو اقتصادياً يعنى بإصلاح المجتمع من الناحية المادية.     ثالثاً: الخصيصة الثالثة أنها تقرر المساواة بين الأفراد في الحقوق السياسية وأهمها حق الانتخاب وذلك نتيجة لكون أن هذه الديمقراطية – أي التقليدية – تنظر إلى الأفراد باعتبارهم آدميين وتقرر لهم هذه الحقوق على أساس هذه النظرة إليهم بصرف النظر عن المصالح التي يمثلونها أو النقابات التي ينتمون إليها، أو الكفاءات التي يتمتعون بها، أو الوظائف التي يتقلدونها، لأنه ما دام أن الأفراد متساوون في الآدمية فهذه المساواة تستوجب القول بتساويهم في الحقوق السياسية ومنها حق الانتخاب.     رابعاً: الخصيصة الرابعة أنها تعني بحقوق الأفراد وحرياتهم العامة وتقرر لها الحماية اللازمة وتمنع الانتقاص منها أو السطو عليها. وهي مع عنايتها بهذه الحقوق والحريات العامة للأفراد فإنها تسعى إلى التوفيق بينها وبين مقتضيات الصالح العام، ويجرى هذا المسعى الحميد في هذا التوفيق تحت رقابة الرأي العام الفاعلة التي لا يمكن أن تتحقق إلا باحترام حقوق الأفراد وحرياتهم العامة كحقهم في إبداء الرأي بالقول والكتابة، وحقهم في تشكيل الأحزاب السياسية وحقهم في كفالة الدولة لحرياتهم الشخصية في الرواح والمجيء مطمئنين على حياتهم وحرياتهم، ... الخ. ولا يمكن أن تتحقق الرقابة الفعالة للرأي العام في بلد تنتهك فيه هذه الحقوق والحريات للأفراد.     خامساً: للديمقراطية التقليدية صبغة اجتماعية قلنا أن الديمقراطية التقليدية التي انبثقت وظهرت بفعل الثورة الفرنسية هي مذهب سياسي يسعى ويعمل لتحقيق ممارسة الشعب شؤون الحكم عن طريق تقرير المساواة السياسية بين الأفراد ومساواتهم فيما يتعلق بالحكم وإدارة شئونه العامة. وأما الديمقراطية الاجتماعية التي ظهرت بعد ظهور الديمقراطية التقليدية، فالمقصود بالمساواة التي تريد تحقيقها بين الأفراد هي المساواة الاجتماعية، وهي مساواة لا من حيث تولي أفراد الشعب إدارة الشؤون العامة وإشراكهم في الحكم بل من حيث تحقيق اكبر قدر ممكن من المساواة المادية بين الأفراد. ومع هذا الفرق الكبير بين الديمقراطيتين فان الديمقراطية التقليدية تتسع للأخذ بمبادئ ذات طابع اجتماعي واقتصادي، ولهذا نرى كثيراً من الدول التي تأخذ بالديمقراطية التقليدية تتجه إلى الأخذ بشيء من مظاهر ومعاني الديمقراطية الاجتماعية ومنها تقرير حق العمل للفرد حسب اختياره وحريته في الانتماء إلى النقابات، وحقه في الإضراب وحقه في كفالة الدولة عند الفاقة والعوز لسبب تعطله عن العمل بسبب الشيخوخة أو المرض أو عدم وجود فرص للعمل وغير ذلك مما يساعد على توفير الحد الأدنى من العيش اللائق للمواطنين مما يقرب بهم من المساواة الاجتماعية التي تعني بها الديمقراطية الاجتماعية. المبحث الثاني صور تطبيق الديمقراطية 5- قلنا أن الديمقراطية التقليدية تعنى حكم الشعب، أي حكم الشعب بالشعب، بمعنى ان له الحق وحده في ممارسة السلطة داخل الدولة، إلا أنه قد يمارس شؤون هذه السلطة بنفسه وبصورة مباشرة وهذه هي الديمقراطية المباشرة. وقد يمارس السلطة عن طريق نوابه الذين يختارهم ليمارسوا السلطة نيابة عنه وباسمه وهذه هي الديمقراطية النيابية. وقد يمارس السلطة المباشرة عن طريق المشاركة بينه وبين نوابه في القضايا الهامة وهذه هي الديمقراطية شبه المباشرة. وعلى هذا فان الديمقراطية التقليدية –  السياسية – تنقسم من حيث مدى وكيفية مزاولة الشعب حكمه وسلطه إلى ثلاثة أقسام: الديمقراطية المباشرة والديمقراطية النيابية والديمقراطية شبة المباشرة.  6- أولاً: الديمقراطية المباشرة وهذا تعبير اصطلح على إطلاقه على النظام الديمقراطي الذي يتولى الشعب فيه بنفسه كل مظاهر السيادة والسلطة. ويتحقق ذلك عن طريق اجتماع المواطنين الذين لهم حق مباشرة الحقوق السياسية في هيأة جمعية شعبية يقرون بأنفسهم القوانين واختيار الموظفين لتنفيذها وللفصل في الخصومات القضائية ومعنى ذلك ان مقتضى الديمقراطية المباشرة أن يتولى الشعب بنفسه السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية ولكن مباشرة هذا النمط من الديمقراطية في الوقت الحاضر يكاد أن يكون مستحيلاً. 7- ثانياً: الديمقراطية شبة المباشرة وهذه الديمقراطية تعتبر نظاماً وسطاً بين الديمقراطية المباشرة وبين الديمقراطية غير المباشرة "النيابية" ومن مقتضى هذه الديمقراطية اشتراك الشعب مع نوابه الذين اختارهم في تولي بعض مظاهر السلطة وبعض الشؤون العامة التي تقتصر في الغالب على الشئون التشريعية. ومن مظاهر هذه الديمقراطية شبة المباشرة الاستفتاء الشعبي بشأن قانون وافق عليه البرلمان، فيعرض على الشعب للموافقة عليه أو رفضه. 8- ثالثاً: الديمقراطية النيابية وفي هذه الديمقراطية لا يباشر الشعب بصورة مباشرة سلطته في الحكم وإدارة شئون البلاد العامة. أي أن الشعب لا يحكم نفسه بنفسه مباشرة كما هو الحال في الديمقراطية المباشرة وإنما يحكم نفسه بواسطة نوابه الذين يختارهم ليمارسوا السلطة والحكم نيابة عنه وباسمه. وهذا النوع من الديمقراطية لم يظهر إلا كضرورة اجتماعية لعدم إمكان تطبيق الديمقراطية المباشرة فكانت الديمقراطية النيابية هي افضل ما يستطاع فعله في الواقع لتحقيق معنى الديمقراطية التي تعنى حكم الشعب ولكن في هذه الديمقراطية بواسطة نوابه. 9- الانتخاب من متطلبات تطبيق الديمقراطية قلنا أن ظهور الديمقراطية النيابية كان من ضرورات تطبيق الديمقراطية التقليدية – السياسية- التي تعنى حكم الشعب، وذلك لتعذر تطبيق الديمقراطية المباشرة والديمقراطية النيابية تقوم على أساس الانتخاب – انتخاب الشعب لنوابه – ليمارسوا السلطة نيابة عن الشعب، ومن هنا كان للانتخاب أهمية عظيمة في تطبيق الديمقراطية غير المباشرة، ومن هنا أيضاً ظهرت الحاجة لتنظيم الانتخاب ومتعلقاته. 10- تنظيم الانتخاب ومتعلقاته وإذا كانت الديمقراطية غير المباشرة تقوم على أساس انتخاب الشعب نوابه الذين يمارسون السلطة نيابة عنه فقد استوجب ذلك تنظيم الانتخاب ومتعلقاته ببيان من له حق الانتخاب، وكيفية إجراء هذا الانتخاب، إلى غير ذلك من مستلزمات تنظيم الانتخاب. ومن مظاهر تنظيم الانتخاب وضع الشروط لمن له حق الانتخاب.    الشرط الأول: أن يتمتع بجنسية الدولة. فحق الانتخاب مقصور على المواطنين حاملي جنسية الدولة ممنوع عن الأجانب.    الشرط الثاني: الذكورة. وهذا شرط فيمن له حق الانتخاب وكان هذا الشرط شائعاً في الماضي بين الدول ولكن الغالب في الدول في الوقت الحاضر عدم اشتراط الذكورة في الناخب مادام يحمل جنسية الدولة، فالمرأة أصبحت كالرجل في حق الانتخاب.    الشرط الثالث: بلوغ سن معينة. وتشترط الدول عادة سناً معينة للتمتع بحق الانتخاب، وتختلف الدول في تحديد هذه السن، ولكن المعنى الذي تنطلق منه هو اختيار السن الذي يصلح أن يكون قرينة على بلوغ المواطن القدرة على استعمال حق الانتخاب على الوجه المرضي. فبعض الدول تجعل الحد الأدنى للسن 18 سنة، وبعضها يجعل هذا الحد للسن اكثر من ذلك أو أقل، فالجمهورية الإيرانية الإسلامية في الآونة الأخيرة جعلت الحد الأدنى للناخب بلوغ 15 سنة باعتباره سن البلوغ وهو سن التكليف الشرعي.    الشرط الرابع: الصلاحية التقليدية ويشترط في الناخب سلامته من الأمراض العقلية كالجنون وما ينزل منزلته. وإذا شفي المريض عقلياً عاد إليه حقه في الانتخاب إذا كان منعه من الانتخاب بسبب مرضه العقلي وقد زال المانع وهو مرضه عاد الممنوع وهو حقه في الانتخاب.    الشرط الخامس: الصلاحية الأدبية والخلقية. بان لا يكون الناخب قد صدر في حقه أحكام جزائية في جرائم مخلة بالشرف أو صدر بحقه حكم يقضي بحرمانه من التمتع بالحقوق المدنية والسياسية. 11- كيفية إجراء الانتخاب المقصود من الانتخاب، انتخاب نواب الشعب من قبل من لهم حق الانتخاب، ويجرى هذا الانتخاب لهذا الغرض أما بصورة مباشرة وأما بصورة غير مباشرة ففي الصورة المباشرة يقوم الناخبون بانتخاب النواب (أعضاء البرلمان) من دون وساطة من أشخاص آخرين، وتسمى هذه الطريقة من الانتخاب بأنه انتخاب على درجة واحدة. أما الانتخاب بصورة غير مباشرة فان الناخبين يختارون أشخاصاً ينوبون عنهم في اختيار النواب (أعضاء البرلمان). المبحث الثالث نقد الديمقراطية ببيان عيوبها 12-  أولاً: الديمقراطية ليست حكم الشعب تعرف الديمقراطية بأنها حكومة الشعب أي أن الشعب يتولى بنفسه شؤون السلطة وهذا يستلزم بالضرورة مباشرة جميع أفراد الشعب أعمال السلطة واتفاقهم على ما يصدرونه من قرارات تتعلق بشئون الدولة وهذا أمر متعذر بل ومستحيل، وهذا ما أدركه جان جاك روسو. فاعترف بان الديمقراطية بمعناها السابق أي أنها تعنى حكم الشعب، مما لا سبيل إلى تحقيقه، ولذا اخذ بفكرة (حكومة اغلبيه الشعب) وعلى هذا فان القول بان الديمقراطية تعنى حكم الشعب، هذا القول في الحقيقة اختصار لعبارة "حكومة اغلبيه الشعب" وهذا معنى الديمقراطية وما تعنيه فعلاً. 13- ثانياً: الديمقراطية لا تحقق حكم اغلبيه الشعب وعند التدقيق والتأمل يظهر ان الديمقراطية ليس فقط لا تحقق حكم الشعب فأنها لا تحقق حكم اغلبيته وإنما تحقق حكم أقليته وتوضيح هذه الحقيقة التي تبدو غريبة نبين الاتي: أن أغلبية الشعب التي تتولى السلطة والحكم نيابة عن الأمة إنما يمثلها النواب المنتخبون‎، ولكن الانتخاب لا يظهر لنا من يمثل اغلبيه الشعب للأسباب الآتية:    أ- لا يشترك في الانتخاب – انتخاب نواب الأمة – كل أفراد الشعب بل قسم منهم وهم الذين لهم حق الانتخاب الذين تتوافر فيهم شروط الناخب أما من لا تتوافر فيهم شروط الناخب فلا يشترك في الانتخاب مثل الذي لم يبلغ السن التي يشترطها القانون لمزاولة حق الانتخاب.     ب- وأيضاً فان الواقع دائماً عدم اشتراك جميع من لهم من الانتخاب، وإنما يشترك في الانتخاب بعض هؤلاء فيبقي عدد الناخبين المباشرين فعلاً للانتخاب اقل من عدد أصحاب الحق في الانتخاب.     ج- ثم إن الفائزين بالانتخاب هم الذين حازوا على اكثر أصوات الناخبين فيسقط من عدد المشتركين في الانتخاب من لم يفز بأكثرية الأصوات، وهذه النتيجة تؤدي إلى أن البرلمان المنتخب لا يمثل في الحقيقة غالبية الشعب بل أقلية منه.    د- ثم إن اجتماعات مجلس النواب (البرلمان) تكون صحيحة بحضور اكثر أعضاء المجلس أي بحضور نصفهم زائد واحد.     هـ - ثم أن قرارات (البرلمان) تكون عادة صحيحة ونافذة بموافقة الأكثرية المطلقة للنواب الحاضرين أي بحضور نصفهم زائد واحد. وتكون النتيجة النهائية صدور القوانين النافذة التي يفترض فيها أنها تمثل الأمة أو أكثريتها لصدورها من نوابها ما هي في الحقيقة إلا قرارات أقلية ضئيلة من الأمة وليست بقرارات الأمة ولا قرارات غالبيتها وبالتالي لا تحقق حكومة الشعب بأغلبيته بل حكومة الشعب بأقليته عن طريق ما يصدره البرلمان من قوانين بالكيفية التي ذكرناها. 14- ثالثا: نواب الأمة لا يعبرون عن مصالح الأمة ولا يمثلونها المفروض في النظام الديمقراطي النيابي أن النائب يمثل الأمة ويعبر عن مصالحها وعما تريده، ولكن الواقع خلاف ذلك، فالغالب أن النائب يخضع إلى إرادة الناخبين في دائرته الانتخابية الذين انتخبوه، فهو يجاري رغباتهم وما يريدون وان كان ذلك على حساب مصالح الأمة طمعاً منه أن يعيدوا انتخابه. وهكذا يصبح النواب يمثلون مصالح متباينة هي مصالح من انتخبوهم وليس مصالح الأمة العامة، وهم بهذا النهج لا يمكن اعتبارهم في الحقيقة نواباً عن الأمة ويستعملون سلطتها نيابة عنها ولتحقيق مصالحها لان النيابة الحقيقة هي التي يحرص صاحبها على مصلحة من أنابه. 15-  رابعاً: اثر الأحزاب السياسية وللأحزاب السياسية اثر كبير في تشويه تمثيل الأمة والتعبير عما تريده، وذلك لأن الانتماء إلى الأحزاب يهدر إرادة النائب المنتمى إلى الحزب إذ يخضع لإرادته سواء كانت تمثل مصلحة الأمة أم لا. 16- خامساً: الديمقراطية تنتقص الكفاءات فهي تعطي حق الانتخاب للعاجزين عن معرفة من يصلح للنيابة عن الأمة، وحتى لو كانت عندهم القدرة على ذلك فانهم يخضعون إلى إرادة الحزب الذي ينتمون إليه فينتخبون من يأمرهم الحزب بانتخابهم وان كانوا لا يصلحون للنيابة عن الأمة، وبالتالي لا يصل إلى البرلمان الصالحون للنيابة عن الأمة ومصالحها، ومما يزيد من خطورة هذا الأمر الذي ذكرناه أن البرلمان يحق لأكثريته ليس فقط تشريع القوانين وإنما تولي الحكم عن طريق تأليف الوزارة من هؤلاء الأكثرية التي في الغالب تنتمي إلى حزب واحد، ثم يزداد الأمر خطورة أن للوزارة المؤلفة من أكثرية النواب توزع حقائبها الوزارية لا على أساس الاختصاص وإنما على أساس رأي الحزب وما يقصده في هذا التوزيع، وعلى هذا يجوز ان تسند وزارة النقل إلى نائب هو طبيب، وفي مثل هذا الصيغ إضعاف لرقابة المسؤول على مرؤوسيه، وعجز الوزير عن معرفة متطلبات وزارته على النحو الذي يحقق مصالح الأمة. 17- سادساً: المساواة السياسية لا تحقق المساواة الفعلية الديمقراطية النيابية تعطي حق الانتخاب بالتساوي بين الذين توافر فيهم شروط الانتخاب دون اعتبار ولا نظر لكفاءتها، فهي تعطي لكل واحد ممن لهم حق الانتخاب صوتاً واحد وبهذا تساوي بين الجاهل والعالم، إذ لكل منهما صوت واحد وبالتالي قد يصل إلى البرلمان من لا يصلح للنيابية عن الأمة ولا التمثيل لمصالحها لان الناخب الجاهل ليس كالناخب العالم يُحسن انتخاب الكفؤ الصالح للنيابة عن الأمة. لا سيما وأن اكثر الناخبين دون مستوى معرفة الكفؤ الصالح للنيابية. 18- سابعاً: مظهر الديمقراطية خلاف مخبرها وللديمقراطية قدرة كبيرة على التضليل والخداع فيما تظهره من مظاهر غير حقيقية من الحرص على حكم الشعب ومصالحه، ومن هذه المظاهر الإعلان بأنها تحقق حكم الشعب بالشعب، وأنها تحقق ذلك عن طريق انتخاب الشعب من ينوبون عنه في استعمال سلطته لتحقيق مصالحه، وقد بينا أن النواب الذين يصلون إلى البرلمان لا يمثلون الشعب ولا أغلبيته، وأن قراراته وقوانينه التي يشرعها باسم الشعب، هي في الحقيقة تمثل رأي أقلبه من النواب وبالتالي لا تكون هذه القرارات والقوانين ممثلة لإرادة الشعب ولا أغلبيته، ولكن الشعب ينخدع بشعارات الديمقراطية فيقبلها ويدافع عنها ويحسب أن بها يتحقق للشعب سيادته وسلطته. وان لم تحقق للشعب سيادته أو سلطته بصورة مباشرة فمن الممكن تحقيقها له بصورة نوابه. أن الديمقراطية كما قال البعض عنها أنها " خطرة لكونها تضع طلاء من الذهب على الأغلال التي تقيد بها الناس فتجعلهم أقل ميلاً إلى التمرد والثورة ضد قيود النظام القائم ". 19- رد أنصار الديمقراطية على خصومها للديمقراطية أنصارها، ولها من الأفكار التي تقوم عليها ما يعطيها سنداً قوياً، وقد قام أنصارها بدحض حجج منتقديها، ثم لم يكتفوا بهذا الموقف الدفاعي عن الديمقراطية بل هاجموا غيرها من النظم، مع اعترافهم بما في الديمقراطية من عيوب، وكانوا في ذلك محاورين ومدافعين مهاجمين على نحو سائغ ومقبول من حيث الجملة، فمن جملة ما قالوه في هجومهم على معارضي الديمقراطية وفيما قالوه من تبريرات لوجود بعض العيوب والنقائض نذكر ما يلي:     أولاً: إذا قال خصوم الديمقراطية بأنها ليست المثل الأعلى المقصود في الحكم فالجواب هذا الكمال المطلوب ليس موجودا في النظم المعارضة للديمقراطية كالدكتاتورية مثلاً.     ثانياً: الديمقراطية كأي نظام أوجده البشر لا يمكن أن يصل إلى الكمال المطلق والعصمة من كل عيب، ولكن عيوبها أقل وأيسر من عيوب النظم المخالفة والمعارضة لها، ومزايا الديمقراطية أجلى وأوضح واكثر من مزايا النظم الأخرى المعارضة لها، إن كان لها شيء من المزايا الحقيقة التي تتطلع إليها النفوس.     ثالثاً: أن الحكم يجب أن يكون للامة لان الحكومة إنما توجد لخدمة مصالح هذه الأمة مهما اختلف شكل الحكم، ولذلك يجب منطقياً أن يباشر الشعب بنفسه الحكم، فان تعذر عليه ذلك فعلاً فله أن يباشر الحكم بواسطة نوابه الذين يختارهم وبذلك يكون الحكم متجانساً فهو من الشعب واليه.     رابعاً: في البديهيات المسلم بها والمقبولة عقلاً أن يتولى كل إنسان عاقل بنفسه إدارة شئونه، وبدون ذلك تهدر آدميته، وعلى هذا الأساس ينبغي أن يتولى الشعب بنفسه إدارة شؤونه.    خامساً: إن تقارب الشعوب فيما بينها عن طريق تبادل الخبرات والاطلاع على كيفيات الحكم فيها، والانتقال الجدي فيما بين أفرادها في أقطارهم المختلفة والاطلاع على أوضاعهم كل ذلك يؤدي إلى إقبالهم على الديمقراطية وقبولهم لها ورفضهم أن يقعوا تحت وصاية الغير بحجة عدم صلاحيتهم لتولي شئونهم بنفسهم، ويقوى هذه النزعة فيهم عجز أية حكومة عن البقاء والاستمرار بدون رضا الشعب والحكم باسمه ولتحقيق مصالحه المادية والمعنوية الحرية بأنواعها التي لا يمكن أن يتخلى عنها الإنسان وإلا تخلى عن أدميته ولذلك كله كان من الأفضل الأخذ فعلاً بالحكم الديمقراطي لأنه النوع الوحيد من الحكم المستطاع استقراره في الوقت الحاضر.     سادساً: ولجميع ما ذكرناه ولغيره مما لم نذكره فان الديمقراطية – رضي خصومها أو لم يرضوا – تفرض وجودها على نحو لا يمكن إنكاره أو إغفاله، ولا أدل على ذلك من ان كل نظام معارض للديمقراطية لا يلبث رجاله أن ينتهوا إلى هذه الحقيقة الواقعة بشأن الديمقراطية وإقبال الشعوب عليها ولذلك يسعون جهدهم لاكتساب عطف الشعب ورضاه، وهذا منهم يتضمن تسليمهم بسلطان الشعب وإحساسهم بتأثير الديمقراطية الجارف.     سابعاً: والخلاصة فان الديمقراطية وإن لم تصل حقيقة إلى درجة الكمال المطلوب ولكنها بالرغم من ذلك تعد أقرب النظم الوضعية المعروفة إلى الكمال المنشود. الفصل الثاني حكم الإسلام في الديمقراطية 20- للإسلام حكمه في كل شيء وفي كل حدث، فلا غرابة أن يكون له حكمه في الديمقراطية وهذا الحكم إنما يثبت للديمقراطية بناء على مقوماتها وحقيقتها، إذ ان للديمقراطية أصول وأساس فكري ومستلزمات ضرورية، فلا يصح بالتالي إعطاء حكم عام لها بالإباحة أو الندب أو التحريم وغيرها من الأحكام الشرعية، بصورة مطلقة دون تفصيل بناء على اسم الديمقراطية دون نظره فاحصة إلى حقيقتها ومقوماتها لان العبرة دائماً للمسميات وليس للأسماء، وعلى هذا الأساس نبين الحكم الشرعي للديمقراطية بناء على مقوماتها وأساسها الفكري فأقول: 21- أولاً: من ناحية أساسها الفكري يقول القانونيون والمعنيون ببحث الديمقراطية وأصولها من الناحية النظرية والتطبيقية يقول هؤلاء أن مبدأ " سيادة الأمة" هو الأساس القانوني والفكري للديمقراطية ويقولون أيضاً عن هذه السيادة للامة: بأنها تعني أساساً بأنها سلطة اصليه لا تستمد وجودها من جهة أخرى، كما إنها سلطة عمليا لا معقب عليها ولا نظير لها. وهي (حق الأمر) يخول صاحبه سلطة إصدار الأوامر الملزمة ويقرر مبدأ " سيادة الأمة" أي أن الأمة هي التي لها أن تمارس سلطة الأمر هذه .. ويقولون عن أوصاف سيادة الأمة بأنها واحدة وغير قابلة للتجزئة ففي دولة معينة لا توجد إلا سلطة عليا واحدة لها إدارة واحدة هي سلطة الأمة صاحبة السيادة، ويقولون أيضاً في أوصاف سيادة الأمة بأنها غير قابلة للتصرف فيها فلا يمكن للأمة أن تنزل عنها أو عن جزء منها لان سلطة (الأمر) التي هي جوهر السيادة مردها إلى الإرادة العامة – إرادة الأمة – والإرادة لا يمكن أن تنقل لأنها- كما يقول روسو – تفنى بانتقالها. 22- ما ذكرناه هو الأساس الفكري للديمقراطية، وهو أساس باطل بحكم الشرع ولا يجوز اعتقاده أو التسامح فيه بجعله من الأمور الاجتهادية التي يسوغ الأخذ بها أو اعتبارها مرجوحة لا راجحه. لأن ما يقرره مبدأ (سيادة الأمة) كفر صريح لأنه يجعل الأمة هي صاحبة الأمر والنهي وليس الله جل جلاله، ويجعل الأمة هي السلطة العليا إلى لا معقب عليها ولا سلطة فوقها وأنها لم تستمد هذه السلطة من غيرها. ثم إن هذا المبدأ يغلق الباب أمام (الأمة) إذا أرادت أن تثوب إلى رشدها وتتوب إلى الله إذ يقرر أصحاب نظرية أو مبدأ (سيادة الأمة) يقررون بان " السيادة – أي سيادة الأمة – غير قابلة للتصرف فيها فلا يمكن للامة أن تتنازل عنها أو عن جزء منها". أما الأدلة على بطلان مبدأ السيادة وحرمة اعتقاده أو لتسويفه فكثيرة منها ما يلي:    1- ان الحاكمية في الإسلام أي حق إصدار الأمر والنهي للناس هو لله وحده، وأوامر الله ونواهيه هي التي تمثل ما شرعه الله للناس وأمر رسوله محمد ﷺ أن يبلغها للناس ويطبقوها دون غيرها ولا يجـوز فــي عقيدة الإسلام منازعة الله في هذه الحاكمية – حق إصدار الأوامر والنواهي – ولا مشاركته في هذا الحق، والآيات في هذا المجال كثيرة نذكر منها ما يلي:        أ- إن الحكم لله وحده ولا معقب لحكمه.       قال تعالى (نِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ).       وقال تعالى (أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ).       وقال تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ).       وقال تعالى (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ).        ب- وان الأمر لله وحده لا لغيره.       قال تعالى (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).       قال تعالى (يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ).        جـ- وان الرسل والمؤمنين ينفذون أمر الله.       قال تعلى عن عيسى عليه السلام (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) وقال تعال مخاطباً رسوله سيدنا محمداً ﷺ (قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ) وقال تعالى مخاطباً رسولنا محمد ﷺ (وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) وقال تعالى عن المؤمنين (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وقال تعالى (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا).        د-  لا شريك لله في حكمة وأمره وشرعه.       قال تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ).       وقال تعالى (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا).       هـ- ان المطلوب من الرسول ومن الأمة اتباع شرع الله المنزَّل.       قال تعالى (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ).       وقال تعالى مخاطباً رسوله ﷺ وامراً له باتباع شرعه "والأمر له بذلك أمر لأمته، قال تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا). وقال تعالى مخاطباً رسول الله ﷺ (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي). وان الخيرية التي حازتها الأمة الإسلامية كانت بسبب أمرها بالمعروف وهو ما أمر الله به، وبنهيها عن المنكر وهو ما نهى الله عنه ، قال تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ). وان الله تعالى يريد من المسلمين ان يكونوا أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والمعروف هو كل ما أمر الله به والمنكر هو كل ما نهى الله عنه، قال تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).        و- القانون الواجب التطبيق هو ما شرعه الله       قال تعالى (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) . ولهذا فان من لا يحكم بشرع الله يعتبر كافراً وظلماً وفاسقاً قال تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ). (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).        ز- شرع الله هو المرجع عند النزاع       وعند حصول نزاع واختلاف في الآراء فان المرجع لحله هو شرع الله أي إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة المعبران والناطقان بشرع الله، قال تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ). وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا). والشأن بالمؤمنين – وهم المكونون للامة الإسلامية – أن يرجعوا إلى حكم الله وشرعه في القرآن والسنة النبوية في أي نزاع أو اختلاف يحصل بينهم، وان يقبلوا حكم الله عن رضا تام في ظاهرهم وفي باطنهم، وهذا هو دليل أيمانهم قال تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). 23- الخلاصة والخلاصة فان السيادة بما تتضمنه من سلطة (الأمر) على وجه الانفراد ودون تعقيب على صاحب هذه السيادة، هذه السيادة لا تملكها الأمة ولا واحد منها ولا جماعة منها وإنما هي حق الله وحده  على الخلوص والانفراد بدلالة النصوص القرآنية التي ذكرنا بعضها. ولا يجوز في الإسلام الاعتقاد بغير ذلك. ومن يعتقد بالسيادة بالمعنى الذي يقررونه للامة، فهذا منه اعتقاد كفر وباطل. 24- ثانياً: الديمقراطية من حيث نوابها ذكرنا ان الديمقراطية المباشرة لا يمكن تطبيقها فاستعيض عنها بالديمقراطية النيابية حيث تباشر الأمة سلطتها بصورة غير مباشرة وذلك عن طريق نوابها الذين هي تختارهم. فما حكم الإسلام في هذه الاختيار أو الانتخاب؟ انتخاب الأمة نوابها لمباشرة ما تملكه هي من حق السلطة أمر مقبول في الإسلام من حيث المبدأ، ولكن هذا الانتخاب الذي تمارسه الأمة في ظل (الديمقراطية النيابية) بمفهومها التقليدي المعروف في الدول الغربية يرد على هذا الانتخاب ما يلي:    أ) أن النواب يمارسون سلطة الأمة القائمة على مفهوم السيادة لها نيابة عنها، وقد بينا ان هذا المفهوم للسيادة لا تملكه الأمة لأنه حق الله وحده على الانفراد وبالتالي فهي تمّلك نوابها مالا تملكه، وعلى هذا فالنواب في ظل الديمقراطية النيابية لا يملكون حق تشريع القوانين بصورة مطلقة حسب ما يشتهون كما هو المقرر بموجب هذه الديمقراطية النيابية.    ب) وللنواب في مفهوم الديمقراطية النيابية يملكون حق مراقبة السلطة التنفيذية الدولة، وهذا المراقبة تقوم على أساس مدى التزام هذه السلطة بالقوانين التي يشرعها هؤلاء النواب (المجالس البرلمانية) وقد قلنا ان هؤلاء النواب (المجالس البرلمانية) مخولة بموجب مفهوم الديمقراطية النيابية سن القوانين حسب ما تشتهي، فهي في نظر الإسلام تراقب السلطة في ضوء قوانين لا تملك تشريعها، فلا تكون مراقبتها شرعية في نظر الإسلام.    ج) وفي كيفية أجراء الانتخابات النيابية، يتوسل المرشحون للفوز بالنيابة، والراغبون في انتخابهم، يتوسلون لتحقيق أغراضهم هذه بكل وسيلة تحقق لهم هذا الغرض سواء كانت الوسيلة تقرها الأخلاق السليمة من ضرورة الصدق في القول والتعالي على القذف والباطل والاتهام الباطل للخصوم لصرف الناخبين عنهم، إلى أغراء الناخبين وبالأحرى ارشائهم مادياً أو إرشائهم بالوعود الكاذبة أو الصادقة منها ولكن على حساب المصلحة العامة ان هذه الوسائل والأساليب في انتخاب النواب المخالفة للخلق السليم أصبحت معروفة ومألوفة، والإسلام يرفضها رفضاً قاطعاً فان ما يعتبر قبيحاً في علاقة الفرد بالفرد في الحياة اليومية يبقى قبيحاً في الانتخابات وفي علاقة المرشح بالناخب لان الشعار في الإسلام مشروعية الوسيلة مع مشروعية الغاية، فلا مكان للمبدأ الخبيث الغاية تبرر الوسيلة. 25- ثالثاً: ومن جهة الأحزاب تستلزم الديمقراطية النيابية وجود الأحزاب في الدولة، فوجودها من مستلزمات تطبيق الديمقراطية النيابية، فما حكم الإسلام في إيجاد الأحزاب وعملها، وفي تطلعها إلى الحكم والسعي إليه كما هو القائم فعلاً في ظل الديمقراطية النيابية؟ والجواب يتبين في ظل التحليل المبسط الآتي:    أ)  ان مفهوم (الحزب) في الديمقراطية النيابية، انه يعني قيام جماعة من مواطني الدولة في ضوء نظام محدد لغرض تحقيق أهداف معينة عن طريق الوصول إلى الحكم عن طريق انتخاب الأمة لمرشحي هذا الحزب وهم عادة من أعضاء هذا الحزب، فإذا ما فازوا بأكثرية النواب في مجلس النواب – البرلمان – صار لهم الحق في تأليف الحكومة التي تباشر السلطة التنفيذية التي تدير شئون البلاد على النحو الذي يحقق أغراض الحزب المعلنة للامة. والان، ما حكم الإسلام في وجود الأحزاب وأهدافها التي أشرنا اليها؟ والجواب: ان الإسلام من حيث المبدأ لا يمنع من قيام جماعات لتحقيق أغراض معينة ولكن يشترط لقيام هذه الأحزاب ما يأتي:    1) ان تكون محكومة بأحكام الإسلام في إنشائها بأن يكون أعضاؤها مرضيين في حكم الإسلام بان يكونوا مستوري الحال على الأقل لا يعرف عنهم انحراف عن معاني الإسلام وأصوله، فلا يجوز مثلاً ان يكون من أعضاء هذه الجماعة من ينادي ويدعو إلى ما يعارض أصول الإسلام أو الادعاء بضرورة أبعاده عن شئون الحكم.    2) ان يكون منهجه، واغراضه، مما يقره الاسلام، فلا يجوز تأليف حزب من أغراضه، بث العلمانية، والتحرر من الضوابط الشرعية، أو السعي لتطبيق النظم الوضعية وهجر لنظم الإسلام إلغائها.    3) من الواضح ان الأحزاب في الدول التي تأخذ بالديمقراطية النيابية، وهذه الدول غير إسلامية، فهي لا تلتزم بما ذكرناه في الفقرتين السابقتين، واما في البلاد الإسلامية التي تأخذ بالديمقراطية النيابية، فان تأسيس الأحزاب لا يكون على أساس ما ذكرناه، ولكن دون تصريح بعدم التمسك بضوابط الإسلام في كيفية تأسيس الحزب وفي شروط العضوية فيه أو في أغراضه، وانما الغالب على هذه الأحزاب السكوت عن هذه القضايا حتى لا تثير عليها الرأي العام الإسلامي ولذلك يجب أن ينص صراحة على ما ذكرناه عند إجازة هذه الأحزاب. أما تبرير ما نشترطه من التقيد بالضوابط الشرعية في إنشاء الحزب وأغراضه، فيقوم هذا التبرير على ان الإسلام تشمل أحكامه الأفراد والجماعات، كما تشمل أحكامه ما يؤسسه الأفراد من جماعات، وما يريدون تحقيقه من أغراض، ولان البلد إسلامي، ومن حق المسلمين فيه وهم المكونون للشعب أن تكون الأحزاب فيه إسلامية في وجودها وغايتها وأسلوب عملها. 26- ب: من جهة السعي إلى الحكم أما من جهة التطلع إلى الحكم والسعي أليه من قبل هذه الأحزاب السياسية، فهذا التطلع إلى الحكم أو السعي أليه إنما يجوز في حكم الإسلام إذا كان الغرض منه تنفيذ شرع الله، لان هذا التنفيذ يأتي من ذي السلطان على وجه أكمل وأوسع وأسرع من غير ذي السلطان، وفي هذا المعني يقول شيخ الإسلام ابن تيمية " يجب أن يعرف ان ولاية أمر الناس من اعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها.. ثم يقول رحمة الله: ولان الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلى بقوة وإمارة وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة .. ثم يختم شيخ الإسلام قوله في هذا الموضوع فيقول: فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله تعالى، فان التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من افضل القربات". الفصل الثالث المشاركة في انتخابات الديمقراطية النيابية 27- تمهيد وتقسيم الفصل الدول في الوقت الحاضر التي تأخذ بالديمقراطية كنظام في الحكم، تأخذ بالديمقراطية النيابية نظراً لتعذر الأخذ بالديمقراطية المباشرة. وأما الديمقراطية شبه المباشرة، فان بعض مظاهرها مأخوذ به في الدول التي تأخذ بالديمقراطية النيابية ومن هنا كان موضوع الانتخاب من ركائز ومتطلبات تطبيق الديمقراطية النيابية ولهذا فان الدول التي تأخذ بهذه الديمقراطية تضع الشروط الضرورية للناخب أي لمن له حق الانتخاب. وحيث أن الدول الإسلامية يأخذ معظمها بالديمقراطية النيابية فقد حصل شيء من التساؤل عن مدى مشروعية اشتراك المسلم في هذه الانتخابات النيابية. كما ان هناك بعض الفئات المسلمة التي استقرت في الدول غير الإسلامية، فقد حصل ايضاً شيء من التساؤل عن مدى مشروعية مشاركة المسلم في الانتخابات النيابية هناك إذا سمح له قانون الدولة غير المسلمة التي يعيش فيها باعتبار حاملاً جنسيتها. وبناء على ما تقدم لأقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأول – شروط الناخب المبحث الثاني – مدى مشروعية مشاركة المسلم في الانتخابات النيابية في الدول الإسلامية. المبحث الثالث – مدى مشروعة مشاركة المسلم في الانتخابات النيابية في الدول غير الإسلامية.   المبحث الأول شروط الناخب 28- تمهيد الدول التي تأخذ بالديمقراطية النيابية، تضع شروطاً في الناخبأي لمن يحق له المشاركة في انتخاب نواب الأمة، وهذا الشروط، عادة، هي ما يأتي:     أولا: الجنسية، فحق الانتخاب مقصور على المواطنين (حاملي جنسية الدولة) دون الاجانب، وان كان بعض الدول تفرق بين حاملي الجنسية الأصلية وبين حاملي جنسية الدولة بالتجنس، فتشرط للمتجنسين مضي مدة معينة حتى يثبت لهم حق الانتخاب وهذا الشرط يراد به التأكد من ولائهم للدولة الجديدة وهذا ما اخذ به قانون الجنسية المصري الجديد لسنة 1975م حيث اشترط مضي خمس سنوات من تاريخ تجنس الأجنبي بالجنسية المصرية حتى يحق له المشاركة في الانتخابات النيابية.    ثانياً: الجنس. كانت معظم الدول الديمقراطية تمنع النساء من المشاركة في الانتخابات النيابية إذ تجعل هذه المشاركة حقاً للرجال فقط، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، اتجهت الغالبية العظمي من الدول الديمقراطية إلى تعميم حق الانتخاب إلى النساء والرجال على حد سواء، كما ان هيئة الأمم المتحدة سعت وعملت على حمل الدول لتعميم حق الانتخاب وعدم قصره على الرجال.    ثالثاً: السن، في جميع البلاد التي تأخذ بالديمقراطية النيابية تصنع حداً أدنى لسن الناخب، وان اختلفت هذه الدول في تحديد هذا الحد الأدنى لسن الناخب. والغرض من هذا التحديد حصول القناعة بقدرة من يبلغ هذه السن من معرفة الصالح لانتخابه.     رابعاً: الأهلية الأدبية، أن لا يكون الناخب قد حكم عليه في جرائم معينة تخل بشرفه أو تسقط اعتباره في المجتمع.     خامساً: الأهلية العقلية. أي أن لا يكون الناخب مختل العقل وبالتالي يحرم من حق المشاركة في الانتخاب المجنون ونحوه من المصابين بالأمراض العقلية. المبحث الثاني مشاركة المسلم في الانتخابات النيابية في الدول الإسلامية 29- تأصيل مشروعية المشاركة مشاركة المسلم في الانتخابات النيابية في الدول الإسلامية تعتبر مقبولة شرعاً، ويمكننا تأصيل هذا المشروعية على النحو التالي: للامة الإسلامية سلطة تنفيذ لشرع الله لأنها مخاطبة بهذا التنفيذ ومكلفة به، وحيث يكون التكليف يملك المكلف بتمليك من الشرع – السلطة على تنفيذ ما كلف به. والدليل على تكليف الأمة بتنفيذ ما خوطبت به النصوص القرآنية ومنها:    أ) خطابات الله للمؤمنين، وهم المكونون للامة، بالتكاليف الشرعية مثل قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ...) وقوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا...) وقوله تعالى (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).    ب) وقوله تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). أي ليكن منكم أيها المؤمنون (أُمَّةٌ) أي لتكونوا كلكم (أُمَّةٌ) بالأوصاف المذكورة في الآية وهذا على تفسير (مِّنكُمْ) بأنها بيانية وليست تبعيضيه، والآية تحتمل هذا التفسير أي يحمل كملة (مِّنكُمْ) على أنها للتبيين وليست للتبعيض، ومثله في كتاب الله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ). والمعروف الذي كلفت الأمة بالأمر به ، والمنكر الذي كلفت بالنهي عنه هو ما شرعه الله تعالى. وبالتالي تكون لها (سلطة) على تنفيذ ما كلفت به.    ج) وقوله تعالى (لَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). (فالأمة) إذا تيسر لها التمكين في الأرض فعلاً بان تيسر لها مباشرة (سلطتها) التي ملكها الله إياها فإنها تقوم فعلاً بتنفيذ ما ذكرته الآية من إقامة الصلاة ومراقبة القيام بها، وأبناء الزكاة ومراقبة جمعها تسلمها لتسليمها إلى مستحقيها، وقيامها بالأمر بالمعروف وهو ما أمر الله به، والنهي عن المنكر وهو ما نهي الله عنه.    د) ولما كان من المتعذر قيام الأمة بتنفيذ ما خوطبت به وكلفت به بصورة جماعية فقد برزت نظرية النيابة، بان تنيب الأمة عنها من يقوم بتنفيذ ما كلفت به مثل قطع يد السارق وجلد الزاني كما قال تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ). وهذا النائب هو الخليفة الذي يقوم بدوره بتعيين القضاة لتنفيذ أحكام الشرعية التي تحتاج إلى قضاء واثبات. والخليفة تنتخبه الأمة كما هو معلوم.    هـ) وحيث أن من أحكام الشرع المكلفة بها شرعاً تطبيق الشورى في الحكم قال تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ). قال الإمام أبن عطية في تفسيره بصدد هذه الآية: " والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستثير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه". وحيث ان من المتعذر استشارة الأمة جميعاً، فقد جاز ان بشاور (ولي الأمر) أي الخليفة من تعتبر مشاورتهم كأنها مشاورة الأمة، وان ما يشيرون به من رأي ينزل منزلة رأي الأمة، وهؤلاء هم الذين عرفوا، (بأهل الحل العقد) وهؤلاء يعرفون عن طريق انتخاب الأمة لهم فيكونوا ما يعرف بـ(مجلس الأمة، أو مجس نواب الأمة) ومن وظائفهم مراقبة (ولي الأمر) في قيامة بما انتخب من اجله وهو تنفيذ أحكام الشرع المكلفة بها الأمة، كما ان من أعمالهم مشاورة الخليفة (ولي الأمر) لهم.    و) وقال الله تعالى في مدح المؤمنين (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) وقد جاء بصدد هذه الآية وتفسيرها: (أي لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه). وقد كان ﷺ يشاور أصحابه، فأما الصحابة بعده ﷺ فكانوا يتشاورون في الأحكام ويستنبطونها من الكتاب والسنة، وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة. ومن الواضح أن الأمة التي من صفاتها التشاور بين أفرادها، لا يمكنها أن تقوم بهذا المطلوب الشرعي – التشاور – عن طريق اجتماع جميع أفراد الأمة للتشاور مع الخليفة أو من تجب معه المشاورة، وإنما يمكنهم تحقيق هذه المشاورة بواسطة من عرفوا بأهل الحل والعقد، وأن هؤلاء يمكن معرفتهم عن طريق انتخابهم ، وهؤلاء المنتخبون لعضوية البرلمان، يعتبرون أهل شورى الخليفة وغيره من ولاة الأمر. فحق الانتخاب للأفراد من الأمة الإسلامية يقوم على أساس مشروعية وجود نواب عن الأمة يقومون بالنيابة بما هي مكلفة به شرعاً من التشاور فيما بينهم وفيما بينهم وبين الخليفة أو من له أو يجب له المشاورة عنها وإذا كان وجود نواب عن الأمة ينوبون عنها في أداء واجب الشورى، فإن وجود هؤلاء – أهل الشورى- إنما يتم بانتخابهم ، فتكون المشاركة في هذا الانتخاب أمر جائز شرعاً.    ز) وقال تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) فالأمة بجميع أفرادها مخاطبة بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الواجب يمكن أن يؤدي من قبل فرد بصفته فرداً كما يمكن أن يؤدي بصورة جماعية بأن تنهض جماعة للتصدي لهذا الواجب والقيام به، وهذه الجماعة المتصدية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمكن إيجادها عن طريق انتخاب الأمة لها لتكون هذه الجماعة بهذا الانتخاب نائبة عن الأمة في القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يقتصر عمل هذه الجماعة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقيام به بين عامة الناس وإنما تقوم به في مواجهة الحكام: الخليفة ونوابه وكل من بيده سلطة أمر ونهي، لأن هذه الجماعة بانتخابها من قبل الأمة وصيرورتها (مجلس نواب) تكون لها سلطة إضافية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يقرب ما بين هذه الجماعة وما بين الحكومة (الخليفة ونوابه)، وهذه الجماعة المنتخبة، جماعة مرضية وجماعة خير، فما يؤدي إليها أو يوجدها وهو الانتخاب والمشاركة فيه يكون مرضياً أيضاً. الاعتراضات على المشاركة في الانتخابات    أولاً: الانتخابات النيابية من مظاهر وعناصر الديمقراطية، والديمقراطية نظام غير إسلامي، فلا يكون مشروعاً، ولا تكون عناصره ومنها الانتخابات مشروعة، فلا يجوز للمسلم المشاركة في أعمال غير مشروعة في حكم الإسلام.    ثانياً: نظام الانتخاب لم يعرفه الصحابة ولا من جاء بعدهم ولهذا لم يطبقوه، ولو كان جائزاً لفعلوه ، والخير في الاتباع لا في الابتداع.    ثالثاً: أن لمجلس النواب المنتخبين صلاحية تشريع القوانين حسب مفهوم الديمقراطية دون قيد ولا شرط، فلا يجوز للمسلم المشاركة في انتخاب أعضاء هذا المجلس الذي هذه هي بعض أعماله غير المشروعة سن القوانين – فتكون المشاركة في انتخابهم مشاركة على الإثم والعدوان، وهذا لا يجوز شرعاً.    رابعاً: إن إقرار مبدأ الانتخاب – انتخاب النواب – مدخل ووسيلة إلى إحداث الفرقة بين الأمة لما يحدثه هذا الانتخاب من تنافس شديد يؤدي إلى خصام وتقاطع بين أفراد الأمة ، والفرقة والتقاطع والخصام بين أفراد الأمة من المحظورات الشرعية فما يؤدي إليها يكون غير مشروع.    خامساً: إن إقرار الانتخاب بموجب نظام الديمقراطية يستلزم وجود الأحزاب السياسية المتعارضة، وهذه الأحزاب تؤدي إلى الفرقة بين أفراد الأمة كما تؤدي إلى انسلاخ الفرد المنتمي إلى حزب من هذه الأحزاب إلى الانسلاخ عن إرادته الحرة وصيرورته تابعاً لإرادة حزبه ولو كانت إرادة حزبه خاطئة فهو ينتخب من يرشحه حزبه وأن كان هذا المرشح لا يصلح أن يكون نائباً عن الأمة، ومثل هذه النتيجة غير مقبولة شرعاً، والخلاص منها يكون بإلغاء الانتخابات النيابية إبقاء لوحدة الأمة ومنعاً من فرقتها. 31- الرد على هذه الاعتراضات    أولا: نحن إذ نأخذ بالانتخابات النيابية لا نأخذ بها لأننا نأخذ بالنظام الديمقراطي التقليدي أو بأن الانتخابات عنصر منه، وإنما نأخذ به لجوازه شرعاً  لأن من حق الأمة أن تنتخب من ينوب عنها في استعمال سلطتها فيما هي مكلفة به وفيما هو حق لها، إذ يجوز لمن يكلف بشيء أن ينيب عنه من يقوم به كما أن من له حق يجوز له أن ينيب عنه من يستعمل حقه وهذا كله في التكاليف التي تحتمل النيابة وفي الحقوق التي تحتمل النيابة ومنها قيام النواب بواجب المشاورة لولي الأمر مع الأمة، وواجب الأمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحق الأمة في مراقبة الحاكم " الخليفة " الذي اختارته لتنفيذ أحكام الشرع المخاطبة بها إذ من حق المنيب أن يراقب نائبه فيما أنابه فيه، واختيار النواب من قبل الأمة وهو جائز شرعاً كما قلت يستلزم مشروعية قيام الناخبين في المشاركة في انتخاب النواب.     ثانياً: وأما أن لمجلس النواب في النظام الديمقراطي حق تشريع القوانين بدون قيد ولا شرط، وهذا مخالف للإسلام، فالمشاركة في انتخابهم مشاركة في الآثم والعدوان فلا يجوز فالجواب نحن لا ندعو إلى تطبيق النظام الديمقراطي النيابي الذي تطبقه الدول الكافرة وموافقتنا لهم في جزئية الانتخاب لا تعني موافقتهم فيما يرتبونه من سلطة للمنتخبين، وإنما نحن نقر الانتخاب – انتخاب النواب– فقط أما سلطتهم في التشريع فهي مقيدة بقيود الشرع فلا يملكون ولا تملك الأمة التي اختارتهم تشريع الأحكام والقوانين المخالفة للشرع وإنما لهم فقط وضع التعليمات التي تسهل تطبيق وتنفيذ الأحكام الشرعية ، وهذا جائز مشروع غير ممنوع.    ثالثاً: وأما أن نظام الانتخاب لم يعرفه الصحابة ولا من جاء من بعدهم ، وأن الخير في الاتباع لا في الابتداع فالجواب: أن الانتخاب عرفته الصحابة الكرام وطبقوه في انتخاب الخليفة أبي بكر ومن بعده عمر وأن كان ذلك بترشيح أبي بكر ولكن ما فعله أبو بكر هو ترشيح واقتراح لانتخاب عمر، وعمر رضي الله عنه لم يصر خليفة بترشيح أبي بكر له للخلافة وإنما بانتخاب المسلمين له، ولو قدر أن المسلمين لم ينتخبوا عمر رضي الله عنه خليفة لما صار خليفة بترشيح أبي بكر له أو بولاية العهد له وفي هذا المعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية، "وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار إماماً لما بيعوه وأطاعوه، ولو قدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم بايعوه لم يصير إماماً .. وعثمان رضي الله عنه لم يصر إماماً باختيار بعضهم – أي الستة الذين اختارهم عمر بل بمبايعة الناس له .." وجاء في كتاب الأحكام السلطانية لأبي يعلى الحنبلي (لأن الإمامة لم تنعقد للمعهود إليه بنفس العهد وإنما تنعقد بعهد المسلمين وأنَّ إمامة المعهود إليه تنعقد بعد موته باختيار أهل الوقت – أي باختيار أهل الحل والعقد). وإذا كان انتخاب الخليفة معروفاً لدى الصحابة ومشروعاً عندهم، فإن انتخاب نواب الأمة الذين يمكن اعتبارهم (أهل الحل والعقد) والذين يمثلون الأمة أقول فإن انتخاب هؤلاء يكون مشروعاً أيضاً وتكون المشاركة في انتخابهم مشاركة مشروعة، ولا يقال أنه لم يحدث في زمن الصحابة ولا فيمن بعدهم انتخاب (أهل الحل والعقد) حتى يصح قياس انتخاب النواب عليهم، فالجواب أن أهل الحل والعقد كانوا معروفين في زمن الصحابة فلم تكن هناك حاجة لمعرفة رأي الأمة فيهم عن طريق انتخابهم، أما في الوقت الحاضر فلا يمكن معرفة أهل الحل والعقد الذي ترتضيهم الأمة إلا عن طريق انتخابهم.    رابعاً: الادعاء بأن الانتخاب – انتخاب نواب الأمة – مدخل ووسيلة إلى إحداث الفرقة بين المسلمين .. الخ والفرقة مذمومة، وما يؤدي إليها – وهو الانتخاب – يكون مذموماً فلا يكون مشروعاً. والجواب أن الانتخاب الذي ندعو إليه ونريده هو الذي يكون مبعثه تقوى الله والإخلاص له في العمل ومنه اختيار الأكفاء الصالحين والبراءة من المهاترات والتهم والأكاذيب ونحو ذلك مما لا يجوز شرعاً ويفعله الناخبون وأحزابهم في الدول غير الإسلامية.     خامساً: إن وجود الأحزاب وما يترتب على وجودها مما ذكره المعترضون على مشروعية الانتخاب هذا الاعتراض لا ينسحب على الأحزاب الجائز تأسيسها شرعاً في الدول الإسلامية، لأن الشرط في إجازة هذه الأحزاب أن تكون غايتها ومنهجها وأسلوبها وعلاقة أعضائها بأحزابهم كل ذلك يخضع إلى الضوابط الشرعية، وإذا التزمت الأحزاب بهذا الالتزام فلا يترتب على وجودها إلا الخير، بل ويكون وجودها كوجود المذاهب الفقهية الإسلامية، وكل الفرق بين الاثنين أن المذاهب الفقهية تبين الأحكام الشرعية النظرية في مختلف شؤون الحياة، أما الأحزاب السياسية الإسلامية فهي تعني بالجانب السياسي من أحكام الشريعة وتسعى إلى تطبيق هذه الأحكام عن طريق تولي الحكم باختيار الأمة لنواب الحزب حتى إذا ما صاروا هم الأكثرية في مجلس النواب تشكلت منهم الحكومة التي تقوم بتنفيذ منهجها الحزبي المنبثق من أحكام الشريعة الإسلامية. 32- اعتراض من المجيزين للانتخاب وهناك من يمنع مشاركة النساء في انتخاب النواب منعا مطلقا فلا يجوز أن تنتخب كما لا يجوز أن تنتخب، إذ يرى هذا البعض من أهل الرأي أن المشاركة في انتخابات النواب حق مقصور على الرجال دون النساء. 33- الرد على هذا الاعتراض ونرد على هذا الاعتراض بأن لا دليل عليه  ونرى للمرأة الحق في أن تنتخب لا أن تُنتخب وذلك من وجوه:     الوجه الأول: أن في الانتخاب معنى الفتوى، لأن إدراج من له حق الانتخاب في قوائم الناخبين يعني استفتاء الحكومة للناخبين فيمن يرونهم أهلاً للنيابة عن الأمة، والمرأة تصلح لأن تكون مفتية، فما زال المسلمون يسألون النساء الفضليات العالمات عن أمور دينهم، وقد كان الصحابة الكرام يسألون أمهات المؤمنين زوجات رسول الله ﷺ عن أمور الدين لاسيما أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.    الوجه الثاني: أن في الانتخاب معنى الشهادة، لأن الناخب عندما ينتخب من يراه أهلاً للنيابة كأنه يشهد له بهذه الأهلية، والمرأة تصلح أن تكون شاهدة في بعض الأمور.    الوجه الثالث: أن في الانتخاب معنى التوكيل، فالناخب عندما ينتخب من يراه أهلاً للنيابة كأن يوكله على القيام بما هو منوط به من أعمال وواجبات ورعاية لمصالح الأمة، والمرأة تصلح أن تكون موكلة.    الوجه الرابع: من شأن المسلمين التشاور فيما بينهم قال تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) وقد جاء في تفسيرها: أنهم – أي المؤمنون – يتشاورون فيما بينهم، ولا يعجلون ولا ينفردون بالرأي ويتشاورون في كل أمر بعرض لهم ، فإذا وقعت واقعة اجتمعوا وتشاوروا ، فمدحهم الله تعالى على هذا النهج السديد، ومما لا شك فيه أن شغور منصب الخلافة أو شغور منصب نواب الأمة، من الوقائع المهمة التي تحتاج إلى المشاورة من قبل المسلمين، والمرأة واحدة منهم، فتشملها المشاورة الممدوحة – عن طريق إبداء رأيها كناخبة فيمن تراه أهلاً لمنصب الخلاقة أو لمنصب النيابة عن الأمة بانتخاب مجلس النواب.    الوجه الخامس: أن المرأة استشيرت في انتخاب الخليفة عثمان بن عفان رضي اله عنه، فقد جاء في أخبار انتخاب الخليفة بعد عمر رضي الله عنه وتفويض الأمر إلى عبد الرحمن بن عوف من قبل الستة الذين اختارهم عمر رضي الله عنه. أن قام عبد الرحمن بن عوف باستشارة الناس فيمن يختارونه للخلافة وسئل النساء كما سأل الرجال قال شيخ الإسلام ابن تيمية "بقى عبد الرحمن بن عوف يشاور الناس ثلاثة أيام وأخبر أن الناس لا يعدلون بعثمان وأنه شاور حتى العذارى في خدورهن " ووجه الدلالة بهذا الخبر أنه لو لم يكن لرأي المرأة أثر في الانتخاب، وأن لها بالتالي حق المشاركة في انتخاب الخليفة لما استشارها عبد الرحمن بن عوف. وإذا كان لها حق المشاركة في انتخاب الخليفة عن طريق أخذ رأيها فيه، فلها من باب أولى حق انتخاب من هو أدنى رتبة منه وهم نواب الأمة الذين يعتبرون بمثابة أهل الحل والعقد ومن صلاحيتهم في فقه الإسلام حق انتخاب الخليفة.    الوجه السادس: وجاء في القرآن في شأن فطام الطفل قبل مضي سنتي الرضاعة أو بعدها ـ وأن الوالدين يتشاوران في هذه المسألة وينفذون ما يريانه الأصلح بشأن فطام طفلهما قوله تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ...) إلى قوله تعالى (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا...) وقد جاء في تفسير الآية: أباح الله للوالدين التشاور فيما يؤدي إلى صلاح الصغير أي بشأن تحديد وقت فطامه "وجاء في تفسيرها أيضاً " للوالدين صاحبي الحق المشترك في الولد والغيرة الصحيحة عليه أن يفطماه قبل هذه المدة وهي سنتان أو بعدها إذا أتفق رأيهما على ذلك بعد التشاور فيه " ووجه الدلالة في هذه الآية وما جاء في تفسيرها أن الوالدة كان لها الحق المشاورة مع الأب بشأن فطام الصغير – طفلهما – لأن لها مصلحة مؤكدة في تحقيق ما هو الأصلح للطفل لأن مصلحته تهمهما، فإذا كان وجود المصلحة يبيح لصاحب المصلحة حق المشاورة بشأنها، فإن للمرأة مصلحة مؤكدة في انتخاب الصالح بل والأصلح لمن يصلح لمنصب الخلافة ولمنصب النيابة عن الأمة، لأن بانتخاب الصالح أو الأصلح تتحقق المصلحة للمجتمع والمرأة فرد منه، ولأن صلاح المجتمع بهم المرأة لأنها تعيش فيه، ومن سبل صلاحه أن يكون الخليفة وأهل الحل والعقد، أي نواب الأمة – في مستوى عال أو كاف من الصلاح، فللمرأة أن تسهم في إبداء رأيها فيمن تراه في هذا المستوى الكافي أو العالي من الصلاح.    الوجه السابع: جاء في الحديث الصحيح عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال (الدين النصية، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم) وجاء في شرحه: "وأما النصيحة لعامة المسلمين – وهم من عدا ولاة الأمر – فبإرشادهم لمصالحهم في أخرتهم ودنياهم، وجلب المنافع لهم " ولا شك من سبل إرشادهم إلى مصالحهم – وهي مصالح الأمة – إرشادهم إلى من يقوم بهذه المصالح أو بأمر بها أو يساعد عليها وهم الخليفة وأهل العقد وهم في الوقت الحاضر يمثلهم نواب الأمة الذين تختارهم. المبحث الثالث حكم مشاركة المسلم في انتخابات الديمقراطية النيابة في دار الحرب (الدولة غير الإسلامية) 34-تمهيد: قد يوجد المسلم في دار الحرب (أي في دولة غير إسلامية) ويكون له حق المشاركة في انتخابات الديمقراطية النيابية لتلك الدولة فهل يجوز للمسلم المشاركة في هذه الانتخابات أم لا؟ وقبل الجواب ينبغي بيان حكم الإسلام في علاقة المسلم بدار الحرب – دولة غير إسلامية – من جهة دخوله إليها أو إقامته فيها أو تجنسه بجنسيتها فإذا فرغنا من بيان هذه العلاقة تكلمنا عن مدى مشروعية مشاركة المسلم في الانتخابات الديمقراطية النيابية – أي انتخاب أعضاء مجلس الأمة أي أعضاء البرلمان – وعلى هذا أقسم هذا المبحث إلى مطلبين الأول لبيان علاقة المسلم بدار الحرب (والثاني) في مشاركة المسلم في انتخابات الديمقراطية النيابية لتلك الدولة غير الإسلامية. المطلب الأول حكم الإسلام في علاقة المسلم بدار الحرب " دولة غير إسلامية " الفرع الأول التعريف بدار الإسلام ودار الحرب 35-  أولاً: المقصود بدار الحرب المقصود بدار الحرب – وهو اصطلاح فقهي – الدولة غير الإسلامية، ويقابلها دار الإسلام – أي الدولة الإسلامية، وقد عني الفقهاء في تعريف هاتين الدارين لما يترتب على كل دار من الأحكام فمن تعاريفهم: "دار الإسلام اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين وعلامة ذلك أن يأمن فيه المسلمون". "دار الإسلام هي التي تظهر فيها شعائر الإسلام بقوة المسلمين ومنعتهم ولا يأمن فيها غيرهم إلا بالذمة والأمان من المسلمين". "دار الحرب هي الدار التي شوكتها لأهل الكفر ولا ذمة للمسلمين عليها." يفهم من تعاريفهم أن دار الإسلام – الدولة الإسلامية يشترط لوصفها بهذا الوصف – دار الإسلام – حكمها من قبل المسلمين وتطبيق أحكام الإسلام فيها ولم يشترط الفقهاء، لوصف الدار بأنها دار إسلام أن سكانها مسلمون مكتفين بشرط حكمها من قبل المسلمين وتطبيقهم أحكام الإسلام فيها بل أن بعض فقهاء الشافعية قال "وليس من شرط دار الإسلام أن يكون فيها مسلمون بل يكفي كونها في يد الإمام وإسلامه" ولم يذكر شرط تطبق أحكام الإسلام، والسبب في ذلك أن تطبيق أحكام الإسلام من قبل الحكام المسلمين أمر بديهي عند فقهائنا القدامى رحمهم الله تعالى، ولهذا فمنهم من لم يذكره لهذا السبب. كما يفهم من تعريف الفقهاء لدار الإسلام ودار الحرب، أن دار الحرب هي الدولة غير المسلمة التي يحكمها غير المسلمين ولا تطبق فيها أحكام الإسلام. هذا وأن بلاد المسلمين وان صارت دولاً متعددة فإنها في حكم الإسلام تعتبر داراً واحدة قال شيخ الإسلام ابن تيمية "بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة" وعلى ذلك فإن دار الإسلام عند الفقهاء تضم جميع البلاد الإسلامية التي يحكمها المسلمون ويطبقون فيها أحكام الإسلام. الفرع الثاني حكم الإسلام في علاقة المسلم بدار الحرب " الدولة غير المسلمة " 36- الأصل في هذه العلاقة – علاقة المسلم بدار الحرب – من جهة دخوله إليها وإقامته فيها هو الحظرلا الإباحة إلا إذا وجد المبرر لذلك كدخول المسلم إلها لغرض التجارة، فقد كان تجار المسلمين يدخلون دار الحرب بتجارتهم كما كان يدخل تجار دار الحرب إلى دار الإسلام بتجارتهم، جاء في المغنى في فقه الحنابلة (لأن العادة جرت بدخول تجارهم – تجار دار الحرب – إلينا وتجارنا إليهم) ومن الأدلة أيضاً على الإباحة للمسلم بدخول دار الحرب للتجارة ما جاء في المبسوط للسرخسي في فقه الحنفية: أن عاشراً – أي جابي الضرائب التجارية – كتب إلى عمر بن الخطاب: كم نأخذ من تجار أهل الحرب – أي إذا دخلوا دار الإسلام – فقال كم يأخذون منا ؟ فقال هم يأخذون العشر فقال: خذ منهم العشر وفي الشرح الكبير للسرخسي في فقه الحنفية (أما الحربي فإنما أمرنا بأخذ العشر منه لأنهم يأخذون منا العشر .. والدليل أن عمر كتب إلى عاشره وقد سأله كم يأخذ من تجار أهل الحرب، فقال هم يأخذون منا العشر، فقال عمر خذ منهم العشر. وكذلك يجوز للمسلم الدخول إلى دار الحرب والإقامة فيها لغرض الدعوة إلى الإسلام فإن الشأن بالداعي أن يأتي إلى المدعوين ويدعوهم إلى الإسلام ، وقد ذهب ﷺ يوم كان في مكة، ذهب إلى الطائف) يدعو أهلها إلا الإسلام ، ويقوى هذا المبرر للمسلم لدخول دار الحرب والإقامة فيها والتنقل بها للدعوة، أن الإسلام دعوة عالمية لجميع البشر قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) وقال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وهذا يقتضي من المسلمين القيام بتبليغ ما أرسل به ﷺ من ربه، بتبليغه إلى جميع البشر، بقدر ما يستطيعون لأن في هذا قيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، وهي واجب على المسلم قال تعالى (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فاتباع النبي ﷺ، يقوم بتبليغ الإسلام إلى الناس ودعوتهم إليه كما كان يفعل ﷺ فإذا اقتضى القيام بهذا الواجب النقلة إلى دار الحرب وأمكن للمسلم أن ينتقل إليها وهو قادر على الدعوة، فإن نقلته إلى دار الحرب وإقامته فيها تكون واجبة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وكذلك من مبررات دخول المسلم إلى دار الحرب وإقامته فيها طلب العلم النافع له وللمسلمين والذي لا يجده إلا في دار الحرب، لأن طلب العلم النافع مرغوب فيه شرعاً قال تعالى (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) ومن العلم النافع ما تقدم فيه وتفوق أهل دار الحرب كالعلوم الصناعية وإعداد القوة من سلاح وغيره، فممثل هذا العلم الذي يفتقده المسلمون ويحتاجه المسلمون يباح بل يندب أو يجب السفر إلى هناك لتعلمه ومن مبررات الدخول والإقامة في دار الحرب العلاج إذا لم يتيسر العلاج المضنون نفعه إلا في دار الحرب جاز للمريضالانتقال إلى هناك لأن الإباحة الشرعية بالتداوي لم تقيد هذه الإباحة بقيد أن تكون في دار الإسلام، والمطلق يجري على إطلاقه. 37-  حكم الخروج من دار الحرب بالنسبة للمسلم    أ) قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) وجاء في تفسيرها والآية تدل على أن من لم يتمكن من إقامة دينه في بلده كما يجب لأي سبب كان وعلم أنه يتمكن من إقامته في غيره حقت عليه المهاجرة ثم قال تعالى عقب هذه الآية (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)، وجاء في تفسير الآية الأولى من هاتين الآيتين: (وإنما ذكر الوالدان مع عدم التكليف لهم لقصد المبالغة في أمر الهجرة وإبهام أنها تجب لو استطاعها غير المكلف فكيف من كان مكلفاً، وقوله تعالى (لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا‏)أي لا يجدون حيلة في الخروج منها لفقرهم وعجزهم ولا طريقاً إلى ذلك).    ب) وقال تعالى (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، وجاء في تفسيرها وقد استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهاراً، إذا كان قادراً على الهجرة ولم يكن من المستضعفين، لما في هذه الآية الكريمة من العموم، وظاهرها عدم الفرق بين مكان ومكان وزمان. قلنا إن من المبرر لبقاء المسلم في دار الحرب وعدم الخروج منها ما ذكرناه من قيام المسلم بالدعوة إلى الله تعالى، أو لغرض إكمال لوازم تجارته، أو لإكمال تحصيله العلمي أو لإكمال علاجه، ولكن قد يكون المبرر غير ما ذكرناه بأن يكون في بقائه مصلحة معتبرة للمسلمين يدل على ذلك ما جاء في تفسير ابن عطية في أثناء تفسيره لآية ‏(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ‏ … الخ) قال رحمه الله: ذكر ابن عبد البر رحمه الله أن العباس عم الرسول ﷺ أنه أسلم قبل غزوة بدر، ولذلك قال رسول الله r  في يوم بدر (من لقي العباس فلا يقتله فإنما أخرج كرها، وقال ابن عطية أيضاً في سياق تفسيره للآية التي نحن بصددها: كان العباس يكتب إلى رسول الله ﷺ بأخبار المشركين، وكان يحب أن يهاجر، فكتب له النبي ﷺ: أن أمكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا) ولم أجد متابعة لما ذكره ابن عطية من أن النبي ﷺ كتب إلى العباس بأن أمكث في مكة فإن مقامك فيه أنفع لنا وقد ذكر الشيخ الدكتور محمد بن محمد أبو شهبه في كتابه السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة في أخبار أسر العباس في معركة بدر ، أنه لما قال أي العباس: (أنه خرج مستكرهاً وأنه كان قد أسلم، قال له النبي ﷺ: أما ظاهرك كان علينا، والله أعلم بإسلامك وسيجزيك) وهذه الرواية هي ما أرجحه، وأن كان من الممكن القول يجوز للمسلم البقاء في دار الحرب لمصلحة للمسلمين يراها أو ترى له ما دام لا توجد مفسدة من بقائه في دار الحرب. 38-  من أقوال الفقهاء في خروج المسلم من دار الحرب جاء في المقنع والشرح الكبير في فقه الحنابلة تلخيص جيد لهذه المسألة، خلاصة هذا التلخيص: الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا ‏مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) ولقول النبي ﷺ الذي رواه أبو داود والنسائي والترمذي (أنا بريء من مسلم بين مشركين … ومعناه: أن لا يكون في موضع يرى نارهم ويرون ناره إذا أوقدت. وفي الحديث الذي رواه أبو داود وفيه قول النبي ﷺ (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها فحكم الهجرة باق لا ينقطع إلى يوم القيامة، لإطلاق الآيات والأخبار الدالة عليها وتحقق المعنى المقتضي لها في كل زمان، وأما حديث النبي ﷺ وفيه لا هجرة بعد الفتح) فالمقصود بها لا هجرة بعد الفتح من بلد قد فتحه المسلمون وصار من دار الإسلام، لأن الهجرة تعني الخروج من بلد الكفار إلى بلد الإسلام، فإذا فتح لم يبق بلد الكفار وإنما صار من بلاد الإسلام، فلا تبقى منه هجرة، وهكذا كل بلد فتح لا تبقى منه هجرة إنما الهجرة النية. 39- والناس في الهجرة على ثلاثة أصناف ( أحدها) من تجب عليه الهجرة وهو من يقدر عليها و لا يمكنه إظهار دينه في بلد الكفر أو لا يمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة لقول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ … الآية) ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورات الواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والصنف الثاني من الناس من لا هجرة عليه وهو من يعجز عنها أما لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف فيه كالولدان والنساء وشبههم، فهؤلاء لا هجرة عليهم لقوله تعالى (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا ‏يَهْتَدُونَ سَبِيلًا‏) فالهجرة بالنسبة لهؤلاء لا توصف بالاستحباب لعدم القدرة عليها. الثالث: والصنف الثالث من تستحب له الهجرة ولا تجب وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه مع إقامته في دار الكفار وقد كان العباس عم النبي ﷺ مقيماً بمكة مع إسلامه. فهذا يستحب له الهجرة ليكثر عدد المسلمين وتقديم النفع لهم ويتخلص من تكثير عدد الكفار ومن احتمال التأثر بهم، وهو احتمال قريب ووارد، وليتخلص من رؤية المنكر وعجزه عن إزالته مع احتمال التأثر بهم وهو احتمال قريب ووارد وليتخلص من رؤية المنكر وعجزة عن إزالته مع احتماله التأثر وألفه له ثم احتمال مباشرته. 40- تجنس المسلم بجنسية (دولة غير إسلامية) وفي ضوء ما بيناه من حكم الشرع في علاقة المسلم بدار الحرب، وأن الإقامة أو المكث في دار الحرب محظور وممنوع إلا لمبرر شرعي، يتبين لنا بوضوح أن الحكم الشرعي في تجنس المسلم بدولة غير إسلامية هذا التجنس لا يجوز شرعاً ويرقى إلى درجة التحريم لما فيه من صيرورته من تبعة دار الكفر بإقرار منه ورضا منه وخضوعه باختياره لجميع أحكام تلك الدولة الكافرة بل وقد يصل الأمر إلى دعوته للانخراط في سلك العسكرية والقتال معهم لدولة إسلامية ، وهذا فضلاً عن خضوعه لقوانينهم حتى في مسائل الأحوال الشخصية التي هي من أخص خصائص الإنسان التي يحرص على خضوعه فيها إلى أحكام ديانته. ولكن هل هناك من استثناء لهذا الحظر الشرعي في التجنس؟ والجواب يمكن القول بالإيجاب إذا وصل إلى درجة اضطرار المسلم إلى أكل الميتة وأنه إذا لم يأكلها فأنه يموت، أما بدون هذه الحالة فلا يسع المسلم التجنس بجنسية دار الكفر. 41)  اللجوء السياسي واللجوء الإنساني وإذا وجد المسلم نفسه غير واجد للأمن على حياته في وطنه وغير واجد بلداً إسلامياً يأويه ويقبل إقامته دائماً ويجد بلداً كافراً يقبل إيواءه وإقامته على أرضه على أساس ما يسمي بـ " اللجوء السياسي" أو " اللجوء الإنساني " ففي هذه الحالة، أرى أن حالة الاضطرار في حقه قائمة للإقامة في البلاد غير الإسلامية ويكون له في هذه الإقامة مبرراً شرعياً، ويمكن الاستدلال لهذه الإقامة بهذا المبرر بلجوء المسلمين في العهد المكي إلى الحبشة بأذن وموافقة من النبي ﷺ فقد جاء في أخبار هذا اللجوء: ولما أشتد الأذن بالمسلمين من قبل مشركي مكة والنبي ﷺ يرمي هذا الذي يصيب أصحابه ولا يستطيع أن يمنع عنهم هذا الأذى الشديد أذن لهم بالهجرة إلي الحبشة وقال لهم " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه " وكان خروجهم إلى الحبشة في رجب سنة خمس من البعثة وكانوا عشرة رجال وأربع نسوة وقيل خمس نسوة، ولما بلغ المسلمين المهاجرين في الحبشة فتور موجة إيذاء المشركين في مكة للمسلمين وحصول شيء من المهادنة بين المشركين والمسلمين شجعهم ذلك على الرجوع إلى مكة لا سيما وقد قامت ثورة في الحبشة ضد الملك النجاشي الذي قبل إقامتهم في بلده فخافوا أن يأتي ملك بعده لا يعرف قدرهم ولا يقبل إقامتهم في بلده فلما وصلوا – المسلمون المهاجرون – إلى مكة تبين لهم أن ما وصلهم من تحسن الأحوال في مكة غير صحيح وأن البلاء لا يزال قائماً وأن الأذى بالمسلمين لا يزال شديداً، فدخل من دخل منهم مكة بجوار أو مستخفياً ومنهم من عاد من حيث أتى ، وكان ممن دخل بجوار مشرك عثمان بن مظعون رضي الله عنه ودخل أبو سلمة بن عبد الأسد في جوار خاله أبي طالب. ثم لما اشتد الأذى بالمسلمين وأشار النبي ﷺ بالهجرة مرة أخرى إلى الحبشة فهاجر كثير من المسلمين ومنهم من هاجر أولاً، وبلغ عدد المهاجرين في الهجرة الثانية 83 رجلاً و 18 امرأة مع أبنائهم الصغار الذين خرجوا معهم وتضاف إليهم الذين ولدوا لهم في الحبشة، وأقام المسلمون في الحبشة عند النجاشي بخير دار مع خير جار حتى قدم منهم من قدم على رسول الله ﷺ بمكة وبقي من بقي حتى قدموا عليه عقب غزوة خيبر سنة سبع للهجرة وقد أٍسلم النجاشي وصدق نبوة محمد ﷺ وأن كان قد أخفى إسلامه عن قومه ولما مات النجاشي وأسمه (صحمة) أعلم النبي ﷺ المسلمين بوفاته وخرج معهم إلى المصلى وصلوا عليه صلاة الجنازة. 42-  مدة اللجوء السياسي أو الإنساني ويبقى اللجوء السياسي أو الإنساني جائزاً ما دامت أسبابه قائمة ، فإذا زالت بأن حصل الأمن لهم في بلادهم، زال المبرر لبقائهم في ديار الكفار، وعليهم الخروج من دار الكفر لزوال مبرر بقائهم فيها والدليل على ذلك أن المهاجرين إلى الحبشة في الهجرة الأولى لما علموا بتحسن حال المسلمين في مكة وفتور موجة الإيذاء للمسلمين من المشركين رجعوا إلى مكة .. ولأن جواز الإقامة في بلد الكفر فراراً من أذى المخالف أذى لا يحتمل ولا يطاق، إنما كان من باب الضرورة، لأن حفظ النفس من الضروريات، فإذا زال الخوف من ذلك زال حكم الضرورة والاضطرار أي زال حكم الجواز أي جواز الإقامة في دار الكفر، لأن الضرورات تقدر بقدرها، ولأن ما جاز لعذر بطل يزاوله. المطلب الثالث حكم الإسلام في مشاركة المسلم في الانتخابات الديمقراطية النيابية في دار الحرب (الدولة غير الإسلامية) 43- إذا كان المسلم في دار الحرب (الدولة غير الإسلامية) و صار له حق في المشاركة في انتخابات نواب الأمة أعضاء مجلس البرلمان – لتجنسه بجنسية الدولة التي يعيش فيها بغض النظر عن مشروعية هذا التجنس، وصار له حق المشاركة في انتخاب نواب الأمة بموجب الديمقراطية النيابية ومتطلباتها ومستلزماتها، فهل يجوز للمسلم المشاركة في هذه الانتخابات في ظل نظام الحكم الكافر لهذه الدولة الكافرة فينتخب رجلاً كافراً أو لا يجوز له ذلك وعليه عدم المشاركة في هذا الانتخابات؟ الذي أراه جواز ذلك كلما كان في هذه المشاركة مصلحة له ولغيره من المسلمين في داخل تلك الدولة أو في خارجها، ودليلنا على ذلك ما يأتي: الأدلــة: 44-  جواز انتقاء جزئية نافعة من نظام الكفار يجوز للمسلم أن يستفيد من جزئية نافعة له وأن كانت هذه الجزئية من نظام الكفار والدليل على ذلك إن النبي ﷺ وأصحابه أخذوا من نظام كفار قريش في مكة، جزئية الأخذ (بالجوار) بمعنى يجوز أن يعلن الرجل الكافر ذو المكانة والنفوذ في قومه بأنه أجار فلانا، ويترتب على هذا الإعلان تعهد المجير بالدفاع عن من أجاره وبالتالي فإن قوم المجير وغيرهم يحترمون جواره فلا يصلون إلى من أجاره بأذى لأن مثل هذا الصنيع يعتبر إيذاء للمجير واعتداء عليه ونقضاً لتعهده، وكل هذا لا يجوز في عرفهم. وفي السيرة النبوية الشريفة وسيرة أصحابه أمثلة على أخذهم بجزئية (الجوار) ومن هذه الأمثلة ما يأتي: 45-  الأمثلة على أخذ النبي ﷺ وأصحابه بجوار الكفار     أولاً: ولما رجع ﷺ من الطائف لم يدخل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي فقد أرسل ﷺ عبد الله بن الأريقط إلى المطعم عدي ليجيره، فقال المطعم: نعم، قل له فليأت، فذهب إليه رسول الله ﷺ فبات عنده تلك الليلة: فلما أصبح خرج هو وبنوه ستة أو سبعة مقلدي السيوف جميعاً فدخلوا المسجد، فأقبل أبو سفيان بن حرب إلى المطعم فقال: أمجير أم تابع فقال: مجير فقال أبو سفيان إذن لا تحفر ذمتك وكان ذهاب النبي ﷺ إلى الطائف ورجوعه منها بعد وفاة عمه أبي طالب.    ثانياُ: وكان ﷺ في جوار عمه أبي طالب راضياً بهذا الجوار، ولما دخل أبو سلمة بن عبد الأسد في جوار خاله أبي طالب سعى إليه جماعة من بني مخزوم فقالوا له: يا أبا طالب لقد منعت – أي أجرت – أبن أخيك محمداً فمالك ولصاحبنا – أي أبي سلمة – تمنعه منا؟ قال أبو طالب: أنه استجار بي وهو أبن اختي وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي.    ثالثاً: أراد أبو بكر الصديق رضي الله عنه الهجرة إلى الحبشة واللحاق بمن سبقه من المسلمين ولكن أحد أشراف العرب وهو ابن الدغنة لحق به وأجاره ورده إلى مكة، وقال له مثلك لا يخرج ولا يخرج.    رابعاً: ولما رجع المهاجرون المسلمون إلى الحبشة إلى مكة لما بلغهم خفة إيذاء قريش للمسلمين، وتبين فيما بعد أن ما بلغهم من خفة أذى قريش غير صحيح لم يدخل من دخل منهم مكة ألا بجوار أو مستخفياً وكان ضمن من دخل بجوار عثمان بن مظعون رضي الله عنه دخل بجوار المغيرة وهو كافر.    خامساً: أجار العاص بن وائل السهمي عمر بن الخطاب في مكة بعد أن علمت قريش بإسلامه. 47- الحكمة والدلالة في اخذ المسلم بجوار الكافر أما الحكمة في جواز اخذ المسلم بجوار الكافر فهي دفع الأذى والهلاك عن المسلم بطريقة لا تخدش معاني الإسلام وأحكامه، والدلالة في هذا الجواز، جواز القياس عليه بالأخذ بجزئية من نظام الكفار أي يأخذ المسلم وهو في الدولة الكافرة بجزئية من قانونهم إذا كان في الأخذ بهذه الجزئية مصلحة أو درء مفسدة له ولغيره من فئة المسلمين المقيمين في هذه الدولة، وبناء على ذلك يجوز للمسلم وهو في الدولة غير الإسلامية إذا كان له حق الانتخاب – انتخاب أعضاء البرلمان – أن يستعمل حقه بالمشاركة في الانتخاب فيتجنب من الكفار لعضوية البرلمان من يؤمل منه مصلحة أو درء مفسدة له أو لغيره من المسلمين داخل هذه الدولة أو خارجها أو يؤمل منه على الأقل الحياد في قضايا المسلمين، لأنه إذا لم يتيسر تحقيق المصلحة أو درء المفسدة، فعلى الأقل السعي لتقليل المفسدة، ومن صور تقليل المفسدة انتخاب من يؤمل منه ذلك وأن لا بديل عنه إلا انتخاب الأسوأ والأكثر ضرراً ومفسدة للمسلمين أو ترك المشاركة في الانتخابات، وليس في هذا الترك جهد يقدمه المسلم لجلب الخير ودفع الشر أو تقليله عن المسلمين قدر الإمكان وليس مثل هذا الموقف السلبي بالموقف المرغوب فيه شرعاً أن لم نقل غير الجائز شرعاً. 48-  ومن أدلة جواز مشاركة المسلم في الانتخابات بدار الحرب إضافة إلى ما قلناه: أن الشرع أباح للمسلم النطق بكلمة الكفر لدفع الأذى عن نفسه – أذى الكفار الذي يريدون منه النطق بهذه الكلمة – فمن القياس المقبول على هذه الإباحة جواز مشاركة المسلم في الانتخاب بدار الكفر وانتخاب من يؤمل منه الدفاع عن حقوق المسلمين ومنع الأذى والضرر وتعسف السلطة معهم، ولا يقال هنا مجرد أمل ولا يقين فيه، لأن المعاملات يكفي فيها الأخذ بالظن الراجح أو المقبول ما دام الأخذ لا يخالف الشرع. 49- ومن الأدلة أيضاً للمشاركة أنها تبني على أصل عظيم من أصول الشريعة وهي تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (أن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها) وقال الإمام ابن القيم (الشريعة بناؤها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها وحكمة كلها) ومن الواضح أن مشاركة المسلم في الانتخاب بدار الحرب لينتخب من يأمل منه بانتخابه مصلحة أو درء مفسدة له ولغيره من المسلمين المقيمين في هذه الدولة ولغيرهم في خارجها، هذه المشاركة تتفق وتنسجم مع مقصد الشريعة في تحقيق المصالح للعباد. 50- انتخاب المسلم أحد المسلمين لعضوية البرلمان ما تكلمنا عن مشروعيته وهو مشاركة المسلم في الانتخاب في دار الحرب الدولة غير الإسلامية من جهة مدى مشروعية انتخاب المسلم هنا لكافر لعضوية البرلمان، وقد انتهينا في بحث هذه المسألة إلى جوازها، ونتساءل الآن هل يجوز للمسلم في دار الحرب انتخاب واحد من المسلمين المقيمين معه في تلك الدار؟  الذي أراه إذا كان قانون تلك الدولة تجيز ذلك، فأرى الاستفادة من هذا الجواز واختبار المسلم الكفؤ الصالح الورع الملتزم ليكون عضواً في البرلمان ليعلن صوته مطالباً بحقوق المسلمين ومدافعاً عنهم ضد أي أذى وضرر أو تعسف في استعمال السلطة وحتى لوا اعتمد في مطالبته ودفاعه بقوانينهم الكافرة التي تمنع الأضرار بالغير أو التعسف في استعمال السلطة ، لأن النص في قانون كافر على جزئية صحيحة بذاتها كالنص على منع إلحاق الأذى والضرر بالغير أو منع الظلم أو منع التعسف في استعمال السلطة، فهذه الجزئيات صحيحة ونقبلها ويجوز أن نستند إليها في مطالبتنا بحقوقنا وبالدفاع عن أنفسنا ضد من يضرنا ويؤذينا، وتجويزنا انتخاب السلم غيره من المسلمين للعضوية في البرلمان إنما تجوز وتقدم على انتخاب الكافر، إذا أمكن انتخابه بوجود عدد كاف من الناخبين له من المسلمين ومعهم بعض من غير المسلمين أما إذا لم يتيسر اختيار المسلم للعضوية في البرلمان لقلة أصوات الناخبين المسلمين، فالذي أراه أن لا يبددوا أصواتهم فيما لا يجدي, وعليهم أن ينتخبوا غير المسلم الذي يؤمل منه شيء من الخير بتحقيق شيء من المصلحة ودرء المفسدة للمسلين في تلك الدولة أو للمسلمين الموجودين خارجها. الفصل الرابع مشاركة المسلم في الانتخابات لجهة لا تملك سن الأنظمة والقوانين 51-  التعريف بهذه الجهة المقصود بالجهة التي لا تملك سن الأنظمة والقوانين، كل جهة أو مؤسسة تدبر شئونها هيئة منتخبة من قبل أعضاء هذه الجهة، أو من قبل من له الحق في انتخابها، وهذه الجهات منها ما تكون أهلية ليست لها صفة حكومية كالشركات التجارية والجمعيات بأنواعها من خيرية أو اجتماعية أو اقتصادية … الخ ومن هذه الجهات من له شيء من الصبغة الحكومية كمجالس البلديات التي تعني بشئون المدن التي هي فيها، ومنها (أمانة العاصمة) كذلك قد تكون جهات أو مؤسسات يشترك في عضويتها أفراد كما تشترك فيها الدولة بجزء من رأس مالها، وهذه الجهات أو المؤسسات على اختلاف أنواعها لا شأن لها في سن الأنظمة والقوانين وإنما شأنها تطبيق وتنفيذ أحكام هذه الأنظمة والقوانين المغلقة بنشاط وأعمال هذه الجهات، ويمكن تسمية هذه الجهات الأهلية أو التي لها شيء من الصيغة الحكومية، يمكن أن نسميها بالجهات أو المؤسسات الخدمية. 52-  مشاركة المسلم في الانتخاب للجهات المذكورة في دار الإسلام هذه المشاركة تدخل ضمن المعاملات الدنيوية أو ما يسميه بعضهم بالعاديات والأصل فيها الإباحة إلا إذا ورد الشرع بتحريمها ولكن إباحة المشاركة في الانتخاب لهذه الجهات مقيد بشرطين :     الشرط الأول: أن يكون قد تم إنشاؤها وفقاً للضوابط والأحكام الشرعية.     الشرط الثاني: أن تكون أعمالها وأغراضها جائزة شرعاً. فإذا فقد هذان الشرطان أو إحداهما فلا تجوز المشاركة في انتخاب أعضاء هيئات هذه الجهات التي تدير شئونها لأن المشاركة في هذه الحالة تكون من باب المعاونة على الإثم بينما في حالة توافر الشرطين تكون المشاركة في انتخاب هيئات هذه الجهات من باب التعاون على البر ان كان الغرض من هذه الجهات عمل البر قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وإن لم تكن أغراض هذه الجهة البر وإنما الربح الحلال كما في أغراض الشركات التجارية ذات الأغراض الجائزة شرعاً، فإن المشاركة في انتخاب هيئاتها يكون من الأمور المباحة. 54-  مشاركة المسلم في الانتخابات للجهات المذكورة في دار الحرب إذا كانت هذه الجهات لم تؤسس على النحو الجائز شرعاً، أو أن أغراضها وأعمالها غير جائزة شرعاً فلا يجوز للمسلم المقيم هناك الاشتراك فيها والانتساب إليها بأن يصير عضواً فيها، فإذا صار عضواً فيها، فلا يجوز له المشاركة في انتخاباتها لأن المطلوب منه شرعاً الانسحاب منها لا المشاركة في أنشطتها وانتخاباتها. ولكن إذا كانت هذه الجهة تعطي حق المشاركة في انتخابات هيأتها على أساس تواجده في سكناه في المنطقة التي تقوم هذه الجهة بخدماتها كما في (أمانة العاصمة) أو في المجالس البلدية، وكان المسلم يقيم في منطقة هذا المجلس البلدي وله الحق في المشاركة بانتخاب أعضاء المجلس البلدي فهل يجوز للمسلم في هذه الحالة والجواب على المسلم في هذه الحالة ان ينظر أن كانت أغراض هذا المجلس وصلاحياته لا تقع في الإثم حسب المفهوم الشرعي، ففي هذه الحالة يجوز للمسلم المشاركة في انتخاب هذا المجلس البلدي، فيختار الكفؤ الصالح، وأن كان هناك من المسلمين المرشحين فعلى الناخب المسلم أن يختار المسلم والا تحول إلى غير المسلم فيختار من يؤمل منه الخير للمسلمين في المنطقة التي تشملها صلاحية المجلس البلدي. واما إذا رأى المسلم أن أعمال المجلس البلدي فيها الجائز وفيها غير الجائز ففي هذه الحالة ينظر ما هو الغالب على أعمال هذا المجلس فإن كان الغالب عليها الخير والصلاح ونفع أهل المنطقة بما هو نافع وجائز شرعاً جاز للمسلم المشاركة في انتخابات هذا المجلس وعليه أن يختار الأمثل وأصلح الموجود، ويفضل المسلم أذا جاز انتخابه وإلا فينتخب من الكفار من هو أقل شراً وأقرب نفعاً. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه والحمد لله رب العالمين,, الدكتور عبدالكريم زيدان 22 شوال 1428هـ الموافق 3 تشرين اول 2007م
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=37