المؤلفات --> البحوث الفقهية
أثَّر القُصُود في التَصَرُّفات والعُقُود
أثَّر القُصُود في التَصَرُّفات والعُقُود بحث كتبه الشيخ عام1377 هـ - 1958م وقدم الى جامعة القاهرة كجزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في الفقه الاسلامي, نشر هذا البحث في مجلة كلية الدراسات الاسلامية بعددها الثاني لسنة 1968م, بعدها طُبع بكراس منفصل, ونشر ايضاً مع مجموعة بحوث بكتاب تحت اسم "مجموعة بحوث فقهية" يقول الشيخ عن هذا البحث: القصد هو النية، والنية لها مقام عظيم في الشريعة الإسلامية، فهي مناط الثواب في الآخرة، وعلى أساسها يكون العمل مرضياً عند الله أو مردوداً على صاحبه وإن كان في ظاهره صالحاً مستوفياً شروط الصحة، جاء في الحديث الصحيح عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله  ﷺ يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه). فهذا الحديث صريح في الدلالة على أن الإنسان ليس له من عمله إلا ما نواه وقصده ، فإن كان قصده مرضاة الله وطاعته واتباع شرعه فهو المثاب على عمله، وإن كان قصده من عمله تحصيل مطلب دنيوي من مال أو جاه أو ثناء أو امرأة فليس له من عمله إلا ما قصده ولا ثواب له في الآخرة وإن كان عمله في الظاهر صالحاً مشروعاً، شأنه في ذلك شأن الذي هاجر إلى المدينة ليلحق بأم قيس ويظفر بها ويتزوجها، فليس له من هجرته إلا أم قيس ولا ثواب له في الآخرة. وفي الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله  ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله  ﷺ : (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) ففي هذا الحديث أكبر الدلالة على أن العمل المرضي عند الله المثاب عليه صاحبه هو ما كان القصد منه مرضاة الله، فإن كان القصد غير ذلك فهو العمل المردود الذي لا ثواب فيه وإن كان قتالاً يضحي فيه الإنسان بحياته وينتفع منه المسلمون. والمباح يصير بالقصد الحسن قربة يثاب عليها المسلم، فمن تعلم فنون القتال ونيته اعداد نفسه للجهاد أثيب على ذلك، يؤيد هذا ما جاء في الحديث الشريف:(إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة ... وفيه وصانعه يحتسب في صنعته الأجر ). والفعل الواحد تتغير صفته من حل وحرمه باختلاف نية صاحبه وقصده منه، مثل الذبح يكون القصد منه الانتفاع بلحم الذبيحة فيكون قربة كما في الأضحية، ويكون القصد منه تعظيم ما سوى الله تعالى فيكون حراماً .. ومثل اللقطة يكون القصد من التقاطها حفظها لمالكها وردّها إليه فيكون الالتقاط مباحاً والملتقط أميناً واللقطة أمانة ويكون القصد من التقاطها تملكها وعدم ردها إلى صاحبها فيكون الالتقاط حراماً والملتقط غاصباً واللقطة مضمونة عنده مطلقاً. والنظر إلى المرأة الأجنبية يكون حلالاً جائزاً إذا كان القصد منه الرغبة في نكاحها بدليل الحديث الشريف عن النبي  ﷺ أنه قال للمغيرة بن شعبة عندما خطب امرأة: أنظرت إليها, قال لا، فقال عليه الصلاة والسلام: (أنظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)، ويكون النظر إليها حراماً إذا كان القصد منه التلذذ بالنظر إلى محاسنها وإشباع شهوته، قال تعالى: (قلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ). وإمساك الزوجة أحب إلى الله تعالى من تسريحها إذا كان القصد من إمساكها إبقاء الرابطة الزوجية والقيام بحقوقها، ويحرم الإمساك إذا كان بقصد الاضرار بالمرأة وإطالة عدتها ، قال تعالى(وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) . والزواج سنة من سنن الإسلام ولكنه لا يجوز إذا كان القصد منه مضارة الزوجة أو ظلمها أو الكيد لأهلها. ومن جميع ما تقدم يتبين لنا أهمية النية في الشريعة الإسلامية، وأنها مناط الثواب والعقاب ووصف الشيء بالحل والحرمة. أما تأثير النية في تصرفات الإنسان وعقوده في الدنيا فهذا ما نبينه في الفقرات التالية بعد بيان تعريف العقد والتصرف.
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=33