عن الشيخ --> مؤلفات وأطاريح عن الشيخ عبدالكريم زيدان
كتاب/ الدكتور عبد الكريم زيدان و منهجه في الاستشهاد بالنصوص القرآنية لكتابه لوجيز في أصول الفقه/ دكتور قاسم صالح
الدكتور عبد الكريم زيدان و منهجه في الاستشهاد بالنصوص القرآنية لكتابه
لوجيز في أصول الفقه
المؤلف : أ. د قاسم صالح العاني
يقول الدكتور قاسم صالح عن كتابه:
في هذا المقام لابد لي أن أشير إلى المقامات التي يحققها حديث النبي ﷺ: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها).
فقد أخذ هذا الحديث البليغ من الشراح مساحة كبيرة وواسعة، لأنه حقيقة يتعلق بمصير أمة قد ضيَّعَت منهجها القويم الذي رسمه الله تعالى لها. وتجديد الدين للأمة إحياء ما اِنْدَرَسَ من العمل بالكتاب والسُّنَّةُ، والأمر بمقتضاهما، وإماتة البدع والمُحْدَثات وكسر أهلها باللسان، أو تصنيف الكتب، أو التدريس أو غير ذلك، ولا يعلم ذلك المُجَدِّدٌ إلا بغلبة الظن ممن عاصره من العلماء بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه، إذ المُجَدِّدٌ للدين لا بد أن يكون عالماً بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة، ناصراً للسنة، قامعاً للبدعة، وأن يعم علمه أهل زمانه.
قال صاحب جامع الأصول: وقد تكلم العلماء في تأويله، وكل واحد أشار إلى العالم الذي هو في مذهبه، وحمل الحديث عليه، والأولى الحمل على العموم فإن لفظة " من " تقع على الواحد والجمع، ولا يختص أيضا بالفقهاء فإن انتفاع الأمة بهم، وإن كان كثيرا فانتفاعهم بأولي الأمر وأصحاب الحديث والقراء والوعاظ والزهاد أيضا كثير، إذ حفظ الدين وقوانين السياسة وبث العدل وظيفة أولي الأمر، وكذا القراء وأصحاب الحديث ينفعون بضبط التنزيل والأحاديث التي هي أصول الشرع وأدلته، والوعاظ ينفعون بالوعظ والحث على لزوم التقوى لكن المبعوث بشرط أن يكون مشارا إليه في كل فن من هذه الفنون.
فقد دل الحديثُ على أن المجدد؛ ليس شخصاً واحداً، حوى كل العلوم والمعارف الإسلامية، من تخصص دقيق في العقيدة، والحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله، والتفسير وأصوله، وعلوم الآلة، فإن هذا غير ممكن في شخص واحد، بعد رسول الله ﷺ، بل يجوز أن يكونوا في جماعة، كل منهم مجدد في علم من العلوم، ومعرفة من المعارف الإسلامية يجدد كل أحد في بلد في فن أو فنون من العلوم الشرعية ما تيسر له من الأمور التقريرية أو التحريرية، ويكون سببا لبقائه وعدم اِنْدَرَسَه وانقضائه إلى أن يأتي أمر الله.
قال الإمام النووي: "يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه و
مُحَدِّث ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد، وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد".
وجاء في البداية والنهاية: " أنه يعم حملة العلم العاملين به من كل طائفة، ممن عمله مأخوذ عن الشارع، أو ممن هو موافق من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء، من مفسرين، ومحدثين، وقراء، وفقهاء، ونحاة، ولغويين، إلى غير ذلك من أصناف العلوم النافعة".
ووضعوا له شروطا في أن يكون له نظر ثاقب وملكة قوية، ونفاذُ بصيرةٍ، وسعةٌ في الفهم والاستنباط، وقدرةٌ على التمييز بين الصحيح والسقيم، وليس المرادُ: هو مجرد الحفظ، وكثرة الراوية، بل لا بد من فقه وعلم، يستطيع به؛ ردَّ الشبهات، وإنزال الأحكام على ما يستجدُ من الحوادث، ومعالجتها على وفق أصول الشريعة ، وضوابط الشرع الحنيف ، قال الإمام المُناوي:" له ملكةُ ردِّ المتشابهات إلى المُحكَمات، وقدرةُ استنباط الحقائق، والدقائق والنظريات، من نصوص القرآن، وإشاراته، ودلالاته، من قلب حاضر، وفؤاد يقظان.
والأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان كان أصولياً فقيهاً قانونياً سياسياً عقيدياً داعيةً ربانياً عالماً عاملاً، جامعاً بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر، مرتبطاً بالأصل ومتصلاً بالعصر، ينظر بعين على نصوص الشريعة، وبالعين الأخرى على تطور الواقع ومجرياته، فجاء فقهه وإنتاجه العلمي حياً نافعاً خالداً، انتفع به الفقهاء، والقانونيون، والأصوليون، والدعاة، والسياسيون، وغير ذلك من تخصصات. فقد أحيا فينا أسرار الشريعة في حكمها ومقاصدها، وروحها، وأحكامها النيرة، فضلا عن ذلك فإنه كان رحمه الله تعالى يمتلك ذاكرة حديدية كانت سببا في حفظه لأقوال المذاهب المختلفة وأدلتهم حتى في آخر عمره رحمه الله تعالى. |