عن الشيخ --> قالوا عن الشيخ
الشيخ الدكتور/ جمال طالب
وتَرَجَّلَ علامة العراق عبدالكريم زيدان
بقلم/ الشيخ الدكتور جمال طالب
إمام المركز الاسلامي لجنوب غرب أنتاريو – لندن (كندا)
كم كنت حزينا ومنكسرا وانا اقرأ خبر وفاة العالم الهمام والصرح الاشم علامة العراق والعالم الاسلامي عبدالكريم زيدان والذي وافته المنية في يوم الاثنين 27 من شهر ربيع الاول 1435هـ الموافق لـ 27/1/2014م.
لم يُكتب لي أن أتتلمذ على يدي الشيخ ولا أن التقي به, ولكنني أفتخر بأنني قد تعلمت وتتلمذت عل كتبه التي شملت جلّ فنون الشريعة, في مختلف الاختصاصات الشرعية والقانونية والفكرية والدعوية, والتي كانت تدرس كمواد علمية في العديد من الجامعات العربية والاسلامية.
ففي الشريعة كتب رحمه الله "المدخل لدراسة الشريعة الاسلامية" وهو من روائع المداخل وأعمقها وأشملها, وكتب "الفرد والدولة في الشريعة" و "نظرات في الشريعة الاسلامية" حيث اصّلَ وقعد على طريقته التي تميزت بسهولة العبارة ووضوح معانيها, وفي الفقه كان استاذا على طريقة استاذه العلامة محمد ابو زهرة فأبدع في "أحكام الذميين والمستأمنين في دار الاسلام" و "الكفالة والحوالة في الفقه المقارن" واما عن "احكام المرأة وبيت المسلم في الشريعة الاسلامية" فجاء في احدى عشر مجلدا وكان فارساً في شرح القواعد الفقهية في كتابه "الوجيز في شرح القواعد الفقهية" حيث جاء وافيا على الرغم من ايجازه, واذا حركت بصرك اتجاه الدعوة وأصولها فلا بد ان تقف مليا وبكل إجلال أمام كتابه الفريد "أصول الدعوة" فأصَّلَ ورسم وأبحر دون أن ملل أو ضجر. وله بعد ذلك بحوث وصولات في أمور شتى منها: "اثر القصود في التصرفات والعقود", "
اللُّقَطَةِ واحكامها في الشريعة الاسلامية", "احكام اللقيط في الشريعة الاسلامية", "حالة الضرورة في الشريعة الاسلامية", "الشريعة الاسلامية والقانون الدولي العام", "الخلاف في الشريعة الاسلامية", "عقيدة القضاء والقدر واثره في سلوك الفرد", "العقوبة في الشريعة الاسلامية", "حقوق الافراد في دار الاسلام", "القيود الواردة على الملكية الفردية للمصلحة العامة في الشريعة الاسلامية", "نظام القضاء في الشريعة الإسلامية", "موقف الشريعة الاسلامية من الرق", "النية المجردة في الشريعة الإسلامية", "مسائل الرَّضَاع في الشريعة الإسلامية".
وهكذا ترى أن الرجل كان موسوعيا وعالما قل نظيره في العصر الحديث فهو يجول بك في كتبه وكأنك في بستان تنوعت اشجاره وأطيبت ثماره.
يقول الشيخ الامام العلامة شيخ الاسلام ابن حنبل الشيباني رضي الله عنه, وأثابه الجنة, وغفر لنا وله بمنه وكرمه, عن امثال شيخنا عبدالكريم زيدان وعن العلماء العاملين في خطبة كتابه الذي رد فيه على بعض الفرق الضالة في عصره: (الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله - عز وجل - الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه. فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين).
ويقول الامام ابن القيم رحمه الله عنهم (هم في الارض بمنزلة النجوم من السماء, بهم يهتدي الحيران في الظلماء, وحاجة الناس اليهم اعظم من حاجتهم الى الطعام والشراب, وطاعتهم افرض من طاعة الاباء والامهات بنص الكتاب).
وقال الامام احمد ابن حنبل رحمه الله (الناس احوج الى العلم منهم الى الطعام والشراب, لأن الطعام والشراب يحتاج اليه في اليوم مرتين او ثلاثاً, والعلم يحتاج اليه في كل وقت).
فلا غرو بعد ذلك ان يكون بقاء العلماء نعمة من الله, وذهابهم مصيبة تصيب الارض واهلها, وثُلمة في الدين لا يسد شيء مسدها, فبموت العلماء والدعاة وفقدهم تكمن المصيبة, وتعظم الرَزيّة, وتخرب الدنيا, قال ابن مسعود رضي الله عنه (موت العلماء ثُلمة في الاسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار). وقيل لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: أذا هلك علماؤهم.
وتصديق ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ انه قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (فدل ها على أن ذهاب العلم يكون بذهاب العلماء).
وقد ذكر المفسرون في قوله تعالى في سورة الرعد من الآية 41: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها. وكذا قال مجاهد: هو موت العلماء.
جاء في مجْمعُ الزَّوائِد عن سعيد بن المسيب قال: شهدت جنازة زيد بن ثابت فلما دفن في قبره قال ابن عباس (يا هؤلاء من سره أن يعلم كيف ذهاب العلم فهكذا ذهاب العلم... أيْم اللهِ ذهب الله اليوم علم كثير) رواه الطبراني. وجاء في كتاب "اخلاق العلماء" للآجري: قال كعب: (عليكم بالعلم قبل أن يذهب, فإن ذهاب العلم موت أهله, موت العالم نجم طُمس, موت العالم كسر لا يجبر, وثلمة لا تُسد, بأبي وأمي العلماء- قال: أحسبه قال: قِبلتي إذا لقيتهم, وضالتي إذا لم ألقهم, لا خير في الناس إلا بهم).
الارض تـحيـا إذا ما عاش عالمهـا متى يمت عالم فيها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها وإن أبى عاد في أكنـافهـا التـلف
فبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره, ننعي إلى العالم الاسلامي أجمع وفاة علامة العصر, وفقيه العراق المتميز, وداعيته المربي فضيلة الشيخ الاستاذ الدكتور عبدالكريم زيدان, بعد عمر ناهز التسعين قضاها جلّها في العلم والتأليف والدعوة الى الله تعالى.
ونحن إذ ننعي وفاة هذا العالم الرباني الجليل لنتضرع إلى الله تعالى أن يرحمه وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا, وأن يلهم أولاده واهله وتلامذته ومحبيه الصبر والسلوان, وأن يعظم اجرهم, كما يدعو الله تعالى أن بعوض الامة الاسلامية بعلماء فقهاء ربانيين يقومون بواجباتهم في الصدع بالحق والدعوة الى الله تعالى وأن يفقه أبنائنا وبناتنا بأهمية دور العلماء بدلا من تأسيهم بمشاهير الطرب والفن واغنا فهؤلاء لو مات منهم أحد قامت الدنيا وما قعدت ولكن لا حراك عندما نسمع بموت عالم أو فقيه فحسينا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا اليه راجعون. |