الأرشيف --> الفتاوى
الحكم الشرعي تدريس الرجال الطالبات
تدريس الطالبات عن طريق البَثّ
سؤال:
ما حكم تدريس الطالبات عن طريق البَثّ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد وعلى أله وصحبه ، أما بعد:
أولاً: الاستفتاء يتناول عدة نقاط ذات علاقة فيما بينها.
هل يجوز تدريس الطالبات من قبل الرجال؟
والجواب: على هذه النقطة نستفيده مما ورد في السنة الشريفة، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي سعد الخدري: قالت النساء للنبي
ﷺ: غلبنا عليك الرجال فأجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لهن فيه ، مواعظهن و أمورهن .....) الحديث . وجاء في شرح هذا الحديث: قوله: (غَلَبَنا عليك الرجال) معناه: أن الرجال يلازمونك كل الأيام ويسمعون منك العلم وأمور الدّين، ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم فأجعل لنا يوماً من الأيام لنسمع ونتعلم أمور الدين. ويستفاد من هذا الحديث جواز سؤال النساء عن أمور دينهن وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك وفيما لهن الحاجة إليه. وقال الشراح في هذا الحديث النبوي: يقوم الرجال بتدريس النساء ووعظهن وتعليمهن أمور الدين مباشرة لأن النبي
ﷺلم ينكر هذا الطلب منهن، بل حقق لهن رغبتهن وأقرّهن.
وجاء في حديث آخر عند البخاري وفيه (أن النبي
ﷺخرج ومعه بلال فجاء إلى النساء فوعظهن وأمر بالصدقة). وفي شرح الأمام العيني لهذا الحديث قوله : أي خرج النبي
ﷺ وبلال من صفوف الرجال إلى صفوف النساء ظنا أنه
ﷺ
لم يُسْمع النساء ما أسمعه للرجال فوعظهن وأمرهن بالصدقة ، وقد أخذ بلال جمع ما تتبرع به النساء من حلي كالقرط والخاتم ونحو ذلك . وجاء في شرح الحديث للإمام النووي: وفيه جواز قيام الإمام أو من ينوب عنه في وعظ النساء وتعليمهن أمور الدين، وهذا إن لم تترتب عليه مفسدة أو لم تخش الفتنة.
ويفهم من متن الحديث وما جاء في شرحه من قبل الإمام العيني والإمام النووي أنه يجوز للرجل أن يقول بوعظ النساء وتعليمهن أمور الدين مباشرة ولا يكون في ذلك الخلوة المحظورة الممنوعة شرعاً.
إلا أن قول الإمام النووي بتقييد هذا الجواز بعدم ترتب المفسدة عليه أو عدم حصول الفتنة بهذا الجواز وقيد معتبر شرعاً.
ويبقى بعد ذلك أن نحدد الجواز المقيد بعدم خوف الفتنة التي يمكن أن تندفع من جهة كون الرجل القائم بالتعليم شيخ كبير لا يخاف منه فتنة الشهوة أو ما يتعلق بها وهو الذي نرجحه في تعيين الفتنة التي أستند إليها الإمام النووي، وبالتالي إذا وجدت الحاجة إلى قيام الشيخ الكبير من أهل العلم بتدريس الطالبات مباشرة فإن هذا يدخل في باب الجواز إن شاء الله بناء على ما ورد في الحديث الشريف وما ذكره الإمام النووي في شرحه وقيده الذي ذكره في الأخذ بالحديث وليس فيما ذكره الإمام النووي تَزيدٌ في ورد الحديث أو تفييد ومضمونه بما لم يصرح به في الحديث، لأن الأحكام الشرعية لا تطبق إلا أذا تحققت شروط معينة للتطبيق واتفقت موانع معينة سواء أن الحكم الشرعي الإباحة أو الوجوب أو التحريم.
فمن الأحكام الشرعية التي لا يجوز الأخذ بها إلا إذا اتفقت الموانع قطع يد السارق فيمنع تنفيذ هذا الحكم الواجب أن يكون في أرض العدو الحديث لا تقطع الأيدي في الغزو ) ولم يذكر هذا القيد في تنفيذ عقوبة السارق. ومثال ذلك أيضاً: رجم المرأة الزانية المحصنة الحبلى فلا ترجم إلا بعد أن تضع حملها مع أنه لم يذكر هذا الشرط عند ذكر عقوبة الزانية. وكذلك فيما نحن بصدده، فجواز تدريس الرجل للنساء جاء دون ذكر القيد لهذا الجواز فيفهم هذا القيد في ضوء ما هو معروف في الشريعة من شروط تطبيق الحكم.
ومن الفتنة القائمة المانعة من قيام الرجل بتدريس المرأة ما يتعلق به من جهة العمر وكونه شاباً، والشباب مظنة فتنة الشهوة، أما مع كبر السن فتستبعد حصول الفتنة أي فتنة الشهوة بسبب كبر السن عند قيام الشيخ الكبير بتدريس الطالبات، وهذه العلة علة معتبرة شرعاً.
ومن ذلك ما ذكره فقهاء الأحناف في تجوويزهم السماح للمرأة بالصلاة في المسجد بأن لا تكون من الشابات بل من العجائز، وكذلك قولهم في زوارات القبور أن لا يكن من الشابات، وقبل ذلك كله قوله تعالى: (و
لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ...... أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ....)
ومما يشملهم اصطلاح أولي الإربة من لا حاجة لهم بالنساء كالشيخ الكبير نظراً لتقدمهم في العمر وبالتالي يندر أن يحصل منهم فتنة الشهوة والنادر كالمعدوم عند ترتيب الأحكام أو تنفيذها وعلى هذا يمكننا أن نقول:
إنا وجدت الحاجة لتدريس الشيخ للطالبات مباشرة من قبل الرجال فيجوز هذا التدريس لشيخ متقدم في السن زيادة على ما عرف عنه من حسن السيرة والخلق، أما إذا وجدت الطالبة الكفؤة للقيام بهذا التدريس فلا شك أنها مقدمة على الشيخ الكبير لانتقاء الفتنة في تدريسها في جميع الاحتمالات.
ثانياً: إذا لم يوجد الشيخ الكبير لتدريس الطالبات ووجد الشاب الكفوء ففي هذه الحالة لا يتحقق شرط انتقاء الفتنة الذي أشار إليه النووي في شرحة للحديث ومع وجود الحاجة لمثل هذا التدريس من قبل هذا الشاب أو الرجل غير الكبير فيستعاض عنه تدريسه مشافهة بتدريسه عن طريق البث، إذ يحصل به المقصود من نقل علم الشباب المعين إلى الطالبات.
ثالثاً: ضرورة تهيئة الطالبات لتكون مدرسات وليقمن بتدريس الطالبات في مختلف مستوياتهن، لأن من حق المرأة أن تحوز على فضيلة الخيرية الموعود بها من يحصل له التفقه في الدين وتعليمه للأخرين، فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي
ﷺ: (خيركم من تعلم القران وعلمه)، وفي حديث آخر قال رسول الله
ﷺ:
(من يرد الله به خيراً يفقه في الدين). فلا يجوز منع المرأة من قيامها بتعليم غيرها من النساء وفي مسألتنا لا يجوز منعها من تدريس الطالبات ولكن يشترط لهذا التدريس تحقيق الكفاءة فيهن أي في التدريس فيمن يراد تعيينها لهذه المهنة، وإلى أن يتم هذا التمكين لمن يراد تعيينهن معلمات لغيرهن من الطالبات يجب الاستعانة بطريق البث من قبل المشايخ أو غيرهم من العلماء الشباب.
نأتي الان الى موضوع التدريس عن طريق البث فنقول ما يأتي:
أولاً: من المرغوب فيه قيام المرأة بتعليم الطالبات في مختلف المستويات وفي مختلف الكليات ومنها كليات جامعة الإيمان بشرط تحقق الكفاءة فيهن وتدريسهن على القيام بالتعليم المطلوب.
ثانياً: عند وجود الحاجة لتدريس الطالبات مباشرة من قبل الرجال يشترط في تعليم الرجال للنساء أن لا يكون هناك احتمال الفتنة بأن يكون المعلم شيخاً كبيراًَ يصدق عليه وصف (
أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ) كما شرحناه أنفاً.
ثالثاً: وإلى أن تنتهي القادرات على تعليم الطالبات يستعان بالرجال الأكفاء عن طريق البث للطالبات.
رابعاً: يجب بذل المستطاع وبكل جدية وبالسرعة الممكنة لتهيئة الكفؤات من الطالبات ليقمن بتدريس الطالبات في مختلف المستويات حسب منهج مدروس يمكن تطبيقه بإشراف الجامعة، ومن المنهج المقترح لتهيئة الطالبات ليقمن بالتدريس أن تُتبع طريقة التدرج في تحقيق تهيئهن لتدريس الطالبات كأن يبتدئن بتدريسهن في دورات خاصة لمدة معينة قد تطول أو تقتصر نظراً لحال وقدرة الطالبات المراد تهيئتهن للتدريس فإذا أكملن مدة التدريب عهد إليهن بتدريس طالبات السنة الأولى لكل المواد أو لبعض المواد غير الأساسية.
خامساً: وزيادة التوضيح إن تعليم الطالبات عن طريق البث أمر جائر شرعاً للجميع أي بالنسية للشيوخ وللشاب ، ووسيلة التعليم عن طريقه البث جُرّبت سنين طويلة ونجحت فلا غرابة في الاستعانة بها الأن إلى أن تهيئ الطالبات الكفؤات للقيام بالتدريس بصورة مباشرة و
الله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور عبد الكريم زيدان |