عن الشيخ --> السيرة الذاتية
عن الشيخ
لم
يكتِّب
الشيخ عبدالكريم زيدان رحمه الله سيرته الذاتية بكتاب جامع لها, ولم يكن يكترث كثيرا لهذا (رحمه الله), ولكن شاء الله ان يقوم باحث في جامعة الازهر الشريف بتسجيل رسالة دكتوراه بعنوان (جهود د. عبدالكريم زيدان في خدمة الدعوة الاسلامية), وكان من متطلبات رسالته هذه ان يخصص فصل كامل فيها عن حياة الشيخ, فوجه هذا الباحث اسئلة كثيرة للشيخ أرسلها له الى صنعاء - حيث كان يقيم آنذاك – واجاب الشيخ عنها في حينها بخط يده. وكان في احيان كثيرة وفي جلسات مختلفة يجيب عن اسئلة توجه له, ويذكر خلال اجابته عليها بعض مراحل حياته وما مرت به الدعوة الاسلامية في العراق من احداث, وكانت هذه الاحاديث ولله الحمد تُسجل بالصوت تارة وبالصوت والصورة تارة اخرى.
في عام 2013م وعندما تبلورت فكرة انشاء الموقع الالكتروني ووافق عليها الشيخ بنفسه آنذاك, تم تجميع هذه الاجابات واضيف عليها تفريغ للتسجيلات الصوتية والمرئية - وهي كثيرة جدا - ونشرت على موقعه الالكتروني تحت عنوان ((عن الشيخ)), علما انه لم يُضف أي شيء اخر لمحتواها غير ما بيناه سابقاً, لتكون بحق سيرة ذاتية صادقة لحياة الشيخ عبدالكريم زيدان ذكرها بنفسه رحمه الله.
يقول الشيخ عبدالكريم زيدان:
عبد الكريم زيدان بيج العاني الكحلي المحمدي, (بيج) اسم جدي أب أبي و(العاني) نسبة إلى بلدة (عانة) في محافظة الأنبار التي ولد فيها والدي وجدي. و(الكحلي)نسبة إلى جماعة (الكحلين) والكحليون ينتمون إلى عشيرة المحامدة و (المحمدي) نسبة إلى عشيرة المحامدة, والكحليون والمحامدة يسكنون في محافظة الأنبار في مختلف مدن هذه المحافظة مثل (عانة والفلوجة والرمادي وحديثة وهيت). وأنا لا استعمل مع اسمي أي لقب وإنما أذكر اسمي مجرداً من أي انتساب إلى بلدة (عانة) والانتساب إلى الكحلين أو عشيرة المحامدة، بل ولا أذكر مع اسمي اسم جدي إلا في الوثائق الرسمية التي تستلزم ذكر اسم الجد.
ولادتي كانت في بغداد بجانب الكرخ في منطقة سوق حمادة وذلك في عام 1917م وكما هو مسجل في الوثائق الرسمية والصحيح هو 1339هـ (1921م) وسبب الاختلاف هذا مرده الى الطريقة التي كان يتم فيها تسجيل المولود حيث يتم بعد فترة قد تطول او تقصر فيجلس مختار المنطقة مع ممثل السجل المدني وتأتي العوائل بأبنائها فيتم تقدير العمر اعتمادا على النظر والتقدير للطفل الواقف امامهم، ومولد والدي وجدي في (عانة). وأنا أصغر أخوتي البنين والبنات والجميع قد ماتوا يرحمهم الله، ومات والدي وعمري ثلاث سنوات وماتت والدتي وأنا رجل يرحمهما الله تعالى.
نشأتي كانت بسيطة وقد أرسلت وأنا صغير إلى (الكتاب) أي (الملا) الذي يعلم الصغار قراءة القرآن الكريم وحفظه أو حفظ جزء منه وقد نشأت في جانب الكرخ من بغداد، وكنت (مدللا) في عائلتي لأن أبي توفي وعمري ثلاث سنوات، وكان إخوتي ووالدتي يجبوني كثيراً ويشعروني بهذا الحب الغامر والعطف الكبير الواسع إلى درجة أني لم أحس بـ (اليتم) وبقيت منزلتي عند إخواني وأمي هكذا حتى مرحلة الشباب التي وصلت أليها .هذا وقد كان المتعارف عليه ارسال الأبناء إلى الكتاب – أي الملا – وهم صغار لتعلم القرآن الكريم حيث كان تعليم الملا بنظام وجدية ,وكان الملا يجلس على كرسي عالي ويراقب تلامذته الصغار ويشير بعصاه التي كان يحملها أذا ما لا يعجبه من حركات الصغار. وإذا رأى أحد تلامذته قد برز في قراءة القران وحفظه جعله (خلفة) أي معلما للصغار الجدد الذين يأتون إلى مكتبه. وكانت علاقة تلامذة مكتب الملا أنهم يطيعونه ويحترمونه عن خوف لا عن حب وقد تعلمنا من الملا ومكتبه الجدية والنظام جزاه الله عنا خيراً، وكان يتسم التعليم بالشِدَّة والجدية والحرص على افادة الطلاب حتى انهم كانوا يختمون ارجل الاطفال بالحبر لئلا يذهبون للنهر ليسبحوا حرصا عليهم وكان المجد منهم والحافظ لبعض سور القران الكريم يكلفه الملا بتعليم الجدد السور القصيرة من القران الكريم واذكر منهم الملا داود في جانب الكرخ والملا رجب, وبعد الملا أخذني أخي الكبير إلى مدرسة الكرخ الابتدائية لتسجيلي فيها في الصف الأول، وكانت المدارس الابتدائية قليلة جداً في بغداد وفي الكرخ والرغبة في الدخول أليها قليلة والإقبال عليها قليل. وبعد أن قضيت ست سنوات في الكرخ الابتدائية، أخذني أخي وسجلني في (متوسطة الكرخ) وكانت الوحيدة في جانب الكرخ، والدراسة فيها ثلاث سنوات، وكانت الدراسة فيها جدية وبنظام ومواد الدراسة واسعة حتى أنها تدرس الآن في المرحلة الثانوية، وبعد أن أنهيت هذه المرحلة الدراسية التحقت إلى (المدرسة الثانوية) وهي الوحيدة في بغداد آنذاك وكان فيها فرعان: الفرع الأدبي والفرع العلمي وقد أخذت الفرع الأدبي وقضيت مدة سنتين في هذه المدرسة الثانوية وهي مدة الدراسة فيها، وبعد تخرجي منها وحصولي على شهادة (الثانوية) آثرت أن التحق بمهنة التعليم الابتدائي لحاجة عائلتي إلى كسبي فَعُيِّنت في منتصف الثلاثينيات معلماً خارج بغداد في محافظة ديالى مدة أربع سنوات قضيتها في مدرسة ابي صيدا ثم في المقدادية نقلت بعدها إلى أحد مدارس بغداد الابتدائية للتدريس فيها وهي مدرسة المشاهدة ثم معلما بمدرسة الكرخ الابتدائية.
وحدث أن أصدر وزير المعارف (أي وزير التربية) قراراً في أوائل سنة 1946م يجوز بموجبه قبول خريجي الثانوية القدامى في كلية الحقوق أو في كلية التجارة ولو كانوا موظفين في الدولة، فاخترت كلية الحقوق وتم انتسابي أليها في القسم المسائي لأني كنت لا أزال في سلك التعليم الابتدائي، و لكلية الحقوق تأثيرا كبيرا في نفسي لعلاقتي الوثيقة بها والتي مرت في مرحلتين (الأولى) كنت فيه طالبا حتى تخرجي فيها (والثانية) كنت فيها مدرسا. وما لاحظته وانأ طالب الجدية في التدريس عند الأساتذة مع حرصهم على إفادة الطلاب وقد كان أسلوبهم في الشرح سهلا خاليا من التعقيد ومن الخروج عن موضوع الدرس وقد قابل الطلاب جدية أساتذتهم بجدية مثلها بل وأوسع منها فقد كانوا حريصين على الحضور في مواعيد الدرس وإذا ما بدا الأستاذ بالشرح كانوا كأن على رؤوسهم الطير فلا يسمع لهم لغط ولا كلام ولا تعليق, متجهين بأبصارهم إلى أستاذهم وهو يشرح الدرس مصغيين لما يقول حتى كأن قاعة الدرس قاعة محكمه حيث لا يتكلم الحاضرون فيها وإنما ينظرون إلى جريان المرافعة ويصغون إلى ما ينطق به الخصوم أو رئيس المحكمة. وكان مما يدرس في كلية الحقوق آنذاك بعض المواد الشرعية وهي المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية والنكاح والطلاق والميراث ومادة أصول الفقه ومادة المعاملات حسب الفقه الحنفي المقنن في زمن الدولة العثمانية وصدر باسم (مجلة الأحكام العدلية) وتحتوي على1851 مادة وكانت هذه المجلة هي القانون المدني في العراق وظلت نافذة المفعول إلى سنة 1951م حيث وضع القانون المدني العراقي وصار نافذا في سنة 1951م وبذلك ألغيت المجلة التي كانت تمثل الفقه الحنفي المقنن أي المصوغ صياغة قانونية أي بمواد متسلسلة وقد كان تدريس هذه المواد الشرعية في كلية الحقوق حافزاً لي ودافعاً لي إلى قراءة كتب الفقه الإسلامي المختلفة لأنها أصبحت تحتل في نظري المصدر الشرعي للمواد الشرعية التي تدرس في كلية الحقوق وقد تخرجت في كلية الحقوق في سنة 1950م وكنت من الأوائل بين الناجحين في السنوات الأربعة في الدراسة في كلية الحقوق وقد حصلت على درجة (ليسانس) في الحقوق بتقدير جيد كما كنت أنجح بهذه الدرجة (جيد) في كل سنة من سنوات دراستي في كلية الحقوق علما بان النجاح بدرجة (جيد) ما كان يسيراً بل كان عزيزاً وصعباً. ثم انتقلت من سلك التعليم الابتدائي إلى سلك التعليم في المدارس المتوسطة والثانوية لتدريس مادة (الدين) في مدرسة الاعظمية لفترة بسيطة ومن بعدها في ثانوية الكرخ.
وفي سنة 1953م عينت مديرا للثانوية النجيبية بعدها شغلت وظيفة مفتش في و
زارة ا
اوقاف ثم مديرا لأوقاف ديالى ثم مديرا للثانوية الدينية.
ثم التحقت بمعهد الشريعة الإسلامية التابع لكلية الحقوق بجامعة القاهرة وقد حصلت على دبلوم هذا المعهد بعد أن أنهيت الدراسة فيه مدة سنتين بنجاح وتقديم بحث في الفقه الإسلامي بعنوان (أثر القصود في التصرفات والعقود) وكان الدبلوم الذي حصلت عليه بتقدير ممتاز وهو يعادل درجة ماجستير كان ذلك في سنة 1958م وكان من المشايخ الذي درسوني مع زملائي الشيخ محمد أبو زهرة والشيخ علي الخفيف والشيخ حسن مأمون (شيخ الأزهر آنذاك) والشيخ محمد الزفزاف والشيخ محمد السنهوري وآخرون لا تحضرني أسمائهم وهؤلاء كلهم توفاهم الله تعالى يرحمهم الله وأدخلهم فسيح جناته، وقد عينت مدرساً معيداً في كلية الحقوق بجامعة بغداد في سنة 1960م و اسند إلي تدريس مادة (المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية) لطلاب السنة الأولى, ومادة (أصول الفقه) لطلاب السنة الرابعة, وقد الفت للمادة الأولى كتاب (المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية) والفت للمادة الثانية كتاب (الوجيز في أصول الفقه) وقد كان منهجي في التدريس الجدية, فلا هزل فيه ولا خروجا عن موضوعه مع تبسيط العبارة وخلو أسلوب الشرح من التعقيد. ثم سجلت موضوع رسالتي للدكتوراه في كلية حقوق جامعة القاهرة وكان الموضوع بعنوان (أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام) بإشراف الأستاذ محمد سلام مدكور رحمه الله, وبعد إتمامها ومناقشتي فيها منحت من جامعة القاهرة درجة الدكتوراه في الحقوق (في الشريعة الإسلامية) بمرتبة الشرف الأولى وكان من اعضاء لجنة المناقشة والحكم الدكتور عبدالمنعم البدراوي رحمه الله ,والذي كان قد درسني قانون مدني بتعمق في كلية الحقوق ببغداد خلال قدومه اليها آنذاك كأستاذ زائر , وخلال فترة دراستي هناك – اي في القاهرة - التقيت بالشيخ محمد ابو زهرة حيث كان يدرسنا مادة المذاهب الإسلامية في معهد الدراسات الاسلامية التابع لكلية الحقوق جامعة القاهرة, كما التقيت بالشيخ علي الخفيف حيث كان يدرسنا النظريات الاسلامية ,والتقيت به مرة ثانية في بغداد يوم جاء يدرس فيها مادة الشريعة, والتقيت بالشيخ محمد سلام مدكور والذي كان مشرفا على رسالة الدكتوراه لي, والتقيت ايضا بالشيخ محمد الزفزاف وكان لنا لقاءات في منزله وغيرهم كثير.
وفي الستينيات شاركت في موسوعة الفقه الاسلامي التي اصدرتها وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية في الكويت وذلك عن طريق استكتاب بعض المواضيع فيها, واشتركت في الحلقة الثالثة للقانون والعلوم السياسية المنعقدة ببغداد سنة 1969م برعاية جامعة الدول العربية والقاء بحث فيها في القانون الدولي العام في الشريعة الإسلامية.
هذا وقد نقلت من كلية الحقوق إلى قسم الدين بكلية الآداب بجامعة بغداد وقد حصلت على المراتب العلمية المتدرجة من مدرس معيد إلى مدرس ثم إلى أستاذ مساعد ثم إلى أستاذ مشارك ثم إلى أستاذ، وبعد أن أحلت على التقاعد جبرا في سنة 1978م منحت لقب (أستاذ متمرس) وهذا لقب علمي يمنح للمتقاعد الذي يحصل على درجة أستاذ وله خدمات فائقة في مجال التعليم الجامعي وله نتاج علمي متميز ولصاحب هذا اللقب مميزات كثيرة تشبه مميزات الأستاذ الفعلي في الجامعة.
أما المناصب العلمية التي توليتها فهي مناصب التعليم الجامعي في كلية الحقوق وكلية الآداب بجامعة بغداد مع التدريس في الكليات الأهلية وقد درست فيها مختلف فروع الشريعة الإسلامية وألفت فيها كتبا لا يزال الكثير منها يدرس في جامعة بغداد و غيرها مثل كتاب الوجيز في أصول الفقه والمدخل لدراسة الشريعة وأصول الدعوة الذي هو اعز الكتب لي, واول كتاب الفته هو الوجيز في اصول الفقه حيث كنت ادرسه في كلية الحقوق جامعة بغداد وكذلك الكتاب الاخر وهو المدخل لدراسة الشريعة الاسلامية وكنت ادرسه في كلية الحقوق ايضا
.
وفي السبعينيات من القرن الماضي تم اختياري عضوا في مجلس أمناء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة, وعضو في مجلس أمناء جامعة الأيمان منذ 1420هـ, وكذلك عضوا في لجنة التحكيم لنيل جائزة المرحوم هائل سعيد انعم للعلوم والآداب عام 1998م وعضوا في مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة منذ عام 2000م.
وقد درست في كلية الدراسات الإسلامية العقيدة الإسلامية بكتاب (العقيدة الطحاوية) للإمام الطحاوي ولكن شذبتها وحذفت منها الأبحاث الكلامية والمناقشات مع أرباب الفرق الكلامية كالمعتزلة وغيرهم لأني كنت أرى أن الأولى تدريس الطلاب العقيدة الصافية دون حشرهم مع أصحاب الفرق وآرائهم في العقيدة الإسلامية والتركيز على ما جاء في القرآن والسنة وسار عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وقد صرت وزيراً للأوقاف في الوزارة التي قامت بعد انقلاب 1968م وقد عُينت دون أخذ رأي ولا مشاورة معي. ومع هذا فما لبثت الوزارة التي شكلها أصحاب انقلاب عام 1968م أن أبدلت بغيرها بعد ثلاثة عشر يوما من تشكيلها ولم يرد اسمي في الوزارة البديلة الجديدة والحمد لله.
سافرت الى الحج مرتين الاولى في بداية الخمسينات وعند عودتي زرت القدس الشريف والشام والتقيت ببعض اهل العلم هناك مثل الشيخ الالباني رحمه الله وغيره.
اما طلبي للتعلم فقد ذكرت المراحل العلمية التي مررت بها والشهادات العلمية التي حصلت عليها، وأضيف هنا إلى ما ذكرته أني كنت شغوفاً في قراءة الكتب الفقهية وحضور مجالس العلماء ومجالس الوعظ في شهر رمضان وفي مرحلة من مراحل عمري أشتد ميلي إلى التصوف وحضور مجالس المتصوفة إلى درجة أني انتسبت إلى طريقة من طرقهم وهي (طريقة أبو خمرة ) وهي فرع من طريقة الرفاعية وقد تأثرت بكتب التصوف وكان أهم كتابين أثرا في هما إحياء علوم الدين للإمام الغزالي وكتاب مدارج السالكين(1) للإمام ابن القيم الجوزية وهو شرح لمتن لرجل من أعلام التصوف وقد حرص ابن القيم في كتابه مدارج السالكين أن يبين الضوابط الشرعية لما يقال أو يرد من مناهج وأقوال المتصوفة ,كما كان لهذا الكتاب تأثير عظيم في نزعتي الصوفية المقيدة بضوابط الشرع.
هذا وأني لم أتلق أي علم شرعي على يد عالم بعينه ما عدا الشيوخ الأجلاء الذين كانوا يدرسون طلاب معهد الشريعة بجامعة القاهرة الذي اشرنا إليه وكنت طالباً من طلابه ، كما أني درست بعض المواد الشرعية في كلية الحقوق بجامعة بغداد على يد الشيخ حمدي ألأعظمي الذي كان يدرسنا مادة أصول الفقه, إلا أني كنت كثير التردد على علامة العراق ورئيس رابطة العلماء الشيخ / امجد الزهاوي يرحمه الله فكنت أسأله ما يشكل علي من المسائل الفقهية والأمور العامة وحكمها الشرعي، وقد تأثرت تأثيراً عظيماً بالشيخ الزهاوي يرحمه الله من جهة ورعه وتقواه ونطقه بالحق وعدم خشيته من أحد لأن مخافته من الله أبعدته عن مخافته من غيره مهما كان هذا الغير والحقيقة أني ما رأيت مثله في ورعه وإخلاصه، يرحمه الله ويدخله فسيح جناته.
وقد شغلت منصب رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية الحقوق ورئيس قسم الدين بكلية الآداب. هذا واني بعد إحالتي للتقاعد اشتغلت لفترة قصيرة بالمحاماة وكان لي مكتبا في شارع المتنبي ببغداد وكان هذا عندما اجبرت على التقاعد عام 1978م.
ثم تفرغت لتأليف كتابي (المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم) ويقع في 11جزء وقد نلت عليه جائزة الملك فيصل العالمية في عام 1417 هـ / 1997م.
ومن المراكز العلمية التي شغلتها ولا أزال اختياري عضواً في المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ولا أزال عضواً في هذا المجمع الفقهي, و كذلك عضو في مجلس أمناء جامعة الأيمان منذ
عام
1420هـ/ (1999م .
أما المناصب الإدارية فقد توليت منصب معاون عميد كلية الحقوق لشئون الطلاب بجامعة بغداد، وعميد كلية الدراسات الإسلامية ببغداد، وهي كلية أهلية اسست بموافقة وزارة التعليم العالي والدراسة فيها مسائية, وتعنى بدراسة الشريعة الإسلامية , وقد تخرج فيها الكثير من طلبة العلم الشرعي ومن لهم شأن ومكانة في العراق وخارجه, ورئيس قسم الدين بكلية الآداب جامعة بغداد.
أما المؤتمرات والندوات العلمية فقد دعيت لإلقاء محاضرات في الشريعة الإسلامية في دولة الكويت في الستينيات من القرن الماضي كما حضرت مؤتمراً فقهيا في الرياض في السبعينات ممثلا لجامعة بغداد وألقيت فيه بحثاً بعنوان (قيود الملكية الخاصة الواردة في الشريعة الإسلامية), وكذلك الاشتراك بالمؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية المنعقد في دولة قطر عام 1400هـ/ 1979م.كما ألقيت محاضرات في أسبوع الفقه الإسلامي بدولة قطر عام 1995 و 1996 وكذلك الاشتراك في ندوة إثبات الآهلة وحكم المراصد الفلكية المقامة بصنعاء في يناير 1996م. والاشتراك في مؤتمر البنوك الإسلامية الأول المقام في صنعاء 1997م , والمشاركة بندوة (مقتضيات الدعوة في ضوء المعطيات المعاصرة) والتي اقامتها جامعة الشارقة في عام 2001 وقدمت فيها بحث بعنوان (الدعوة في العصر الحاضر الواقع - المعوقات - الحلول ) وغيرها كثير.
وفي عام 1992م جئت إلى اليمن وعينت في قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة صنعاء حيث اسند إلي تدريس مختلف المواد الشرعية, كذلك درست في جامعة الأيمان مختلف فروع الشريعة الإسلامية وفقه المذهب الحنفي لطلبتها من الدراسات العليا. ويدرس من مؤلفاتي في مختلف جامعات وكليات اليمن الحكومية منها والأهلية مثل كتاب الوجيز في أصول الفقه وأصول الدعوة ونظام القضاء والمدخل لدراسة الشريعة الإسلامية كما أني أدرس طلاب الماجستير في نفس قسم الدراسات الإسلامية وأدرس فيه مادة الفقه المقارن وقد اخترت لهم موضوع القصاص والديات في الفقه الإسلامي المقارن وألفت فيه كتابا ليكون مرجعاً لهم في دراسة الموضوع.
عاصرت الحكم الملكي وما تلاه من انقلابات عسكرية ابتداء من انقلاب تموز سنة 1958م وما تلاه من انقلابات عسكرية انتهت باحتلال العراق من قبل أمريكا سنة 2003م وخلاصة ما وقعت في هذه الفترة الزمنية من تحولات اجتماعية كانت سماتها الظاهرة أن الضوابط الشرعية التي تضبطها قد ضعفت كثيرا، والاستمساك بما يجب الاستمساك به من الضوابط الشرعية في العلاقات الاجتماعية قد ضعفت هي الأخرى ، وأما دوري ودور أمثالي من المعنيين بالأمور الدينية هو بيان الأحكام الشرعية في الأمور الاجتماعية وغيرها وحكم الشرع في هذه الوقائع الجديدة.
وفي المجال الدعوي للإسلام فقد ساهمت فيه بقدر الاستطاعة وذلك بالتحاقي بجماعة الاخوان المسلمين منذ الخمسينيات, وعن طريق الدروس الدينية في المساجد واتخاذ أسلوب التعليق على خطبة الجمعة التي يلقيها خطيب الجمعة وكان ذلك بعد الفراغ من صلاة الجمعة وإلقاء التعليق فيمن يرغب في المسجد لسماع التعليق، كما ساهمت في المجال الدعوي عن طريق المساهمة في الكتابة في مجلة جمعية التربية الإسلامية ومجلة الاخوة الاسلامية ومجلة المسلمون غيرها كثير وعن طريق إلقاء المحاضرات في المناسبات الدينية التي تعقد لها الجمعيات الدينية الاحتفالات والاجتماعات العامة
, وقمت كذلك مع مجموعة من أخواني في العمل الاسلامي (الدكتور عابد توفيق الهاشمي , الدكتور فاضل السامرائي , الدكتور مساعد مسلم الحديثي, الدكتور حسين الجبوري, وغيرهم) بالسعي لتأسيس كلية تعني بالدراسات الاسلامية, وقد تكلل هذا المسعى بتأسيس كلية الدراسات الاسلامية في بغداد تختص بالتعليم العالي في علوم العقيدة والشريعة الاسلامية لحفظ التراث الاسلامي وتأدية امانة الرسالة الاسلامية بالتدريس والدعوة, وتخريج علماء عاملين لهم ثقافة اسلامية وكفاية علمية عالية وقدرة على تقريب سلوك الفرد والمجتمع لمبادئ الشريعة الاسلامية.
انضمامي الى جماعة الاخوان المسلمين كما ذكرت في الخمسينيات وتحديدا في صيف عام 1369 هـ \ 1950م بعد تخرجي من كلية الحقوق. واذكر ان الاخ (مصطفى الوهب) اعطاني كتيبات عن الاخوان المسلمين ومنهجهم في الدعوة فأعجبت بها وقررت الانضمام الى هذه الجماعة المباركة فذهبنا الى الصواف وكان انضمامي الى الاخوان منذ ذلك الوقت, وكنت احضر في ذلك الوقت الى مركز شعبة الاخوان في الاعظمية والتقي بالأخ نعمان السامرائي وكان آنذاك طالب معمم في كلية الشريعة.
وبعد أن غادر العراق الى السعودية فضيلة الشيخ العالم العامل محمد محمود الصواف المراقب العام للإخوان عام 1377 هـ/ 1959م بسبب تهديده بالقتل من قبل النظام والشيوعية تم اختياري من قبل الجمعية المركزية لجماعة الإخوان في العراق مراقبا عاما لحركة الاخوان المسلمين واستمريت بهذه الصفة الى الان رغم محاولات البعض العمل بصورة غير سليمة وغير شرعية على السير بالجماعة بمراقب جديد لها.
عند وصول البعثين الى السلطة وحدوث التضييق على الاخوان اصدرت قرارا وعمم الى الاخوان بتغيير صيغة العمل من صيغة العمل الدعوي الجماعي الى صيغة العمل الدعوي الفردي وليس كما يردد البعض – للأسف - اني قد جمدت او اوقفت العمل, فالدعوة الى الله لا تتوقف ولكن يمكن تغير شكلها وطرقها حسب ألواقع الذي يعيشه المسلمون.
الحكم الملكي كان حكما يعتبر أفضل من غيره او اقل سوء من غيره وكانت فيه حريات الافراد ظاهرة الا في فترات التمردات الداخلية، وبعد هذا العصر حصلت لي مضايقات خلال الانقلابات العسكرية المختلفة على اختلاف في أشكالها بين حين وآخر. وانتهت بإحالتي على التقاعد ثم خرجت من العراق حيث لم تبقى لي الحرية التي ارغب فيها من جهة الرواح والمجيء والتنقل وكان استقراري في اليمن الى الان.
عبد الكريم زيدان
الأحد 25 ربيع الأول 1435هـ
الموافق
2014-1-26 م (1) مدارج السالكين هو شرح لكتاب (منازل السائرين) لشيخ الإسلام عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري , الهروي الحنبلي الصوفي (ت481هـ) أنظر : طبقات الحنابلة ج2/ 247 , وسير أعلام النبلاء ج18/ 503 . |