المؤلفات --> مقالات
الحقوق السياسية للذميين في الدولة الإسلامية
الحقوق السياسية للذميين في الدولة الإسلامية مقال كتبه الدكتور عبدالكريم زيدان في ستينيات القرن الماضي, ونُشر في مجلة "البَعث الاسلامي" والتي كانت تصدر عن دار العلوم لندوة العلماء في مدينة لكهتو/الهند تحت اشراف فضيلة الاستاذ الشيخ أبي الحسن الندوي ... وقد كَتب في هذه المجلة كبار المفكرين الاسلامين امثال الاستاذ علي الطنطاوي والدكتور يوسف القرضاوي والدكتور مناع القطان والشيخ عبدالعزيز بن باز وغيرهم كثير ويراس تحريرها منذ ذلك الحين فضيلة الاستاذ سعيد الاعظمي الندوي. مقال " الحقوق السياسية للذميين في الدولة الإسلامية "  ُنشر في العدد الثاني من مجلة البعث الاسلامي الصادر في جمادى الاول 1384هـ / اكتوبر-تشرين ثان 1964م. بقلم: الدكتور عبدالكريم زيدان تولي الوظائف العامة في نظر الشريعة الإسلامية, على ما نرى, ليس حقا للفرد على الدولة وإنما هو تكليف تُكلفه به الدولة إذا كان أهلاً له, وواجب يقوم به إذا عهد به اليه, ودليلنا على هذا ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه, قال (دخلت على النبي ﷺ أنا ورجلان من بني عمي فقال أحد الرجلين يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل وقال الآخر مثل ذلك فقال إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه). فهذا الحديث الشريف صريح في أن تولي الوظائف العامة ليس حقا للفرد على الدولة, إذ لو كان حقاً لما كان طَلب الوظيفة أو الولاية سبباً لمنع طالِبها منه, لان صاحب الحق لا يمُنع من حقه إذا طلبه أو طالبَ به أو حَرص عليه. وبعض الوظائف العامة لا يُكلف بها الذمي, لأن طبيعتها تقتضي أن لا يتولاها إلا المسلم, فكان من شرط تقليدها للشخص أن يكون مسلما كالخلافة, أي الامامة, والامارة على الجهاد, لأن الامامة في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به فكان من البديهي أن يكون رئيس الدولة الإسلامية مسلما. وعلى هذا جرى المسلمون في جميع عصورهم. أما اشتراط الاسلام في امارة الجهاد فلان الجهاد يلتزم به المسلم دون الذمي, وان كان للذميين أن يشتركوا مع المسلمين في الدفاع عن دار الاسلام ويلتزموا بهذا الواجب كما سنبينه فيما بعد, فكان من السائغ المقبول أن يكون قائد الجيش مسلماً. و حجب هذه الوظائف القليلة عن الذمي ينبغي ان لا يثير استغرابا ولا دهشة, لان الوظيفة في نظر الشريعة الإسلامية تكليف لا حق كما قلنا وللدولة ان تشترط بعض الشروط الخاصة – التي تراها ضرورية – فيمن تكلفه ببعض الوظائف المعينة, كما أن هذه الوظائف القليلة التي لا يُكلف بها الذمي تقوم على أساس العقيدة الإسلامية أو تتصل به ويظهر فيها عنصر الدين بارزاً فكان قَصره على المسلم سائغاً مقبولاً, لأن الذمي لا يشارك المسلم في أمور الديانات ولا فيما يتصل بالعقيدة الإسلامية أو يقوم عليها. وفيما عدا الوظائف القليلة التي يشترط فيمن يتولاها أن يكون مسلماً, يجوز اشتراك الذميين في تحمل اعباء الدولة وأسناد الوظائف العامة اليهم, وقد دل على هذا الكتاب والسنة, ففي الكتاب قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) وقد نزلت هذه الآية فيمن كان لهم ذمة وعهد من رسول الله ﷺ وهي لم تَنه المسلمين عن اتخاذ بِطانة منهم بصورة مطلقة وإنما قيدت النهي بالقيود الواردة فيها, أي أن النهي منصب على من ظهرت عداوتهم للمسلمين, فهؤلاء لا يجوز اتخاذهم بِطانة. ومعنى هذا الذميين الذين لا تعرف لهم عداوة للدولة الإسلامية يجوز للمسلمين اتخاذهم بطانة يستود عونهم الاسرار ويستعينون برأيهم في شؤون الدولة المهمة. ومعنى هذا ايضاً جواز اسناد الوظائف العامة إليهم التي هي دون البِطانة في المركز والاهمية. وفي السيرة النبوية ما يؤيد قولنا ايضاً, من ذلك ما جاء في كتب السيرة بصدد معركة بدر التي وقعت بين النبي ﷺ وبين مشركي مكة. فقد اسر المسلمين من المشركين في هذه المعركة سبعين أسيراً, وكان من هؤلاء من لا مال له, فجعل النبي ﷺ فداءهم أن يعلموا أولاد الانصار الكتابة, بأن يعلم الواحد منهم عشرة من غلمان الانصار, ويخلي سبيله. فهذا الاثر يفيد ان النبي ﷺ استخدم غير المسلمين في شأن من شؤون الدولة الإسلامية, وهو تعليم بعض المواطنين المسلمين الكتابة. وفي السيرة النبوية ان ﷺ لما توجه الى مكة سنة ست للهجرة ووصل الى مكان يدعى ذي الحُلَيفة, بعث عيناً منه من خزاعة يخبره عن قريش, وكان هذا العين كافراً ومع هذا أسند اليه النبي ﷺ هذه المهمة الخطيرة, ولا شك ان النبي ﷺ أمنه ووثق به وأطمأن اليه, مما يدل على جواز اسناد وظائف الدولة العامة إلى الذميين ما داموا أهلا لها من حيث الكفاءة والثقة والامانة. فالكتاب والسنة إذن, يدلان على جواز إسناد الوظائف العامة الى الذمي ما دام ثقة كفوا, وهذا في الحقيقة أقصى ما يمكن من التسامح والتساهل مع المخالفين في الدين لا نجد له نظيراً في القديم والحديث. وفي ظل هذا التسامح الاسلامي الكريم صرح فقهاء الشريعة الإسلامية بجواز تقليد الذمي وزارة التنفيذ. ووزير التنفيذ يبلغ أوامر الامام ويقوم بتنفيذها ويمضي ما يصدر عنه من أحكام, فمركزه شبيه بمركز الوزراء في الدول الحديثة من حيث إنهم ينفذون قرارات مجلس الوزراء. كما نص الفقهاء على جواز أسناد وظائف أخرى الى الذميين كجباية الجزية والخراج.
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=197