عن الشيخ --> مؤلفات وأطاريح عن الشيخ عبدالكريم زيدان
[أطروحة دكتوراه] جهود الدكتور عبد الكريم زيدان في خدمة الدعوة الإسلامية/ الباحث حسين عواد {مصر}
عنوان الرسالة (الاطروحة):
جهود الدكتور عبد الكريم زيدان في خدمة الدعوة الإسلامية
الجامعة والكلية والقسم:
جمهورية مصر العربية - جامعة الازهر/كلية أصول الدين
مستوى الدراسة:
الدكتوراه
التخصصص:
دعوة وفكر
اسم الباحث:
حسين عبد عواد الدليمي
المشرف على الرسالة (الاطروحة)
الاستاذ الدكتور عبد القادر سيد عبد الرؤوف رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالقاهرة (مشرفاً أصلياً)
الاستاذ الدكتور محمد السيد راضي جبريل رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن (مشرفاً مشاركاً)
تاريخ مناقشة الرسالة
:
21 ذو الحجة1431هـ الموافق 27 نوفمبر/تشرين الاول 2010م
أعضاء لجنة المناقشة والحكم:
الاستاذ الدكتور عبد القادر سيد عبد الرؤوف (مشرفاً أصلياً)
الاستاذ الدكتور محمد السيد راضي جبريل (مشرفاً مشاركاً)
الاستاذ الدكتور مجدي عبد الغفار حبيب (مناقشاً داخلياً)
الاستاذ الدكتور أحمد ربيع أحمد يوسف (مناقشاً خارجياً)
قامت مؤسسة الرسالة ناشرون بطباعة وبنشر هذه الرسالة بكتاب يحمل عنوان (فقيه الدعاة العلامة عبدالكريم زيدان)
مقدمة الباحث حسين عبد عواد
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا (محمد) سيّد الدعاة، وإمام المصلحين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعه وسار على نهجه ودعوته إلى يوم الدين، أما بعد: فإنَّ الله سبحانه وتعالى شرَّف الأمة الإسلامية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما الأصلان الأصيلان اللذان تقف عليهما دعوة الإسلام، فقد قال الله عز وجل : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ). ولا شك أنَّ أول من قام بمهام دعوة الإسلام هو سيد الدعاة وخاتم النبيين المصطفى ﷺ فقد دعا أمته إلى منهج رباني قويم، واستغرق في بناء لبنات هذا المجتمع الرصين ما يقرب من ثلاثة وعشرين عاماً. ولم يكتفِ بذلك، بل ربَّى أصحابه الكرام لحمل راية الإسلام، بكل قوة وعزيمة وإقدام.
وهكذا، دواليك تستمر قائمة (دعاة الإسلام) لينبري دعاة مخلصون، وقادة مربون في عصرنا الحاضر، ومن هؤلاء الداعية المسلم الكبير (الدكتور عبد الكريم زيدان).
والحقُ: أنَّ الدكتور عبد الكريم زيدان، كان إماماً في الدعوة إلى الله، ولا يزال. وقد أفنى عمره، وعمى بصره، واحدودب ظهره، وارتعشت يده، في سبيل الدعوة الإسلامية وخدمتها، وهو ممن كان يدعو إلى الله على بصيرة، وهكذا نحسبه (إن شاء الله).
وقد وقفتُ مليّاً أتمعّنُ بشخصية الرجل، حتى استقرّ رأيي (مع قلة البضاعة) بعد التوكل على الله تعالى، على ولوج فكر هذا الإمام العَلَم.
و إنَّ اهتمامنا بالعلامة ا لدكتور عبد الكريم زيدان، هو من قبيل تعريف أجيال الأمة بجهود هذا العالم الهمام، ووفاءً لذلك الفكر وتلك الرسالة التي حملها، وعملنا هذا من قبيل تكريم العلم والعلماء؛ اعترافاً بفضلهم، ونشراً لفكرهم وعطائهم.
وقد اخترتُ الدكتور عبد الكريم زيدان من بين قائمة المفكرين والدعاة؛ لأنني أعلم أنَّ تراثه يمثل بمجموعه معالمَ مشروع علمي متكامل، وما هذه الدراسة الفكرية الدعوية إلا قطرة من بحر متلاطم الأمواج.
أسباب اختيار الموضوع
لعلَّ من أهم أسباب اختياري لهذا الموضوع ما يأتي:
1) التمسك بمواصلة المشوار في خدمة الدعوة الإسلامية، والكتابة في موضوعاتها المتنوعة والمتعددة، حيث يعد اختياري لهذه الشخصية الدعوية ودراسة منهجه الدعوي حلقة من سلسلة الجهود التي أرغب بتقديمها للدارسين والباحثين، بعد دراستي لشخصية علمية دعوية بارزة في مرحلة الماجستير، وهو الشيخ الإمام محمد الغزالي (رحمه الله).
2) تلبيةٌ لنصيحةِ جمع من أساتذتي الفضلاء النبلاء في قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالقاهرة، وتحقيق رغبتهم في أن أتناول موضوعاً يتعلق ببلدي الذي جئت منه، لمواصلة مشواري العلمي وهو (العراق)، وقد قلبّتُ أوراق دعاة العراق المعاصرين الذين أسهموا بآثارهم لخدمة الدعوة الإسلامية، فاخترت الشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان؛ لما له من آثار علمية نافعة إن شاء الله تعالى.
3) إنَّ في دراسة مثل هذه النماذج من العلماء دليل على أنَّ الأمة الإسلامية قادرة على العطاء في مختلف العصور والدهور، مهما كانت الظروف والتحديات، والأزمات والعقبات.
وإنَّ دراسة حياة الدعاة، ومنهجهم، وجهودهم تعدُ دراسة لأحد أهم الأركان التي تقوم عليها دعوة الإسلام، وهو (الداعية)، ومن هنا تأتي أهمية مثل هذه الدراسات المتنوعة.
محتويات الرسالة
احتوت رسالتي على مقدمة وستة أبواب وخاتمة. تضمن الباب الأول حياة الدكتور عبد الكريم زيدان، وقد حوى ثلاثة فصول، تناولت في الفصل الأول اسمه ونسبه وولادته ونشأته. بينما تناولت في الفصل الثاني عصر الدكتور عبد الكريم زيدان من جانبه السياسي، والاجتماعي، والثقافي، فضلاً عن المواقف المعاصرة للدكتور عبد الكريم زيدان. وأما الفصل الثالث فقد تحدثت فيه عن الخصائص والصفات العلمية والخلقية للدكتور عبد الكريم زيدان. وأما الباب الثاني ، فخصصته لقراءة في الآثار الدعوية للدكتور عبد الكريم زيدان، وكان من أهمها كتاب (أصول الدعوة) و(المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة) و(السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الاسلامية). وقد عقدت لكل كتاب من هذه الكتب فصلاً من الفصول.
وأما الباب الثالث فقد جاء لإيضاح جهود الدكتور عبد الكريم زيدان في التعريف بالأديان في القرآن وأثرها في خدمة الدعوة الإسلامية، وقد حوى هذا الباب أربعة فصول وخاتمة. خصصت الفصل الأول للحديث عن جهوده في التعريف بدين الإسلام في القرآن، والفصل الثاني عن جهوده في التعريف باليهودية في القرآن. والفصل الثالث عن جهوده في التعريف بالنصرانية في القرآن. والفصل الرابع عن جهوده في التعريف بالأديان الأخرى. وجاءت خاتمة الباب الثالث لإيضاح أثر علم الأديان في الدعوة الإسلامية.
وأما الباب الرابع فقد خصصته للحديث عن جهود الدكتور عبد الكريم زيدان في بيان أركان الدعوة الإسلامية، وقد حوى ثلاثة فصول, وقد جاء الفصل الأول للحديث عن موضوع الدعوة وتعريفها وحكمها. وأما الفصل الثاني فعن الداعي إلى الله وتعريفه وعُدّته. والفصل الثالث عن المدعو، وحقيقته وحقّه وواجبه وأصنافه.
وأما الباب الخامس فقد خصصته لإيضاح جهود الدكتور عبد الكريم زيدان في بيان أنواع الدعوة وأساليبها ووسائلها ومصادرها ومعوقاتها. وقد حوى أربعة فصول ، جاء الفصل الأول لبيان أنواع الدعوة من حيث السرية والجهرية. والفصل الثاني لبيان أساليب الدعوة الإسلامية في فكر الدكتور عبد الكريم زيدان. والفصل الثالث لإيضاح وسائل الدعوة في فكر الدكتور عبد الكريم زيدان. والفصل الرابع لبيان مصادر الدعوة، ومعوقاتها، وطرق معالجتها.
وأما الباب السادس، فقد عقدته لإيضاح جهود الدكتور عبد الكريم زيدان في بيان أخلاق الدعاة، وقد تضمّن تمهيداً وسبعة فصول ، تناولت في التمهيد تعريف الأخلاق في اللغة والاصطلاح، وأهميتها. بينما خصصت الفصل الأول لبيان الإخلاص والصدق، وأثرهما في الدعوة إلى الله. والفصل الثاني للحكمة وأثرها في الدعوة إلى الله. والفصل الثالث للتواضع وأثره في الدعوة إلى الله. والفصل الرابع للرحمة والحلم وأثرهما في الدعوة إلى الله. والفصل الخامس: الرفق واللين وأثرهما في الدعوة إلى الله. والفصل السادس للشجاعة وأثرها في الدعوة إلى الله. والفصل السابع للصبر وأثره في الدعوة إلى الله.
ثم ختمت الرسالة بخاتمة وضحت فيها ملخص ما جاء في رسالتي، من خلال إيضاح جملة من النقاط المتعلقة بهذا الشأن.
منهج البحث في الرسالة
أما منهجي في البحث، فإنني بعد إقرار الموضوع والموافقة النهائية عليه، قمتُ بجمع مؤلفات الدكتور عبد الكريم زيدان، ثم بدأتُ بجمع المادة العلمية من تلك المؤلفات، مما ينفع أن يكون مادة دعوية، في إطار إبراز الجهود التي قدّمها لإثراء علم الدعوة، وأصوله.
ثم تكوّنت عندي مادة متنوعة، بما فيها المادة التي تنفع في تكوين سيرته الشخصية، وخاصة ما يتعلق بصفاته العلمية، والخلقية. وشرعت بعد ذلك بتنزيل وتسقيط تلك المادة على خطة البحث، حتى استقر رأيي على خطة شبه ختامية، كانت من أنسب ما رأيته آنذاك.
ثم توكلت على الله وشرعت بالكتابة من خلال اتباع منهج موضوعي، وتحليلي، ووصفي؛ حيث إنني أتناول أيَّ موضوع في الرسالة، مما فيه لمسة من جهود الدكتور عبد الكريم زيدان، فأدرسه دراسةً موضوعية من جوانب متعددة ومتنوعة، بحيث يستفيد القارئ من ذلك الموضوع عندما يقرؤه. متبعاً في ذات الوقت طريقة التحليل؛ فإنني لا أكتفي بوصفِ، أو نقلِ ما يقوله الدكتور عبد الكريم زيدان من نصوص وأقوال في أيِّ موضوع، بل أنظر فيه، وقد اشرحُه، أو أقسّمه إلى اقسام، وقد أفصّله، أو أوضّحه، أو أدلّل عليه، أو أنقده وأعترض عليه. وقد أقدّم له بمقدمة تهيئ للدخول فيه.
وأعترف أنني أختصرت في بعض الأحيان، وقد أشرت إلى ذلك في مكانه، خوفاً من الإطالة المفرطة، التي قد يملّها القارئ الكريم. ولم أدخل في بعض الجزئيات والموضوعات التي تحتمل وجهاً غير الوجه الدعوي، حتى لا تخرج رسالتي عن موضوعها، ومن أجل أن لا أقطع الطريق عمن يرغب بدراسة جهود الدكتور عبد الكريم زيدان في العلوم الأخرى. وأنني أرى ذلك ضرورياً، لوفرة المادة العلمية.
أما عن طريقة العزو وتخريج النصوص، فإنني أعزو إلى كل مصدر نقلتُ أو استفدتُ منه، وأشير إلى كل تفصيلاته في أول ذكرٍ له، ثم إذا تكرر ذكره بعد ذلك أشير إليه إشارة مختصرة بما يميّزه عن غيره من المصادر المشابهة له.
وقد عزوت الآيات القرآنية إلى سورها، وخرّجت الأحاديث النبوية. فأشيرُ في عزو الآية إلى اسم السورة ورقم الآية. وأشيرُ في تخريج الحديث إلى اسم المصدر الذي خرّجه، واسم الكتاب، والباب الذي حواه، ورقم الحديث، وجزء الكتاب وصفحته، وراوي الحديث من الصحابة الكرام.
أما في التعريفات اللغوية والاصطلاحية، فإنني رجعت إلى مظان تلك التعريفات المتنوعة، من أمهات المراجع المتخصصة في هذا الشأن.
وأحسبُ أنني كنت محايداً، ومستقلاً، أثناء إعداد رسالتي؛ فقد كنتُ أقلّب نظري، وأفتّش في مضمون كل جزئية من الجزئيات التي تناولتها، شارحاً، ومدققاً، ومدللاً، وناقداً، بل ومعترضاً، في عدد من المواضع التي ضمّنتها الرسالة.
وإذا كنت قد درستُ في رسالتي هذه جهود الدكتور عبد الكريم زيدان في خدمة الدعوة الإسلامية، وإيضاح أصولها؛ فإنني اتخذت منهجاً أراه جيداً في إيضاح تلك الجهود، وذلك بالاهتداء بآراء الدكتور عبد الكريم زيدان واتخاذها مدخلاً لتفصيل القول في كل جزئية، حتى جاء محتواها وافياً حسب ما أرى، بعون الله تعالى.
مشكلاتٌ أثناء الرسالة
الحقيقة أنَّ أيَّ جهد علمي لابد أن تعترض الباحث فيه بعض المشكلات. وأهم ما اعترضني في هذه الرسالة مشكلتان، تتمثلان بالآتي:
اولا: تعذّر لقائي بالأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان للاستفادة منه
معلومٌ أنَّ سماحة العلامة الدكتور عبد الكريم زيدان يقيم في الجمهورية اليمنية منذ ما يزيد على ثمانية عشر عاماً. وقد حرصتُ تمام الحرص على أن ألتقي بسماحته، فاستفيد منه؛ غير أنَّ هذا لم يتحقق لي، مع كل الأسف.
إنني أقول ذلك، وقلبي يزداد ألماً ووجعاً؛ بسبب ما يمرُّ به العراقيون في هذه السّنين النحسات العجاف، بعد أن صار الفرد العراقي غير مرغوب فيه، في معظم البلدان العربية والإسلامية، فضلاً عن البلدان الأجنبية. وأصبح العراقيُّ بعد الاحتلال يلّفُ كل السفارات والقنصليات، من أجل الحصول على تأشيرةٍ لدخول بلدان إخوانه في العروبة والإسلام، فيُواجه بالطرد أو الاعتذار. وهذا ما حصل معي؛ فقد راجعتُ سفارة اليمن في القاهرة، وطلبتُ منهم منحي تأشيرةً لدخول اليمن، والمكوث فيها أسبوعاً واحداً فقط. غير أنَّ طلبي جوبه بالاعتذار، مع الأسف الشديد. وقد قالوا لي: إنَّ العراقيين لا يُمنحون تأشيرةً لدخول اليمن في الوقت الحاضر !!
ثم سلكتُ طريقاً آخر، بعد أن وعدني أحد العراقيين المقيمين في اليمن، بأن يوجّه لي دعوةً من هناك، فيستضيفني، ولكنه لم يفلح في تحقيق الأمر، فلا حول ولا قوّة إلا بالله.
غير أنني لم استسلم، وآليتُ إلا أن أستفيد من الدكتور عبد الكريم زيدان نفسه، فأجعله يوثّق لي ما يخصُّ تفاصيل حياته على الأقل؛ فاستغنيتُ عن تلك الزيارة المرغوبة بأجهزة التكنولوجيا الحديثة، من الهاتف الجوّال، والشبكة العنكبوتية الدولية (الإنترنت)، فقد كنتُ أكلّم الأخ الأستاذ محمد (الابن البكر للدكتور عبد الكريم زيدان) وهو بدوره ينقل لوالده ما أطلبه، أو أسأل عنه، ثم يجيبني. وقد زودّني برسالتين جوابيتين، في وقتين مختلفين، كنتُ سألته فيهما عن كثير من التساؤلات التي كنتُ أتوقّف عندها أثناء كتابة هذه الرسالة المباركة، مما يخصُّ تفاصيل حياته، وقد وفقني الله تعالى لتجاوز هذه العقبة، وخرج جهدي بهذا الشكل، ليكون أول جهد يتناول شخصية الدكتور عبد الكريم زيدان على الإطلاق. والحمد لله على أنعامه وأفضاله.
ثانيا: أولية الكتابة عن شخصية الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان
يعدُّ الدكتور عبد الكريم زيدان من كبار علماء العراق في العصر الحاضر، وقد يكون أفقهُ فقهائهم على الإطلاق. ومع ذلك لم أجد من سبقني في الكتابة عن هذه الشخصية، في أيِّ ناحية من نواحي حياته، أو دراسة جهوده في أيِّ علم من العلوم.
وهذا بلا شك جعلني أول من يطرق باب هذه المدينة العلمية، التي تتمتع بالإحاطة والشمول لأغلب أنواع العلوم. فهو الفقيهُ، والأصوليُّ، والقانونيُّ، والداعيةُ، والمهتم بالتفسير، وعلم الأديان. لذلك كله رأيت صعوبة كبيرة في لملمة ما تناثر من معلومات تخصُّ حياته العلمية والشخصية. فاقمها بُعدي عن الرجل، وتعذّر لقائي به، كما تقدّم.
ولا أريد أن أتحدّث عن صعوبة الغربة، والعيش فيها، والتواجد هنا في القاهرة لفترة تزيد عن ثلاث سنين، مع ضعف الحال، وعدم راحة البال، في وقتٍ قَطّعتِ الحروب أوصال بلدي الجريح المغتصب. فاللهُ ولي التوفيق، هو حسبنا ونعم الوكيل.
أهـمية الرسالة ومميزاتها
تأتي أهمية هذه الرسالة كونها تمتاز بالأوليّة في أمرين مهميّن في صرح عالمي، مثل جامعة الأزهر الشريف. فهي أول رسالة تناقش في هذه الجامعة من طالب عراقي منذ فترة طويلة، فجاء هذا الجهد العلمي ليكون حلقة الوصل بين طلبة العلم العراقيين وبين الأزهر الشريف، حتى تعود حالة التكامل والترابط المعرفي بين القاهرة وبغداد، اللذين طالما قدّما جهوداً علمية ينهلُ من معينهما الذي لا ينضب كل طلبة العلم والدارسين من شتى مناطق وبلدان البسيطة. فضلاً عن أنَّ رسالتي هذه تعدُّ أول رسالة تتناول الجهود الدعوية لشخصية عراقية متخصصة في هذا الشأن في وقتنا الحاضر، ممن أسهم في مؤلفاته الدعوية بإسهامات طيبة مباركة، لها أثرها المنظور. وبالتالي، فقد صار لجامعة الأزهر الشريف الفضل الكبير في إبراز ثقافة الشعوب وجهود علمائهم ومفكريهم.
لقد جاءت رسالتي لتكون إضافة جيّدة لما كُتب في أصول الدعوة إلى الله، مع تميز رسالتي بعدد من المزايا، أختصرُ أهمها بما يأتي:
1) الاعتماد على النصوص القرآنية، وتفسيراتها المعتمدة، من أمهات مصادر تفسير القرآن الكريم، على اختلاف أنواعه.
2) اعتمادي بشكل كبير على مرويات السنة النبوية المشرفة، والاهتداء بأقوال سيد الدعاة والمصلحين ﷺ. على أنَّ غالب ما سقته في الرسالة من الأحاديث إنما هو مما ثبت في الصحيحين أو أحدهما، أو ما خرّجه الأئمة الكبار، الثقات، العدول، في كتبهم ومؤلفاتهم.
3) التنوع الملحوظ في استخدام المصادر والمراجع، القديم منها، والجديد، إذ نقلت منها ما رأيته مفيداً؛ حتى كان شعاري: الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها. مع العزو إلى المصدر، وذكر الصفحة التي استفدت، أو نقلت منها.
4) الجمع بين الفكر النظري والتطبيقي، واستخدام بعض الرسوم والأشكال في إيضاح الدلائل التي أرغب بإيضاحها.
5) وكما أشرت سابقاً، فإنني عملتُ على إيضاح وبيان جهود الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان، والتدليل لها، فضلاً عن ترجيح ما رأيته راجحاً. وتعقّبته في بعض المواضع، حيث آليت على نفسي إلا أن أكون محايداً، وليس تابعاً، وهذا ما يجب على طالب العلم التمتع به. وقد تجلّى ذلك الحياد بمخالفتي واعتراضي على بعض ما قدمه أستاذي الدكتور عبد الكريم زيدان من جهود. مع تقديري واحترامي لآرائه.
وأقول بكل تواضع إنني أرى في مناسبة مناقشة رسالتي اليوم، وأنا أجلس أمام مشايخي وأساتذتي ينابيع العلم والمعرفة، أقول: أرى أنَّ رابطة العلم العظيمة بين أرض الكنانة وبين أنبار العراق قد عادت من جديد، والتي تأصّلت بين أبناء قاهرة المعز، وأبناء الأنبار بالعراق، منذ أن سنّها إمام الأئمة في القراءات والأدب (أبو الخير الأنباري) يوم أن هاجر إلى القاهرة، وأقام فيها متعلماً وعالماً، وظلَّ فيها، حتى وافته المنية (رحمه الله). فاللهَ أرجو أن يجعلني حلقة وصل بين العراقيين والمصريين، الذين عشت بينهم شهوراً طويلة، فألفيتهم كرماء، نصحاء، رحماء، يتمتعون بأسمى صفات الحب، والسماحة، والتواضع، والألفة، والرفق، وحسنِ الأدب. فبارك الله فيهم، وكثّر من أمثالهم.
وإنني لأستذكر وأنا أخطُّ هذه الكلمات، قول عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) حينما قال: (أهل مصر أكرم الأعاجم كلها، وأسمحُهم يداً، وأفضلُهم عنصراً، وأقربُهم رَحِمَاً بالعرب).
وبعد هذا العرض يسعدني أن أشكر كل من يستحق الشكر والثناء. وإنني إذ انسى فلستُ أنسى أن أقف وقفة إجلال وعرفان لشيخين فاضلين، وأستاذين كبيرين، كان لهما القدح المعلّى في إتمام هذا الرسالة وإخراجها بهذه الحُلّة التي أرجو الله تعالى أن يتقبّلها عنده بقبول حسن، أستاذي النبيل، وشيخي الجليل، والمشرف الأصيل، الأستاذ الدكتور (عبد القادر سيّد عبد الرؤوف) الذي تمثّلت فيه كل الأصالة، وروح الأبوّة، وكانت له آثاره الطيبة في إنهاض همتي، وقوة عزيمتي، فله مني كل الشكر والتقدير.
وكذلك أستاذي الهمام، وشيخي الذي تمثل به سمت العلماء الأعلام، المشرف المشارك الأستاذ الدكتور (محمد السيد راضي جبريل) الذي شاركني همومي يوم أن كنت أكتب هذا السفر وبلدي لا يزال يُذبح تحت مذبح الحرية، التي سامت شعبيَ الجريح من أبناء الرافدين سوء الأسى، والظلم، والحرمان، والعذاب. فالله يجزيهما عني خير ما يجازي العلماء الفضلاء النبلاء. والعذرُ منهما إن كنتُ قد أتعبتُهما، أو أثقلتُ عليها.
أما المشايخ والأساتذة الذين تفضلوا بقبول مناقشة رسالتي، فلهم مني كل الوفاء والعرفان، وقد تكرّموا على ابن العراق اليوم، وهم يقدمون له النصح، والإرشاد، والتوجيه، والتسديد. وأعدُكم جميعاً أيها المشايخ: بأنَّ ملاحظاتكم القيمة وتوجيهاتكم السديدة ستكون النور الذي أسير به في تصويب رسالتي؛ حتى تكون على أعلى مستوى من الصحة والقبول (إن شاء الله).
ولعلي استغل الفرصة اليوم لأعرب عن عظيم امتناني لموجّه كريم، له كل الفضل في إقرار هذا الموضوع، والدفاع عن اختياره، فضيلة الأستاذ الدكتور بكر زكي إبراهيم عوض عميد كليتنا الموقر، الذي كان نعم الأب والمشجّع. فله مني كل ثناء وتقدير. وهو بجهوده المباركة خدم العراق وعلماءه الأجلاء، ممن حملوا مشاعل الدعوة إلى الله في العصر الحديث، ممارسةً وتأليفاً.
وشكري قبل هذا وذاك موصول إلى رئيس جامعة الأزهر الشريف، فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد محمد الطيّب، الذي كان نعم العون لي ولكل طلبة العراق في هذه الجامعة العريقة، وقد قام مشكوراً بتسهيل أمورنا في أكثر من مرة، ولم يكن يردني في كل مرة أطرق بابه، فأجلس عنده لمعالجة مشكلة تحيط بنا على مدى تواجدنا هنا في (جمهورية مصر) العزيزة. والحقّ: أنني رأيته رجلاً متواضعاً، يحمل خلقاً رفيعاً، وسمتاً رائعاً، فله مني كل الثناء والتقدير. وأثني كذلك على فضيلة نائب رئيس الجامعة السابق، فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي، فقد كان نعم العون لنا. وشكري موصول أيضاً إلى الإخوة موظفي كليتنا، وجميع العاملين فيها، لا سيما الأخوة الكرام في قسم الدراسات العليا.
وهذا جهدُ المقلِّ، ونتاج المبتدي، فما كان فيه من صوابٍ فهو من الله تعالى، وما كان فيه من زلل وخلل فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله تعالى منه، (وأنا مستمد المعونة والصيانة واللطف والرعاية من الله الكريم، رب الأرضين والسماوات، مبتهلاً إليه سبحانه وتعالى أن يوفقني، ووالديَّ، ومشايخي، وسائر أقاربي، وأحبائي، ومن أحسن إلينا بحسن النيات، وأن ييسر لنا الطاعات، وأن يهدينا لها دائماً في ازدياد حتى الممات، وأن يجود علينا برضاه، ومحبته، ودوام طاعته، والجمع بيننا في دار كرامته، وغير ذلك من أنواع المسرات).
والحمد لله على ما أنعم وتفضّل، ونسأله جل في علاه أن يوفقنا لكل خير. به نعتصمُ ونلوذُ، وإليه نلجأ في كل معضلة، وعليه نعوّل ونتوكل في كل أمر، وليعذُرُ القارئ من سهوٍ أو سبقِ قلمٍ، أو ذهول؛ فإنَّ القلوبَ موجوعة، والأكبادَ مقروحة، بتغلبِ العدوان، واحتلالِِ البلدان، ولا حول ولا قوة إلا بالله الرحيمِ الرحمن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الباحث/ حسين عبد عوَّاد الدليمي |