المؤلفات --> مقالات
مقال غُسْل الروح
غُسْل الروح
من أقدم المقالات والرسائل التي كتبها الشيخ عبدالكريم زيدان في مجلة الاخوة الاسلامية, وهي مجلة اسبوعية كانت تصدر في بغداد من قبل جمعية الاخوة الاسلامية (الاخوان المسلمين) في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ويراس تحريرها آنذاك الاستاذ محمد محمود الصواف.
مقال (غُسْل الروح) كتبه الاستاذ عبد الكريم زيدان ونشر في مجلة الاخوة الاسلامية بعددها الثامن عشر الصادر في 13 ذي القعدة 1372هـ الموافق 24 تموز سنة 1953م.
الى اخي الداعية
أخي ... أنت جسم وروح, وما في ذلك شك, بهذا نطق القرآن الكريم والقرآن لا ينطق الا بالحق (هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ) وبهذا اخبر الرسول الكريم ﷺ والرسول لا ينطق عن الهوى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) ومهمتك يا اخي لا ينهض بها الا صاحب الروح القوية, ودعوتك لا تقوم الا على ارواح زكية, اما الجسم فحسبه ان يكون مركبا صالحاً لحمل الروح الصالحة,
فلا تهمل جانب الروح وتقبل على جسمك وعقلك فتبالغ في تقوية الاول بفنون الرياضة وتُحشي الثاني بأنواع الثقافة وتترك الروح هزيلة ضعيفة بحجة ان جوانب الدعوة متعددة وتنسى مبلغ أهمية كل جانب ومكانته ومنزلته فتقع في الافراط والتفريط ولا تعطي كل ذي حق حقه ... وكما ان جسمك يتسخ ويتقذر فيحتاج الى غسل يزيل كدرها وطهور ينقي عنها خبثها وقذرها قلا تغفل عن هذا وتقبل على جسمك فقط بالعناية والتنظيف فيكون مثلك مثل الذي يغسل رجليه مرات في اليوم بالماء والصابون ويسكب عليها العطر ويترك وجهه يملوه الغبار وتتراكم عليه الاقذار ولا يتكرم عليه بحفنة من ماء...
والاسلام يا أخي نظيف, والله نظيف يحب النظافة, ولكن أتحسب انه يريد نظافة الجسم فقط ويهمل شأن الروح؟ لا , يا أخي,
فالروح أولى من الجسم بالغسل والتطهير لصلة لها بالله قريبة, ونسبة اليه شريفه (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) , (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) وقد هبطت عليك روحك من عالم الطهر فهي طاهرة رقيقة صافية سريعة التأثر بالأوساخ والاكدار وما اوساخها الا الخطايا والذنوب (كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فلا تتركها تعتم وتكدر فتحجب عنها انوار الحق فتعيش في ظلمة حالكة لا تزيلها اشعة الشمس ولا انوار القمر ولا اضواء الكهرباء ... ولكن بم تغسل روحك يا اخي؟ اتغسلها بالماء الذي تشربه؟ لا , فليست هي من مادة الارض ليصلح لها ماء الارض, هي من السماء فلا بد لها من ماء الهي خاص فكل شيء يغسل بما يلائمه ويناسبه اما سمعت قول الرسول الكريم ﷺ وهو يحدث اصحابه (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمساً، هل يُبْقي من درنه شيئاً؟ قالوا: لا يبقي من درنه شيئاً قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) افهمت الان يا اخي بم تغسل الروح؟ احسبك قد فهمت ولكن لا يكفيك ان تعرف طهور روحك فمطر السماء لا يصيب من لا يتعرض عليه وبتوجه اليه, كجهاز الراديو, لا تدخله امواج البث – وهي تملا الفضاء - الا اذا وجهته نحوها بإدارة مفتاحه...
فاعرض روحك الى هذا الماء الطاهر وانت في صلاتك ليصيبها المقدور لها منه وارتفع بها قريبا من مصدر الطهر واعرج لحظات ترتد اليك صافية صقيلة ظاهرة.
واعلم
ايها الاخ انك اكثر الناس حاجة لهذا الغسل والتطهير لان العامل بين الاتربة والانقاض يحتاج الى تنظيف اكثر من ذلك الجالس في برجه العاجي, وهل انت الا عامل تجوس خلال الارواح الكدرة لتصفيها والنفوس الخربة لترمها وتصلحها والقلوب النجسة لتطهرها فما احوجك الى الغسل الدائم المستمر, فافعله يا اخي في اعقاب الليل حيث الناس هجع فالسماء تقذف آنذاك بسيلها العجيب المطهر وهكذا كان العارفون يفعلون (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
واذا استطعت ايها الاخ فاذهب الى حيث البيت الذي تتوحه اليه في صلاتك وقف على جبل وقفَ عليه من قبلك خلائق من اخوانك المسلمين ليتطهروا ويغسلوا ارواحهم, قف يا اخي هناك وانت عاري الجسم الا من قطعة قماش غير مخيطة تواري بها سوءتك, حاسر الرأس, كسير القلب, متوجها الى الله بجسمك وروحك ولسانك يلهج بالذكر والدعاء فستعود ان شاء الله طاهر الروح, نقي القلب, قويا على العمل والجهاد في سبيل دعوتك, دعوة الله (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).
والله أكبر ولله الحمد.
عبدالكريم زيدان
أخوك
|