المؤلفات --> مقالات
ردود على شبهات الجزء الثالث: الحروب و الغَزَوات في الاسلام
ردود على شبهات
الجزء الثالث
الحروب و الغَزَوات في الاسلام
بحث بعنوان "
ردود على شبهات" قدمه الدكتور عبدالكريم زيدان في المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية المنعقد في دولة قطر في الخامس من محرم عام 1400 هـ المصادف 25 نوفمبر 1979م.
تناول الدكتور عبد الكريم زيدان في هذا البحث الردود على اربع شبهات يرددها الجهال او الكارهين لشرع الله وهي (تعدد الزوجات, موقف النبي
ﷺ
من بني قُرَيْظَة,
الحروب و الغَزَوات في الاسلام
, الحدود في الاسلام).
لما استقر النبي
ﷺ
بالمدينة وتعهد الانصار رضي الله عنهم بنصره ورد الاذى عنه, رمتهم العرب واليهود قاطبة عن قوس واحد وتعرضوا لهم من كل جانب. والله سبحانه وتعالى يأمرهم بالصبر والعفو والصفح حتى قويت الشوكة فأذن لهم حينئذ في القتال ولم يفرض عليهم, قال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ). ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم , قال تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) ثم فرض الله عليهم قتال المشركين كافة. وهكذا كان القتال محرما على المسلمين أول الامر, ثم صار مأذونا به لمن بدأهم بالقتال , ثم مأمورا به لجميع المشركين
.
هذه هي الخلاصة القيمة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في مسالة الحرب والقتال في الاسلام, خلافا لما يذهب اليه بعض الكتاب المحدثين من ان القتال ممنوع على المسلمين الا في حالة واحدة فقط هي رد اعتداء الغير اذا بدأوا المسلمين بالقتال
.
وحجة هؤلاء ان حروب النبي
ﷺ
كانت كلها من هذا القبيل اي لرد اعتداء وقع أو يوشك ان يقع.
والواقع ان حروب النبي
ﷺ
التي خاضها بنفسه ومع المسلمين, او السرايا التي كان يبعثها
ﷺللقتال, يمكن تقسيمها الى قسمين: (
الاول) حروب المسلمين مع قريش (
والثاني) حروب المسلمين مع غير قريش.
أولا : حروب المسلمين مع قريش
وكان في هذه الحروب يسمح
ﷺ للمسلمين بالتعرض لقوافل قريش لأنه كان في حالة حرب معهم واخرجوا المسلمين من ديارهم واستولوا على اموالهم , ومن هذه الحروب التي كان فيها النبي
ﷺ
, وتسمى الغزوات, غزوة العشيرة فقد خرج
ﷺ
في جمادى الآخرة على راس ستة عش شهرا من هجرته ليعترض عيرا لقريش كانت قد خرجت من مكة تريد الشام فبلغ
r
مكان ذي العشيرة وأقام فيها اياما وصالح بني مدلج وحلفاءهم ولم يلق عدوا
. وعند رجوع هذه القافلة من الشام خرج النبي
ﷺ والمسلمون ليعترضوا هذه القافلة فبلغ ذلك ابا سفيان قائد القافلة فارسل الى قريش من يخبرهم بذلك ويطلب منهم النجدة فخرجت قريش بمقاتليها وأفلت ابو سفيان من ايدي المسلمين, فأرسل الى قريش يخبرهم بذلك ويطلب منهم الرجوع الا انهم ابوا وقالوا لا بد من السير فالتقوا مع النبي
ﷺ والمسلمين قرب بدر ووقعت المعركة المعروفة بمعركة أو بغزوة بدر ونصر الله المسلمين على المشركين.
وغزوة احد كان سببها مجيء قريش بجيشها لقتال المسلمين وأخذ الثأر منهم. ومعركة الخندق كان سببها تحريض اليهود لقريش على قتال المسلمين. وفتح مكة كان سببه نقض قريش لمعاهدتها مع النبي
ﷺ
وهي معاهدة الحديبية كما هو معروف في التاريخ.
ثانيا : حروب المسلمين مع غير قريش
وقد خاض هذه الحروب النبي
ﷺ
ومعه المسلمون, أو خاضها المسلمون دون ان يكون معهم النبي
ﷺ
وان كان هو عليه الصلاة والسلام أرسلهم للقتال, وكان سبب هذه الحروب ابتداء المشركين للمسلمين بالقتال وتوجههم واستعدادهم للقتال ومن هذه الغزوات والحروب غزوة (سفوان) وغزوة (ذي أمر بنجد ) وغزوة (بني المصطلق) وغزوة (ذات الرقاع) وغزوة ( دومة الجندل)
وغزوة (تبوك).
دلالة هذه الحروب
ولكن لا يمكن الاستدلال بتلك الحروب والغزوات على انها الصورة الوحيدة للقتال في الاسلام, اذ ان هناك حالات او صورا اخرى للقتال أشار اليها ابن القيم رحمه الله في قوله (ثم فرض الله عليهم قتال المشركين كافة) أي سواء بدأوهم بقتال أو لم يبدؤوهم ويؤيد ما يقوله الآية الكريمة (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) فهذه الآية الكريمة صريحة في حق المسلمين بل من واجبهم ابتداء الكفرة بالقتال اذا رفضوا اعطاء الجزية وجريان احكام القانون الاسلامي عليهم, قال الامام الشافعي رحمه الله (والصغار أن تؤخذ منهم وتجري عليهم أحكام الاسلام)
.
وفي السنة النبوية ما يؤيد حق المسلمين أي حق دولتهم الاسلامية بالتعرض لغيرهم واخضاعهم لسلطانهم وتطبيق القانون الاسلامي عليهم, فأن رفضوا ذلك قاتلوهم , فقد وردت احاديث نبوية شريفة يأمر فيها النبي
ﷺ
أمراء الجند عند توجههم الى المشركين من أهل دار الحرب أن يدعوهم الى الاسلام فان ابوا عرضوا عليهم أن يدفعوا الجزية – وهي عنوان الخضوع لساطان الدولة الاسلامية – فان أبوا قاتلهم المسلمون حتى يخضعوا لسلطان الدولة الاسلامية. ولا شك ان هذا موقوف على قدرة المسلمين ابتداء الكفرة بالقتال اما مع ضعف المسلمين فحسبهم دفع اعتداء الكفرة عنهم.
ولا يجوز الظن بان ابتداء المسلمين للمشركين
بالقتال اذا رفضوا الاسلام او اعطاء الجزية , ان هذا القتال وتسويغه للمسلمين هو نوع من الظلم والاعتداء على غير المسلمين او إكراهه على اعتناق الاسلام, لا يظن ذلك لان تسويغ ما قلناه هو ما جاءت به الشريعة الاسلامية , وتبريره انه من قبيل ازالة المنكر من الارض, لان بقاء الكيانات الباطلة التي تقوم على غير شرع الله هو بقاء لباطل ضخم في الارض يجب ان يزول, وازالته اما بالحسنى وقبول الاسلام , واما بالقوة والقوة تملكها الدولة الاسلامية , فاذا ملكتها كان واجبا عليها أزاله هذه الكيانات الباطلة بالقوة عند الاقتضاء , او بالخضوع لسلطان الدولة الاسلامية وجريان احكام القانون الاسلامي عليهم وعنوان ذلك قبولهم دفع الجزية , وليس ذلك اكراه لهم على الاسلام لان دخولهم في الاسلام متروك لاختيارهم فاذا اختاروه زالت الكيانات الباطلة, واذا دفعوا الجزية صار الحكم للمسلمين وطبقوا شرع الله وتركوا الناس احرار فمن شاء منهم دخل الاسلام ومن شاء بقي على دينه ودفع الجزية فلا اكراه في الدين.
والخلاصة
, فأن من واجب الدولة الاسلامية اذا كانت بقوة كافية ان تزيل كل حكم باطل في الارض واخضاعه لسلطان المسلمين اذا رفض الاسلام او الخضوع لسلطانه لان ذلك من قبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) وما قلناه تؤيده الفتوحات الاسلامية في عهد الصحابة والتابعين لهم بإحسان
. [1] زاد المعاد في هدى خير العباد لابن قيم الجوزية ج3 ص 58
[2] ومن هذا الراي الشيخ رشيد رضا صاحب تفسير المنار في تفسيره وفي كتاب الوحي المحمدي , واستاذنا الشيخ محمد ابو زهرة في كتابه العلاقات الدولية في الاسلام , وزميلنا الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه آثار الحرب في الفقه الاسلامي.
[3] امتاع الاسماع للمقريزي ص 54 -55
[4] انظر تفصيل هذه الغزوات وغيرها في كتاب امتاع الاسماع للمقريزي , زفي كتاب السيرة النبوية للامام ابن كثير , وفي سيرة ابن هشام , وفي زاد المعاد لابن القيم.
[5] مختصر المزني ج8 ص 277
[6]الخراج لابي يوسف ص 190,صحيح مسلم ج7 ص 310
[7] انظر تفصيل هذه المسالة في بحثنا بعنوتن (الشريعة الاسلامية والقانون الدولي العام ) ص 57 وما بعدها |