المؤلفات --> البحوث الفقهية
ردود على شبهات - الجزء 2 (موقف النبي صلى الله عليه وسلم من بني قريظة)
ردود على شبهات - الجزء 2 ( موقف النبي r من بني قُرَيْظَة ) بحث بعنوان " ردود على شبهات" قدمه الدكتور عبدالكريم زيدان في المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية المنعقد في دولة قطر في الخامس من محرم عام 1400 هـ المصادف 25 نوفمبر 1979 م . تناول الدكتور عبد الكريم زيدان في هذا البحث الردود على اربع شبهات يرددها الجهال او الكارهين لشرع الله وهي ( تعدد الزوجات , موقف النبي ‏ ﷺ من بني قُرَيْظَة ‏, الحروب و الغَزَوات في الاسلام , الحدود في الاسلام).   ثانيا : موقف النبي r من بني قُرَيْظَة ‏‏ لما قدم النبي ﷺ الى المدينة مهاجرا وادعته يهود كلها , وكتب r بينه وبينهم كتابا وجعل بينه وبينهم أمانا وشرط عليهم شروطا فيها ان لا يظاهروا عليه عدواً وفي رواية ان النبي ﷺ عاهدهم على ان ينصروه ممن دهمه . وكان يهود المدينة ثلاث طوائف هم : بنو قَيْنُقَاع و بنو النَّضِير وبنو قُرَيْظَة. اما بنو قَيْنُقَاع ‏ فقد أجلاهم النبي r من المدينة إلى أَذْرِعات وهي مدينة باطراف الشام . واما بنو النَّضِير‏‏ فقد أجلاهم النبي ﷺ بعد سبعة وثلاثين شهراً من الهجرة بسبب خيانتهم ونقضهم العهد , وقد نزل بعظهم في خيبر وذهب البعض الآخر إلى الشام . الا ان هؤلاء اليهود بالرغم من اجلائهم عن المدينة لم يكفوا عن عداوتهم للنبي r والكيد له , ومن كيدهم ان نفرا منهم ذهبوا الى قريش مع بعض رؤسائهم من بني النَّضِير‏‏ مثل حُيَيُّ بن اخطب يحرضون قريشا على مهاجمة المدينة ومقاتلة المسلمين ويعدونهم النصر والاعانة فأجابوهم الى ذلك ,ثم ذهب هؤلاء اليهود الى قبيلة غطفان وهيجوهم على قتال المسلمين واعلموهم بعزيمة قريش على مهاجمة المسلمين فأجابوهم الى طلبهم . وهكذا تجمع المشركون وتوجهوا الى المدينة يريدون قتال النبي ﷺ والمسلمين ,وعلم r بمقدمهم , فامر اصحابه بحفر خندق حول المدينة لصد المشركين ومنعهم من دخول المدينة . ولم يكتف اليهودي حُيَيُّ بن اخطب , بما فعل بل قدم على بني قُرَيْظَة في حصونهم وما زال يحرضهم على نقض عهدهم مع النبي ﷺ ذلك العهد الذي يلزمهم بنصرة المسلمين ضد من يريد مهاجمة المدينة , أو وقوفهم على الحياد في الاقل , حتى استجاب يهود بني قُرَيْظَة الى تحريضه , فأعلنوا الخيانة ونقض العهد والتعاون مع الاحزاب وهم المشركون المحاصرون للمدينة , مما جعل الامر شديدا جدا على المسلمين , وقد أشار القرآن الكريم الى ذلك , قال تعالى (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) ويقول الامام ابن كثير في تفسيره : ان الذين جاؤوا من اسفل المؤمنين هم بنو قُرَيْظَة لما نقضوا العهد . واخذت بنو قُرَيْظَة ترسل جماعات منها للاغارة على المدينة , فارسل النبي r قسما من جند المسلمين الى المدينة لمقابلة اليهود.  المغيرين عليها وردهم عنها حفاظا على الذراري والنساء فيها اذ كان خوف المسلمين على هؤلاء من هجمات اليهود اشد من خوفهم من هجمات قريش وغطفان من خلف الخندق . وبعد أن ردّ الله تعالى الاحزاب عن المدينة وزال الحصار عن المسلمين , توجه النبي ﷺ والمسلمون معه الى بني قُرَيْظَة ليضعوا حد لخيانتهم , فحاصرهم النبي r والمسلمون خمسا وعشرين ليلة , فلما اشتد عليهم الحصار وأبوا أن ينزلوا على حكم رسول الله ﷺ , قالوا ننزل على حكم سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وكانوا يطمعون في ميله باعتباره سيد الاوس وكانوا حلفائهم في الجاهلية. وقد رضي رسول الله r الن يكون الحكم بينه وبين بني قُرَيْظَة سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ , فقال سعد فاني أحكم فيهم ان تقتل مقاتلتهم وتسبى نساؤهم وذرايهم وتقسم أموالهم , فقال النبي ﷺ : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات. وقد نُفذ r فيهم حكم سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فقتل مقاتلتهم وكان عددهم اربعمائة وقيل ستمائة أو سبعمائة . تقدير هذه المعاملة: زعم بعض أعداء الاسلام ان معاملة النبي ﷺ كانت قاسية جدا وبعيدة عن العدل , وكان بسعه ان يجليهم عن المدينة كما اجلى بني قينقاع وبني النَّضِير‏‏. الرد على هذا الادعاء: والواقع ان هذا الادعاء باطل وبعيد عن الموضوعية وعن العدل الذي يطالبون به , وذلك للاسباب التالية : أولا: ان العقوبة تكون عادلة اذا كانت بقدر الجريمة فهل كانت عقوبة بني قُرَيْظَة ‏‏ بقدر جريمتهم ؟ والجواب , أن هذه المساواة لا يمكن ان تتضح الا بعد أن نكشف الغطاء عن جسامة جريمة بني قريظة , وهذا يستلزم بيان ما يأتي : جاء المشركون بجيش كثيف وحاصروا المدينة يريدون استئصال المسلمين. أن موقف المسلمين كان دقيقا وخطيرا جدا فهم في موقف الدفاع وراء الخندق وعددهم أقل من عدد المشركين المهاجرين . كان بين صفوف المسلمين مرجفون ومنافقون. ان اية جماعة تعاون المشركين في حربهم مع المسلمين , تكون تلك الجماعة في حالة حرب مع المسلمين , ومن باب أولى تكون في حرب مع المسلمين اذا قاتلتهم فعلا . كان المأمول من يهود قُرَيْظَة ‏‏ معاونة المسلمين في قتالهم للمشركين كما تنص معاهدتهم مع النبي r على احدى الروايات , أو وقوفهم على الحياد كما جاء في رواية أخرى لطبيعة عهدهم مع النبي ﷺ . يهود بني قُرَيْظَة ‏‏ لم تقف على الحياد كما تنص المعاهدة بينهم وبين النبي r  بل نقضوها واعلنوا معاونتهم للمشركين والمهاجمين وارسلوا فعلا جماعات منهم لقتال المسلمين في المدينة والاغارة على من فيها من النساء والذراري . نشط المنافقون فاخذوا يرجفون ويثبطون عزائم المسلمين ويشيعون فيهم الوهن بحجة ان بني قُرَيْظَة ‏‏ دخلت الحرب مع المشركين ضد المسلمين وان هزيمة المسلمين لا شك فيها . أظطر المسلمون الى المحاربة في جبهتين : جبهة اليهود وجبهة الاحزاب مما جعل قوة المسلمين موزعة على هاتين الجبهتين. ثانيا : تكييف جريمة بني قُرَيْظَة ‏‏: في ضوء ما بيناه يمكن القول : ان اقل ما توصف به جريمة بني قُرَيْظَة ‏‏ هو وصف الخيانة العظمى ضد الدولة , وفي الوقت الذي كان يحاصرها فيه عدوّ قوي مع نقض العهد في احرج الظروف ومع قاتلة المسلمين فعلا ومعاونة الاحزاب المحاصرين للمدينة . ثالثا : اصرارهم على عداوتهم للنبي ﷺ : ومع جسامة جيمتهم هذه فقد اصروا على عداوتهم وعلى اظهار هذه العداوة للنبي r , ولم يفكروا في اظهار الندم على خيانتهم ولم يطلبوا العفو من النبي ﷺ ولم يقدموا أي عذر , يدل على ذلك ان طلائع المسلمين بقيادة علي بن ابي طالب رضي الله عنه التي وصلت الى حصون بني قُرَيْظَة ‏‏ قبل ان يصل النبي ﷺ ومن معه الى هذه الحصون , قابل يهود بني قُرَيْظَة ‏‏ هذه الطلائع الاسلامية بالسباب والشتائم والنيل من النبي r رابعا : قبول من اختاروه حكما بينهم وبين النبي r : ومع جسامة جريمتهم واصرارهم على عداوتهم واظهار هذه العداوة للمسلمين ورفضهم الاعتذار أو التماس العفو , قثد رفضوا النزول على حكم رسول الله ﷺ واختاروا سعد بن معاذ ليكون هو الحكم , وقد رضي رسول الله r بذلك فحكم عليهم سعد بما حكم . عدالة العقوبة: وبناء على ما قدمناه , تبدو العقوبة عادلة كل العدل لانها بقدر الجريمة بل اقل مما تستحق هذه الجريمة . أما انها عقوبة قاسية , فالعقوبة ليست مكافأة على فعل جميل وانما هي عقاب على فعل قبيح , وليس من شرط العدالة في العقوبة ان تكون لينة هينة , فالقسوة لا تنافي العدالة. هل هناك بديل عن عقوبة القتل؟ ويزعم انصار يهود بني قُرَيْظَة ‏‏ انه كان من الممكن الاكتفاء باجلائهم عن المدينة كما أجلى ﷺ بني قينقاع وبني النَّضِير‏‏ وهذا الاجلاء عقوبة تكفي للتخلص من شرهم. الرد على البديل المقترح: وهذا البديل المقترح مردود من وجوه كثيرة منها : أولا : انه ينظر الى مصلحة اليهود ودفع ما يستحقون من عقاب عنهم ولا ينظر الى مصلحة البهود ودفع ما يستحقون من عقاب عنهم ولا ينظر مصلحة المسلمين المشروعة في اخذ الحيطة لأمنهم في المستقبل من غدر اليهود المحتمل جدا. ثانيا : ان جلاء يهود بني قينقاع وبني النَّضِير‏‏ كان عقابا فيه تسامح كبير فهو اقل من جرمهم . ولكن لا يجوز الحاكم العادل بالتسامح دائما مع المجرمين , وانما يطالب دائما بالعدل , وما دفع بني قُرَيْظَة ‏‏ هو محض العدل كما بينا. ثالثا : ان التسامح مع بني قُرَيْظَة ‏‏ بالاكتفاء باجلائهم عن المدينة يعرض المسلمين الى الخطر مرة اخرى , لأن عداوة اليهود للمسلمين لا يزيلها عفو عنهم او تسامح معهم , فمن المحتمل جدا ان يعيدوا دور حُيَيُّ ‏ بن اخطب في تحريضه المشركين لمقاتلة المسلمين , لا عداوة هؤلاء اليهود بلغت حدا منعتهم من طلب الرأفة من المسلمين وجعلتهم يعلنونها وهم يساقون الى الموت , فقد قال حُيَيُّ ‏ بن اخطب وهو يساق الى القتل وقد وقعت عيناه على النبي r ( اما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يخذل الله بخذل ) . الخلاصة: والخلاصة فان عقوبة بني قُرَيْظَة ‏‏ ‏ كانت عادلة لانها اقل من جريمتهم بقدرها , ولا يحق لمجرم مصّرعلى جريمته وهي الخيانة العظمى ونقض العهد , ان ينتظر الرأفة والتسامح, وانما له ان يطلب العدل في عقابه , والعدل موفور في عقاب بني قُرَيْظَة ‏‏ يبصره كل منصف.
[1] امتاع الاسماع للمقريزي ص 14 ,25 , 226
[2] امتاع الاسماع للمقريزي ص 181
[3] تفسير ابن كثير ج 3 ص 47
[4] امتاع الاسماع للمقريزي ص 228
[5] السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص 239
[6] روح الاسلام للاستاذ امير علي ص 94
[7] حياة محمد ﷺ للاستاذ محمد حسين هيكل ص 330
[8] السيرة النبوية للامام ابن كثير ج3 ص 339
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=160