المؤلفات --> مقالات
تقديم الدكتور عبدالكريم زيدان لكتاب ( نداء الروح)
تقديم الدكتور عبدالكريم زيدان لكتاب " نداء الروح
"
كتاب "نداء الروح " من تأليف الدكتور فاضل صالح السامرائي, كتبه في عام 1378 هـ - 1958 م وقدم له الشيخ عبدالكريم زيدان لما وجد فيه من ابحاثا جيدة, ونافعة في الايمان بالله تعالى, واليوم الاخر, واثبات وجود عالم روحي غير عالمنا المادي, وان الانسان مادة وروح وغيرها بالإضافة الى ما وجده في المؤلف من علائم الايمان ما جعله قريبا الى قلبه.
لقد غشيت البشر في عصرنا الحاضر موجة هائلة من المادية القاسية ,سدت عليهم منافذ الجانب الروحي من كيانهم , ولفتهم ظلمة صاروا معها لا يستبينون طريق الحق ولا معالم الصواب. ولا يزال ركب الانسانية موغلاً في سيره في هذا الدرب المظلم, مستسلما لهذه الموجة المادية الطاغية
...
ونحن لا نبالغ اذا قلنا أن
اعظم ما يمتاز به عصرنا الحاضر هو تضخيم الجانب المادي في الحياة البشرية مع ضمور هائل في الجانب الروحي من هذه الحياة ... ولا يمكن للإنسان ان يحيا حياة طيبة ويسعد في عيشه إلا اذا أعطى كل جانب (الروحي والمادي)حقه من الرعاية والاهتمام . وبهذا وحده فقط يكون الانسان انساناً سوياً قادراً على تحقيق الغرض الذي خُلق من اجله منسجما مع هذا الكون الفسيح الذي هو جزء منه ولكنه جزء ممتاز جداً هو اشرفُ ما فيه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) {الاسراء}. ونحن اذا تلمسنا اسباب هذه الحالة التي اتينا على ذكرها انفاً, لألفيناها ترجع الى علة اصلية هي (شرود الناس عن ربهم ونسيانهم إياه وجهلهم به). ولهذا فان من انفع واجل وافضل ما يقوم به المسلم اليوم ما يبذل من جهد في تذكير الناس بربهم وتعريفهم به وردهم اليه عن طريق الكتابة والمحاضرة والمناقشة والدرس والتأليف والمجادلة بالتي هي احسن ...الخ.
ونحن نعترف ان هذا المطلب ليس بالمطلب اليسير – لأسباب مختلفة ليس هنا محل بسطها وتفصيلها – ولكنه على كل حال ليس بالمستحيل, وكل صعب يهون, و
كل عسير يسهل مع العمل الدائم والجهد المتواصل, والنية الصادقة التي لا تتلفت الى المغانم والى ما في ايدي الناس... ومما يعين في تحقيق هذا المطلب ان في الكيان الانساني فراغاً لا يسده إلا الايمان بالله تعالى (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا({الروم} هذا وان المتأمل يرى ان لا شيء في الوجود أظهر من وجود الله تعالى , ولا شيء اكثر ادلة تدل عليه من الله تعالى... ولا ينقض قولنا هذا وجود المنكرين وثرثرة الجاحدين لان الانسان قد ينكر الواضحات لانتكاس بصيرته او عماها او للحجاب المفروض عليها , قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ({الحج} والادلة على وجود الله تعالى بلغت حداً من الكثرة يصعب حصرها في عد أو احصاء , فما شيء في العالم إلا وهو ناطق (أن لا إله إلا الله) ولكن الانسان ظلوم جهول كفور (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) { عبس} يمر على الآيات وتصدمه الدلالات البينات فيغمض عينه لئلا يراها أو يمر بها وهو عنها معرض وبغيرها مشغول , يقول الله تعالى : (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) {يوسف
}.
ولكثرة الادلة على وجود الله تعالى كان كفر الانسان وجحوده وتمرده على ربه بالغاً اقصى حدود القباحة والشناعة والفظاعة مما جعل جزاءه الخلود في النار كما نطق بهذا القران الكريم في اكثر من اية ... والدليل لا يشترط فيه ان يكون على شكل خاص او من نوع خاص او على طريقة الفلاسفة واهل الكلام وإنما كل ما يشترط في الدليل ان يكون واضحاً موصلاً الى المدلول .... واحسن الادلة ما جاء ذكرها في القران الكريم وهي في جملتها تقوم على النظر في مخلوقات الله تعالى والتفكر فيها والاستدلال بها على خالقها : الرب جل جلاله وحكمته وقدرته ورحمته وصفات كماله لا سيما في زماننا الحاضر حيث وقف الانسان على دقائق خلقة المخلوقات وعجائب تركيبها وصنعها ...
فاذا امن الانسان بربه جره هذا الايمان الى الايمان بالنبواتوباليوم الاخر , وبنبوة محمد ﷺ واتباع ما جاء به من ربه, وتفصيل هذا هو ان من يؤمن بالله تعالى وحكمته ورحمته لا يمكنه الا ان يؤمن بان الله تعالى لا بد ان يرسل رسلاً للناس يوضحون لهم السبيل ويرشدونهم الى الطريق القويم. اي يبينون لهم كيفية السير في هذه الحياة والنظام الذي يتبعونه , لان الرب جل جلاله الذي لا يغفل عن اصغر مخلوق في الكون بل يلهمه ما يصلح له وما به كماله لا يمكن ان يغفل عن الانسان ويتركه هملاً دون بيان لما يصلح به ودون كشف عن معالم الحق والصواب, ولا يقال ان العقل يكفي لهدايته فالعقل وحده لا يستقل بهذه المهمة وان كان ضروريا لتفهم ما يلقيه الله تعالى اليه على السنة رسله . والقول خلاف ما ذهبنا اليه تنقيص في حق الله تعالى وعدم تقديره حق قدره, قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) { الانعام} فالله تعالى يرد على منكري النبوات ويجعل انكارهم هذا تنقيصا له سبحانه وتعالى, وعدم تقديره حق قدره وجهلاً به وبصفات كماله وما تستلزم هذه الصفات من ارسال رسل للناس.
فاذا امن الانسان بربه وبأنبيائه ورسله امن باليوم الاخر حتما, لان ارسال الرسل يستلزم حتما امراً ونهياً وبالتالي طاعة وعصياناً من البشر وبالتالي لا بد من حساب على هذه الطاعة وهذا العصيان. ولما كان الحساب والجزاء لا يأتيان إلا بعد الفراغ من أعمال الانسان, وأعمال الانسان لا تتم إلا عند موت الانسان فلا بد اذاً من حياة اخرى للإنسان ليلقى حسابه وينال جزاءه وهذا هو اليوم الاخر. فاذا تبين هذا – وهو بّين بحمد الله تعالى – فإنكار اليوم الاخر تنقيص بقدر الله تعالى وتنقيص بصفاته الكاملة يتعالى عنه الله تعالى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) { المؤمنون}, فالله تعالى يرد ظن من يظن ان البشر يتركون هملاً بلا امر ولا نهي اي بلا ارسال رسل اليهم , كما يرد ظن من يظن ان البشر لا يرجعون الى الله تعالى.
فاذا امن الانسان بربه وباليوم الاخر وبالنبوات فلا بد ان يؤمن برسالة محمد ﷺ لأنه ما من دليل يقام على اثبات نبوة نبي او رسالة رسول الا وهذا الدليل اكبر واوضح منه موجود في اثبات رسالة محمد ﷺ, ولو لا التعصب الذميم وإلف العادات وما يتوارثه الابناء عن الاباء لا من الجميع بنبوة ورسالة محمد ﷺ لا سيما ومعجزته (القران الكريم)باقية موجودة بين ايدي الناس بخلاف معجزات غيره من الرسل.
فاذا امن الانسان بربه وباليوم الاخر وبالنبوات وبرسالة محمد ﷺ اقتضاه هذا الايمان ان يتبع هدى الرسول ﷺ وما جاء به من ربه. إذ لا معنى للإيمان بالرسول بدون طاعته واتباع ما جاء به . فاذا فعل الانسان هذا يكون عند ذاك قد اعطى لجانبه الروحي حقه من الرعاية والاهتمام. فيكون انساناً سويا قادراً على تحقيق الغاية التي خلق من اجلها منسجما مع الكون , سعيداً في عيشه.
وبعد فهذه مقدمة قصيرة أقدم بها كتاب (نداء الروح) للأخ فاضل صالح السامرائي الذي كنت المح فيه منذ سنين من علائم الايمان ما جعله قريبا الى قلبي , ولا ازكي على الله احدا.
ان هذا الكتاب يضم ابحاثا جيدة, ونافعة ان شاء الله تعالى في الايمان بالله تعالى, واليوم الاخر, واثبات وجود عالم روحي غير عالمنا المادي, وان الانسان مادة وروح. كل هذا وغيره كتبه المؤلف بأسلوب واضح جذاب مع نقول من كتب مختلفة تؤيد ما ذهب اليه, وحسب المؤلف ان يثيبه الله تعالى اجراً على نيته وجهده في اخراج هذا الكتاب سواء رضي الناس عنه او سخطوا فما ينبغي للمسلم ان يعمل لمرضاة الناس او سخطهم.
واني
ادعوا الله تعالى ان يجعل هذا الكتاب سبباً الى هداية مرتاب وزيادة في يقين مؤمن, وازالة لشبهة, ورد لمبطل او باطل, وكشف لتلبيس, وتثبيت لمسلم, وان ينفع به كاتبه وقارئه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
عبدالكريم زيدان
27
ربيع الاول 1378 هـ الموافق
10
تشرين اول 1958 م |