المؤلفات --> مقالات
مقال تصحيح المفاهيم وتقويم الموازين
تصحيح المفاهيم وتقويم الموازين مقال كتبه الدكتور عبدالكريم زيدان, ونُشر في مجلة المسلمون التي كان يصدرها الشيخ سعيد رمضان, وهي من أرقى المجلات التي صدرت في الخمسينيات والستينيات، تستقطب جماهير المسلمين في جميع أنحاء العالم، ويكتب فيها أساطين العلم وقادة الفكر، وكبار الدعاة والزعماء المصلحين، وينتظر المسلمون صدورها بفارغ الصبر، وقد صدرت بسورية فترة من الزمن بإشراف الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين آنذاك ثم في جنيف بإشراف د. سعيد رمضان .    بقلم الدكتور عبدالكريم زيدان اعتنى الاسلام عناية كبيرة بتصحيح مفاهيم الناس عن الكون والحياة, وبتقويم موازينهم التي يزنون بها الاشياء والاشخاص ... ونجد هذه العناية واضحة في كثير من نصوص القران والسنة ... ولا غرابة ولا اسراف في هذه العناية من الاسلام , لان صحة اعمال الانسان واستقامة تصرفاته منوطة بصحة مفاهيمه واستقامة موازينه ... ومن المستحيل ان يكون ما صدر من الانسان صحيحا مقبولا اذا كان وراءه مفهوم فاسد او ميزان مختل ... والمفروض المأمول في المسلم ان لا تكون له مفاهيم غير التي بينها الاسلام , ولا موازين غير التي نصبها الاسلام ... ولكن هذا المفروض المأمول قد لا نجده في واقع المسلم , أو نجده على نحو فاسد او مضطرب او مختلط بغيره. ولا نبالغ اذا قلنا اننا لا نجد هذا المفروض المأمول في واقع المسلمين اليوم الا على وجه الندرة وفي القلة القليلة من ملاين المسلمين ... ان هذا الواقع المرير هو احدى العلل الكبار المسؤولة عما نجده في المسلمين من ضعف وهوان وخروج عن مناهج الاسلام من قبل المحكومين والحكام على حد سواء ... ولهذا كان لزاما على المهتمين بأمور المسلمين (ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ان يولو هذا الموضوع الخطير ما يستحق من عناية واهتمام, وان لا يكتفوا بالنواح والرثاء والاسف والتحسر على احوال المسلمين وتعداد نقائصهم, لان ما يرونه من احوال المسلمين واعراضهم عن معاني الاسلام انما هو اعراض لعلل ابتلوا بها. وانما يصلح العلاج ويؤمل الشفاء اذا تناول العلاج اصل العلة ولم يقف المعالج عند الاعراض ... ومن سبل العلاج الحكيمة – في رأينا – عرض مفاهيم الاسلام وموازينه بوضوح وجلاء , ودعوة المسلمين الى عرض نفوسهم عليها ليروا مدى التوافق والاختلاف بين ما عندهم من مفاهيم وموازين وبين ما يعرضه الاسلام في هذا المجال ... فاذا رأوا توافقا وتطابقا حمدوا الله وثبتوا على ما عندهم. واذا رأوا غير ذلك حملوا نفوسهم على الوضع الصحيح بتصحيح مفاهيمهم الفاسدة وتقويم موازينهم المعوجة ليسلم لهم دينهم من الزيغ والزلل, وتصفو لهم اعمالهم من الكدر. وانما يحسن هذا الاسلوب الذي وصفناه بانه من سبيل المعالجة الحكيمة, لان المفروض في المسلم انه يؤمن بالله واليوم الاخر, وانه, شأنه شان كل انسان, حريص على ما ينفعه ويسعده. خائف مما يضره ويشفيه. فإذا انكشف للمسلم طريق منفعته وسعادته. وطريق مضرته وشقاوته, سلك الطريق الاول وهجر الثاني بدافع من حب الذات ووقايتها من كل أذى وعذاب ... ونحن من هذه المقالة نعرض على سبيل التمثيل فقط, بعض المفاهيم والموازين في الاسلام وما يقابلها عند المسلمين ليظهر مدى التوافق والاختلاف بين ما عندهم وعند الاسلام, والله المستعان. اولا – مفهوم الفوز والفلاح مفهوم الفوز والفلاح عند عموم المسلم لا يتجاوز الظفر بمتع الحياة واغراض الدنيا وما يؤدي الى ذلك من وسائل واسباب ... كالحصول على شهادة أو وظيفة, أو منصب أو ‏جاه, أو سلطان, أو ثناء, أو مال, أو ربح مادي, أو مسكن مريح أو امرأة جميلة أو طعام لذيذ وعيش رغيد وغير ذلك مما يتعلق بشهوات الجسد وحب التسلط على الاخرين ... وهذه كلها من اغراض الدنيا ومتاعها القليل ... وتأسيسها على هذا المفهوم, كأن الفائز المفلح في ميزان الناس من نال هذه الاشياء بقدر وافر كثير ... ولهذا المفهوم وما ترتب عليه من ميزان الناس أثر خطير جدا في واقع المسلمين, ذلك ان المسلمين انطلقوا الى تحصيل هذه الاشياء وان ادى بهم التفريط بحقوق المسلمين وموالاة الاعداء وارتكاب الحرام ومخالفة احكام الاسلام الصريحة بالتأويل الباطل او بالعصيان الصريح ... ومن الواضح ان المسلمين, وهذا هو ميزانهم, لم يقدموا شيئا يذكر للإسلام, لان همهم صار مقصورا على ما عددنا من اغراض, واذا ذُكروا بحق الاسلام عليهم تهربوا من التذكير وربما تجرأ بعضهم فقال ان الاسلام لا يحقق لهم ما يريدون ... ان مفهوم الفوز والفلاح في الاسلام غير هذا الذي يراه عموم الناس ويتزاحمون عليه ... انه المفهوم الحق الذي يجب ان يسلم به كل مسلم يؤمن بالله واليوم الاخر ... انه النجاة من عذاب الله والظفر بالجنة حيث النعيم الدائم المقيم ... قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) وأي فوز أعظم من دخول الجنة وفيها النظر الى وجه الله الكريم والاحساس برضوان الله, وهذا وذاك اعظم نعيم على الاطلاق ... وفي الجنة غير هذا وذاك, فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... ان هذا الفوز هو الفوز الحقيقي في ميزان الاسلام وميزان العقل وميزان الحساب ... اما في ميزان الاسلام فهذا كلام الله الذي ذكرناه – ومثله في القران كثير – شاهد على صحة ما نقول , ومن اصدق من الله قيلا ... واما في ميزان العقل, فلا نحسب عاقلا يؤمن بالله واليوم الاخر يستطيع ان يكابر في هذه الحقيقة او يعتبر الفوز في اليوم الاخر ادنى رتبة من الفوز بنعيم الدنيا ... واما في ميزان الحساب, فأن الفائز بنعيم سنة اربح صفقة واكثر فلاحا واعظم فوزا من الفائز بساعة نعيم ... فهذا ميزان الحساب والارقام وهو ميزان صحيح وسليم. واذا كان هذا صحيحا وهو صحيح, فما نسبة نعيم الدنيا المتناهي الى نعيم الاخرة غير المتناهي؟ وما قيمة ما يحوزه الانسان في عمره القصير من نعيم الدنيا القليل بالنسبة الى ما ينتظر الفائزين من نعيم دائم مقيم؟ الا يحق لنا ان نقول ان الفوز في الاخرة هو الفوز الحقيقي وان الفوز بمتع الحياة فوز على وجه المجاز؟ لقد شبه رسول الله ﷺ  الحياة ومتعها ونعيمها بتشبيه رائع محسوس فقد جاء في الحديث الشريف (والله ما الحياة الدنيا في الاخرة الا كما يغمس احدكم اصبعه في اليم فلينظر ماذا يرجع اليه ). وإذا تبين ان الفلاح والفوز الحقيقي هو الفلاح والفوز في الاخرة, وان هذا الفوز جدير بحرص المسلم عليه ورفع بصره اليه وبذل جهده في الوصول اليه, فما سبيل هذا الوصول, وما وسائل الظفر به؟ ان الاسلام بين هذه السبيل وكشف عن هذه الوسائل, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وقال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ). وقال تعالى: (لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وقال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). فالأيمان بحقائق الاسلام, والصبر بمعناه الواسع, وتقوى الله في السر والعلن, والامر بالمعروف والنهي عن المنكر, والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس, وعبادة الله وحده وعلى رأسها الصلاة, وفعل الخير بأنواعه, كل ذلك وأمثاله وسائل تؤدي الى الفلاح الحقيقي والفوز الحقيقي. فمن اخذ بهذه الوسائل فهو من المفلحين حقا وان اعتبره الناس من الخائبين ... ومن هجرها واتبع هواه وركض وراء اللذات فهو من الاشقياء التعساء لان اهوائه ولذاته تدفعه الى الشقاء المؤكد وان اعتبره الناس من السعداء, قال تعالى: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ). ويقول الامام القرطبي في تفسير هذه الآية: (غلبت علينا لذاتنا واهواؤنا. فسمى اللذات والاهواء شقوة لانهما يؤديان اليها). ثانيا – مفهوم التهلكة المفهوم الشائع للتهلكة عند عموم الناس, هو تعرض الانسان لما يؤذيه او يفوت عليه راحته او حياته بغض النظر عن الدوافع والغايات ... وقد سحبوا هذا المفهوم على من يصيبه اذى وهو يقوم بحق الاسلام في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهر بالحق والدعوة الى الاسلام والوقوف بوجه الطغاة الضالين, والجهاد في سبيل الله بالقول والعمل والمال والنفس ... ويستشهدون بقوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). لقد ظلم هؤلاء معنى هذه الآية الكريمة وانزلوها على غير مفهومها الحق. ان مفهومها الحق هو عكس ما فهموه ... ان التهلكة في ميزان الاسلام ومفهوم هذه الآية ان تفر من الهلاك في سبيل الله مؤثرا العافية والاقامة بين الاهل والولد منشغلا في تثمير المال وتكثيره ... فقد روي عن ابي ايوب الانصاري رضي الله تعالى عنه انه قال في هذه الآية انما نزلت فينا معشر الانصار. لما نصر الله تعالى نبيه وأظهر الاسلام, قلنا: نقيم في اموالنا نصلحها, فانزل الله تعالى الآية (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فالألقاء بأيدينا الى التهلكة ان نقيم في اموالنا ونصلحها وندع الجهاد. وتأسيساً على هذا المفهوم الحق لا يكون تهلكة في مفهوم الاسلام هلاك المسلم او لحوق الاذى به أو خسارة ماله او فقدان حريته و أو زوال وظيفته, أو اضطهاده, اذا كان ذلك في سبيل الله وكان ذلك واجبا عليه او مستحبا. فالقيود في هذه المسالة ثلاثة: ان يكون الهلاك في سبيل الله فاذا كان في غير سبيله كما لو كان لطلب الثناء والمنصب والسمعة وما الى ذلك فالتعرض للهلاك حرام. والقيد الثاني ان يكون ذلك عليه واجبا او مستحبا. والوجوب والاستحباب يوزنان بميزان الاسلام كما هو مذكور في كتب الفقه والتفسير والسنة. والقيد الثالث ان لا يفوت هلاكه على المسلمين مصلحة مؤكدة, فاذا فوت كان محظورا عليه التعرض للهلاك. وسر المسالة ان نفس الانسان ليست ملكه على التحقيق وانما هي ملك خاقها الله جل جلاله, فلا يجوز للإنسان ان يتصرف بنفسه الا على النحو الذي يأذن له به مالكها , فأذا اذن له بتعريضها للهلاك او امره بذلك وجب عليه الاسراع الى هذا الهلاك. واذا منعه المالك من تعريض نفسه للهلاك كفها عنه ووقاها منه وان كان هواه في هذا العرض للهلاك والبلاء. وهذا موضع دقيق تختلط فيه الاهواء والله هو الموفق للصواب. ثالثا – مفهوم الربح المفهوم العام للربح ان تأخذ اكثر مما تعطي وتحصل اكثر مما تبذل وهذا المفهوم معروف في امور الدنيا كما في البيع والشراء والاجارات وسائر المعاوضات...وهذا المفهوم للربح وان كان صحيحا سليما ان كان في المعاملات الحلال الا انه يكون قاصرا اذا اقتصر عليه دون سواه... ان للربح مفهوم اخر دقيقاً نبه عليه الاسلام, وهو احق المفاهيم بالرعاية والحرص, وانفعه للإنسان وان كان هذا المفهوم اول ما ينساه ويغفل عنه الانسان ... هذا المفهوم الحق للربح هو ربح الحسنات لا ربح الجنيهات ... ومن اجل هذا الربح الجسيم جادت نفوس العارفين ببذل اموالهم غير آسفين ولا نادمين ... روي عن اب عثمان الهندي عن صهيب, قال: لما اردت الهجرة من مكة الى النبي ﷺ  قالت لي قريش: يا صهيب قدمت الينا ولا مال لك, وتخرج انت ومالك؟ والله لا يكون ذلك ابدا. فقلت لهم: أرأيتم ان دفعت اليكم مالي تخلون عني؟ قالوا نعم. فدفعت اليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال (ربح صهيب) وصهيب لم يربح درهم ولا ديناراً بل خسر دراهمه ودنانيره, فهو الخاسر في ميزان الصيارفة والتجار عباد المال ... ولكنه في ميزان الاسلام رابح على وجه التحقيق اعظم ما يكون الربح ... انه ربح الحسنات بهجرته الى الرسول الكريم  ﷺ  (ربح صهيب) من مجاز القول ولكنه الحقيقة التي لا مجاز فيها. وتباً لمفهوم يجعل ربح الحسنات عند خالق السماوات من مجاز القول, ويجعل ربح الاحجار من الحقيقة لا المجاز ... فبذل المال في سبيل الله ربح أكيد هو اعظم من ربح التجار في البيع والشراء, لأنه ربح مضمون عند الغني القادر, يظهر للإنسان أحوج ما يكون اليه ويسلك به الى جنات النعيم ... وكون هذا الربح لا يظهر أثره الا في الآخرة لا ينقص من قدره , فالتاجر الذكي يبذل المال الكثير بانتظار الربح الكثير يأتيه في المستقبل. اما الذي لا يرضى الا بالربح العاجل في الدنيا فمثله مثل الطفل لا يدع ما في يده حتى ولو وعدته صادقا – وانت القادر – ان تعطيه غدا اضعاف ما في يده. رابعا – ميزان التفاضل للإسلام موازينه في تقييم الاشياء والافعال والاشخاص , وفي التفاضل بينها. ولا نحسب ان هذه الموازين معمول بها عند عموم المسلمين ... فالعمل الصالح في ميزان الاسلام خير ما يجب ان يحرص عليه الانسان وهو افضل ما يجد في دنياه. جاء في الحديث الشريف عن النبي  ﷺ (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها). والغدوة في سبيل الله ليست اصطيافا في جبال لبنان ولا متعة من متع النفس, ولا لذه من لذائذ الجسد, وانما هي جهاد وما فيه من تعب ونصب وتعرض للهلاك ... ومع هذا يقول سيد العارفين انها خير من الدنيا وما فيها ... والغدوة, بعد هذا, التي جاءت في الحديث, فيها اشارة الى ان الاعمال الصالحات المراد بها وجه الله الكريم هي دائما خير من متاع الدنيا وهي دائما في مقام التقديم والتفضيل في ميزان الاسلام ... وانما كان لهذه الاعمال الافضلية والتقديم لأنها تثمر ثواب الله, وثواب الله خير ما يؤتاه الانسان , وأفضل ما يناله في دنياه, وهذا هو ميزان الاسلام, اقرأ ان شئت قول الله تعالى : (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فما من شيء يؤتاه الانسان في هذه الدنيا من مال وولد وسلطان وعافية ونحو ذلك فهو شيء تافه حقير. وما عند الله من ثواب ونعيم للمؤمنين العاملين خير من هذا الذي اوتيه الانسان. أن هذا المعنى الجليل والميزان الدقيق والفقه العميق كان في حيز ادراك العارفين. اما طلاب الدنيا وأحبابها فانهم بعيدون عن هذا الادراك ... ان نفوسهم تحوم حول متاعها وان لعابهم يسيل كلما تذكروا هذا المتاع الزائل القليل, بل ويعتبرون بميزانهم المختل السعيد من ظفر بالمال وولغ في لذائذ الحياة ... وفي قصة قارون مثل على ميزان هؤلاء . فقد اوتي قارون من المال ما اخبر الله عنه (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) ثم حصل ما قصه الله علينا: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ولكن العارفين الماسكين بميزان الاسلام المدركين قدر ثواب الله, لم يرضهم قول اولئك فردوا عليهم بما اخبرنا الله به: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) ويتكرر هذا المشهد في كل عصر فهناك من يمثل قارون والمتمنين مكانته, وهناك الناظرين الى ما عند الله الرادين على هؤلاء المتمنين. وخير الناس وافضلهم في ميزان الاسلام , المجاهد في سبيل الله, فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله ﷺ : (مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله...) اما في ميزان الناس فافضل الناس المجاهد في سبيل الهوى والسمعة والسلطان والطاغوت والشيطان ... بل ومن انتكاس موازين الناس انهم صاروا يعيبون عن المجاهدين في سبيل الله بأقلامهم وأفعالهم واموالهم. وبنفس ميزان التفاضل في الاسلام يوزن استحقاق الانسان للتقدم عند ذوي السلطان ونوال العطاء من بيت المال ... ومن تطبيقات ذلك ان الخليفة الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذن لبلال بالدخول عليه قبل ابي سفيان ولما سئل عن ذلك قال: بلال اسبق اسلاما وهجرة من ابي سفيان او كما قال , ولم ينظر الى نسب ابي سفيان وقوم ابي سفيان, لان الاحساب والانساب والاجناس لا قيمة لها في ميزان الاسلام, وانما يثقل هذا الميزان بالتقى والسابقة والجهاد. اما في موازين الناس اليوم فالأمر معكوس كما هو المحسوس المنظور والله المستعان. وروي ايضا عن هذا الخليفة الراشد انه قسم مروط بين نساء اهل المدينة فبقي منها مرط جيد, فقال له بعض من عنده: يا امير المؤمنين اعط هذا ابنة رسول الله ﷺ  التي عندك (يريدون ام كلثوم بنت سيدنا علي رضي الله عنه) فقال: ام سليط احق به, فأنها من بايع رسول الله ﷺ  وكانت تزفر لنا القرب يوم أحد. فأم سليط سبقت ام كلثوم في استحقاق المرط لأنها سبقتها في الجهاد والبيعة وان تأخرت عنها في النسب الرفيع. وفي موازين اليوم السبق لذوي الاحساب والانساب ولذي القربى من السلطان. هذه بعض موازين الاسلام ومفاهيمه, اضعها بين يدي القارئ الكريم عسى ان ينتفع بها وينفع بها ويشيعها بين الناس, والله الموفق للصواب والحمد لله رب العالمين.
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=144