المؤلفات --> مقالات
تعقيب على مقال للشيخ محمد متولي الشعراوي
تعقيب على مقال للشيخ محمد متولي الشعراوي مقال كتبه الدكتور عبدالكريم زيدان ردا على ما ذكره الشيخ محمد متولي الشعراوي بمقال يحمل عنوان (الطريق الى الله). تعقيب الدكتور عبدالكريم زيدان نُشر في مجلة التربية الاسلامية العراقية بعددها الاول من سنتها العشرين والصادر عام 1398هـ/1978م بقلم الدكتور عبدالكريم زيدان تمهيد 1) قرأت للشيخ محمد متولي الشعراوي مقالات اعجبت بها غاية الاعجاب لما تضمنته من معانٍ دقيقة تدل على فهم عميق للإسلام, وكان مما قرأته له اخيرا مقالة بعنوان (الطريق الى الله) اشتملت على مسائل مهمة تتعلق بالأيمان بالله تعالى. وقد ورد في هذه المقالة كلام أفزعني وأحزنني وجعلني اقف عنده طويلاً واكرر قراءته مفكرا متأملاً ما فيه خوفا من الخطأ في فهم المراد منه. ولكن مع الاسف لم اجد خطأ فيما فهمته من هذا الكلام فزاد حزني وفزعي وعجبت كيف يصدر هذا الكلام من هذا الشيخ الذي طالما اسمعنا الجيد من القول والصواب من الآراء وعرض علينا المعاني الدقيقة في الاسلام مدعومة بالدليل والبرهان بأسلوب واضح رصين, ولكن الانسان غير معصوم من الخطأ من الاقوال والاعتقادات, وكل انسان يؤخذ منه ويرد عليه الا رسول الله سيدنا محمد ﷺ. والعَالِم كغيره من الناس معرض للزلل والانحراف ولهذا أمر الله تعالى المسلمين جميعا, العلماء منهم وغير العلماء بطلب الهداية منه تعالى في أشرف هيأتهم وأحوالهم أي في صلواتهم وذلك بقراءة سورة الفاتحة التي فيها قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهذه الهداية المطلوبة تتضمن معرفة الحق بأنواعه وجزئياته, ومحبته والعمل به والدوام عليه حتى تنقضي رحلتنا على الارض ونرجع الى ربنا الكريم فنلاقيه (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ). 2) وقد ترددت اول الامر في الرد والتعقيب على الشيخ في كلامه الذي سأذكره, ولكن رأيت من واجب بيان العلم وعدم كتمانه, وواجب النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وعامة المسلمين أن اكتب هذا الرد حتى لا يقع احد من المسلمين الذين يقرأون مقالة الشيخ في الباطل الذي اشتمل عليه كلامه المردود عليه. لاسيما وان الامر يتعلق بأصول العقيدة الاسلامية. 3) وقد رأيت من المفيد أن اذكر نصّ الكلام المردود عليه حتى يتبين للقارئ ما فهمته من هذا الكلام, وان ردّي يصب على هذا المفهوم الذي دلّ عليه كلام الشيخ بوضوح. الكلام المردود عليه: 4) قال الشيخ في صفحة (45- 47) من مقالته (الطريق الى الله) ما يلي: (اذاً فمن عظمة ربك أنك لا تدركه, واذا كان الله سبحانه وتعالى حينما يصف نفسه بقوله (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) لم يعطنا مثلاً الا بالنور وبعدها يجيء النور من الضياء وبعدها يقول لنا العلم الحديث: ان الضوء في ذاته لا يُرى وانما ترى به الاشياء, فاذا كان شيئا من خلق الله لا يرى لذاته انما ترى به الاشياء, فنقول للذي خلق هذا كيف لا يدرك؟ لا يدرك ولا يمكن ابداً لان من خلقه ما لا يرى وما لا يدرك, فكيف تتسامى انت لتدركه هو. فاذاً عدم ادراكه دليل على انه حقا هو الاله. فحين نعجز عن الادراك فان ذلك, يزيدك عشقا بغير المدرك هذا, ولكن الضوء الذي يقولون عليه انه موجود لما طلعوا في الجو واستطاعوا ان يقتربوا من الشمس مصدر الضوء كان المفروض انه يوجد ضوء اكثر ولكنهم لم يجدوا نوراً هناك ابدا انما وجدوا ظلاما لماذا؟ لان الضوء لا يُرى الا اذا كان فيه اشياء مادية مثل ذرات مائية او شيء من غبار ... الخ. اذن فالضوء لا يُرى بذاته وانما يُرى في اشياء. اذاً لما يقال لك, ان الله لا يُرى في كونه وفي اشيائه لا تتعجب لان هذا هو ما انتهيت اليه بعلمك, هو ان الضوء لا يرى ولكن اذا وجدت ذرات غبار يرى, اذن لما نقول لك ان الله يُرى وانما يرى في صنعته يبقى هذا كلام سليم وكلام علمي, وكلام منطقي. يأتون ويقولون لك: هذا الكون صدر من مادة فانية فكيف وجد؟ لا بد ان تكون هناك لأنك لا تتعامل الا بالمادة ولا تعمل شيئاً من لا مادة, انت تقيس المسائل بقدراتك وبعلمك, انما انت لا بد أن تقيسها بقوانينه وقدراته هو سبحانه لكن هو نور ومن نوره خلق الاشياء. والآن قالوا ان الضوء ممكن أن تطلع منه مادة, والمادة نقدر ان نعرفها وتبقى ضوءً). انتهى كلام الشيخ. المفهوم من هذا الكلام: 5) ويفهم من هذا الكلام بكل وضوح الامور التالية:    الأمر الاول: ان الله تعالى لا يُرى بذاته.    الأمر الثاني: ان الله تعالى يُرى في اشياء أي في مخلوقاته.    الأمر الثالث: ان الله نور ومن نوره خلق الاشياء. الرد على الامر الاول: 6) قول الشيخ (ان الله لا يُرى بذاته) قول باطل لا يجوز اعتقاده وذلك من وجوه كثيرة, منها: الوجه الاول– قال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال المفسرون في تفسير هذه الآية: "ان المؤمنون يرون ربهم عياناً يوم القيامة" اما ما ذهب اليه المعتزلة من ان الله لا يرى مُستدلين بقوله تعالى (لَن تَرَانِي) جواباً لموسى عليه السلام عند طلبه رؤية الله, واستدلوا بقوله تعالى (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) فهذا الاستدلال من المعتزلة لا يدلُ على مدعاهم بل يدل على اثبات الرؤية للأسباب الاتية:       أ-لو كانت رؤية الله تعالى مستحيلة لما طلبها موسى عليه السلام.       ب-قال تعالى (لَن تَرَانِي) ولم يقل اني لا أُرى.       ج-منع موسى عليه السلام من رؤية الله لان قواه في الدنيا لا تحتمل رؤية الله تعالى, يدل على ذلك ان الله تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل بقوله تعالى (وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) فاعلمه الله تعالى ان الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت لتجلي الله في هذه الدنيا فكيف بموسى عليه السلام وهو من البشر الذي خلق من ضعف؟ ثم ان تعليق الرؤية على استقرار الجبل تعليق بأمر ممكن فتكون الرؤية ممكنة غير مستحيلة.       د- ادعاء المعتزلة بان (لن) حرف يفيد النفي على التأبيد وبالتالي فان رؤية الله منفية عن العباد في الدنيا والاخرة. هذا الادعاء باطل, لان (لن) لا تفيد التأبيد المطلق وبهذا صرح أئمة اللغة وورد به القران الكريم. قال ابن مالك في ارجوزته:  ومن رأى النفي بلن مؤبداً     فقوله اردد وسواه فاعضدا وقال تعالى عن اليهود (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا) أي لا يتمنون الموت مع قوله تعالى عنهم وعن أمثالهم من الكفرة يوم القيامة (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ).       هـ- اما تعلقهم بقوله تعالى (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ), فلا تصلح دليلاً لهم على نفي رؤية الله جلَّ جلاله, لان الله تعالى انما ذكرها في سياق التمدح, ومعلوم ان المدح انما يكون بالصفات الثبوتية. واما العدم المحض فليس بكمال فلا يمدح به, وانما يمدح الرب تعالى بالنفي اذا تضمن امراً وجودياً, مثل مدحه تعالى بنفي السِّنَةُ عنه والنوم المتضمن كمال القَيُّومية, ونفي اللغوب عنه المتضمن كمال القدرة وهكذا. فقوله تعالى (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) أي لا يحاط به رؤية وان كان هو جلَّ جلاله يُرى, فان (الادراك) هو الاحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية, قال تعالى (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا). فلم ينف موسى عليه السلام الرؤية وانما نفى الادراك, فالرؤية والادراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه, فالله تعالى يُرى ولا يدرك أي لا يحاط به رؤية, كما انه تعالى يُعلَم ولا يحاط به علماً. 7) الوجه الثاني– ثبت بالسنة الصحيحة ان المؤمنين يرون ربهم عياناً يوم القيامة, فقد ورد بالرؤية احاديث صحاح رواها الامام البخاري والامام مسلم رحمهما الله, ومن هذه الاحاديث, ما جاء في الصحيحين (أن ناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله ﷺ: " هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ " قالوا: لا يا رسول الله, قال: " هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ " قالوا: لا, قال: " فإنكم ترونه كذلك). وفي الصحيحين ايضا عن جرير بن عبد الله البجلي قال: (كنا جلوسا مع النبي ﷺ فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته), والاحاديث في اثبات رؤية الرب جلَّ جلاله كثيرة بلغت حد التواتر, قال ابن كثير رحمه الله تعالى (وقد ثبت رؤية المؤمنين لله عز وجَلَّ في الدار الاخرة في الاحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن رفعها ولا منعها). 8) الوجه الثالث– اجمع الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان على اثبات رؤية المؤمنين لربهم عز وجَلَّ يوم القيامة, قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (وهذا بحمد الله – أي رؤية المؤمنين لربهم – مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الامة كما هو متفق عليه بين أئمة الاسلام وهداة الانام) وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (واعلم ان الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين واهل السنة من جميع الطوائف متفقون على ان المؤمنين يرون ربهم في الآخرة عياناً كما يرون الشمس والقمر, كما تواترت بذلك الاحاديث عن النبي ﷺ, ومتفقون على انه لا يراه احد بعينيه في الدنيا. قال احمد ابن حنبل: ان الله لا يُرى في الدنيا ويُرى في الاخرة, ثبت ذلك في القرآن والسنة. وهناك خلاف في اثبات رؤية النبي ﷺ بعينيه لربه عز وجَلَّ ليلة المعراج, والذي عليه جمهور الصحابة والتابعين ان النبي ﷺ لم ير ربه تعالى رؤية عينية في ليلة المعراج. الرد على الامر الثاني: 9)قول الشيخ ان الله يُرى في اشيائه, وضرب المثل بالضوء الذي لا يُرى الا اذا كان فيه اشياء مادية مثل ذرات ماء او غبار... الخ. هذا القول باطل ومناقض لعقيدة الاسلام, وهو قول اصحاب وحدة الوجود والاتحاد والحلول, فهؤلاء المبطلون جميعاً يقولون: ان ذات الله لا يمكن ان تُرى بحال, لان الله – تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً – هو الوجود المطلق الذي لا يتعين, وهو من هذه الجهة لا يُرى. ويقولون: انه يظهر في الصور كلها, أي في المخلوقات بأشكالها المختلفة, ومن هذه الجهة فهو (تعالى) يُرى في كل شيء ويتجلى في كل موجود. اما ذاته تعالى فلا يمكن ان تُرى, ولهذا تارة يقولون: تُرى الاشياء فيه, وتارة يقولون يُرى هو في الاشياء وهو تجليه في صور المخلوقات. ومن الواضح المبين ان عقيدة الاسلام تقوم على الفصل بين الخالق والمخلوق, فليس شيء من مخلوقات الله في ذات الخالق, وليس شيء من ذات الخالق في شيء من مخلوقاته, وعلى هذا فاعتقاد حلول او سريان الذات الالهية في مخلوقاته او تجليه في هذه المخلوقات, او حلول هذه المخلوقات في ذات الله, كما يدل عليه كلام الشيخ وتمثيله بالضوء ورؤيته, اقول كل هذا باطل بطلاناً مطلقاً ومناقضاً لأساس الدين وعقيدة الاسلام ولا يجوز للمسلم ان يعتقده والا انسلخ من الاسلام كما تنسلخ الحية من ثوبها. 10) الرد على الامر الثالث قول الشيخ (ان الله نور ومن نوره خلق الاشياء) اما ان الله نور, فهذا ما نطق به القرآن والحديث النبوي الشريف, (فالنور) من اسمائه الحسنى المتضمنة لصفات الكمال لله تعالى. واما (ان من نوره خلق الاشياء), فهذا قول باطل, لان (النور) وهو من اسمائه تعالى وصفاته, خاص بالله تعالى كما هو الشأن في جميع صفات الله, فلا يجوز ان يكون النور – وهو من صفات الله – مادة لمخلوقاته يخلق منها مادة او مخلوقات. والواقع ان هذا القول من اقوال اصحاب وحدة الوجود والحلول الذي بينا بطلانه. فعلى المسلم ان يعتقد بان الله تعالى بائن عن خلقه, ليس في المخلوق شيء من خالقه او شيء من صفاته, وليس في الخالق شيء من مخلوقاته. وان الله تعالى خلق الخلق كما شاء وكيف شاء ولم يخلقهم من نوره, وانما امره تعالى اذا اراد ايجاد شيء ان يقول له كن فيكون. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم,,,
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=132