مختارات
شرح الاصول العشرين
  شرح الأصول العشرين للأمام الشهيد حسن البنّا شرحها الدكتور عبد الكريم زيدان   أن الأصول العشرين التي كتبها الشهيد حسن البنا رحمه الله تعتبر من أجمع ما كتبه ، لأنها احتوت على ما يجب على المسلم أن يعتقده ويأخذ به في سلوكه وتنظيم علاقاته بخالقه وبالآخرين من بني الإنسان ، وقد آثرنا شرحها بإيجاز لتكون مفهومة بقدر أكبر مما هي عليه الآن، ويلاحظ على هذه الأصول أنها شدّدت على ما لا يجوز الخلاف فيه من أمور العقيدة ، وكما جاءت في القران الكريم والسنة النبوية المطهرة، حتى يقف المسلم عندها ولا يتجاوزها بالزيادة والنقصان ، كما بين المرشد رحمه الله في هذه الأصول الأمور التي يجوز الخلاف فيها حتى لا يستغرب الأخ من وقوع مثل هذا الخلاف، وإن كان له أن يتحرى عن الأولى والأكثر صواباً .    إن المرشد رحمه الله كان موفقاً في كتاباته إلى الحق ، ولا معصوم من الخطأ إلا رسول الله  ﷺ  ، ولذلك نوصي الإخوان دائماً بقراءة ما كتبه وإعادة قراءة ما قراؤوه مها ، فإن في تكراره ترسيخاً للمعاني التي أرادها المرشد رحمه الله تعالى في نفوسهم على أن يعلم الإخوان أن ما كان يريده المرشد رحمه الله ويؤكد عليه هو العمل بما يعلمه المسلم من معاني الإسلام ، وبناء النفس في ضوء هذه المعاني ، وهذا النهج الذي تستقيم به النفوس وهو ما كان يتبعه الصحابة الكرام رضي الله عنهم فكانوا يعملون بما يعلمون  ...    وفّق الله الإخوان إلى ما يحبه ويرضاه وأمدهم بعونه حتى يقوموا بخدمة دينه، رحم الله مرشدنا بنى نفوسناً كثيرة على الهدى والصلاح وحب التضحية والجهاد.    والله أكبر ولله الحمد . الأصل الأول الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا ، فهو دولة ووطن ، أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة ، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون ، أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة ، أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة ، أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة ، وعبادة صحيحة ، سواء بسواء . الشرح: الإسلام دين الله الخالد يوصف بالعموم والشمول ، أما العموم فيراد به أنه للبشر كافة ، ودليل ذلك قول الله تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) ، وأما الشمول فيراد به أن يحكم شؤون الحياة وما يصدر عن الإنسان وما يتعلق به، ودليل ذلك قوله تعالى ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) ( تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) ، وعلى أساس هذا الوصف الثابت للإسلام ، قال المرشد رحمه الله ما قاله في هذا الأصل الأول ليوضح معناه بذكر بعض ما يشمله الإسلام ، ويؤيد توضيح المرشد رحمه الله أننا نجد في القران الكريم آيات الحكم كما نجد آيات الصلاة ، ونجد آيات الجهاد كما نجد آيات المعاملات والقضاء وهكذا .    وقول المرشد رحمه الله ( فهو وطن ودولة ) : يعني أن فيه أحكاماً تنظم أمور الدولة وتعني بشؤونها ، فليس الإسلام قاصراً على علاقة الإنسان بربه ، بل ينظم علاقة الإنسان بالإنسان ، وعلاقة الإنسان بالجماعة، وعلاقة الجماعة بالجماعة ، والجماعة هذه تأخذ تنظيماً سياسياً يُطلق عليه الدولة ، ولهذه الدولة رئيس يسمى بالاصطلاح الفقهي الإمام أو الخليفة ، وقد بين الإسلام أساس هذه الدولة وكيفية اختيار رئيسها وعلاقة الافراد بها وحقهم عليها وحقها عليهم ، وكل هذه الأبحاث يعني بها في الوقت الحاضر فرع خاص من فروع القانون يسمى القانون الدستوري .    والكلمة الجامعة في هذا الباب أن الدولة في نظر الإسلام تقوم على أساس فكرة هي الإسلام ، فهي دولة فكرية وليست قومية ولا جنسية ولا إقليمية ، وأن رئيسها اختياراً من قبل المسلمين وفق شروط معينة يجمعها الكفاءة والأمانة ، وأن الغرض من اختياره تنفيذ الشرع وحمل الناس على إتباعه ، ومركز الفرد في هذه الدولة بارز غير مغمور ، فهو مسؤول عن حسن سير الدولة وعن قيام رئيسها بواجبه ، ومن ثم كان له حق المراقبة والنصح والإرشاد والنقد ، كما إن الدولة مسؤولة عن الفرد وعن تأمين ما يحقق له حياة كريمة .    وأما قوله ( ووطن ) فيراد به رحمه الله أن الإسلام بين المقصود بالوطن للمسلم يشمل جميع ديار الإسلام ، ودار الإسلام : كل إقليم يسكنه المسلمون وكانت السلطة فيه لهم ويطبقون أحكام الإسلام فيه ، وحق دار الإسلام على المسلم الدفاع عنها ومنع العدو من الاستيلاء عليها .    وأما معنى ( وأمة .. ) فالأمة : هي جماعة من الناس تجمعهم روابط معينة تجعل منهم جماعة مميزة متآلفة ترغب في العيش معاً وباطمئنان ، والإسلام يقيم هذه الأمة على أساس العقيدة الإسلامية، فهي أقوى الروابط وأبقاها، ولا يهم اختلاف أفراد الأمة بالجنس واللسان أو الإقليم ما داموا مشتركين في العقيدة الإسلامية فهي وحدها تكفي لتكوين الأمة الواحدة ، وغيرها لا يكفي لإقامة هذه الأمة .    وفي القران الكريم ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... ) ، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ  ).    وقال المرشد رحمه الله: ( وهو خلق وقوة .. ) إن الإسلام يُعنى بالأخلاق وبالقوة ، أما عنايته بالأخلاق فظاهرة ، فالقران الكريم ذكر كثيراً من الأخلاق الجميلة التي يتصف بها المؤمنون ، ذكرها على سبيل الثناء والاستحباب ودعا إلى التخلق بها ، ومدح رسوله الكريم  ﷺ  بها (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، وفي الحديث الشريف ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، وعن عائشة الصديقة – رضي الله عنها – وهي تصف أخلاق رسول الله  ﷺ  ( كان خلقُهُ القرآن ) ولهذا كان للأخلاق مكان بارز في دعوة الإخوان وما زال الإخوان يحملون نفوسهم على الأخلاق الكريمة التي دعا إليها الإسلام ، وعلى هذا يخطئ من يظن أن الدعوة إلى الأخلاق لا تتفق وسير الإخوان باعتبارهم جماعة تعنى بالأمور العامة ، يخطئ من يقول هذا القول لأن الأخلاق جزء من دعوة الإسلام ولا يسع الإخوان أن يهملوا ما جاء به الإسلام ، كما أن صلاح الأعمال بصلاح المعاني المغروسة في النفوس والأخلاق الكريمة من هذه المعاني التي تثمر الأعمال الصالحة ، ومن العبث بصلاح ظاهر الإنسان وتطالبه بصالح الأعمال ونترك باطنه نهياً لكل خلق ذميم .    فالأخلاق إذن تستحق العناية والاهتمام وتربية النفوس عليها، ولا يجوز قصر الأخلاق على ما تعارف عليه الناس من كلام لين وبشاشة في الوجه وتواضع، بل إن دائرة الأخلاق واسعة جداً ، عبّرت الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها حيث قالت تصف أخلاق النبي  ﷺ : ( كان خلقُهُ القرآن ) ، فكل ما دعا إليه القرآن من صفات جميلة وأخلاق كريمة تدخل في مفهوم الأخلاق ، فالصبر والاستقامة والثبات والعزة والصدق والوفاء وعلو الهمة والإخلاص وغيرها من الأخلاق الكريمة كلها مطلوبة ... وذات أثر حاسم في سلوك الإنسان ، وأضداد هذه الأخلاق كالجزع والهلع والتردد والنفاق والذلة والمهانة والكذب والغدر والرياء ونحو هذه الرذائل كلها مطلوب تركها وتخلية النفس منها ، وبهذه التخلية من هذه الرذائل وبتلك التحلية بتلك الفضائل تكون للمسلم شخصية قوية متماسكة تؤثر الخير وتؤثر في الحياة وتصمد أمام الفساد .    واما ( القوة ) في قول المرشد رحمه الله فيريد بها أن الإسلام دعا إلى القوة فلا يجوز للمسلم أن يضعف أو يستكين، والحق أن الإسلام على هذه المسألة ودعا بصراحة إلى الأخذ بأسبابها ، قال تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) وبلاغة القرآن الكريم جاءت بهذا التعبير البديع الشامل جميع أنواع القوة ما كان منها في زمن التنزيل ، وما سيكون منها بعده، وهذا الطلب (وَأَعِدُّوا ) للوجوب فالأمة الإسلامية مطلوب منها أن تهيئ ما تستطيع من أسباب القوة حسب الزمان والمكان ولا تقتصر القوة على السلاح بل تتعداها إلى كل شيء يصير به المسلم قوياً ويصير به المسلمون أقوياء كالعلم والثروة والإنتاج ن وحيث أن تحصيل هذه القوة بأنواعها في الوقت الحاضر يحتاج إلى جهد ودراية وإعداد وسائل مختلفة وتعلم صناعات متنوعة وفنون مختلفة كالعلوم والكيمياء والفيزياء وتشييد المصانع وإجراء التجارب وتعلم ما عند غير المسلمين من معرفة بهذه الأمور المالية .. نقول : ما دام تحصيل القوة متوقفاً على تعلم هذه الأمور فإن هذه الأمور واجبة وجوباً كفائياً على المسلمين ، أي يجب أن يكون في المسلمين العدد الكافي للقيام بهذه الأسباب لإيجاد القوة اللازمة تطبيقاً للقاعدة الفقهية ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ). كما ان القوة تشمل قوة الإنسان في نفسه وبدنه وعقله وعليه أن يباشر الأسباب التي تجعله قوياً ، أما قوة نفسه فبالإيمان وأما قوة بدنة فالرياضة والفروسية ونحوها، وأما قوة عقله فبالعلم ، ولهذا أوصى المرشد رحمه الله وصايا تحقق للأخ القوة في نفسه وعقله وبدنه ، وليعلم الأخ أن الحق لا بُد له من قوة تحميه هذه سنه الله في الحياة ولهذا لم يغفل الإسلام جانب القوة بل دعا إليها حماية للحق الذي جاء به وإذا كان تحصيل القوة أمراً لازماً فهو اليوم أكثر لزوماً من أي يوم مضى لأن المسلمين إلا بالقوة، ونحن ( جماعة الإخوان المسلمين ) الدعاة إلى الله والطليعة المؤمنة التي تريد إيقاظ المسلمين نحتاج إلى قوة نستطيع بها تحقيق ما نٌريد وقوتنا هذه يجب أن تكون قوة العدد وقوة الإيمان وقوة العلم والتنظيم ، وما لم تكن قوتنا أكبر من أية قوة جماعة مبطلة فلن نستطيع الوصول إلى أهدافنا ، فلنحمل أنفسنا على تحصيل هذه القوة والله ناصرنا إذا أخذنا بالأسباب . وقول المرشد رحمه الله ( أو رحمه وعدالة ) الرحمة ورأفة في القلب تحمل الإنسان على إعانة الضعيف المحتاج أو العفو عن المقصر أو التجاوز عن السيئ أو التألم على ما يصيب الغير من المصائب ، وهي خلق جميل جداً إذا ما وضع في موضعه، والضوابط في هذا الباب أن الرحمة تقف حيث يجب إقامة حدود الله فلا يجوز أن تتدخل الرحمة في تعطيل حدٍ من حدود الله ، قال الله تعالى في عقوبة الزناة (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ )، وهكذا سائر الحدود الأخرى . والرحمة لا مجال لها مع أعداء الله الصادّين عن سبيله وإن كانوا أولي قربى ولهذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يقاتلون الآباء والأعمام وأبناء الأعمام وسائر الأقارب في بدرٍ وأحد والخندق لأنهم كانوا أعداء الله يصدون عن سبيل الله . أما في الإساءات الشخصية فيستحب فيها العفو ، والعفو من الرحمة إذا كان الإنسان قادراً على أخذ حقه ممن أساء إليه ، وكذلك تجري الرحمة بالنسبة للضعفاء والمساكين والصغار والمنقطعين والمرضى والشيوخ والفقراء وسائر المحتاجين إلى عون ومساعدة . والإخوان وهم يكوّنون المجتمع الإسلامي الصغير ويحاولون صياغته على نحو إسلامي يجب أن تتحقق فيما بينهم الكثير من معاني الرحمة فيتراحمون فيما بينهم سراً وعلناً ، والسر أحب إلينا من العلن . أما ( العدل ) في قول المرشد فيراد به إعطاء كل ذي حق حقه وعدم هضمه شيئاَ ، لأن العدل واجب مع كل إنسان مسلماً كان أو كافراً ، عدواً كان أو صديقاً ، قريباً كان أو بعيداً ، قال الله تعالى ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ، والعدل يكون بالحكم والقضاء ويكون بالمدح والثناء وبالذم والنقد والعتاب وفي حالة الرضا والغضب ، فليس من العدل أن تجور وأنت تحكم بين أثنين ، وليس من العدل أن تسرف في مدح من لا يستحق نصف ما تقول من مدح ، وليس من العدل أن تكثر الذم فيمن لا يستحق عشر هذا الذم ، وليس من العدل أن تمدح في حالة الرضا وتذم في حالة الغضب ، وليس من العدل أن تجور مع البعيد أو العدو المسيء وتغض الطرف عن القريب والصديق والمحسن إلينا . وقوله رحمه الله : ( وهو ثقافة ) ، أي إن من تعاليم الإسلام الأخذ بقسط وافٍ من المعرفة النافعة لنا ، فلا مانع يمنع المسلم من تحصيل المعرفة في أمور الكون والصناعات ومختلف العلوم المادية التي تدخل في مفهوم الثقافة وتهيئ للإنسان سبيل عمارة الأرض وحسن استغلال ثرواتها وفك مغاليق الكون ، ولكن على المسلم وهو يحيط علماً بهذه الأمور أن يتذكر ربه جل وعلاء الذي وهب له العقل الذي يدرك وبنى الكون على هذه الهيأة المسخرة للإنسان وأن ينوي بمعرفته الخير ومرضاة الله تعالى . وقوله رحمه الله ( وقانون ) أي أن الإسلام جاء بأحكام لتنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم ، ونصّ على عقوبات وجزاءات للمخالفين سواء كانت هذه العقوبات والأجزية مدنية تصيب الإنسان في ماله أو عقابية تصيب الإنسان في بدنه أو حريته أو ماله ، والقانون الإسلامي يشمل مختلف شؤون العلاقات بين الناس، وبالتالي لا يجوز للمسلم أن يهجر هذا القانون الإسلامي ويستعيض عنه بقانون آخر . إن المسلمين اليوم قد هجروا القانون الإسلامي وطبقوا القوانين الأجنبية ولم يبق لقانون الإسلام إلا دائرة ضيقة جداً هي علاقات الأسرة فقط ، وهذه الدائرة الضيقة أخذت تمتد إليها أيدي العابثين بالتحوير والتغيير . وقوله رحمه الله : ( وعلم وقضاء ) ... أما العلم : فمعرفة وإدراك الحقائق والأشياء كما هي ، ومعرفة ما أنزل الله تعالى والغاية التي خلق الإنسان لها ومصيره الذي أنزله محمد   ﷺ   فيعرف المسلم ربه ورسوله ودينه ومعاني هذا الدين ، وتلي هذه المرتبة معرفة الأمور الأخرى التي تتعلق بأمور الحياة المختلفة . إن الإسلام رفع شأن العلم والعلماء وأثنى على العلماء غاية الثناء ولم يُساوهم بغيرهم وبهذا نطق القرآن الكريم : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ )، (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) ، وشان العالم أن يبتغي بعلمه وجه الله جل جلاله وأن يزكي نفسه بما علم وأن يعلم يقيناَ أن ما علمه أقل مما جهله ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) ، وأن يطلب المزيد من العلم ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا  ). وأما ( القضاء ) فإن من مناهج الإسلام القضاء بين الناس ، فالناس بحاجة إلى حاكم يقضي في خصوماتهم ورد الحق إلى صاحبه ، وجوامع الضوابط في مسألة القضاء أن الإسلام يجعل القضاء فريضة ، ولهذا عين النبي  ﷺ   القضاء في الأماكن البعيدة عن المدينة ، والقاضي المسلم يشترط فيه المعرفة بأحكام الإسلام ، ولهذا كان من شروط القضاء في الأماكن البعيدة عن المدينة ، والقاضي المسلم يشترط فيه المعرفة بأحكام الإسلام ، ولهذا كان من شروط القضاء أن يكون القاضي مجتهداً كما يشترط فيه أن يكون مسلماً لأن الحكم ولاية وسلطان والكافر ليس له ولاية على المسلم ، قال جل جلاله : (الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ) ، والقاضي المسلم يحكم بالقانون الإسلامي ويحرم عليه أن يحكم بغيره وإذا حكم بالإحكام الإسلامية عليه أن يتحرى العدل ويبذل الجهد فإذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد . قوله رحمه الله ( وهو مادة أو كسب وغنى ) أي أن الإسلام لا يهمل أمور المادة ، فهو يعنى بالروح ويعنى بالمادة ، ولكن المسلم يحفظ قلبه خالصاً لله فلا تأسره المادة مهما كثرت ، وللمسلم أن يباشر أنواع المكاسب بشرط أن تكون مباحة غير محرمة ، وله وحده ثمرة كسبه وأتعابه لأن الملكية الخاصة محترمة في الإسلام فلا يجوز الاعتداء عليها أو مصادرتها ، وعليه أن يُخرج ما افترضه الله عليه في أمواله مثل حق الزكاة وحق النفقات الشرعية . وعلى هذا فليس محرماً على المسلم أن يكون غنياً ، بل أن الأصل في الغنى أن يكون قرينة على سعي الإنسان وجده واجتهاده ، وإذا ما أتقى ربه في غناه وأدى ما أوجبه الله عليه فإنه يكون من أولياء المتقين، وقد أثار الفقهاء مسألة أيهما أفضل الفقير الصابر أو الغني الشاكر ؟ فذهب بعضهم إلى أفضلية الأول وذهب آخرون إلى أفضلية الثاني ، والصواب أن أفضلها أتقاهما إلى الله تعالى، أن على الأخ أن لا يزهد في الكسب بحجة الزهد والانقطاع إلى العبادة فإن الزهد محله القلب لا اليد ، والعبادة لا تناقض الكسب بل إن الاكتساب الحلال باليد الصالحة نوع من أنواع العبادة، وفي الحديث ( اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى ) ، وإنما تكون يد الإنسان هي العليا إذا كان غنياً والغنى يكون بالكسب ، وهذا وإن من حق المسلم على الدولة أن تعينه على الكسب بأن تهيئ له سبل العمل أو تعينه عليه . قوله : ( وهو جهاد ودعوة ) ... الإسلام يأمر بالجهاد .. وحقيقته : بذل الجهد في سبيل الله حتى يصل هذا الجهد المبذول إلى إراقة لدم المسلم في سوح القتال ، ومن الجهاد : الجهاد بالمال والقلم واللسان ، والمسلم يقوم بالجهاد بصفته فرداً ويقوم به بصفته عضواً في الجماعة ، كما لو كان أخاً في ( جماعة الإخوان المسلمين) وفي هذه الحالة عليه أن ينسق جهاده مع سير الجماعة حتى يتحقق الغرض المقصود من الجهاد الجماعي الذي يقوم به الإخوان . إن المسلمين اليوم قد عزفوا عن الجهاد وزهدوا مع أنه أصبح اليوم فرض عين على كل مسلم لأن بعض بلاد الإسلام أغتصبها الكفرة ، ولأن المسلمين عموماً في حالة من الضعف والهوان تستلزم الجهاد العاجل في سبيل الله لتخليص المسلمين مما هم فيه من ضعف وهوان وانحراف عن خط الإسلام ، إن قيام حكومة إسلامية حقاً يعتبر من أهم الوسائل التي تحقق ما يريده الإسلام ، وإن إقامة مثل هذه الحكومة هو بعض ما يهدف إليه الإخوان ، ومن أجل هذا ونحوه من الأهداف الإسلامية يبذلون جهدهم اليوم ، ومع لزوم الجهاد في سبيل الله لزوم القيادة بالدعوة إلى الإسلام بالوسائل المشروعة كافة كالكتابة والمحاضرة والمناقشة والقيام بالأسفار ونحو ذلك، وأعظم وسائل الدعوة إلى الإسلام : صياغة المسلم نفسه صياغة إسلامية تسهل عليه دعوة الناس إلى الإسلام إذ يرون فيه مثلاً حياً للمعاني الإسلامية . إن المجتمع الإسلامي افتقد منذ ومن بعيد هذه النماذج البشرية الإسلامية ولهذا كان من أصول دعوة الإخوان التأكيد على التربية وتكوين الفرد المسلم لتهيئة هذه النماذج الإسلامية الحية وقذفها في المجتمع ولفت النظر إليها وجعل الناس يرون بصورة عملية كيف يصوغ الإسلام الإنسان ويجعله كالنور يسري بين الناس، والدعوة إلى الإسلام واجب على كل مسلم : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، كما إن من وجائب الإسلام قيام جماعة مسلمة تدعوا إلى الله جل جلاله ليعظم أثرهم في الحياة ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وعلى هذا الأساس قامت ( جماعة الإخوان المسلمين ) استجابة لأمر الله تعالى وللدعوة إليه . وقوله رحمه الله : ( أو جيش وفكرة ) ... الجيش : مظهر من مظاهر الاستعداد للجهاد ، وهو من أقوى وسائله ، ومن البديهي أن إعداد الجيش يحتاج إلى إعداد الجنود والعتاد والسلاح .. فلا بُد من تربية أفراد الأمة على الجندية ونظامها وطاعتها وتعويدها على تحمل الصعاب وشظف العيش وضبط النفس بالإضافة إلى إعداد السلاح بأنواعه، واما الفكرة فالمراد بها : إعداد الجيش حيث يكون قائماً على أساس فكرة معينة هي الإسلام ، أي أن الجيش الإسلامي يقوم تنفيذاً لأمر الإسلام وحسب مناهجه وحماية له والدعوة إليه . إن الحق لا بد له من قوة تحميه وتدفع عنه الأذى وتزيل العقبات من طريقه العقبات ، والجيوش الإسلامية منذ زمن الرسول  ﷺ  كانت تحمي الدعوة الإسلامية وتزيل العقبات من طريقها مما مكن الناس رؤية الإسلام وأداراك محاسنه ومعرفة حقائقه فدخلوا فيه أفواجاً ، فالسيف لا يُدخل الإسلام في القلوب وإنما يزيل العوائق عنها فتتسع له وينساب نوره إليها ، ولو كان انتشار الإسلام بالسيف لرأينا انحساره عن البلاد التي فقدت قوة المسلمين ولكن شيئاً من هذا لم يحدث . إن الفكرة الإسلامية تحتاج إلى إيضاح جديد وإبراز كافٍ وانصباغ المسلمين بها وهذا ما يسعى إليه الإخوان حسب طاقاتهم وقدرتهم، والعالم اليوم تتصارعه أفكار مختلفة وراء كل فكرة دولة تُدين بهذا الفكرة وتستخدم قوتها وطاقتها للتبشير بها والدفاع عنها ، أما الإسلام فلا توجد له دوله تقوم على مبادئه وتُسخر كل طاقاتها للدفاع عنه والتبشير به . ومن هن عظمت مهمة الإخوان ، فهم عليهم الآن العبء الكبير لحماية الدعوة الإسلامية والتبشير بها إلى أن تقوم في بلاد المسلمين الحكومة الإسلامية الحقة التي تقوم بهذا العبء ، وتحشد جميع طاقات المسلمين وموارد الدولة لإعادة الحياة الإسلامية الأولى ، وإقامة المجتمع الإسلامي الصحيح في الأرض ودفع العوائق عن زحف الدعوة الإسلامية  . وقوله رحمه الله: ( كما هو عقيدة صادقة ) .. العقيدة : ما ينعقد عليه القلب ويطمئن له وقد يكون هذا حقاً كما قد يكون باطلاً ، فإن كام حقاً فالعقيدة هي الصادقة وهي العقيدة الحقّة، وإن كان غير ذلك فالعقيدة باطلة فاسدة كاذبة، وليس في العالم عقيدة حقة غير عقيدة الإسلام ، وما خالفها فهو باطل وضلال  . وتقوم العقيدة الإسلامية على أساس الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى ، أما الإيمان بالله فيقوم على أصلين : الأيمان بربوبيته: أي الإيمان بأنه الخالق المحيي المميت المالك القدير إلى آخر صفاته الحسنى . الأصل الثاني : الإيمان بألوهيته : أي إنه وحده المعبود الحق الذي يستحق العبادة ، وهذا هو معنى ( لا إله إلا الله ) فلا يجوز صرف شيء من العبادة لغير الله تعالى  . والإيمان بالملائكة: تعني الاعتقاد الجازم بوجود هذه المخلوقات التي لا يعلم عددها إلا الله تعالى، وإن منهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل  . والإيمان بكتبه: أي الإيمان بأن الله جل جلاله أنزل كتباً على رسله هي كلامه ، ومنها التوراة والإنجيل والزبور وإن آخر الكتب المنزلة هو القرآن الكريم الذي نؤمن به بأنه كلام الله جل جلاله ، وأن ليس لرسوله محمد   ﷺ   منه إلا التبليغ ، فلفظ القرآن ومعناه من الله جل جلاله وهو محفوظ من الزيادة أو النقصان ومن اعتقد حصول الزيادة أو النقصان منه فقد خرج من دائرة الإسلام  . والإيمان برسله: أي نؤمن بجميع رسل الله جل جلاله وهم كثيرون ، ذكر القرآن بعضهم ولم يذكر بعضهم الآخر ، ونؤمن بأن خاتمهم هو رسولنا محمد   ﷺ   وأن لا نبي بعده ، وأن إتباعه هو الواجب ولا يسع الإنسان أن يخرج عن متابعته أو يعتقد أنه ليس برسول ، ومن اعتقد ذلك فقد كفر  . والإيمان باليوم الآخر : يعني التصديق بأن وراء هذه الحياة حياة أخرى يحيي الله فيها الناس ويحاسبهم على أعمالهم ، ونتيجة الحساب يصير فريق في الجنة وفريق في النار، وهذا الحشر والحساب والجزاء يكون للإنسان بروحه وجسده والنعيم في الآخرة بالروح والجسد ، وكذلك العذاب بالروح والجسد، ونعتقد بأن شفاعة الرسول  ﷺ  في الآخرة حق ، وهي تكون بإذن الله جل جلاله ولمن يريده أن تصيبه هذه الشفاعة ، ونعتقد أن عذاب القبر ونعيمه حق  . أما الإيمان بالقدر خيره وشره : فمعناه أن كل ما يحدث في العالم هو بخلق الله جل جلاله وعلمه ومشيئته ، وأن العبد مسؤول عن عمله ولا يجوز له الاحتجاج بالقدر فلله الحجة البالغة على خلقه . وقوله رحمه الله: ( وعبادة صحيحة سواء بسواء ) أي أن الإسلام يتضمن أنواع العبادات ، فمنها عبادة القلب مثل حب الله جل وعلاء وخشيته والثقة به والتوكل عليه ، ومنها عبادات الجوارح مثل ذكر الله تعالى والقيام بما أفترضه من صلاة وصيام وحج ، وهذه العبادات بأنواعها تقوم على أصلين كبيرين لا تكون صحيحة ولا مقبولة بدونهما :    الأصل الأول : أن تكون وفق ما شرعه الله تعالى .    الأصل الثاني : أن تكون خالصة لله جل جلاله وحده . وعلى هذا الأساس كان الابتداع في الدين مُحرماً، ومن يعبد الله بالبدع فلن يصيبه غير الخسران ، وكذلك من يقوم بالعبادة على الوجه المشروع حسب الظاهر ولكنه لا يريد بها وجه الله جل وعلاء وأن يريد بها شيئاً آخر فإنه لن يصيبه منه غير الخسران، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح العبادات ويجعلها خالصة لوجهه الكريم . هذا .... وليعلم الأخ أن الأعمال كلها حتى المباحة منها إذا نوى فيها المسلم وجه الله جل جلاله والاستعانة بها على مرضاته فإن هذه الأعمال تنقلب بحقه عبادة يُتاب عليها . الأصل الثاني والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات . الشرح: لا خلاف بين المسلمين أن القران الكريم المصدر الأول للأحكام وأنه حجة على المسلمين ، وأن السنة النبوية متممة للقران وشارحه له ، وواجبة الإتباع كالقران ، والقران والسنة كلاهما وحيّ إلهي ، ولكن القران لفظه ومعناه وحيّ ألهي ، والسنة معناها وحي إلهي أما ألفاظها فمن الرسول الكريم ولما كان القران الكريم نزل بلسان عربي مبين فقد اقتضى ذلك لمن يريد التعرف على الأحكام من نصوصه أن يعرف قواعد اللغة العربية وأساليبها في التعبير ، كما أن على من يريد التعرف على احكامه أن يعرف أموراً أخرى منها الناسخ والمنسوخ وأسباب نزول الآيات وحكمة التشريع وغير ذلك من العلوم القرآنية ، حيث أن هذه المعرفة ليست واحدة عند جميع المسلمين فإن المسلم يفهم من القران بقدر ما عنده من هذه المعرفة، وما لم يستطع معرفته من القران الكريم سأل عنه أهل العلم . وأما السنة النبوية فمعرفتها تتوقف على معرفة السند والمتن ، أما السند : فيُراد به معرفة أحوال الرواة من جهة مدى الوثوق برواياتهم لتعرف مدى صحة الحديث، ويكفي المسلم الآن يتعرف على صحة الحديث في ضوء ما قرره علماء الحديث وأصحاب الخبرة في الجرح والتعديل ، وقد جمع علماء المسلمين الأحاديث الصحيحة في دواوين خاصة ، كما بينه غيرهم على الأحاديث المكذوبة والضعيفة ، فإذا عرف المسلم ذلك باطلاعه على هذه الدواوين وما قرره علماء الحديث بشأن ما فيها من صحيح أو ضعيف عرف عند ذلك الأحاديث الموثوقة التي يعمل بها، هذا وإن مجاميع الحديث الصحيح هي : صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وأعلاها جميعاً صحيح البخاري ، فقد أجمع أهل العلم أن صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله جل جلاله، ويليه في المرتبة صحيح مسلم، ويلي هذين الكتابين كتب السنن الأربعة التي ذكرناها ، وعلى هذا فاحاديث البخاري ومسلم صحيحة وأن رواتها موثوقون ، فيكفي المسلم أن يعمل بهذه الأحاديث وهو مطمئن . أما معرفة المتن : فيُراد به معرفه معنى الحديث والأحكام التي اشتمل عليها، ويرجع في معرفة ذلك إلى فقهاء الحديث وعلمائه، وإذا لم يكن المسلم من أصحاب الفقه في الحديث والعلم به ، تواجد جملة صالحة تعنى بفقه الحديث ، منها : نيل الأوطار للشوكاني ، وسبل السلام للصنعاني ، وعمدة الأحكام لابن دقيق العيد . الأصل الثالث والإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه . الشرح: الإيمان الصادق : هو الذي توفرت معانيه ومنها خلوّه من الشرك الخفي والرياء والضعف ، فهو يتخلل القلب ويرسخ في النفس ويحرك الجوارح في طاعة الله ويجعل الغائب كالحاضر والمشاهد ، ويملأ النفس طمأنينة وثباتاً واستقراراً ويهون على صاحبه البذل في سبيل الله ويزيد من تعلق صاحبه بالله وثقته به وتوكله عليه ورجاؤه منه وخوفه منه وتوجهه إليه ، فإذا امتلأ قلب المسلم من هذه المعاني الإيمانية جادت نفسه بأنواع العبادات الخالصة لوجه الله جل جلاله . وترتب على هذه العبادة وذلك الإيمان آثار عظيمة جداً في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا سعادة وبهجة واطمئنان تشيع في جنبات النفس ، وإشراقة حلوة ونور واضح يملأ باطن المسلم ، وإذا ما أزداد هذا النور الداخلي طفح على وجهه فتعلوه وضاءة ونور يراه فيه المؤمنون ، وإن كانت بشرته سوداء أو سمراء .    والأثر الأخر حلاوة يذوقها المؤمن هي أحلى من العسل ، ومن مظاهر هذه الحلاوة أن المؤمن يحب العبادة ويهدأ فيها ، ويطمئن بها وبتشوق إليها ويرتاح بها ، ولا يستغرب الأخ من هذا الكلام ولا يحسبه من باب الخيال ، فإن للإيمان حلاوة تتذوقها الروح كما يتذوق اللسان المطعومات . وفي الحديث الشريف: ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ  ﷺ  نبياً ) . وفي حديث آخر : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا في الله  ). فللإيمان حلاوة قطعاً .. وهذه الحلاوة تشتد كلما قوي الإيمان ورسخ . ومن آثار الإيمان الصادق والعبادة الصادقة: قذف الإلهامات والخواطر في القلب المؤمن تنير له الطريق وتعينه على إبصار الحق وحل المشاكل ، كما أن آثار الإيمان الصادق ما يُسمى بالكشف، ويُراد به الكشف من بعض المخفيات والغيبيات ومعرفة هواجس النفس ونواياه وضغينة بعض الناس، هذا الكشف هو الذي يُسمى بالحديث الشريف بفراسة المؤمن ، ففي الحديث الشريف: ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) وفي الأثر أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لبعض من دخل عليه : ( يدخل أحدكم وبين عينيه آثار الزنا )، فقيل له : أوحي بعد رسول الله يا أمير المؤمنين ؟ فقال سيدنا عثمان : لا ، ولكنها فراسة المؤمن ... وآثار الزنا التي أبصرها سيدنا عثمان في وجه الداخلين كانت بسبب رؤيتهم لا يحل لهم ، وفي الحديث : ( العين تزني وزناها النظر  ). والإلهامات والخواطر والفراسة أمور ثابتة، وقد تُسمى بالكرامات ، وهي حق يجب التسليم بها، ولكنها لا تُتخذ دليلاً من أدلة الأحكام، فان أدلة الأحكام هي القرآن والسنة وما تفرع عنهما، ولكن هذه الأمور أي الإلهام ونحوه ويُستأنس بها ويُسترشد بها في معرفة الأشخاص والأحوال وما يجب أخذه أو تركه في أمور الحياة، أما الرؤى – وهي جمع رؤيا – فمنها الصادقة ومنها أضغاث أحلام، ورؤيا المؤمن غالباً ما تكون صادقة صريحة أو تحتاج إلى تأويل. الأصــل الرابع والتمائم والرقي والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة الغيب، وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إلا ما كان آية من قرآن أو رقية مأثورة. الشرح: المسلم مُطالب بالأخذ بالأسباب التي وضعها الله جل جلاله مقضية إلى مسبباتها ونتائجها ، فالأكل سبب لطرد الجوع وبقاء الحياة ، والشرب سبب لذهاب العطش ، والعمل للكسب والغنى، وهكذا. وهناك أسباب معنوية تؤدي إلى نتائج ايجابية ومنها الدعاء، فقد يدعو المريض فيشفي والضال فيهتدي ، وهكذا لأن الأمور كلها بيد الله جل جلاله وهو الذي جعل التوجه إليه والاستعانة به والطلب منه أسباباً لحصول المطلوب متى ما استجمعت في الداعي شروط معينة وأبعدت مواقع عدم الاستجابة ، ومن الأسباب المعنوية بعض الرقى ، أي الأدعية التي يدعو بها المسلم في ضيقه أو مرضه أو يدعى له بها كما ورد في بعض الأحاديث ، منها : ( بسم الله أرقيك ، والله يشفيك من كل داء يؤذيك ، من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسدٍ إذا حسد ) ، ونحو ذلك من الرقي ، فهذه جائز لوروده في السنة المطهرة وما عدا ذلك من الكهانة وادعاء معرفة الغيب وكتابة الكلمات غير المفهومة وحمل بعض الأحجار أو العظام وغير ذلك فكلها أمور مُنكرة يجب إنكارها. ولا يُقال هنا : كيف تنكر ادعاء معرفة الغيب وقد قًلنا في شرح الأصل الفائت: أن آثار الإيمان الصادق الكشف .. ومنه معرفة بعض الغيبيات ؟ والجواب على هذا الاعتراض : أن الكشف يجري على يد المؤمن بدون طلب منه ولا يملكه هو ويجلبه متى شاء وليست عنده حاسة خاصة لهذا الكشف وإنما يُجريه الله جل جلاله على يده، فتنكشف له بعض الأمور والخفايا والبواطن ، وهذا يُخالف ادعاء معرفة الغيب لأن مدعي علم الغيب يدعي أنه يبصره ويراه متى ما أراد كما يبصر بعينه الأشياء المادية متى ما أراد وهذا هو الممنوع. الأصــل الخامس ورأي الإمام ونائبه فيما لا نص فيه، وفيما يحتمل وجوها عدة وفي المصالح المرسلة معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية، وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات، والأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وفي العاديات الالتفات إلى الأسرار والحكم والمقاصد . الشرح: الإمام: هو الرئيس الذي تختاره جماعة المسلمين فيكون رئيساً للدولة الإسلامية ، أو نائبة : أي من ينوب عنه في غيبته أو من يوليه ولاية إقليم أو عمل معين كقيادة الجيش ، ورأي هذا الإمام في الأمور الاجتهادية ، وهي التي لا نص فيها ، أو فيها نصوص تحتمل وجوهاً عدة ، أو في مسائل تنضوي تحت قاعدة المصالح المرسلة فإن ري الإمام في هذه الأحوال معتبر ومأخوذ به ، إلا إذا خالف قاعدة شرعية أو أصلاً متفقاً عليه أو نصاً صريحاً لأن القاعدة تقول: ( لا مساغ للاجتهاد في معرض النص ) ، وهذا الذي ذكرناه في حق الإمام أي رئيس جماعة مسلمة تختاره لرأستها، وليس أيضاً بالإمام فله من الاجتهاد في الأمور الاجتهادية وفي ما يندرج تحت قاعدة المصالح المرسلة وفيما يحتمل وجوهاً عرف من نصوص الشريعة، وعلى أفراد الجماعة طاعته في اجتهاد ، هذا اجتهاد سائغ ، أما إذا خرج باجتهاد المباح إلى مصادمة النصوص الشرعية فلا طاعة له في هذا الاجتهاد لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والأصل في العبادات: التعبد ، أي القاعدة الجامعة في العبادات أن تقوم بها طاعة لله ولمحض العبودية دون توقف على فقه أسرارها وحكمها ومعانيها وإن كنا نؤمن بأن لها معاني وحكمة وأسراراً ، أما في غير العبادات أي في العاديات أي فيما عدا العبادات كأمور الشرب والأكل واللبس والمعاملات فإن   المسلم يلتفت إلى ما فيها من أسرار وينظر إلى مقاصد الشرع الإسلامي وحكمة التشريع والمقاصد العامة له ، وما عرف من مسلك الشريعة ومناهجها يمكن أن نعرف حكم العاديات التي لم يرد نص صريح بشأنها  . الأصل السادس وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم   ﷺ  ، وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع، ولكنا لا نعرض للأشخاص ـ فيما اختلف فيهـ بطعن أو تجريح، ونكلهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا  . الشرح: الرسول الكريم  ﷺ  وحده المعصوم من الخطأ ويُقبل كل ما يأمر به وينهي عنه لأنه كما قال  ﷺ : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ، وما عدا الرسول  ﷺ  يؤخذ منه ما وفق فيه إلى الصواب ، ويترك منه ما لم يوفق فيه إلى الصواب، لأنه غير معصوم ولا مؤيد بالوحي وهذا القدر لا نعلم فيه اختلافاً بين أهل العلم والسلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم و من تبعهم بإحسان اجتهدوا في مسائل كثيرة ، فما وافق منه الكتاب والسنة قبلناه وأخذنا به ، وما لم يوفقوا فيه إلى الصواب أتبعنا فيه كتاب ربنا وسنة نبينا  ﷺ  ولهم أجر المجتهدين في جميع الأحوال . فهم بين أجرين إن أصابوا وبين أجر واحد إن لم يصيبوا ، ونتولى جميعهم ، ونترضى عليهم ولا نتعرض لأحد منهم يطعن أو تجريح فيما اختلفوا فيه من المسائل، ولا نستسيغ أبداً الطعن بالصحابة الكرام أو بواحد من الخلفاء الراشدين ، فهم سادات الأولياء وجملة الدين وقد شرفهم الله جل وعلاء بصحبة نبيه ونقل دينه وقال فيهم النبي الكريم  ﷺ:   ( لا تسبّوا أصحابي ، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه ) .. ونعتقد أن ما جرى بينهم من اختلافات أدى بعضها إلى القتال كان ذلك كله باجتهاد منهم رضي الله عنهم أجمعين . الأصل الســابع ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين، ويحسن به مع هذا الإتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته، وان يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صلاح من أرشده وكفايته، وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر . الشرح: الأصل أن المسلم يعرف الأحكام الشرعية من أدلتها ، ولكن هذا غير متيسر في الواقع ، فليس كل مسلم بقادر على أن يصل إلى رتبة النظر والاجتهاد ، ولهذا وجب على القاصر عن هذه الرتبة أن يسأل أهل العلم عن حكم الله فيما يهمه من أمور وما يجب عليه من أعمال .    قال تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ، وسؤال أهل الذكر أن يسأل المسلم عالماًَ وراعاً ثبتاً عما يهمه من مسائل ليعرف حكم الشرع فيها ، ويدخل في مفهوم سؤال أهل الذكر إتباعه لإمام من أئمة الدين كأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل ومالك بن أنس بأن يأخذ باجتهاداتهم وأقوالهم في مسائل الفقه ، ويعمل بها على أن ينوي بإتباعه هذا لمذاهبهم أنهم يوصلوه إلى حكم الشرع في مسائل الفقه وأن لا يعتقد في أحدهم العصمة ، وأنه إذا ظهر الصواب في مسألة عند غير إمامه اتبع الصواب في هذه المسألة ، وأما إذا لم يتبين له ذلك استمر على متابعة إمامه في مذهبه واجتهاده ، فاتباع المذاهب إذن سائغ وليس بواجب ، بمعنى أن المسلم له أن يتبع مذهباً ويأخذ بأقواله على مظنة أنه يوصله إلى حكم الشرع، كما أن للمسلم أن لا يتبع مذهباً بعينه وإنما يسأل أي عالم يثق بعلمه وورعه عن المسألة التي تهمه عن حكم الشرع ، كما أن للمسلم أن لا يتبع مذهباً ويأخذ بأقواله على مظنة أنه يوصله إلى حكم الشرع فيها ، وعلى المسلم المقلد أن يجتهد في تعرف أدلة مذهبه إذا استطاع ذلك ثم عليه إذا أنس في نفسه القدرة أن يكمل نقصه العلمي ليصل إلى مرتبة النظر والاجتهاد ، وأما إذا لم يبلغ هذه القدرة فلا حرج عليه أن يبقى في مرتبة التقليد لأحد الأئمة المشهود لهم في العلم والصلاح على النحو الذي بيناه ، وفي جميع الأحوال على كل مسلم أن يعلم يقيناً أن الذي فرضه الله عليه هو اتباع ما جاء في القران والسنة النبوية المطهرة.    فإذا ما بين أهل العلم أن الحكم الشرعي الصحيح هو ما نطق به الحديث الصحيح فعليه أن يأخذ بهذا الحديث الذي يُصرح به أهل العلم الثقاة ، فإن أصحاب المذاهب كلهم قالوا : ( إذا صحّ الحديث فهو مذهبي ) ، فالشرعية الإسلامية – أي القران والسنة – حجة على كل مذهب ، وكلن ليس أي مذهب بحجة على الشريعة الإسلامية. الأصل الثامن والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب . الشرح: الخلافات في الأمور الفرعية الفقهية من الأمور التي لا تثير استغراباً لأنها من مظاهر اختلاف الفقهاء في مداركهم العقلية ومدى إحاطتهم بنصوص السنة النبوية ، وقد وقع الخلاف الفقهي في عصر الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، مما يدل على أنه شيء مألوف ، وعلى هذا فنحن لا تضيق صدورنا من هذه الخلافات الفقهية بين علماء الإسلام بل نعتبره من مظاهر نشاط الفكر الإسلامي وسعته وشمول الشريعة الإسلامية. إلا أننا لا نحرص على وقوع هذا الخلاف ولكن لا نحجب من وقوعه ولا نجعل أي رأي فقهي حجة على الشريعة الإسلامية بمفهومه الدقيق وهي نصوص القرآن والسنة بل نجعل الشريعة حجة على هذه الآراء الفقهية ، فما شهدت له الشريعة بالحجية والصواب فهو الصواب ، وما شهدت عليه بالخطأ فهو الخطأ وإن كان صاحبه مأجوراً ، وعلى هذا فلا مانع من البحث العلمي النزيه الخالي من التعصب الذميم لمعرفة الرأي الصواب فيما اختلف فيه الفقهاء ، ولكن نحذر من اعتبار اختلاف الآراء الفقهية مدعاه إلى التفرق في وحدة الدين وأخوة الإيمان ، كما لا يجوز أن يكون هذا الاختلاف في الفروع الفقهية مدعاه إلى الكراهية والبغضاء بين المسلمين . الأصـــل التـــاسع وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم وما شجر بينهم من خلاف، ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفي التأول مندوحة . الشرح: يشير المرشد حسن البناء رحمه الله في هذا الأصل إلى عدم الخوض في الأمور التي لم نكلف في البحث والتقصي فيها لعدم ترتب عمل عليها ، مثل معرفة أسماء من قصّ سبحانه وتعالى علينا أخبارهم ولم يخبرنا الرسول صل الله عليه بأسمائهم كصاحب سليمان عليه السلام الذي عنده علم من الكتاب الذي أتى له بالعرش ، والشجرة التي أكل آدم عليه السلام منها ، ومن هذا الباب أيضاً الخوض في مسألة القدر وإرادة الإحاطة بها من جميع جوانبها ، ومنها أيضاً الجدل والخوض فيما شجر بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم من خلاف . فعلينا أن نتولى جميع الصحابة ونعتقد أنهم خير الأمة وأن بعضهم أفضل من بعض كما نطق القرآن بأفضلية من أنفق وجاهد من قبل فتح مكة على من فعل ذلك بعد فتحها ، وأن لا نعتقد أن اختلافاتهم عن اجتهاد منهم والكل مأجور وإن تفاوتوا في الأجور وأن نتولى الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ونعتقد أنهم أفضل الصحابة الكرام وأنهم من العشرة المبشرة بالجنة ، ويحرم على المسلم أن ينطوي قلبه على ضغينة على أحد منهم ومن سائر الصحابة الكرام ، فهم الذين نشروا الإسلام واختارهم الله جل جلاله لصحبة نبيه   ﷺ   وتبليغ رسالته من بعده وكل من يجد في نفسه بغضاً لهم أو لبعضهم فذاك دليل مرض قلبه. الأصل العاشر ومعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه، نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء، ويسعنا ما وسع رسول الله  ﷺ   وأصحابه (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا  ...). الشرح: لا شك في أن أسمى أنواع المعرفة معرفة الله سبحانه وتعالى ، هذه المعرفة التي تتضمن معرفة بصفاته الكاملة ، فهو الخالق القادر المبدع العليم الرحيم إلى آخر صفاته تعالى التي ذكرها القران الكريم ، هذه المعرفة التي تحمل على الخضوع المطلق له والمحبة الكاملة له والتوجه له دون غيره وأن ينزه من النقص ، فهو المتفرد الذي لا يشبهه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، وهذا هو توحيد الربوبية  . وهناك توحيد الألوهية ، ومعناها أنه وحده سبحانه وتعالى المستحق للعبادة بأنواعها وأشكالها القلبية منها والبدنية ، وهذا هو معنى قول لا إله إلا الله ، فلا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى حقه على العباد ، قال سبحانه وتعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ، وفي فاتحه الكتاب : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، وتقديم إِيَّاكَ نَعْبُدُ قصر العبادة له والاستعانة به ومما يدخل في معرفة الله تعالى الإيمان بصفاته التي اخبرنا بها في القران أو اخبرنا به رسوله الأمين محمد   ﷺ   نؤمن بها كما جاءت أي لا نشبه هذه الصفات بصفات المخلوقين ولا نعطل معانيها الحقة ، فكما أن ذواته لا تشبه الذوات فكذلك صفاته لا تشبه الصفات ، وهذا معنى قول السلف الصالح : نؤمن بآيات الصفات كما جاءت دون تشبيه ولا تعطيل ، وعلى هذا درج علماء هذه الأمة الأولون . أما ما ذهب به بعض العلماء المتأخرين من تأويل هذه الصفات فلا نرى له سنداً ولا حاجة ، وما كان هذا المذهب معهوداً عند السلف ، والخير كل الخير ما كان عند السلف من أمور الدين . الأصل الحادي عشر وكل بدعة في دين الله لا أصل لها ـ استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه ـ ضلالة تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي إلى ما هو شر منها . الشرح: الابتداع في الدين حرام ويراد به إحداث شيء لم يأت به الشرع في العبادات أو المعاملات سواء بالزيادة على شرعة الله تعالى أو بالنقص منه ، وفي الحديث الشريف : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي مردود عليه غير مقبول ، وفي حديث آخر : ( كل بدعة ضلالة ) ، وعلى هذا فعلى المسلم أن يقف عند حدود الشرع ولا يدخل هواه في شرع الله تعالى ، هذا وعلى المسلم أن يسعى إلى إبعاد الناس عن البدع بأيسر طريق وألطف كلام ، وما يتيسر بالرفق أكثر بكثير مما يتيسر بالعنف لأن الناس في جهالة ، وإن كثيراً من البدع قد استحكمت بين الناس وتطاول عليها الزمن وتحتاج إلى معالجة رقيقة مع الصبر الجميل والنصح الخالص ، والله هو الموفق ولا يجوز للأخ أن يسلك طريقاً عنيفاً في محاربة البدع إذا علم أن ما يترتب عليه من الشر والفرقة أضعاف ما في البدعة من شر . الأصل الثاني عشر والبدعة الإضافية والتَّركِية والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي، لكل فيه رأيه، ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان . الشرح: البدعة الإضافية تعني زيادة بعض الأمور في بعض ما جاء في الشرع الإسلامي ، والبدعة التركية تعني حذف بعض الأمور من بعض ما جاء به الشرع الإسلامي ، فمن الأول إضافة بعض ما أحدث عقب الآذان ، والثاني ترك صلاة سنة الجمعة البعدية بصورة دائمة ، أما الالتزام بالعبادات المطلقة فيعني أن المسلم يلتزم بنوع معين من العبادات وغالباً يكون في وقت معين أيضاً دون أن يرد ذلك عن رسول الله  ﷺ  مثل : قراءة الفاتحة بعدد معين عقب صلاة الصبح كل يوم ، أو قراءة سورة الإخلاص بعدد معين في وقت معين بعد صلاة الصبح أو غيرها ، فهذه الأمور يقول عنها المرشد رحمه الله محل اختلاف فقهي في جوازها ولا بأس من معرفة الصواب في جوازها أو عدم جوازها ، والذي نراه أن السلامة في ترك هذه الأمور لأنها لم ترد عن الرسول  ﷺ  وفيما جاء عنه من العبادات كفاية لمن أراد السلامة لدينه والنجاة في الآخرة ، وعلى هذا نوصي بالتقيد فقط بما ورد عن الرسول  ﷺ  من أنواع العبادات وأشكالها وهيئاتها وأوقاتها وكيفيتها وترك ما عدا ذلك. الأصل الثالث عشر ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة إلى الله تبارك وتعالى، والأولياء هم المذكورون بقوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)، والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية، مع اعتقاد أنهم رضوان الله عليهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا في حياتهم أو بعد مماتهم فضلا عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم . الشرح: محبة الصالحين من علامات الإيمان لأن المسلم يحبهم لطاعتهم لله فتكون محبته لهم في الله ولله ، وكرههم من علامات نقص الإيمان وكدورته وعدم صفائه ، ولهذا جاء في الحديث: ( حب الأنصار من الإيمان ) لأن الأنصار من أحباب الله عبادة الصالحين ، فمن أحبهم كان ذلك من علامات إيمانه ، ومن أبغضهم كان ذلك من نقص إيمانه ، والمحبة لا تعني الغلو في المحبوب وإعطائه ما لا يستحق أو الاعتقاد به ما ليس فيه فهذا كله لا يكون من الحب الشرعي للصالحين ولا يكون من علامات الإيمان النير.    والصالحون هم أولياء، والأولياء هم الذين آمنوا بالله حق تقاته بقدر ما يستطيعه الإنسان ، وأعظم الأولياء درجة الصحابة الكرام ثم من تبعهم بإحسان فلا يمكن أن يبغضهم مسلم ، بل لا بُد أن يحبهم كل مسلم عامر قليه بالإيمان ويواليهم .    ومن أولياء الله ( جماعة الإخوان المسلمين ) الذين يدعون إلى الإسلام في وقت فشي فيه الكفر والجهل ، فمن يعاديهم أو يبغضهم ففي قلبه وفي إيمانه نقص وفي بصيرته غشاوة وعمى ، ومن أحبهم ففي قلبه إيمان وصفاء وفطرة سليمة  .    والكرامة ثابتة لأولياء الله سبحانه وتعالى ويُراد بالكرامة إجراء بعض الأمور على أيديهم التي لا يقدر عليها الإنسان العادي ، وقد وقعت كرامات كثيرة جداً في الماضي وتقع في الحاضر وفي المستقبل وليس فيها شيء مُستنكر ولا غريب وأنها من صنع الله تعالى .    هذا ومن الجدير بالذكر هنا أن ننبه إلى أمرين أثنين : الأول: أن المسلم إنما يحرص على الاستقامة لا على الحصول على الكرامة، وإن من أعظم إكرام الله لعبده أن يجعله مسلماً ويثبته على الإسلام حتى يلقاه  . الثاني : أن الكرامة تقع لأولياء الله إلا أن بعض الخوارق تقع على أيدي أعداء الله بتزيين الشياطين استدراجاً لهم ، وعلى هذا فنحن عندما نريد الحكم على شخص فإنما نحكم عليه من خلال أعماله ومدى تمسكه بالشرع لا بناء على ما يجري من خوارق الأمور ، ولو أن شخصاً أحيا لنا الموات أو فجّر لنا الأرض ينابيع ليثب لنا شيئاً خلاف الشرع الإسلامي لما صدقناه ولما اعتبرنا ما فعله دليلاً على صدق ما يدعيه مما هو خلاف الشرع الإسلامي ، وفي قصة الدجال دليل على ما نقول  .    والوالي وإن جرت على يديه الكرامات فهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، وبالتالي لا يجوز للمسلم أن يشركه في عبادة الله ، فلا يجوز له أن يخشاه خشيته لله ولا أن يدعوه أو يستغيث به فإن هذه الأمور وأمثالها من باب العبادة وهي من حق تعالى لا يستحقها سواه  . الأصل الرابع عشر وزيارة القبور أياً كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة ، ولكن الاستعانة بالمقبورين أياً كانوا ونداؤهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشيد القبور وسترها وأضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذريعة . الشرح: زيادة القبور سنة مشروعه بالكيفية المأثورة ... أي بدون ابتداع ، وذلك بأن يذهب المسلم إلى زيارة القبور للتذكر والاتعاظ مستحضراً في ذهنه أن مصيره سيكون مصير هؤلاء الراقدين حتماً وأنه مهما طال عمره فلا بُد من فراق الدنيا ، فإذا ما صار بين القبور سلم على أهلها ودعا لهم ببعض المأثور ، ومن ذلك : ( السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين ، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ، نسأل الله لنا ولكم العافية والمغفرة , اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم .    فزيارة القبور إذن للذكرى والاتعاظ والدعاء للأموات ، هذا وإن السفر إلى زيارة القبور لم يرد في السنة بل ورد النهي عن ذلك ، فليقصر المسلم على زيارة القبور التي في بلدته والمكان الذي هو فيه .    وما عدا ذلك من البدع التي أحدثها الناس كالاستعانة بالمقبورين وسائر ما ذكره المرشد رحمه الله من البدع الغليظة التي تجب محاربتها وعدم التلوث بها ولا يجوز أن نرضى بهذه البدع بأي تعليل أو تأويل . الأصل الخامس عشر والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة. الشرح: دعاء غير الله تعالى لا يجوز قطعاً كما لو دعا شخص الولي الفلاني بأن قال: يا فلان أشفِ مريضي .    أما دعاء الله تعالى مع التوسل بأحد من خلقه كما لو قال القائل : يا الله أتوسل إليك بفلان لتشفيٍ مريضي ، أو : يا الله أشفِ مريضي يجاه فلان ، فهذا النوع من الدعاء هو الذي وقع فيه الخلاف كما يقول المرشد رحمه الله . والصواب في منع هذا الدعاء لأنه لم يرد دعاء عن النبي  ﷺ  توسل فيه بأحد من خلقه ، وكذلك لم يرد عن الصحابة مثل هذا الدعاء ، والخير دائماً في الإتباع لا في الابتداع . الأصـــل السادس عشر والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية ، بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها ، والوقوف عندها ، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء. الشرح: العرف هو ما تعارف عليه الناس واعتادوا عليه في حياتهم وفي علاقاتهم فيما بينهم ، فإذا كان هذا العرف يُصادم الحقائق الشرعية التي وردت بها النصوص الشرعية فهو عرف خاطئ فاسد ولا عبرة به ولا يُلتفت إليه ولا تجوز متابعته مهما كان اسم هذا العرف ، فلو سمّى الناس الخمر باسم آخر أو سموا شراباً مسكراً باسم اللبن أو العسل فإنه يبقى خمراً حراماً، فالعبرة بحقائق الأشياء ومعاني الألفاظ وما تنطوي عليه ، فإن كانت هذه المعاني والحقائق مُصادمة للحقائق الشرعية وجب تركها وعدم متابعتها ، وإن كانت هذه الأسماء تحمل حقاً وباطلاً استعيض عنها بغيرها من الأسماء أو الألفاظ الشرعية الواضحة الدلالة والمفهوم مثل: القومية فهي تحمل معاني باطلة كثيرة هي التي يقصدها الداعون إليها والناطقون بها، فيجب هجر هذا اللفظ وعدم الدعوة إليه والأصل الجامع في هذه المسائل أن على المسلم أن يستعمل الألفاظ الشرعية وأن يترك غيرها ما سعه ذلك وإن استعمل لفظاً مشتبهاً فعليه أن يحدد المُراد منه حتى لا يحصل التباس ولا إيهام عند السامعين. الأصل السابع عشر والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب . الشرح:  العقيدة الإسلامية هي التي تقوم على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وما تتضمنه أصول هذه العقيدة ، فهي والحالة هذه أساس العمل، فلا يُقبل عمل إذا لم يكن وراده هذه العقيدة كدافع للعمل ، وواقع حسب ما تقتضيه هذه العقيدة ، فإذا اختلت العقيدة أو فسدت أو كانت باطلة أو لم تتضمن أصولاً كان العمل فاسداً وغير مقبول ، وبقدر رسوخ معالم العقيدة وأصولها في النفس يكون العمل ثقيلاً في ميزان الحساب ومثمراًَ أطيب الثمرات ، كالشجرة كلما غارت أصولها جاءت ثمارها طيبة يافعة ريانة  .    وعمل القلب أهم من عمل الجارحة لأن القلب مصدر العمل وموجهه ، فإذا كان القلب محشواً بالإيمان والإخلاص ومتجهاً إلى الله تعالى وممتلئاً بخشيته ومراقبته وهذه كلها من أعمال القلب كان عمل الجارحة مرضياً عند الله سبحانه وتعالى ، ومن هنا كان عمل القلب أهم من عمل الجارحة ، بل إن العبادات القلبية من توكل على الله ورضا بقضائه وثقة به ومحبة له وتوجهاً إليه وخشية منه ، هذه العبادات وأمثالها وخلو القلب من أضدادها هي أكبر وأعظم أجراً من أعمال الجوارح ، وإن كان لا بُد من أعمال الجوارح ولا يغني عمل القلب عن أعمال الجوارح ولكن عمل الأخيرة يزكو جداً ويعظم كثيراً إذا نشط القلب في عباداته ، وتضمر جداً أعمال الجوارح إذا ركد القلب أو فتر أو غفل أو كسل عن عباداته وأعماله  .    فعلى المسلم أن يحرص على عبادات القلب حرصاً عظيماً في كل وقت وحين ، وفي رواحه ومجيئه ، وفي سكونه ومسيره ، وفي عمله ويقظته وخلوته ، وإذا حان وقت أعمال الجوارح وعباداتها كالصلاة والصيام والجهاد قام إليها نشيطاً وأداها وقلبه في حالة نشاط ويقظة وانتباه ، ولا يجوز له أبداً التفريط بأعمال الجوارح بحجة أنه مشغول بعبادات القلب كما يفعل بعض الجُهّال من العباد والمتصوفة ، فعبادات الجوارح لا بُد منها ولا يجوز التفريط فيها مع عدم الغفلة عن أعمال القلب . الأصل الثامن عشر والإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. الشرح: الإسلام يحرر العقل من الجهالات والغواية والأباطيل لأنه يضع الإنسان على الصراط السوي ويعصمه من الزلل والخطأ .. ويحل له المشكلات الكبيرة التي طرقت عقول البشر وهي من أين جئنا ؟ ولماذا جئنا ؟ وإلى أين المصير؟     وتحرير العقل لا يعني انفلاته من كل قيد بل جولانه ضمن الحدود الطبيعية له حتى لا يجمع به الخيال فيرى الباطل حقيقة والخطأ صواباً ، فالإسلام يحرر العقل من العبودية لغير الله ومن الاستمساك بأباطيل الدنيا ، والإسلام يحث على النظر في الكون ، وفي القران مدح وثناء للذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ، وهذا التفكير يقودهم إلى زيادة الإيمان بربهم ومعرفة بعظم قدرته وقوته وفي وقتنا الحاضر يجب أن سيتفيد المسلمون من العلوم الكونية والمدنية ويتعلمونها ليعرفوا بعض أسرار الكون ويجعلوا هذه المعرفة وسيلة من وسائل الدعوة إلى الإيمان بالله فضلاً عما يستفيدونه من ذلك من أمور دنياهم ، والإسلام يرفع قدر العلم والعلماء وهذا واضح في آيات كثيرة في القران ويرحب بالصالح النافع من كل شيء أي لا يمنع الإسلام الأخذ بما ينفع الناس كالاختراعات الحديثة والصناعات المختلفة وعلوم الطب والفيزياء والكيمياء ، بل أصبح تعلم هذه الأمور من الفروض الكفائية لحاجة المسلمين إليها ولأنها من أسباب القوة وإعداد القوة فرض على المسلمين .    وهذا النافع الصالح من العلوم وسائر الصناعات يأخذها المسلم وإن صدرت من غيره أو بدأ بها واكتشفها غيره لأنه أحق من غيره بالانتفاع بالصالح النافع من الأقوال والأفعال ، ولا يرفض المسلم إلا ما خالف الإسلام أو نهى عنه الإسلام. الأصل التاسع عشر وقد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي ما لا يدخل في دائرة الآخر، ولكنهما لن يختلفا في القطعي، فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالإتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار . الشرح: يُراد بالنظر العقلي ما يتوصل إليه من مسائل الكون والحياة ، ويراد بالنظر الشرعي ما تتضمنه نصوص الشرعية من أحكام الحلال والحرام ومن مسائل الكون والحياة وما أخبر عنه القران ، فهو الحق قطعاً سواء من مسائل الحلال والحرام أو مسائل الكون والحياة ، ولكن قد تكون بعض نصوص القران غير قطعية الدلالة – أي تحتمل أكثر من معنى – بينما النصوص الأخرى تكون قطعية الدلالة – أي تحتمل إلا معنى واحداً – فالنصوص القطعية هي التي يؤخذ معناها ولا يلتفت إلى ما سواه من مسائل الحلال والحرام ومسائل الكون والحياة ، ويكون هذا المعنى هو الحق قطعاً ولا يسع المسلم خلافه ، مثل سيدنا آدم خلق من طين ، وإن هناك شياطين وجناً ناطقة وعاقلة ونحو ذلك ، أما النصوص غير قطعية الدلالة فيجوز تخيير أحد معانيها ليطابق الحقائق القطعية الثابتة بالتجربة والبرهان ثبوتاً يقينياً مثل كروية الأرض.    وبهذه المناسبة نقول: إن القرآن الكريم كتاب هداية وتعليم سلوك وليس هو كتاب فيزياء أو هندسة أو نبات ، فهذه علوم يتعلمها البشر بالملاحظة والتجربة ، ولا حرج على العقول في تعلمها ، ولكن القران الكريم قد يتطرق إلى بعض مسائل الكون ليلفت النظر إلى قدرة الله تعالى وبديع صنعه ، فيذكر في أثناء ذلك بعض الحقائق الكونية ، فما يذكره في هذا السبيل هو الحق وما خالفه فهو باطل ما دام النص صريح في دلالته على معناه. الأصل العشرون ولا تكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض ـ برأي أو بمعصية ـ إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر .    الشرح : تكفير المسلم على وجه يخرجه من الإسلام أمر خطير جداً ، فلا بد من صدور ما يخرجه عن الإسلام قطعاً كأن يأتي قولاً أو عملاً لا يحتمل أي تأويل في كفر صاحبة ، مثل أن ينكر القطعي من الدين كوجوب الصلاة وحرمة الربا أو عدم لزوم التقييد بالإسلام أو استهزأ بالإسلام أو بالقران أو سبّ الله ورسوله أو لوث القران بقذر أو كذب صريح القران أو أنكر اليوم الآخر أو قال أن الشريعة صارت عتيقة وذهب زمانها ولا تصلح للتطبيق ولا لزوم لها في الوقت الحاضر وغير ذلك مما يجعل قائله أو فاعله كافراً قطعاً . أما إذا صدرت منه معاصي كشرب الخمر مع إقراره بأصول العقيدة الإسلامية فهو عاص لا كافر ، وكذلك إذا قال قولاً أو عمل عملاً يحتمل التأويل فلا نكفره بقوله أو عمله هذا.    ومن الجدير بالذكر أننا نطلق على بعض الأفعال أو ترك بعض الأفعال اسم الكفر كما جاءت بها النصوص الشرعية مثل : ترك الصلاة كفر ، أم تكفير شخص معين بالذات فلا بٌد من صدور ما يكفر به يقيناً مثل جحوده فرض الصلاة ، أو استتابته والقول له : إذا لم تُصلِ نقتلك ، ويصر على الترك ، ويؤثر القتل فهذا دليل خلو قلبه من الإيمان ويموت كافراً  .    كذلك يجب أن نعلم أن الكفر نوعان : كفر أصغر لا يُخرج صاحبه من الإسلام ، وكفر أكبر يُخرج صاحبه من الإسلام ، وعلى ضوء هذه التفرقة نستطيع أن نفهم بعض النصوص مثل : مّن حلف بغير الله فقد أشرك ، فهذا شرك غير مخرج من الإسلام ، وإنما هو معصية غليظة جداً وهكذا.    نسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق ويثبتنا عليه ... ويدفعنا للعمل به والدعوة إليه ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ... والله أكبر ولله الحمد.    الدكتور عبد الكريم زيدان
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=122