المؤلفات --> البحوث الفقهية
القتال والمقاتلون في الشريعة الإسلامية
القتال والمقاتلون في الشريعة الاسلامية
مقال كتبه الشيخ عبدالكريم زيدان تناول فيه بحث موضوع القتال والمقاتلون في الشريعة الاسلامية ,ونشر في مجلة المقاتل اليمنية على حلقتين, في العدد 43 والعدد 44 من العام 2007م .ونشر ايضا ضمن مجموعة بحوث بكتاب مستقل تحت عنوان (مجموعة بحوث فقهية معاصرة
).
بقلم: الدكتور عبدالكريم زيدان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلامة على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ؛
1- فإن من خصائص الشريعة الاسلامية العموم والشمول
,
أما العموم فيراد به أن أحكامها تخاطب جميع البشر وتسري عليه لأن رسالة سيدنا محمد ﷺ عامة لجميع البشر فهو رسول الله للناس كافة وأحكام دينه تسري عل جميع البشر قال تعال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وقال تعالى مخاطباً نبيه محمد ﷺ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا). أما المقصود من شمول الشريعة فهو أن أحكامها تنظم جميع شؤون الحياة وعلاقة الناس بربهم وفيما بينهم أفراداً وجماعات قال تعال: (
مَا فَرَّطْنَا
فِي الْكِتَابِ
مِنْ
شَيْءٍ
) وقال تعالى: (
اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم
مِّن
رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا
مِن
دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ ۗ
).
ومن جملة شؤون الحياة وعلاقات الناس فيما بينهم التي جاءت الشريعة بتنظيمها وبيان أحكامها فيما يتعلق بـــ "القتال والمقاتلين" وأنا في هذه المقالة أريد بيان بعض ما يتعلق بهذا الموضوع الذي هو من صميم مواضيع الشريعة الاسلامية وأحكامها فالبحث في هذا الموضوع هو بحث فقهي صرف يبين ما في الشريعة الاسلامية من أحكام تتعلق بهذا الموضوع من دون تقويلها ما لم تقل ومن دونه تحميلها ما لا تحتمل.
2) القتال نوع من الجهاد
قال الفقهاء " الجهاد بذل الوسع بالقتال في سبيل الله مباشرة أو بمعاونة – أي بمعاونة المقاتلين – بمال أو برأي أو بتكثير سواد- أي بتكثير عدد المقاتلين- ولو بدون مباشرة القتال أو بغير ذلك".
والمقصود بالقتال في سبيل الله القتال في المواضع التي أمر الله بها في القتال نصرة لدينه وابتغاء مرضاته وطاعة لأمره. ومن أنواع نصرة المسلمين لدين الله قتالهم لأعدائهم الذين يعتدوون على أوطانهم ويقاتلونهم الاستيلاء على ديارهم قال تعالى: (
وَقَاتِلُوا
فِي
سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
). وعلى أن يكون قتال المسلمين لأعدائهم طاعة الله وابتغاء مرضاته وطلب الثواب منه وليس للسمعة والرياء.
3) مشروعية القتال
قال تعالى: (
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ
ۖ
وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
ۖ
وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ
ۗ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
) وجاء في تفسير هذه الآية: فرض عليكم أيها المسلمون القتال وقد تكرهونه لما من تعريض النفس للهلاك، وهذه الكراهية أنما هي حسب طبع الإنسان لكراهية ما فيه مشقة لا سيما التعرض للهلاك، لكن هذا القتال محبوب ومطلوب في شرع الاسلام وفيه خير لكم أيها المسلمون، ومن هذا الخير الغلبة لكم والنصر على أعدائكم وتخليص دياركم من استيلاء اعدائكم عليها وبقاؤكم أعزة في دياركم ومن قتل منكم في القتال قتل وهو شهيد وللشهيد منزلة عظيمة جداً وفضل كبير وقوله تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ) أي قد تحبون القعود وترك القتال وهو شر لكم لأن تكاسلكم عن القتال سيقوي عليكم عدوكم فيغلبكم حتى يصل إلى عقر داركم فيحل بكم من الضرر أشد مما تخافونه من القتال الذي كرهتموه وهو ما يصيبكم من المذلة وتسلط الأعداء عليكم في دياركم مع مايصيبكم في الآخرة من عقاب لتخلفكم ن تنفيذ أمر الله تعالى بقتال أعداء الاسلام واعدائكم. وقوله تعالى: (وَاللهُ يَعْلَمُ) أي يعلم مافيه صلاحكم وما هو خير لكم في الدنيا والآخرة ومن ذلك أمر الله لكم بالقتال.
4) فضل القتال والمقاتلين في الإسلام
للقتال والمقاتلين في الإسلام منزلة عظيمة جداً وفضل لا يناله غيرهم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقوله تعالى: (
اشْتَرَى
مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
) مع أنه تعالى هو خالقهم ترغيباً منه بالقتال، وثمن هذا الشراء أو هذا البيع من قبلهم هو حصولهم الجنة وهو فوز عظيم وهذا وعد من الله تعالى ومن أوفى بوعده من الله الذي سماه عهداً من الله ثم يحثهم الله تعالى على ذلك بأن يفرحوا بهذه الصفقة الرابحة بأن يقاتلوا أعداءهم في سبيل الله ويعرضوا أنفسهم للقتل في سبيله وسينالهم ما وعدهم الله به من ربح الذي لا يساويه ربح وهو الدخول في الجنة والخلود فيها ومثل هذا الربح يستدعي الفرح به واعتباره الفوز العظيم الذي تتطلع إليه نفوس المؤمنين الصادقين.
وفي بيان منزلة الشهدات عند الله قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
وفي السنة النبوية في فضل المقاتل في سبيل الله ما رواه الإمام البخاري في صحيحه أنه: "قيل يارسول الله أي الناس أفضل. فقال رسول الله ﷺ: مؤمن يجاهد بنفسه – أي يقاتل- وماله".
وفي السنة النبوية أيضاً حديث البخاري في صحيحه: "أن النبي ﷺ قال: ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة".
وقال بعض شراح هذا الحديث: هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة والشهداء.
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "ليس يعدل – أي يساوي – لقاء العدو شيء ومباشرة المسلم القتال بنفسه أفضلالأعمال، والذين يقاتلون العدو هم الذين يدافعون عن الإسلام وعن حريتهم فأي عمل أفضل من أعمالهم؟ الناس آمنون وهم يقاتلون قد بذلوا مهجهم في سبيل الله".
5) تعليل فضل القتال على غيره من أعمال البر
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في تعليل فضل القتال على غيره من أعمال البر: "أن نفع القتال في سبيل الله نفع عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا وفيه الاخلاص العظيم من فاعله لله تعالى والتوكل عليه وتسليم النفس لله تعالى بالقتل في القتال وتقديم ماله وبذله للمجاهدين في سبيل الله".
6) أنواع القتال
القتال المشروع في الإسلام منه ما هو فرض كفاية ومنه ما هو فرض عين، أما قتال فرض الكفاية فهو الذي إذا قام بعض المسلمين وحصلت بقتاله كفاية وجوب القتال عن الآخرين.
أما القتال الذي هو فرض عين فالمقصود به وجوب القيام به من كل مكلف في الإسلام سواء كان مسلماً ذكراً أو أنثى مسلمة وصلا سن البلوغ فلا يسقط وجوبه بفعل البعض دون البعض الآخر. فيكون مثل هذا القتال الذي هو فرض عين مثل فرض الصلوات الخمس أو صوم رمضان لا يسقطع بفعل البعض دون البعض الآخر بل لا بد من القيام بفرض الصلاة والصيام من كل مكلف.
7) متى يكون القتال فرضاً عينياً
يصير القتال فرضاً عينياً في الحالات الآية:
أ- الحالة الأولى:
إذا ألتقى جيش المسلمين بجيش العدو وجب على كل فرد في الجيش الإسلامي قتال العدو والثبات وعدم الفرار منه لقوله تعالى: (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
).
وقال تعالى: (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ
*
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ
أَوْ
مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ
مِّنَ
اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ
ۖ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
).
ب- الحالة الثانية:
بوجوب القتال العيني وهذا الحالة تكون إذا أعلن الإمام النفير العام لقتل العدو قال ﷺ: "إذا استنفرتم فانفروا" ، وقال الإمام ابن قدامة في كتابه المغني: "إذا استنفر الإمام - أي رئيس الدولة – قوماً لزمهم النفير لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ) وقال ﷺ: "إذا استنفرتم فانفروا" فاذا استنفر الامام قوماً أي إذا دعاهم بالخروج إلى القتال فعليهم بالاجابة وطاعته للخروج".
ج- الحالة الثالثة:
إذا دعا الإمام أي رئيس الدولة شخصاً يعينه إلى القتال وجب عليه الخروج وقد قال فقهاء المالكية: "ويتعين الجهاد – أي يصير القتال فرض عين- بتعيين الإمام – أي رئيس الدولة – للشخص الذي عينه".
د- الحالة الرابعة
:
التي يصير فيها الخروج للقتال فرض عين إذا صار النفير عاماً وذلك إذا أعلن الإمام - رئيس الدولة - النفير العام بأن دعا جميع أفراد الأمة للخروج للقتال وذلك في حالة هجوم العدو على بلد إسلامي أو أحتله فعلاً ففي هذه الحالة يصير قتال العدو لصده عن دار الاسلام أو إخراجه منها فرضاً عينياً على مكلف مسلماً كان أو مسلمة وساء كان رئيس الدولة المستنفر أي الداعي إلى القتال عادلاً أو فاسقاً لأن ما يدعو إليه من أعمال البر التي تدخل في طاعة الله فيجب أن يطاع فيما يأمر به أي في أمره للجميع بالخروج للقتال وقد قال فقهاؤنا يرحمهم الله تعالى عن هذه الحالة أي حالة النفير العام الذي يدعو إليه رئيس الدولة، قالوا: يخرج للقتال العبد بدون إذن مولاه وتخرج المرأة بغير إذن زوجها أن كانت ذات زوج وإن لم تكمن ذات زوج فتخرج من دون إذن وليها لأن الخروج للقتال لما فرضاً عينياً للنفير العام الذي أعلنه ودعا إليه رئيس الدولة كان للمرأة أن تقوم بغير إذن زوجها كما تقوم بفرض الصلاة والصيام بدون إذن زوجها وكذلك يخرج الغلمان الذين لم يبلغوا سن البلوغ للقتال أن قدروا عليه أو المساهمة في بعض متطلباته وأن كره خروجهم الآباء والأمهات.
وعند خروج النساء للقتال في حالة النفير العام يقمن بما يقدرن عليه من متطلبات القتال ومباشرة القتال فعلاً إن قدرن عليه أو على بعض أنواعه.
أما تعليل وجوب القتال على الجميع في النفير العام فقد قلنا يكون النفير عاماً إذا هجم العدو على بلد إسلامي أو احتله فعلاً وتعليل هذا الوجوب في حالة النفير العام إن احتلال أعداء الإسلام بلداً إسلامياً يعد أمراً خطيراً وفتنة كبرى ونكبة عظيمة يهون في سبيل دفعها بذل النفوس في قتال العدو وصده عن دار الإسلام أو أخرجه منها لأن في عدم قتال العدو وصده عن دار الإسلام أو أخرجه منها لأن في عدم قتال العدو يحصل ما هو أعظم من إزهاق أرواح المسلمين في قتالهم للعدو وهو حصول المذلة والمهانة للمسلمين من قِبل عدوهم الذي احتل جيارهم، والشأن في المسلم أن يكونوا عزيزاً قال تعالى: (
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
) وقال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )، والمسلم يحب أن يموت عزيزاً ولا يحب أن يبقى حياً ذليلاً كما أن من عقيدة المسلم إيمانه بقوله تعالى: (
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا
) ويؤمن بقوله تعالى:(
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ).
وإذا قتل المقاتل المسلم في القتال فإنه يموت شهيداً ويكون قد فاز فوزاً عظيماً لأنه مات شهيداً، وقد ذكرنا فضل الشهادة والشهداء. وقد قال الشاعر:
وإذا لم يكن من الموت بُدٌّ فمن العار أن تموت جباناً
والجبان: هو الذي يصير القتال في حقه فرضاً عينياً ولا يستجيب له.
ثم في القعود عن القتال الذي صار فرضاً عينياً الإسهام في تمكين الأعداء من السيطرة على بلاد المسلمين وإذلالهم وتسليط اتباعه من المنافقين على حكم البلد الذي احتلوه كما أن في تمكين الأعداء من احتلال البلد الإسلامي بتكاسل المسلمين من قتالهم فتنة عظيمة للمسلمين في دينهم هذه الأمور ونحوها التي تحدث باستيلاء العدو على بلاد المسلمين يكون الاستشهاد في دفعها أهون من بقاء الحياة الذليلة التى يكون عليها المسلمون تحت حكم الأعداء الذين احتلوا بالدهم.
هـ- الحالة الخامسة
:
التي يصير فيها القتال فرضا عينيا على المسلم انخراطه في سلك الجندية وصيرورته فردا في جيش الدولة يتقاضى عن ذلك راتبا شهريا من خزينة
الدولة لقاء حبس نفسه ووقته استعداداً للخروج للقتال إذا أمره ولي ألمر للخروج فيكون وجوب القتال عليه من جهتين: الأولى من جهة الشرع لأن المسلمين وهو واحدٌ منهـم ـ مخاطبون بالقتال، ومن جهة أخرى يعتبر القتال في حقه واجبأ بموجب تعاقده مع الدولة عند انخراطه في سلك الجندية وصيرورته فرداً من أفراده،
ووجوب استعداده لإجابة طلب ولي الأمر للخروج للقتال فيحرم عليه عصيان لوجوب ا القتال عليه بموجب الشرع وبمقتضى تعاقده مع الدولة الذي من مقتضياته الخروج للقتال إذا دعاه ولى الأمر لقوله تعالى : (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
).
8) القنال لا بد منه
القتال بين البشر لا سيما بين جماعتهم ودولهـم لابد من وقوعه لأنه من التدافع بين الحق والباطل أي التدافع بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل. فما المقصود بالحق والباطل؟ ولماذا يحصل التدافع ولو بالقتال بين أصحابهما؟ هذا ما أجيب عليه فيما يأتي:
9) المقصود بالحق والباطل
المقصود بالحق كل ما هو ثابت وصحيح أو واجب فعله وبقاؤه والدفاع عنه من اعتقاد آ و فعل أو ترك وكل هذه المطلوبات بحكم الشرع الإسلامي.
والباطل هو نقيض الحق الذي بينا معناه والمقصود به ويشمل الباطل كل ما هو
لا ثبات له واعتبار ، ولا يوصف بالصحة ويستوجب تركه وإزالته إذا جد وعدم فعله، وكل هذه المعلومات بحكم الشرع الإسلامي.
وتعليل وقوع التدافع ولو بالقتال بين الحق والباطل أي بين أصحابها بأنهما ضدان ، والضدان لا يجتمعان، لأن كل فريق يريد تطبيق ما عنده من معاني الحق أو ما يحمله من معاني الباطل. وتطبيق كل فريق ما عنده من حق أو باطل يترتب عليه مزاحمة الفريق الآخر وما يحمله من حق أو باطل وإزاحته ولو بالقوة والقتال إن استطاع أو إضعاه ومنعه من أن يكون له تأثير في واقع الحياة، وأما بقاء الفريقين وما يحملانه من حق عند أحدهما وباطل عند الآخر دون تدافع أو اقتتال فمرد ذلك يرجع إلى تساويهما في الضعف أو القوة.
11) للباطل قوةٌ تطغي أهله
وقد تكون للباطل قوة تأثير عظيمة على صاحبه فتحمله قوة الباطل على الطغيان إذا كان له القدرة عليه، وهذا هو طغيان الباطل وأهله بسبب قوتهم، فلا يكتفون بالبقاء على باطلهم ورفض قبول الحق من أهله بل يسعون إلى محق الحق وأهله ويدلنا على ذلك أن كفار قريش الذين لم يسلموا لم يكتفوا بالبقاء هم على كفرهم ورفضهم للحق الذي جاء به ﷺ من ربه وهو الإسلام، وإنما سعوا بل وعزموا على قتله، ولكن الله تعالى حفظه من كيهم ويسر له سبيل الهجرة إلى المدينة هو ومن قتله، ولكن الله تعالى حفظه من كيهم ويسر له سبيل الهجرة إلى المدينة وهو ومن أسلم وحتى بعد هجرة النبي ومن معه إلى المدينة لم يكف كفار قريش من ملاحقة النبي ومن معه في المدينة لمحق وقتل نبيه ومن آمن معه وهذا صفة أهل النبي ومن معه في المدينة لمحق الإسلام وقتل نبيه ومن آمن معه وهذا صفة أهل الباطل لا يرضون ببقاء أهل الحق ولا يكتفون ببقائهم هم على باطلهم، ولهذا يحاربون أهلالحق لإزاحتهم أو لمحقهم، قال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا).
12) لا بد للحق من قوة تحميه
ونريد بحماية الحق حمايته بنفسه وحماية أصحابه؛ لأن أهل الباطل كما قلنا لا يكفيهم بقاؤهم على باطلهم ورفضهم للحق الذي يعرضه عليهم أصحاب وإنما يريدون محق الحق وأصحابه كما قلنا فلا بد من قوة تحميه وتحمي أصحابه وهذه القوة يجب إعدادها لمنع أهل الباطل من التحرش بهم والاعتداء عليهم إذا طوعت لهم أنفسهم قتال أهم الحق، فما هي هذه القوة التي يجب أن يعدها أهل الحق وهم المسلمون؟ وما أنواع هذه القوة الواجب إعدادها. وما مدى مشروعية هذا الإعداد لهذه القوة؟ وهذا ما نبينه في الفقرات التالية
13) الأمر الشرعي لإعداد القوة
قال تعالى: (وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) وهذا خطاب عام للمسلمين بوجوب إعداد القوة، وهذا الإعداد واجب؛لأن الأصل في صيغة الأمر أنه للوجوب، والذي يقوم بتنفيذ هذا الأمر – أي إعداد القوة – هو الخليفة أي رئيس الدولة الذي ينوب عن الأمة بتنفيذ ما هي مكلفة به شرعاً ومنه إعداد القوة.
14) والمقصود بالقوة المطلوب إعدادها
هي أنواع الأسلحة على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الإمام الرازي في تفسيره: (الأولى أن يقال في المقصود بالقوة – وهي لفظ عام – أن تشمل كل ما يتقوى به على قتال العدو وكل ما هو آلةللقتال فهو من جملة القوة). وقال المفسرون الآخرون: والمقصود به (ومن رباط الخيل): الخيل المربوطة والمعدة للمقاتلين لاستعمالها في القتال، فهي من جملة ما يجب إعداد في القتال فيكون من القوة المطلوب إعدادها. وإعداد القوة بأنواعها يجب أن تكون مرهبة للعدو؛ لأن في الآية التي بيناها ما يحصل من إعداد القوة وهو قوله تعالى: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) والمقصود بإرهاب العدو إخافته من الاعتداء على المسلمين لما يراه من قوتهم فلا يجرؤون على قتال المسلمين لما يرون من قوتهم التي أعدوها. وعلى هذا يجب أن تكون القوة التي أعدها المسلمون بالقدر الكافي لإخافة أعدائهم على نحو يمتنعون عن قتال المسلمين فلا تكون قوة المسلمين مرهبة للعدو إلا إذا كانت أكبر وأقوى من قوة العدو، وبهذا يأمن المسلمون من شر أعدائهم واعتدائهم؛ لأن القتال ليس مقصوداً لذاته بالشرع الإسلامي وإنما هو مشروع للضرورة وللدواعي الشرعية للقتال مقال الدفاع عن دار الإسلام ضد العدو ولهذا أمتن الله تعالى على الصحابة الكرم في معركة الخندق بأن هيأ الأساب التي حملت المشركين المحاصرين للمدينة المنورة على الانصراف عن محاصرتها والرجوع إلى ديارهم فأنزل الله تعالى فيما أنزله بشأن معركة الخندق قوله تعالى: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) فبلوغ أهداف المسلمين من العدو بدون قتال هو من نعم الله على المسلمين.
15) وجوب تهيئة إعداد وسائل القوة
قلنا: إن إعداد القوة واجب شرعي بدلالة الآية التي ذكرناها، فيكون إعداد هذه الوسائل واجباً شرعياً أيضاً؛ لأن القاعدة الشرعية: (ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب) وإعداد هذه الوسائل يستلزم تعلم صنعة هذه الوسائل، فا بد من إعداد الأفراد الذين يتعلمون هذه الوسائل وصناعتها من مختلف أنواع الأسلحة في الوقت الحاضر؛ لأن المطلوب إعداد القوة المادية للقتال والقوة المادية تكون في السلاح، والسلاح يتغير نوعه بتغير الأزمان، فيجب تعليم وسائل القوة في الوقت الحاضر.
16) فرض الضرائب لإعداد القوة
وإعداد القوة بإعداد الأسلحة اللازمة للقتال يستلزم وجود المال الكافي لهذا الغرض فيجوز لولي الأمر – الخليفة أي رئيس الدولة – أن يوظف ضرائب في أموال الأغنياء أو يفرض ضرائب على جميع المواطنين وفق خطة مدروسة وعاجلة يراعى فيها قدرتهم على تحمل هذه الضرائب المفروضة، ويؤيد ما أقوله أقوال فقهائنا القدامى يرحمهم الله تعالى، فمن أقوالهم:
قال الامام محمد بن الحسن الشيباني صاحب الامام ابي حنيفة: ( لو اراد الامام – اي الخليفة أو رئيس الدولة – أن يجهز جيشاً فإن كان في بيت المال سعة فينبغي ان يجهزهم بمال بيت المال ولا يأخذ من الناس شيئاً. وان لم يكن في بيت المال سعة كان له ان بحكم – اي يوجب – ضرائب مالية على الناس بما يتقوى به اللذين يخرجون الى الجهاد – اي الى القتال ....).
وقال الإمام السرخسي تعليقاً على هذا القول: ( لان الامام نصب ناظر اًلهم – اي ناظراً للمسلمين بتحصيل مصالحهم – وتمام النظر في ذلك)
وقال الإمام السرخسي – وهو من فقهاء الحنفية القدامى:- (فإن لم يكن في بيت المال مال ومست الحاجة لتجهيز الجيش ليذبوا – أي ليدافعوا – عن المسلمين فله أن يحكم – أي يوجب – على الناس بقدر ما يحتاج إليه لذلك – أي لغرض الدفاع عن المسلمين وديارهم – لأنه أي الخليفة أو رئيس الدولة مأمور بالنظر للمسلمين وإن لم يجهز الجيش للدفع – أي لدفع الأعداء عن دار الإسلام وأهلها المسلمين – ظهر المشركون – أي تغلب المشركون – على المسلمين وديارهم فيأخذون من المسلمين أموالهم وذراريهم،فمن حسن التدربي أن يتحكم الإمام – الخليفة – على أرباب الأموال بقدر ما يحتاج لتجهيز الجيش ليأمنوا في سوى ذلك.
17) إعداد الجند
ومن القوة الواجب إعدادها إعداد الجند الصالحين للقتال؛ ويكون هذا الإعداد بالإعداد الإيماني والإعداد المادي.
18) الإعداد الإيماني للجند
قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله: (من شروط الجندي أن يكون ديناً شجاعاً).والتدين يكون بالتمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة والإيمان بمعانيها ومتطلباتها، والقيام بما شرعه الله تعالى من عبادات وضوابط في سلوك المسلم وعلاقاته بغيره، ولذلك كان من واجبات القائد المسلم تعهد جنوده والعناية بما يقوي فيهم التدين ولذلك كان القائد هو الذي يصلي بجنوده.
والتدين مهم جداً للجندي لأنه يعطيه قوة عظيمة في القتال لأن من معاني الدين أن من يقتل في قتال العدو يموت شهيداً والشهادة أعلى منازل المؤمنين، وعلى هذا أرى من الواجب في الوقت الحاضر على ولي الأمر تعيين المرشدين الأكفاء من أهل العلم ليقوموا بإعطاء الدروس للجنود فيمعاني الإيمان والعقيدة الإسلامية ويكون عددهم بالقدر الكافي. فلا يجوز لولي الأمر إغفال هذا الجانب الإيماني في الجندي يزداد فيه الإقدام في القتال والثبات أمام العدو، ولا يحدث نفسه بالقرار وإنما يحدث نفسه بضرورة الإقدام لنوال النصر والغلبة على العدو أو الموت شهيداً في ساحة القتال.
19) الإعداد المادي للجند
ويكون الإعداد المادي للجنود بإعداد وتهيئة الأسلحة المختلفة المعدة للقتال وتعليم الجنود كيفية استعمالها، مع تعليمهم على فنون الحرب والقتال وتدريبهم على كيفية تحركهم في ساحة القتال في الظروف والأحوال المختلفة.
ويدخل في مفهوم الإعداد المادي للجنودي إجراء التمارين العسكرية الدورية: والتي تسمى بـــ"المناورات العسكرية" ليبقى الجنوب على معرفة بما يجب أن يعرفه الجندي من متطلبات الحرب والقتال وحتى لا ينسى ما تعلمه مما له علاقة بالقتال، وفي الحديث النبوي الشريف: " من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا" وفي روايه أخرى "فقد عصى". وفي هذا الحديث دلالة على وجوب تدريب الجنود وإجراء التمارين العسكرية "المناورات" في أوقات دورية معينة حتى لا يعتبرون قد تركوا ما تعلموه من استعمال الأسلحة المختلفة أو ما تعلموه من فنون الحرب والقتال وحتى لا يؤدي ترك هذه التمارين العسكرين إلى نسيان ما تعلموه من استعمال الأسلحة وفنون الحرب وقد قال بعض الفقهاء " وينبغي للسلطان بأخذ الأمراء – أي أمراء الأجناد – والأجناد بكمال الاستعداد لمباشرة الجهاد – القتال – باتخاذ السلاح الجيد والخيل الجياد بالإدمان على الفروسية ورياضة الخيل والأبدان".
20) ما يباح للجندي في حالة الحرب والقتال
أ) لبس الحرير:
يباح للجندي لباس الحرير في حالة الحرب والقتال للضرورة أو لإرهاب العدو وذلك بأن لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح والوقاية منه. وأما لباسه لإرهاب العدو فللعلماء قولان أظهرهما أنه جائز فإن جنود الشام كتبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا إذا إلتقينا العدو ورأيناهم قد كفروا – أي غطوا – أسلحتهم بالحرير وجدنا لذلك رعباً في نفوسنا فكتب إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " وأنتم فكفروا أسلحتكم كما يكفرون أسلحتهم".
ب) الخيلاء في ساحة القتال
يجوز للجندي في ساحة القتال أن يمشي مشية الخيلاء، فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ أنه قال: "إن من الخيلاء ما يحبه الله ، ومن الخيلاء ما يبغضه الله، فأما الخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل عند الحروب وعند الصدق، وأما الخيلاء التي يبغضها الله فالخيلاء في البغي والفخر".
وفي معركة أحد اختال أبو دجانة الأنصاري بين الصفين أي بين صفي المقاتلين: صف المسلمين وصف المشركين فقال ﷺ: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن".
ج) إطالة الأظافر في الحرب
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وفروا الأظافر في أرض العدو فإنها سلاح. قال الإمام أحمد معلقاً على هذا القول: والجندي في الحرب قد يحتاج إليها في أرض المعركة.
وقال عبد الحكيم بن عمرو رضي الله عنه أمرنا رسول الله ﷺ أن نحفي الأظافر في الجهاد – أي في الحرب – لأن القوة في الأظفار ومن المعلوم أن تقليم الأظافر وعدم إطالتها من سنن الفطرة المستحبة في الشريعة الإسلامية ولكن جاز للجندي إطالة أظافره في حالة الحرب وقتال العدو وأما في حالة غير الحرب أو القتال فمن السنة تقليمها وعدم إطالتها.
21) الرباط في الثغور
الرباط في الثغور يدخل في مفهوم القوة الواجب إعدادها لمواجهة العدو وإرهابه وقتاله، والثغور جمع ثغر وهو كل مكان يمكن أن يتسلل منه العدو ويدخل إلى دار الإسلام لمهاجمة المسلمين وتكون هذه الثغور فرب الحدود بين دار الإسلام ودولة العدو وأصل الرباط يعني رباط الخيل لأن الجنود المسلمين كانوا يربطون خيوهم في الثغر فسمي المقام في الثغر رباطاً وإن لم يكن فيه خيل. والرباط في الثغور من أسباب القوة لدار الإسلام وجيش الإسلام لأن فيه دفاعاً عن دار الإسلام ومنعاً لتسلل العدو للدخول في دار الإسلام ومهاجمة الجيش الإسلامي. ولهذا كان الخلفاء المسلمون يهتمون به ويحشدون جنود المسلمين فيه ولهذا ينبغي لولي الأمر أن لا يترك ثغراً من ثغور دار الإسلام بدون جماعة قوية من الجنود ترابط فيه. وقد جاءت الأحاديث النبوية في فضل المرابطين في الثغور وعظيم أجرهم من ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي ﷺ قال: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه" وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " المرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت المقدس".
22) الأمير "القائد" للجيش في الإسلام"
قتال المسلمين لعدوهم لا يكون فوضى بلا نظام ولا تنظيم ولا يكفي أن يكون المسلمون أو الجنود المعدون للقتال حاضرين للخروج لقتال العدو وبذل أرواحهم في سبيل الله، وإنما يجب عليهم مع هذا أن يكون قتالهم وفق نظام وتنظيم شرعي وفق متطلبات القتال. وعلى رأس النظام المطلوب لقتال المسلمين لعدوهم أن يكون للمقاتلين أمير أي قائد يدير شؤون القتال والمقاتلين ويضع الخطط اللازمة للقتال. والحقيقة أن وجود قائد للمقاتلين واجب شرعي لأن الشرع الإسلامي يأمر بوجود أمير لأقل الجماعات وقد جاء بالحديث النبوي الشريف أن النبي ﷺ قال: " إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم".
وقال شيخ الإسلام بن تيمية في هذا الحديث ودلالته: فإذا كان قد أوجب النبي ﷺ في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولوا أحدهم كان هذا تنبيه على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك. وهكذا كانت سنة النبي ﷺ إذا بعث سرية – أي جماعة – لقتال المشركين، فإنه كان ﷺ يؤمر عليها أحد أفرادها ويأمرهم بطاعته، وإذا خرج ﷺ بالمسلمين للقتال فهو أميرهم في هذا الخروج والقتال كما في خروجه في معركة بدر وأحد.
23) ما يشترط في قائد الجيش
قيادة الجيش الإسلامي هي التي يسميها الفقاء المسلمون "ولاية الحرب" أي الإمرة على المقاتلين في سبيل اله أي الإمرة على الجنود المكونين للجيش الإسلامي ومن يتولى هذه الولاية أو الإمرة على جنود يسمى "أمير الحرب" أو "أمير المجاهدين" أو "أمير المقاتلين" أو "قائد المقاتلين" أو "قائد الجيش وهذه التسميات لمسمى واحد وهو من يتولى قيادة الجيش ويصير قائداً له فما هي شروط من يتولى قيادة الجيش ويصير قائداً له ؟ والجواب أن شروط من يتولى هذه الولاية هي شروط كل ولاية في الاسلام وهي: القوة، والأمانة إلا أن القوة هي في كل ولاية يما بناسبها فالقوة في إمارة الحرب الواجب تحققها في قائد الجيش ترجع إلى الشجاعة والخبرة في الحروب وأساليب القتال والمخادعة فيها والصبر عليها وغير ذلك مما يتعلق ويتصل بأمور الحرب والقتال. ولكن يجب أن يعرف أن المقصود بالشجاعة التي هي من شروط القائد هي ليست قوة البدن وضخامة الجثة فقد يكون الرجل قوي البدن ضخم الجثة ولكنه ضعيف القلب فلا يكون شجاعاً ولأن الشجاعة هي قوة القلب وثباته في الشدائد والصعاب ولذلك كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه في قمة الشجاعة على ضعف بنيته فقد ثبت في أحرج الظروف فقد فجع المسلمون بوفاة رسول الله ﷺ وحيث ارتد عن الإسلام من ارتد وامتنع ومن امتنع عن أداء الزكاة وظهر الكذابون المدعون للنبوة كذباً ولهم أتباعهم ومع هذا ثبت أبو بكر رضي الله عنه وارسل الجنود لقتال المرتدين ومانعي الزكاة وأمر جيش أسامة بالتوجه إلى تبوك ومقاتلة حشود الروم ولم يبقه في المدينة لأن النبي ﷺ عقد لواءه لأسامة وأمره بالتوجه إلى تبوك كما قلنا وكان ذلك قبل وفاة النبي ﷺ بأيام قليلة وقبل أن يغادر المدينة حصلت وفاة النبي ﷺ ولكن مع هذا أمر أبو بكر هذا الجيش التوجه إلى تبوك لأن النبي أمر بذلك قبل وفاته. ولما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب من أبي بكرة إبقاء جيش أسامة في المدينة وأن يتريث مع مانعي الزكاة ولا يقاتلهم نظراً للظروف القاسية وحصول الردة لمن ارتد ولما ألح عليه عمر بن الخطاب بذلك غضب أبو بكر وقال لعمر بن الخطاب أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام؟ والله لو منعوني – أي الممتنعون على أداء الزكاة – عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم ليه وقال عن جيش أسامة : والله لا أحل راية عقدها رسول الله ﷺ لأسامة وجعله قائداً للجيش وأمراً وجيشه بالسير والتوجه إلى تبوك كما قلنا. هذه هي الشجاعة وهي شجاعة القلب التي ظهرت في أبي بكر الصديق أمام تلك الصعاب والشدئد الهائلة ويجب أن يعرف بأن الشجاعة لا تعني التهور والخروج عن نطاق الشرع بل يبقى صاحبها ثابتاً يوجه قوته وشجاعته حيث يأمر الله تعالى المسلم إذا تولى ولاية من الولايات ومنها ولاية الحرب ورئاسة الدولة.
24) وأما الشرط الثاني لقائد الجيش وهو "الأمانة"
فإنها ترجع إلى تقوى الله تعالى وخشيته وطاعته والقيام بمتطلبات ولايته على جنده كما أمر الشرع الإسلامي فلا يتحول عن شرع الله وتمسكه به في جميع تصرفاته فيما يأخذ به أو يتركه فيوام يأمر به جنوده أو ينهاهم عنه.
25) يقدم الأصبح لقيادة الجيش على غيره
وإذا كان الشرط في تولي الولايات تحقق القوة والأمانة فيمن يولي على ولاية من الولايات إلا أن تحقق القوة والأمانة في الشخص الواحد نادر أو قليل فعلى الخليفة أو ولي الأمر أن يختار الأصلح لولاية الحرب أي الأصلح لقيادة الجيش الذي يحصل بقيادته مقصود هذه الولاية وهو صد الأعداء والغلبة عليهم وزعلى هذا الأساس يعين ولي الأمر لقيادة الجيش الشخص القوي الشجاه يعين ولي الأمر لقيادة الجيش الشخص القوي الشجا الكفؤ الخبير بفنون الحرب وأساليب القتال وإن كان فيه شيء مما يؤخذ عليه ويوجد غيره أصلح وأتقى لله منه ولكنه ليس في القوة والشجاعة والخبرة في فنون الحرب وأساليب القتال مثل الشخص الأول الذي وصفناه ويدل على ما قلناه أن النبي ﷺ كان يسند ولاية الحرب وقيادة الجيس لخالد بن الوليد رضي الله عنه منذ أن أسلم خالد وقال ﷺ: "إن خالداً سيف سله الله على المشركين" مع أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كان يصدر منه أحياناً ما ينكره عليه النبي ﷺ ومن ذلك ما فعله خالد بن الوليد في بني جذيمة لما ارسله النبي ﷺ إليهم فقتلهم وأخذ أموالهم دون استحقاق بشبه وبتأويل ضعيف حتى أن النبي ﷺ لما بلغه ما فعله خالد في بني جذيمة قام ﷺ رفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد" ومع هذا لم يعزله عن قيادة الجيش وإنما دفع عنه النبي ﷺ أموالهم ومع هذا فما زال النبي ﷺ بقدمه في إمارة الحرب وقيادة الجيش – وإن فعل ما فعل بشبه ونوع تأويل في بني جذيمة وقد كان الصحابي أبو ذر رضي الله عنه أكثر صلاحاً وتقوى من خالد ومع هذا لم يسند له النبي ﷺ ولاية الحرب ولا غيرها من الولايات وقال له ﷺ: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وأني أحب لك ما أحبه لنفسي لا تأمرون على اثنين ولا تولي مال يتيم" رواه الإمام مسلم.
وسار أبو بكر رضي الله عنه على سنة الرسول ﷺ في إسناد ولاية الحرب – قيادة الجيش – إلى خالدبن الوليد في قتال أهل الردة وفي فتوح العراق والشام بالرغم منا بدت منه بعض الهفوات كان له فيها تأويل فإن أبي بكر لم يعزله من قيادة الجيش من أجل تلك الهفوات بل عاتبه عليها لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه قائداً للجيش لأن غيره لم يكن يقدر على أن يقوم مقامه في إدارة شؤون الحرب وقيادة الجيش.
26) واجبات الجنود نحو قائدهم
يجب على الجنود طاعة قائدهم لأنه أميرهم فيدخل في عموم أولى الأمر الواجب طاعتهم في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
وفي الحديث النبوي الشريف الذي رواه الأمام البخاري وفي صحيحه وقد جاء فيه قوله ﷺ: " من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصا الله ومن عصى أكيري فقد عصاني".
والذي أراه أن الذي يتولى قيادة الجيش بتعيين من ولي الأمر بموجب الشرع الإسلامي يكون بمنزلة من عينه رسول الله ﷺ في وجوب طاعته من قبل من عين عليهم فتكون طاعة الجنود لقائدهم المعين من قِبل ولي الأمر بموجب شرع الإسلام طاعة لأمر النبي ﷺ.
27) ولكن يجب أن يعرف أن وجوب طاعة الجنود لقائدهم إنما هي مقيدة بحدود الشرع
أي فيما يوجبه الشرع الإسلامي أو يبيحه ولهذا جاء في الحديث النبوي الشريف: "الطاعة في المعروف" وفي حديث آخر: " لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق" وفي كتاب الله إشارة إلى صفة هذه الطاعة الواجبة وهي أن تكون بالمعروف فقد جاء في سورة الممتحنة في بيعة النساء للنبي ﷺ قوله تعالى: (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) وقد جاء في تفسير هذه العبارة " ووجد التقييد بالمعروف مع كونه ﷺ لا يأمر إلا بخ أي لا يأمر إلا بمعروف للتنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق" والمعروف هو كل أمر هو طاعة لله أو كل ما أمر الله به أو نهى عنه.
28) واجبات القائد نحو جنوده
أولاً: مشاورتهم... على قائد الجيش أن يستشير ذوي الرأي من أفراد جيشه لأن الشورى أمر مهم جداً أمر الله به الرسول ﷺ وهو الرسول المؤيد بالوحي فقال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في صدد هذه الآية: "لاغني لولي الأمر عن المشاورة فإن الله تعالى أمر به نبيه ﷺ" وفي تفسير الإمام الرازي لهذه الآية: "وقال الحسن وسفيان بن عيينة أما أمر الله رسوله ﷺ بالمشاورة ليقتدي به غيره من أولي الأمر بالمشاورة ويصير سنة في أمته" وقائد الجيش يعتبر من أولي الأمر بالنسبة للجنود الذين هم تحت قيادته فعليه أن يستشيرهم حتى يكون قائماً بواجب المشاورة قال الإمام القرطبي في تفسيره.
" واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وما أشكل عليهم من أمور الدين ويشاور وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب..." إلى أن قال القرطبي: وقال العلماء صفة المستشار
في أمور الدنيا أن يكون عاقلاً مجرباً " وعلى قائد الجيش أن يستشير أهل العلم والخبرة بشؤون القتال من أفراد جيشه الذين تحت قيادته ويكون منهم هيئة الشورى في جيشه فيشاورهم فيما يضع من خطط للقتال وفيما يعزم على فعله أو تركه فيسمع آراءهم التي قالوها أو قالها أكثرهم أي سواء اتفقوا على رأي واحد أو اختلفوا في الرأي فالقائد غير ملزم بالأخذ بالرأي الذي اتفقوا عليه برأي نفسه لأن الآية الكريمة تقول (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
قال قتادة في معنى الآية: "أمر الله تعالى نبيه عليه السلام إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله لا على مشاورتهم".
29) واتخاذ القائد هيئة من أهل الخبرة من ضباط جيشه ويكوّن منهم هيئة الشورى
في جيشه لا يمنعه ذلك من أن يسمع رأي أحد جنوده ويأهذ بهذا الرأي فقد أخذ الرسول ﷺ برأي الحباب بن المنذر بشأن المكان الذي أشار إليه بنزول الجيش فيه.
30)
ثانياً:
وعلى قائد الجيش أن يفتش جيشه
ويتعرف على جنوده وأحوالهم فيخرج منهم من كان فيه تخذيل للمقاتلين أو إحداث الفرقة فيما بينهم أو تشجيعهم على الفرار وعدم القتال أو من كان مشكوكاً في ولائه للمسلمين ولدولته كما أن على قائد الجيش أن يعين العرفاء والنقباء على جنوده ليعرف على طريقهم حاجة الجند وما يرغبون فيه وما ينقمون منه ومالا يريدونه وقد فعل ذلك رسول الله ﷺ في مغازيه وحروبه.
ثالثاً:
تشجيع القائد لجنوده:
وينبغي للقائد أن يشجع جنوده على القتال وعلى القيام بمتطلبات الحرب فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله ﷺ إلى الخندق – في معركة الخندق- فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق في غداة باردة فلما رأى النبي ﷺ ما بهم من نصب – تعب- وجوع قال: اللهم إن العيش عيش الآحرة فأغفر اللهم للأنصار والمهاجرة فقال الصحابة الكرام محبين نبيهم ﷺ نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً.
ومن طرق تشجيع القائد لجنوده في أعماله المتعلقة بإعداد متطلبات الحرب والقتال أن يشارك الصحابة الكرام في حفر الخندق فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن البراء قال: "رأيت رسول الله ﷺ يوم الأحزاب – معركة الخندق – ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه ﷺ وهو يقول: " والله لولا أنت ما أهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزل السكينة علينا وثبت الأقدام أن لاقينا".
رابعاً:
ومن واجبات القائد
إمامته للجنود في الصلاة
فقد كان النبي ﷺ إذا بعث أميراً على الحرب كان هو الذي يؤمره للصلاة بأصحابه وكذلك كان يفعل خلفاؤه من بعده في أمور الدين وحملهم على الإلتزام به لا سيما الصلاة التي هي صلة بين الرب وعبده. وفي إمامة القائد لجنوده في الصلاة دلالة على أهمية هذه العناية واعتبارها من واجبات القائد بجنوده. وعلى ذلك نرى أن يعظ القائد جنوده ويرشدهم إلى تقوى الله ويذكرهم بآيات القتال وما يجب على المسلم في قتاله للأعداء مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وقد جاء في تفسيرها "أصبروا على الطاعات" بأن تفعلوها وتلزموا أنفسكم بها فلا تتركوها، وأن تلزموا أنفسهم بترك ما نهى الله عنه (وَصَابِرُوا) والمصابرة مصابرة الأعداء أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب ولا تكونوا أضعف في الصبر منهم فيكونوا أشد منكم صبراً . (وَرَابِطُوا) أي أقيموا في الثغور رابطين خيولكم فيما كما يربط عدوكم خيولهم في أرضهم وقد سمى رسول الله ﷺ حراسة الجيش رباطاً فقد جاء في الحديث الذي رواه الطبري بسند جيد: "أن الرسول ﷺ سئل عن أجر المرابطين فقال: "من رابط ليلة حارساً من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى".
(واتقوا الله) أي اتقوا الله في جميع أحوالكم ولا تخالفوا شرعه (لعلكم تفلحون) أي ممن حصل من الفائزين بمطلوبهم الناجين من كل الكروب.
33) بعض أحكام القتال وآدابه
أولاً:
هجوم الجندي المسلم وحده على جيش العدو
جوز الأئمة الأربعة أبوحنيقة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل يرحمهم الله تعالى أن ينغمس المسلم في جيش الكفار وإن غلب على ظنه أن الأعداء سيقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين.
وقال الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة يرحمه الله تعالى أن يهجم المسلم وحده على جيش العدو وإن كان غالب رأيه أنه يقتل إذا كان غالب رأيه أن يوقع في العدو قتلاً أو جرحاً أو هزيمة. وإن كان غالب رأيه أنه لا يوقع في العدو قتلاً أو جرحاً أو هزيمة فلا يباح له أن يهجم عليهم.
34)
ثانياً: رمي جيش العدو المتحصن بأسرى المسلمين
ويجوز لجيش المسلمين رمي جيش العدو المتحصن بأسرى المسلمين أن يرميهم بما يقتلهم من سهام أو نبال أو بالقنابل في الوقت الحاضر إذا كان ذلك ضرورياً لمنع جيش العدو من احتلال دار الإسلام أو بلد منها وأن أدى ذلك في قتل أسرى المسلمين، لأن امتناع جيش المسلمين عن ذلك مراعاة لأسرى المسلمين يؤدي إلى ضرر جسيم هو احتمال احتلال العدو لدار الإسلام أو بلدة منها وهذا الضرر أعظم من ضرر قتل أسرى المسلمين، والقاعدة الشرعية يتحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد.
35)
ثالثاً: إتلاف شجر العدو وتخريب بيوته
ويجوز لجيش المسلمين إتلاف شجر العدو وزروعه وتخريب بيوته للضرورة أو لمقتضيات الحرب والقتال وقال تعالى: " مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) وقال تعالى في تخريب بيوتهم: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) وجواز ذلك كله هو كلما قلنا للضرورة ولمتطلبات الحرب والقتال ولأجل إلحاق الهزيمة بالعدو وتحقيق النصر للمسلمين ولأن حرمة الأموال لحرمة أصحابها، والعدو لا حرمة لهم فلا حرمة لأموالهم.
36) لا تجوز المثلة بجند العدو
روى أبو داود في سننه عن عمران بن حصين قال: "كان رسول الله ﷺ يحثنا على الصدقة وينهاينا عن المثلة" والمقصود بالمثلة تعذيب الشخص بقطع أعضائه وتشويه خلقته قبل قتله أو بعد قتله.
37) لا يجوز قتل المرأة ومن في حكمها
ولا يجوز للجيش الإسلامي قتل المرأة ومن في حكمها كالصبي والشيخ الفاني في حال الحرب وقتال العدو فقد روي الإمام البخاري والإمام مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله ﷺ أي في بعض حروبه ﷺ مع المشركين فنهي رسول الله ﷺ عن قتل النساء والصبيان". وأخرج أبو داود في سننه أن رسول الله ﷺ قال: "انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا امرأة".
38) متى يجوز قتل المرأة في حكمها؟
قال الإمام الكاساني في بدائعه: إذا قاتل واحد من هؤلاء – أي المرأة والصبي والشيخ الفاني – قتل وكذا لو حرض على القتال أو دل على عورات المسلمين أو كان الكفار – أي الذين يقاتلون المسلمين – وينتفعون برأيه أو كان مطاعاً وإن كان امرأة أو صغيراً أو شيخاً فانياً لوجود القتال منه من حيث المعنى والأصل إن كان من كان من أهل القتال يحل قتله سواء قاتل أو لم يقاتل، وكل من لم يكن من أهل القتال لا يجوز قتله إلا إذا قاتل حقيقة أو معنى.
ويجوز أيضاً قتل المرأة ومن في حكمها للضرورة إذا كانوا مختلطين في جيش العدو أو إذا تترس بهم العدو "أي اتخذهم كالدروع للوقاية بهم من سهام المسلمين" أو يحمل جيش المسلمين على عدم رمي جيش العدو مراعاة لهؤلاء لكون المسلمين لا يقتلونهم ولا يتسببون بقتلهم بأن يرموا جيش العدو الذي تترس بهم.
39) الاستعانة بغير المسلم في الحرب والقتال
وردت أحاديث نبوية شريفة في المنع من استعانة المسلمين بغير المسلم في قتالهم لغير المسلمين أو الإستعانة به ضد غير المسلمين والمسلمون في حالة حرب معهم كما وردت أحاديث في تجويز ذلك فمن أحاديث المنع في الاستعانة بغير المسلم في قتال المسلمين لغير المسلمين ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها "قال: قال رسول الله ﷺ إن رسول الله ﷺ قال لرجل لحق بجيش النبي ﷺ وطلب السماح له بالاشتراك معه في قتال العدو. وهم غير مسلمين فقال له ﷺ: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال المشرك: لا، فقال له النبي ﷺ: فارجع فلن استعين بمشرك".
40) في جواز الاستعانة بغير المسلم
ومما ورد في جواز الاستعانة بغير المسلم في قتال المسلمين لغير المسلمين أن النبي ﷺ استعان بيهود بني قينقاع على يهود بني قريظة. وأن صفوان بن أمية شهد مع رسول الله ﷺ معركة حنين والطائف ضد المشركين وكان صفوان آنذاك مشركاً.
وبناء على ما تقدم من ورود أحاديث في الجواز والمنع بشأن الاستعانة بغير المسلم في حرب وقتال المسلمين لغيرهم ذهب بعض الفقهاء إلى الجواز ومنهم الإمام أحمد عند الحاجة وهو مذهب الشافعي فقال الإمام أحمد عند الحاجة وهو مذهب الشافعي فقال الإمام ابن قدامة الخليلي وعن الإمام بن حنبل على جواز الاستعانة بغير المسلم وكلام الإمام الخرقي – فقهاء الحنبلي – يدل عليه أيضاً عند الحاجة وهو مذهب الشافعي ثم قال ابن قدامة: ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم تجز الاستعانة به لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن به من المسلمين مثل المخذل والمرجف فالكافر أولى بالمنع.
41) وقال فقهاء المالكية
" وحرم علينا الاستعانة بمشرك إلا لخدمة لنا كنوتي أو خياطة أو لهدم حصن". وقال الدسوقي الفقيه المالكي في حاشيته تعليقاً على القول السابق الذي قاله الدردير وهو من فقهاء المالكية " وحرم علينا الاستعانة بمشرك إلا لخدمة" أي إلا إذا كانت الاستعانة به لخدمة لنا فلا تحرم والمحرم هو إنما هو الاستعانة به في القتال" وقوله "أو لهدم حسن" أي أو لحفر بئر.
42) وقال ابن القيم الجوزية
صاحب شيخ الإسلام بن تيمية" إن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد – أي في حالة الحرب – أو القتال جائزة عند الحاجة لأن عيينة الخزاعي الذي ائتمنه رسول الله ﷺ على أعلامه بما عند المشركين وعزمهم على فعله – وكان عيينة آنذاك مشركاً، وكان تكليفه في تلك الحالة مصلحة للمسلمين لأنه كان مأمون الجانب وكان يمكنه الاختلاط بالعدو إذ كان مثلهم مشركاً فكان يسهل عليه معرفة أخبارهم وما يقصدون فعله.
43) القول الراجح في مسألة الاستعانة بغير المسلم
والذي أرجحه في مسألة الاستعانة بغير المسلم في قتال المسلمين لغيرهم أو في حالة الحرب معهم هو أن الأصل منع الاستعانة بهم والاستثناء الجواز عند تحقيق الحاجة والوثوق بما يستعان به والدليل على ما يرجحه ما يأتي:
أولاً:
ورود الأحاديث في المنع من الاستعانة به وذكرنا حديث الإمام مسلم في صحيحه الصريح في ا لمنع.
ثانياً:
إن نظرة غير المسلم لقتال المسلمين لغيرهم تختلف عن نظرة المسلمين لهذا القتال، فالمسلمون يرون قتالهم نصرة لدين الله وجهاداً في سبيله وطاعة له وابتغار للأجر والثواب منه تعالى أما غير المسلم فلا يرى قتال المسلمين لغيرهم هذه النظرة وهذا قد يحمله إلى عدم الإندفاع بما يضر المسلمين وينفع أعداءهم.
وأما الاستثناء وهو جواز الاستعانة بغير المسلم فيشترط لهذا الجواز وجود الحاجة لهذه الاستعانة ووجود الثقة والأمن بغير المسلم المستعان به والدليل على ذلك أن النبي ﷺ وأبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما عزم النبي ﷺ على الهجرة إلى المدينة وأخبر أبا بكر بعزمه هذا وأخبر أبا بكر رضي الله عنه بأنه ﷺ سيصحبه في هجرته إلى المدينة استأجرا رجلاً ليدلهما على الطريق في توجههما إلى المدينة، وكان هذا الرجل الذي استأجراه هو عبد الله بن أريقط الديلي وكان هادياً وماهراً في معرفة الطرق وكان مشركاً على دين قومه ولكن النبي ﷺ وأبي بكر ائتمناه ووثقاً به ودفعاً له راحلتيهما وواعده أن يأتياه بعد ثلاثة أيام إلى غار ثور حيث عزم النبي ﷺ الاختفاء وأبو بكر فيه هذه الأيام.
ووجه الدلالة بهذا الخبر أن قريش لما علمت بخروج النبي ﷺ من مكة أرسلت من يفتش عنه لقتله فكان ﷺ في حالة حرب مع كفار قريش ولذلك اختفى ثلاثة أيام في غار ثور حتى يهدأ الطلب عنه، ومع هذه الحالة الخطرة والظروف الصعبة إئتمنا ذلك المشرك ودفعا إليه راحلتيهما اللتين يركبانها وواعداه أن يأتياهما بعد ثلاثة أيام إلى غار ثور وهذا يدل على جواز الاستعانة بغير المسلم مع وجود الحاجة لهذه الاستعانة ومع وجود الثقة بالمستعان به.
44) الاستعانة بغير المسلم في قتال المسلمين للمسلمين
الأحاديث التي رويت في الاستعانة بغير المسلم سواء أكانت في المنع من هذه الاستعانة أو الجواز كانت في قتال المسلمين لغير المسلمين وعلى هذا وبناء على قاعدة "مفهوم المخالفة" وهي قاعدة أصولية من قواعد أصول الفقه لا أرى جواز استعانة المسملين بغير المسلم في قتالهم للمسلمين.
والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين. |