المؤلفات --> البحوث الفقهية
حالة الضَّرُورَةُ في الشريعة الاسلامية
حالة الضَّرُورَةُ في الشريعة الاسلامية بحث كتبه الشيخ عام 1389 هـ -1970م ونشر في مجلة كلية الدراسات الاسلامية بعددها الثالث 1970م, بعدها طُبع بكراس منفصل, ونشر ايضاً مع مجموعة بحوث بكتاب تحت اسم "مجموعة بحوث فقهية" يقول الشيخ عن هذا البحث:   من اصول الشريعة الاسلامية المقطوع بصحتها رفع الحرج عن الناس وارادة اليسر بهم . وعلى هذا الاصل دل القران الكريم والسنة النبوية المطهرة . فمن القران الكريم قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) وقوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) وفي السنة النبوية المطهرة وردت جملة احاديث تبين هذا الاصل وتؤكده مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) وعن عائشة الصديقة ام المؤمنين رضي الله عنها قالت : ما خير النبي  ﷺ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه ) وفي حديث اخر للنبي  ﷺ  جاء فيه: (بعثت بالحنيفية السمحة). وقد راعت الشريعة الاسلامية هذا الاصل – رفع الحرج عن الناس –في جميع تشريعاتها واحكامها , فمن مظاهر هذه الرعاية: اولا: ان التكاليف الشرعية ليست كثيرة من حيث مقدارها ولا مرهقة من حيث طبيعتها , فقد جاءت بالقدر اللازم لصلاح الانسان وزكاة نفسه, وفي حدود استطاعته وقدرته . يوضح ذلك ان مطلوبات الشريعة نوعان: النوع الاول: جاء على وجه الحتم والالزام, ويشمل هذا النوع طلب ايجاد الفعل الزاما, وهذا هو الواجب, وطلب ترك الفعل الزاما , وهذا هو المحرم. النوع الثاني: جاء على وجه التفضيل والترجيح لا على وجه الحتم والالزام . فأن كان ايجاد الفعل افضل وارجح فهو المندوب, وان كان ترك الفعل افضل وارجح فالفعل هو المكروه. وقد جعلت الشريعة الاسلامية النوع الاول من مطلوباتها الحد الادنى لصلاح الانسان وزكاة نفسه ويستطيعه كل انسان بغير حرج ولا ارهاق في احواله الاعتيادية , لأنه روعي فيه اقل الناس قدرة واستعدادا الى الاجابة, ومن ثم لا يجوز لأي انسان بالغ عاقل في الظروف الاعتيادية النزول عن هذا الحد الادن. اما النوع الثاني فقد نزعت عنه الشريعة الاسلامية صفة الالزام واكتفت بطلبه على وجه الترجيح والاستحباب, ولو شاءت لألزمت الناس به وجعلته من النوع الاول ولكنها لم تفعل لئلا يلحق الناس الحرج والارهاق, لان الناس ليسوا سواء في المبادرة والاستجابة ولا في القدرة ودرجة الايمان. وعلى هذا فقد اكتفت الشريعة في هذا النوع من مطلوباتها بتشويق الناس اليه وحثهم عليه وندبهم اليه وفتحت باب التنافس فيه ووعدتهم عليه جزيل الثواب. وهذا النهج من الشريعة دليل واضح على ارادة اليسر بهم ورفع الحرج عنهم. ثانيا : ومن مظاهر رعاية الشريعة لأصل رفع الحرج عن الناس تشريعها الرخص , مراعاة لأعذارهم ورفعا للمشقة عنهم , ولهذا يوجد في الشريعة نوعان من الاحكام , احكام العزيمة واحكام الرخصة. فالعزيمة ما شرع ابتداءا ليكون قانونا عاما للناس في احوالهم الاعتيادية , والرخصة ما شرع بناء على اعذار الناس وظروفهم الطارئة . او هي كما يقول الشاطبي : ( ما شرع لعذر شاق استثناء من اصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه ). فتشريع الرخص يدل دلالة قاطعة على مراعاة الشريعة لهذا الاصل العظيم – رفع الحرج عن الناس – لان الشارع كما يقول الشاطبي , لو كان قاصدا المشقة في التكليف لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف . ومن مظاهر المراعاة الاصل رفع الحرج ايضا , ان الشريعة نهت ان يقصد المكلف التشديد واستدعاء المشقة لنفسه مع ان العمل لا يقتضي ذلك بأصله . يدل ذلك الحديث الصحيح الذي جاء فيه : (بينما النبي  ﷺ  يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي  ﷺ  مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه ) . وفي حديث اخر ان نفرا من اصحاب الرسول  ﷺ  اجتمعوا وتذاكروا في اعمالهم الصالحة , فقال احدهم انا اقوم الليل ولا انام , وقال الاخر اما انا فأصوم ولا افطر , وقال الخر اما انا فلا اتزوج النساء , فلما بلغ رسول الله  ﷺ  مقالتهم , جاء اليهم فقال : (أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ). وسر المسالة ان الله سبحانه وتعالى لم يجعل ارهاق النفس وتعذيب الجسد سبيلا للتقرب اليه ولا لنيل ثوابه وانما امر بالقصد والاعتدال واعطاء الجسد حقه من العناية . وفي الحديث : (إن لجسدك عليك حقا) لان الجسد مركب الروح فاذا اعطب المركب عجز الانسان عن القيام بما افترضه الله عليه . ونخلص من ذلك كله ان المشقة غير مقصودة للشارع , بل شرع لها من احكام الرخصة ما يدفعها اذا كانت مشقة غير معتادة , وحتى المشقة المعتادة في بعض التكاليف غي مقصودة لذاتها وانما المقصود هو العمل وان كان فيه مشقة معتادة لما فيه من نصالح للمكلف . حالة الضرورة واصل رفع الحرج : وحالة الضرورة فيها مشقة بالغة وحرج شديد , ومن ثم فقد عالجتها الشريعة الاسلامية في ضوء اصل رفع الحرج , فشرعت لها من الاحكام ما تندفع به كما سنبينه في بحثنا هذا وبعد هذه المقدمة , لا بد من تعريف الضرورة وبيان حكمها بصورة عامة وتعداد حالاتها ثم نتبع ذلك ببيان احكام كل حالة وما يندرج فيها من جزيئيات وكل ذلك في مطالب ستة متتالية : المطلب الاول : في تعريف الضرورة وبيان حكمها وحالاتها . المطلب الثاني : الاضطرار الى تناول المحظور من مطعوم ومشروب وفيه (شرب الخمر لضرورة العطش , تناول المضطر لحم انسان ميت , الميتة وطعام الغير , الاضطرار في سفر المعصية , مقدار ما يأكله المضطر من الميتة ونحوها , التزود من الميتة ونحوها , الفكرة وراء تأثيم المضطر الممتنع من اكل الميته ونحوها , الاضراب عن الطعام حتى الموت ). المطلب الثالث : الاضطرار الى مباشرة المحظور من الادوية وغيرها في حالة المرض ( وفيه مناقشة اقوال الفقهاء فيه من منع او الجواز او التفضيل مع بيان الراجح ). المطلب الرابع : وفيه , الاضطرار الى اتلاف النفس او ارتكاب الفاحشة . المطلب الخامس : الاضطرار الى اخذ المال او اتلافه وفيه ( حرمة مال الغير , وجوب بذل المال للمضطر , هل يجوز بذل المال بدون عوض , مقدار العوض , اخذ المال قهرا اذا امتنع صاحبه عن بذله , شروط اخذ المال قهرا ولو بالقتال , لا عقاب لأخذ مال الغير لضرورة , القاء حمولة سفينة , الاكراه على اتلاف المال , اتلاف الانسان حاله لوقاية نفسه او عرضه . المطلب السادس : الاضطرار لقول الباطل وفيه (النطق بكلمة الكفر , النطق بالكفر رخصة لا عزيمة والعزيمة افضل وتعليل ذلك , تعطيل تفضيل العزيمة عن الرخصة , الكذب وجواز الحلف عليه للضرورة , التقية ).
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
https://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
https://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=105