عن الشيخ --> قالوا عن الشيخ
الدكتور مرفق ناجي ياسين
رثاء وتعزيةبوفاة الشيخ عبدالكريم زيدان بقلم: د. مرفق ناجي ياسين    الحمد لله الفردِ الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، كتب لنفسه البقاء، فهو الحي سبحانه لا يموت أبدا، ومن دونه يزول ويفنى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وأصحابه ومن لأثره اقتفى. أما بعد ..أقول مواسياً متأسِّيا، ومُتَرْجِمًا مُترَحِّماً: وصلني نبأ وفاة الوالدِ القدير، والعَلَمِ الشهير، والمربِّي الكبير، فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم زيدان، غفر الله ذنبه، ووسّع مُدخلَه، وأكرَم نُزلَه. مـوتُ العـلومِ بموتِ الـعارفيـن بها   وموتـهمْ لخـرابِ الـدارِ عنـوانُ وليس موتُ امرئٍ شاعَتْ فضائلُهُ   كموتِ من لا له فضلٌ وعِرفانُ وقد كانت وفاته يوم الاثنين من شهر ربيع الأول في اليوم السابع والعشرين، ولعلَّ اللهَ عَلِم من عبده حسن الامتثال، وصدق الحال، ففارقت روحه جسده يوم تُعرض على الله الأعمال. ولعلَّ من وافر حظِّه وصدقه في حمله ميراث النبوة وفاته في اليوم والشهر الذي توفي فيه خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فقد بوّب البخاري في صحيحه بقوله (باب موت يوم الاثنين). فشيخنا رحمه الله وإن كان متأخراً فليس في التأخر والمعاصرة تطفيفٌ في حق العالم المحقق، والناظر المدقق، ففضل الله وعطاؤه ليس على زمنٍ محددٍ مقصور، ولا على شخص مُعيَّنٍ محصور. تلامذته أعدادٌ متواترة، من مشايخ وقضاة ودكاترة، تجدهم في أقطار المعمورة دعاةً معلمين، وفقهاء مؤصلين، وخطباء موجهين، ومؤلفين بارعين، يحظى بحبهم له وتقديرهم، وثنائهم عليه ودعائهم. كان لاستقراره في اليمن ربع قرنٍ من الزمن، عطاءٌ علمي حافل، وزخمٌ طلابي متواصل، وبالأخص تدريسه في جامعة الإيمان، منهلِ العلم والعرفان. فمكانته العلمية ومصنفاته المتعددة جعلت الكثير من طلابها القادمين إليها من أنحاء العالم، يدرسون على يدِه ما كتبت ودوَّنت بشغفٍ ونَهم: فـموتُـه لَم يـُبكِ قَرِيـباً مُؤمِّــــــــلاً      ولكنَّه أبكَى شيوخَ المـــــــضاربِ ففي الصِّينِ طلابٌ لفَقْدِه أصْبحُوا       يَرون سَهيل العلمِ رأسَ الصعائبِ وعلـمُه لم يكفِــه أن زارَ شرقَهم       ولكنَّـه قد زار أقصى المغـــــــارِبِ فهاهم اليومَ مُحِبُّوه من طلابِه وجلسائِه يقفون صفوفاً للصلاة عليه، بعد أن وقف زمناً طويلاً معلماً وهم قعودٌ بين يديه. قضوا ما قضوا من أمره ثم قدَّموا      إماماً إمامُ الخير بين يديه وصلَّوا عليه خاشـــــعين كأنَّهم       صفوفٌ قيامٌ للسلام عليه كان يناقش مسائل الاختلاف بلا خلاف، يرجح في مباحث النزاع بلا تنازع أو إجحاف، يرد على مُعاصريه من غير قدحٍ أو تصريح، وعلى سابقيه دون تثريبٍ أو تجريح، كثير العطاء في مباحث العلم ومسائله، عديم الكلام عن نفسه وحاله، ومن سأله عن حياته فجوابه: (علمٌ لا ينفع، وجهلٌ لا يضر)، مُرشداً من أراد التأسي والاقتداء إلى سير الصحابة وقصص الأنبياء. إذا شرع في التدريس صغت له الآذان، وتحرك لصدق لهجته الوجدان، يناقش المسائل بلا تردد أو ارتياب، إذا سمعته ظننته يقرأ من كتاب أو يغترف من عُباب. ولشيخنا مصنفاتٍ فريدة ومؤلفاتٍ عديدة، من أجلِّها كتابه المُفصَّل، نال به جائزة الملك فيصل، وأوجز في الوصول إلى علم الأصول في كتابه الوجيز، وله في علم المقاصد الشرعية الوجيز في شرح القواعد الفقهية، إيجازٌ مفيد واختصار سديد، وإلى جانب التأصيل الفقهي كان التأصيل الدعوي في كتابه أصول الدعوة إلى الله؛ لتفوح في طياته وسطور كلماته نسمات جهاده وصدق بلائه، فكان دليلاً للسائرين وزاداً للمسافرين. ولم يكتف بالتأصيل الفقهي والدعوي، حتى صال وجال في التفسير الموضوعي، ليستخرجَ زُبداً ذهبية ودُرراً بهية في آي القصص القرآنية، يرشد بها أرباب الدعوات أثناء سيرهم في مضمار الدعوة وميدان الصفوة، فأجاد في ذلك وأفاد كما في كتابه (المستفاد). أدهى المصائبِ ما قد بالدينِ نزلتْ       والمسلمون عموماً لاقوا الألَما دعـــــــــا إلى اللهِ بالقرآنِ إخوتَــــه      وحثَّـهم عـمراً بجـعْله حَـكَــــمَا وفي مجال السنن الإلهية له صولات وجولات عاش معها بأحاسيسه وعايشها بوجدانه ليرسم كتابه البديع (السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد) موائماً بقلمه وإعمال فكره بين السنن الإلهية، الشرعية منها والكونية. ولمّا غشيت الأمة غاشية رهيبة من التغريب، ومرَّت بمرحلةٍ عصيبةٍ من الهدم والتخريب، أخذ يعدد محاسنَ الشريعةِ برويَّة، مقارناً بينها والقوانين الوضعية، مظهراً جوانب كمالِها، وعَوَرَ غيرِها، داعياً إلى الله على بصيرة، كما في كتابيه نظرات والمدخل لدراسة الشريعة. وفي السياسة الشرعية علَمٌ من أعلامها، يسرد مسائلها الثابتة، ويؤصل لنوازلها المعاصرة، بنظرةٍ ثاقبة، وحماسةٍ فائقة، دون إثارةٍ لخصامٍ أو جَدَل، وإنما دعوةٌ إلى الجد والعمل، يظهر ذلك في كتابه الفرد والدولة في الشريعة، وغيرها من المسائل والمباحث المعاصرة. وفي مسائل الاعتقاد والإيمان، يثبت مذهب أهل السنة بالدليل والبرهان، بأسلوبٍ هادفٍ وراقي، كما في الشرح العراقي، وعقيدة القضاء والقدر وأثرها في سلوك الفرد. ومع تبحره بكثيرٍ من العلوم إلا أنه كان الفقيه المتمرس والأصولي المتحرِّز، و الداعيةُ اللبيب، يجمع ولا يفرق، ينمي في الناس روح المحبة والألفة ولا يذكي نارَ الخلاف والفرقة، ولا يمنع هذا من ذكر ما يراه من الصواب وإن اختلفت فيه الألباب، مدعماً ما يراه بالدليل، ولا يجور في الحكم على الغير بنسف ما عنده من الخير، فهو مثال في نهج العدل والوسطية، بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والتقصير، فدِين الله كما ذكر ابن القيم، بين الغالي فيه والجافي عنه، والوادي بين الجبلين، والهدى بين الضلالتين. كان مُبحِراً برِفق غَائِصاً بحذر، يُخرج كنوزاً ثمينة بيُسرٍ وسهوله، يُؤسِّس للطلاب المبتدئين ويُؤنس العلماء المجتهدين. جمع بين العلم والعمل، متجافياً عن التباطئ والكسل، لم يكن يوماً اهتمامه بمظهره أكثر من حرصه على جوهره، لا يصف نفسه بفعلِ خير، ولا ينعت غيره بشرٍ أو ضير، حريصا على وقته موفيا بوعده والتزامه، لم يعلم عنه طلابه أنه تأخَّر في درسٍ أو محاضرة، أو رام بعلمه وتعليمه كسباً أو متاجرة، أوصافه الزكية وأخلاقه الندية لا تعلمها من لسان مقاله وإنما تقرأها في سلوكه ولسان حاله. شيخنا رحمه الله ذاكرةٌ متوقدةٌ وفطنةٌ متوهجة، العدل صفتُه والإنصاف سِمتُه، ورعٌ في الفُتيا زاهدٌ عن الدُّنيا، بعيدٌ عن التكلم في الآخرين مُعرضٌ عن تجريح الأشخاص والهيئات من المسلمين. مـكارمٌ منك إن دلـفت إلـينــــا    صروفُ الدهر فهي لنا قِلاعُ خلالُ النُبلِ في أهلِ المعالي    مُفرَّقةٌ وأنت لــــــــها جِماعُ ترجمتي لشيخي وإن كانت قاصرة إلا أني أرجو بها الله والدار الآخرة، وما ذِكْرُ القصصِ في القرآن إلا للتأسي والاعتبار، فكذلك ذكر أحوال الأخيار من الدعاة والعلماء الأعلام، يكون لتقويم الاعوجاج، وتصحيح المسار، وشد الهمة، والفواق من الغفلة، وغيرها مما يكون به النفع والتذكار. كتبتها على عجلٍ موجزة مختصرة، على أمل إتمامها مع مزيدٍ من التدليل والتمثيل بمشيئة العلي الجليل، رجاء أن تكون حافزاً لطلابه من مشايخي الأجلاء وزملائي النبلاء أن يكتبوا عن صفاته وسماته، وعلمه وتعليمه، ففيهم من هو أكثر مني عِلماً وأجل قدراً وأولى بهذا المقام، إلاَّ أنه حين أكرمني بعلمه وتعليمه أردت بها بِرَّ من علّمني وشكرَ من أكرمني: ما الفضلُ إِلا لأهلِ العلمِ إِنهمُ       على الهُدى لمن استهدى أدِلَّاءُ فــقمْ بعلمٍ ولا تـطلبْ به بـدلاً    فالناسُ مَوْتى وأهـلُ العلمِ أحيـــاءُ غفر الله لنا وله ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنه سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات. كتبه د. مرفق ناجي مصلح ياسين الأربعاء 28/ 3/ 1435هـ- 29/1/2014م.
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
http://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
http://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=254