المؤلفات --> البحوث الفقهية
حكم الإِضْرَاب في الشريعة الاسلامية
حكم الإِضْرَاب في الشريعة الاسلامية بحث القاه الشيخ عبدالكريم زيدان ارتجالا وقام بنقله كتابة تلميذه الدكتور أحمد بن محمد بن إسماعيل الجهمي المصباحي بتأريخ 9/3/1424هـ المصادف 10/3/2003م . نُشر هذا البحث مع مجموعة اخرى في كتاب بعنوان "مجموعة بحوث فقهية معاصرة" عام 2011 ضمن مجموعة كثيرة من البحوث حول قضايا يعيشها المسلم في الوقت الحاضر. المقصود بالإِضْرَاب: أن يمتنع فرد أو جماعة عن فعل معين لتحقيق غرض معين و توضيح ذلك أن هذا الفرد أو الجماعة يعتقدون أن هناك مظلمة لم يستطيعوا دفعها أو لم يستجب من له علاقة برفعها وإنصافهم فيلتجئون إلى هذا الطريقة بأن يمتنعوا من فعل فيؤثر امتناعهم على مصالح الآخرين مما يجبر الدولة أو الشركة أو المؤسسة الأهلية على مراعاتهم كما لو أرادوا بإضرابهم هذا زيادة مرتباتهم فيكون الإضراب لدفع أي ضرر. أولاً: الإِضْرَابُ الفردي أن يضرب فرد عن تناول الطعام والشراب لأن إدارة السجن لا تنصفه أو أن الدولة لا تنصفه من جهة ما يستحقه هذا السجين من طعام أو شراب أو لباس أو محل للإقامة والنوم ونحو ذلك أو أن إدارة السجن ترهقه بدنيا أو نفسياً أو تمنع زيارته من قبل أهله وذويه فيتشبث بالإضراب أي بالامتناع عن الأكل والشرب ليحمل المسئولين على الاستجابة لطلباته ورفع المظلمة عنه فهل يجوز له ذلك؟ والجواب : ان للمظلوم أن يتوسل بكل شيء  مباح لدفع مظلمته إلى إدارة السجن أو لمن تتبعهم هذه الإدارة أو بأن يطلب من أهله أن يرسلوا محامياً للدفاع عنه والمطالبة بحقوقه كمواطن سجين، لأنه ليس من عقوبة السجين أن يعامل مثل هذه المعاملة السيئة فيكفيه تقييد حريته والزيادة على عقوبة القانون مخالفة له فلا تجوز. ولكن ما هي المدة التي يستمر بها على هذا الامتناع إذا لم يستجب إلى لطلبه ومطالبته؟  والجواب على ذلك : إذا لم تستجب طلباته الكلامية عن طريق مشروع ورأى التوصل إلى ذلك بالتهديد بالإِضْرَابُ حتى يحمل المسئول عن شئونه إلى رفع هذه المظلمة عنه فله أن يبقى فيها المدة التي لا تؤدي به إلى الهلاك أو الموت لأن فعله هذا يكون من باب إلقاء النفس إلى التهلكة والشرع ينهى عن ذلك ولأن امتناعه يعتبر بمنزلة الانتحار وهو أن يقتل الإنسان نفسه لغير مبرر شرعي، ولا يتسبب بإرهاق روحه لغير مبرر شرعي فلا يجوز إذا أن يستمر في إضرابه إلى هذا الحد فإذا لم يستجب لطلبه ولم ينفع إضرابه وخاف على نفسه الهلاك فعليه أن يضرب عن هذا الهلاك ويستمر في طلباته، وقد يتوسل بهذه الوسيلة المتهم الذي يبقى قيد الحبس أو السجن دون تقديمه إلى المحاكمة وتمضي شهور وهو في هذه الحالة كأن يقضى مدة حكم بها القاضي ولم تجد مطالبته هو بنفسه أو وكيله بالمطالبة بإطلاق سراحه أو إحالته إلى المحكمة فلا يستجاب لطلبه ، وبقاء المتهم مدة طويلة هو نوع من العقاب والمتهم برئ حتى تثبت إدانته والذي يجوز في الشرع إيقافه وحبسه أقل مدة ممكنة إلى أن تنتهي الجهة المسئولة من سماع الموضوع فإذا تعسفت في المدة التي تقتضيها هذه التحقيقات فهذا خلل وظلم من هذه الجهة ويستحق هذا المتهم المطالبة بإطلاق سراحه أو إحالته إلى المحكمة وبالتالي إن لم تستجب له جار التوسل بالإضراب عن الطعام والشراب وما قلناه في شأن السجين نقوله هنا أيضاً. ثانياً: الإِضْرَابُ الجماعي لجماعة الذي لهم مهنة معينة كالتعليم والطب وغيرها ولهؤلاء مشكلة مع مؤسستهم تتمثل في تقليل أجورهم أو تحميلهم بتكاليف كثيرة ترهقهم كإضافة ساعات كثيرة تأخذ وقت راحتهم ولا ضرورة لها   ولا مكافأة عليها، أو أن أصحاب الحرفة كأصحاب الأجرة، فتضع الدولة عليهم أجوراً باهظة أو مثل هذا, فهنا توجد هذه العناصر: 1) جماعة لهم مهنة معينة. 2) يتعلق بالمهنة مصلحة عامة. 3) هذه الإِضْرَابُ إجبار للجهة التي ينتسبون إليها لتعطيهم مطالبهم. 4) يتعاهدون على الاستمرار بهذا الإضراب حتى تجاب طلباتهم. 5) اعتقادهم أنهم محقون في مطالبتهم وتنكره عليهم الجهة التي ينتسبون إليها والظلم ممنوع، ورفعه مطلوب، وقد عجزوا عن التوسل بإجابة طلباتهم. والحكم الشرعي: أن الإسلام لا يقر الظلم والظالمين ويأمر بالعدل حتى مع الكافر قال تعالى: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [ سورة: المائدة- آية 8]، بل أمر الإسلام بالعدل حتى مع الظالم لأن ظلم الظالم يجعل المظلوم ظالماً قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [سورة الشورى- آية40]، ورفع الظلم يكون بالوسائل الشرعية التي تبدأ بمراجعة أهل الشأن أي أصحاب هذه العلاقة بهذه الجماعة والشرح لها بوجهة نظرهم وحقهم المهجور والمظلمة التي هم فيها فإن استجابت واعترفت بالحق أو اقتنعت بخطئهم وعدم ظلمهم ينتهي الأمر وإن لم تحصل الاستجابة من هذه الجماعة ولا من ينتمي إليها فسيكون الرجوع إلى القضاء لأن ولاية القاضي تسرى على الدولة والخليفة والجميع وحكم القاضي نافذ بعد سماع حجج الطرفين وعلى الجميع الرضا بحكم القضاء من المحاكم إلى السلطة التنفيذية، فإذا استنفذوا هذه الطرق كلها فأما أن يقبلوا بما آل إليه أمرهم، وأما أن يضربوا. وهاهنا مسائل تحتاج إلى بيان: أولاً: حق العمل حق شخصي تعترف به الشريعة وللشخص ترك العمل دائماً أو مؤقتاً ولا إجبار على أحد أن يمتهن مهنة معينة أو يستمر عليها ويقتضي مراعاة هذا الحق السماح للجماعة بالإضراب، فإن أضربت الجماعة فكل فرد استعمل ما هو حق له. ثانياً: الحقوق في الشريعة الإسلامية مقيدة بعدم الإضرار بالغير وحق الغير في السلامة من الإضرار فللغير أن يسير بسيارته في الطريق شرط عدم الإضرار . ثالثاً: والقاعدة أن الضرر يزال، ولكن لا يزال بمثله ولا ضرر ولا ضرار والضرر الأشد يتحمل بالضرر الأخف، والضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام . والخلاصة: أن الإِضْرَابُ المتعلق بالحق العام لا يجوز لهم مجتمعين، ويجوز لهم متفردين كما لو أضرب طبيب من نقابة الأطباء فلا يترتب عليه ضرر للآخرين، أما الاتفاق على إضراب جماعة معينة فهو محرم ولو رفعت مظلمتها إلى جهة القضاء فلم ينفذ طلبها والأصل أن القضاء محايد وقد تكون الجماعة طالبة ما ليس لها بحق وحكم القاضي يرفع الخصام والخلاف وعلى الجماعة الالتزام بحكم القاضي، فإن لم تفعل ذلك وكان الناس في حاجة إلى ذلك فلولي الأمر أن يجبرهم على العمل ولا سيبل إلى رفع الضرر إلا بإجبارهم، وإن كان عملهم شعبياً فيجبرون على العمل أيضاً، وهو الذي يتبين لنا في حكم هذه المسألة مع تأكيدنا أن على الجهات أن تكون منصفة وتنظر إلى طلباتهم بالإنصاف بالعدل والفضل والمقصود بالفضل أن تعطي الشخص حقه وزيادة وحيث أن إضرابهم فيه شبه حق فينبغي تلبية طلباتهم أو جزءاً منها لاسيما إن كانت دولة ولا يضرهم إعطاؤهم فوق حقهم فهم أبناء الدولة ومن حسن السياسة تلبية طلبات أمثال هؤلاء وإبقاء العلاقة طيبة وهم كأجراء لا بد من مراعاتهم وترك استغلال حاجاتهم, وغالب الموظفين لولا الحاجة لما توظفوا وكذا الشركات الضخمة لا تتشدد مع هؤلاء البسطاء الذين تربح بعملهم ويرتد نفع ذلك على المؤسسات حيث يخلص العامل فيكون النفع للشركات وبغير هذا سيفوت العامل فوائد على الشركة ولا تستطيع الشركة مراقبته مراقبة دائمة. والخلاصة كما يلي: الإِضْرَابُ الجماعي من أصحاب حرفة متعلق بها نفع عام لا يجوز ويدفع الضرر العام بتحمل بالضرر الخاص. المطالبة بحقوقهم بالوسائل الشرعية كمخاطبة القائمين فإن لم يستجب لهم عملوا وإن لم يعملوا أجبروا كما في الطرق الحكيمة لابن القيم (وإذا كان الناس في حاجة لصناعة معينة أجبرهم ولي الأمر بأجرة المثل)  أي إذا امتنعوا ولو لم يمتنعوا لما أجبرهم فلولي الأمر صلاحية إلزامهم على العمل ولا يخالف هذا حرية العمل ولا يصح للدولة استعمال التعسف في سلطتها بل تعاملهم بالفضل الذي هو أعلى من العدل. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين,  والحمد لله رب العالمين. الدكتور عبدالكريم زيدان
[2][1] الطرق الحكمية ، ج1/ 367
تجد هذه الصفحة في موقع الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان (الموقع الرسمي للشيخ عبدالكريم زيدان)
http://drzedan.com
الارتباط إلى هذه الصفحة
http://drzedan.com/content.php?lng=arabic&id=193