نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
كلمة سماحة العلامة القرضاوي في تأبين العلامة الشيخ عبد الكريم زيدان
بسم الله الرحمن الرحيم
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
بلغنا يوم الاثنين 26 ربيع الأول 1435هـ الموافق 27يناير/كانون اول 2014م نبأ وفاة أخينا العلامة الشيخ عبد الكريم زيدان، ولا يسعنا في هذا الموقف الجلل، إلا أن نترحم على أخينا وحبيبنا وشيخنا وإمامنا عبد الكريم زيدان، نسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر له ويرحمه ويجزيه خير ما يجزي به العلماء الربانيين، والأئمة الصادقين الذين يعملون من أجل دينهم وأمتهم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا به في جنة الفردوس أجمعين.
وإن من فضل الله تعالى أنه يرحم الناس بالعلماء أحياء وأمواتا، فعبد الكريم زيدان رحم الله به تعالى الناس حيا، ورحم الله به الناس حال موته، رحم الله به الناس في بلاد كثيرة؛ في العراق، وفي البلاد حول العراق، وانتهى به الأمر في اليمن، فعمل فيها أستاذا للفقه وأصوله في جامعه صنعاء، وكان من أهم رواد الفقه الاسلامي في عالمنا الاسلامي والعربي . هذا الرجل ليس رجلا عاديا، خسرنا به رجلا، كما يقولون فقدنا رجلا والرجال قليل، وحقيقة الرجال قليل، كما قال السّموأل بن عادياء:
تُعيـرنا أنا قليـل عديـدنا فقلت لها إن الكرام قليل
وَمَا ضرنا أَنا قليلٌ وجارنا عزيزٌ وجار الْأَكْثَرين ذليل
كان عبد الكريم زيدان رجلا، وكان أيضا عالما، ليس كل الرجال علماء، العلماء من الرجال قليلون، ما معنى عالم؟ يعني يعلم أشياء ويتخصص فيها، يعرفها من جذورها، يعرف ظاهرها وباطنها، ويعرف كُليها وجزئيها، ويعرف مقاصدها وظواهرها، وهكذا كان عبد الكريم زيدان عالمًا بفقه الشريعة، بل أحد العلماء القليلين في هذه الدنيا، الناس كثيرون والعلماء قليلون.
نشاطه ودوره الدعوي
عبد الكريم زيدان ورث العلم العراقي بعد أن رحل عن الدنيا الشيخ أمجد الزهاوي علامة العراق، وهاجر منها الشيخ الصواف، والشيخ أمجد الزهاوي كان من الذين يُؤلفون الرجال ولا يُؤلفون الكتب، ولكن عبد الكريم زيدان كان ممن جمع بين الأمرين، كما كان الشيخ حسن البنا.
انتمى إلى دعوة الإخوان المسلمين في مطلع الخمسينات من القرن الماضي التي أسسها في العراق الأستاذ محمد محمود الصواف.
وكان يكتب وينشر مقالاته في مجلة "الأخوة الإسلامية"، في فترة الخمسينيات.
كان الرجل الأول المسئول عن دعوة الإخوان المسلمين في العراق، بعد أن رحل الشيخ الصواف منها، وأجمع الإخوان على اختياره مراقبا عاما لهم، وظل يقودهم ويفقههم ويربيهم حسب الأصول الشرعية، وله في ذلك كتابات ودراسات.
عبد الكريم كان أحد علماء الأمة، هو عالم ولكنه تميز في العلم بالفقه، ليس كل العلماء فقهاء، الفقهاء من العلماء قليلون جدا، كثير من العلماء خطباء، يخطبون ويهزون المنابر، ويجمعون الناس بالألوف، ولكن من ناحية الفقه لا تجدهم فقهاء، ولكن عبد الكريم زيدان كان أحد الرجال القليلين في علم الفقه، وقد بدأ ذلك بكتابه الشهير "أحكام الذميين والمستأمنين في الإسلام" رسالته لنيل الدكتوراه من جامعة القاهرة، التي شهد له أساتذتها بالعلم، وناقشهم وناقشوه، وعرفه الناس أول ما عرفوه بهذا الكتاب الذي أثبت أصالته العلمية، ثم بدأ يكتب في أمور أخرى في أصول الفقه والفقهيات، ألف في فقه المرأة كتابه الشهير (الْمُفَصَّلُ فِي احكام المرأة وَالْبَيْتَ الْمُسْلِمَ) في أحد عشر مجلدا، وأخذ عليه جائزة الملك فيصل في الفقه، واعترف بعلمه وفقهه كل الناس، اعترف بهذا السعوديون، وهم قلما يعترفون لأحد بالفقه من خارج مذهبهم الحنبلي ومن خارج فكرهم، وهو أول من اختير عضوا في (مجمع الفقه العالمي) الذي يمثل المسلمين في أنحاء العالم، كل بلد يختار منها واحد، ليس من الضروري أن يكون أعلم أهل بلده، عادة يكون ممن يعرفه الناس، وبخاصة المسئولون، لكن عبد الكريم زيدان كان ممن اختاره العلماء، كان أول من اختاره علماء السعودية، وعلماء مجمع الفقه العالمي.
كذلك عرفه علماء اليمن، وعلماء اليمن زيدية وشافعية، اعترفوا بفقهه وقدموه، وحينما انتقل إلى اليمن أصبح الأستاذ الأول الذي يخرج أصحاب الدكتوراه، ويعطيها للشباب من الدول المختلفة، وبعضهم درس عليه بعض الكتب، الشيخ فضل مراد درس عليه كتاب (بدائع الصنائع) في الفقه الحنفي للكاساني.
كان عبد الكريم زيدان -وإن كان حنفيا- يُدرس كل المذاهب، ويوازن بينها ويختار منها ما هو أصح وأرجح في نظره، لذا فقد كان يتبع الدليل ويسير مع الدليل، وهو مع فقهه كان داعية، ليس كل الفقهاء دعاة، فهناك من يتميز في الفقه ومسائله والترجيح بينها، ولكنه لا يستطيع أن يلقى خطبة أو محاضرة أو درسا للعامة.
كان عبد الكريم زيدان أول الدعاة، بل كتب في مجال الدعوة عدة كتب منها (أصول الدعوة)، كلنا تعلمنا من كتاب (أصول الدعوة)، هذا الكتاب علَّمَ المسلمين في العالم.
بعد الدعاة الأوائل: الغزالي، وسيد سابق، والبهي الخولي، وفتحي عثمان، وأمثالهم؛ قام عبد الكريم زيدان، وتتميز كتبه الدعوية بأنها تكتب بلغة الفقيه، يجتمع فيها فقه الداعية ودعوة الفقيه، وله في هذا المجال عدة كتب منها: (سنن الله في الامم والجماعات والافراد)، (المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة)، (الفرد والدولة في الشريعة) وغيرها من الكتب التي ألَّفها عبد الكريم زيدان في الدعوة.
كان عبد الكريم زيدان عالما فقيها وداعية، بل داعية كبيرا، اجتمع عليه أبناء الأمة باختلاف مشاربهم، وتتلمذوا على كتبه وأصبحت كتبه الفقهية والدعوية تُعلم في الجامعات الإسلامية، وأصبحوا يأخذون منها مناهج للتدريس والتعليم.
وهو مع كونه الداعية الأول، كان رجلا مجاهدا صداحا بالحق، فهناك دعاة يخافون أن يتحدثوا عن الجهاد، أن يُعلموا الناس الجهاد، فضلا عن أن يجاهدوا بأنفسهم.
كان رحمه الله حريصا على المقاومة، ويربي الناس على المقاومة، كان رحمه الله مجاهدا، جاهد في العراق أول ما جاهد، وجاهد من أجل فلسطين، وجاهد في اليمن، وظل في اليمن مجاهدا يحمل راية الجهاد.
وأهم ما يحمله من راية الجهاد ليس حمل السيف بل الصدع بالحق، بعض الناس يظن أن أهم شيء في الجهاد السلاح، لا، النبي ﷺ يقول: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". أفضل أنواع الجهاد، وأعلى مراتب الجهاد هو أن تحمل كلمة حق عند سلطان جائر، أنا لم يتح لي أن أذهب للجهاد، وكنت أود أن أذهب للجهاد، لكني لم أترك جهاد الكلمة، الذي قدمه رسول الله ﷺ إذا صدق صاحبه فيه - على جهاد السلاح؛ لأن جهاد السلاح يقاوم الفساد في الداخل، بينما جهاد السلاح يقاوم الغزو من الخارج، ولا بد من علاج الداخل قبل الخارج.
وعلمنا النبي ﷺ بقوله: "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله". أن المجاهد بالكلمة قريب المسافة من سيد الشهداء.
كان عبد الكريم زيدان له طلاب في كل مكان يربيهم على الجهاد، ويفقههم في الجهاد، ليكونوا هم الذين يقودون جهاد الأمة في بلدانهم وأقاليمهم.
التقيتُ عبد الكريم زيدان في لبنان، لعله أول لقاء جمعني به، وأهديت له كتابي (فقه الزكاة) وأهداني بعض كتبه، وكتبت على الكتاب إهداء، ولكنه كان يخشى أن يعرف النظام العراقي من لقيه من هذا الإهداء، وقلت له ربنا يسلم.
والتقيته في قطر عدة مرات، كان يشكو عينيه، فكان يأتي لطبيب ألماني كان يعالجني في قطر، واتفق معه ليقابله هنا ويعالجه، والتقيته في السعودية في لقاء مجمع الفقه الإسلامي، ومجمع رابطة العالم الإسلامي، وكان له الرأي المسموع المحترم، والتقيته عدة مرات في اليمن.
وكان رحمه الله كثير الاتصال بي يطلب مني أن أقول كذا في بعض المواضيع، خصوصا فيما يتعلق بالعراق، مع كونه بعيدا عن العراق، كُتِب عليه هذا، غادر العراق ولم يعد إليه، لكنه كان مشغولا به، ويتابع كل ما يحدث فيه.
كان فوق التسعين لكنه كان شابا في روحه وعزيمته، كان يعمل بكل ما يستطيع في كل مجال لخدمة الإسلام، كان من الرجال القلائل الذين جمعوا بين الرجولة والعلم والفقه والدعوة والجهاد، كان ربانيا إنسانيا أخلاقيا عالميا، له أثره في كل من عرفه، ومن لم يلقه تأثر بكتبه أو بعض كتبه، ومن لم يقرأ منه قرأ لتلاميذه الكثر.
توفي شيخنا الامام الكبير في يوم الاثنين الموافق 26 ربيع الاول 1435هـ ليفقد العراق والعالم الاسلامي .. واحداً من أكبر العلماء في الأصول والفقه.
نسأل الله تعالى أن يرحم هذا الفقيد الجليل الذي فقدته أمتنا، والأمة في هذا العصر إذا فقدت رجلا قلَّ أن تعوض مثله، الذي يذهب قلما يوجد مثله، عبد الكريم زيدان قلما يوجد مثله، نحن فقدنا رجلا والرجال قليل.
النبي ﷺ قال في الحديث المتفق عليه: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا، ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالًا، فسُئِلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".
هؤلاء العلماء الذين يحفظون على الأمة دينها وعقيدتها، وقيمها وأخلاقها، إذا ذهب العلماء ذهبت الأمة، النبي ﷺ قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله , ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين".
إني والله لحزين على رحيل أخي وحبيبي وأستاذي الشيخ عبد الكريم زيدان، أحد رجالات العراق، ورجالات العراق معروفون، قل أن يوجد مثلهم، بل هو أحد رجالات الإسلام، إذا أردنا أن نحدد رجالات الإسلام، رجالات العلم والدعوة والجهاد والربانية الصادقة، فهو على رأسهم، هو فقيد الأمة، فقدته الأمة كلها.
أسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته وأن يسكنه فسيح جنته، وأن يسكنه الفردوس الأعلى، وأن يجزيه خير ما يجزي به العلماء العاملين، والأئمة الصادقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار، وأن يبارك في تلاميذه وفي بلده وإخوانه، وفي كل بلد وطئته قدماه من بلاد الإسلام.
(رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) , ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ, وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ).
يوسف القرضاوي
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
8 ربيع الآخر 1435هـ الموافق 8 فبراير 2014م
نشرت بتاريخ: 2018-05-06 (5834 قراءة)